عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 21-03-2024, 05:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,871
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري

شرح كتاب التفسير من مختصر صحيح مسلم للمنذري(18)

من قبائح الجاهلية

اعداد: الفرقان


الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا. والحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا. والحمد لله الذي جعل كتابه موعظة وشفاء لما في الصدور، وهدى ورحمة ونورا للمؤمنين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، [ وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
2139. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَهِيَ عُرْيَانَةٌ، فَتَقُولُ: مَنْ يُعِيرُنِي تِطْوَافًا، تَجْعَلُهُ عَلَى فَرْجِهَا وَتَقُولُ: الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ، فَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}.
الشرح: هذا الحديث في سورة الأعراف، وقد رواه مسلم في التفسير، وهو عن الحبر ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تبارك وتعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف: 31).
يقول ابن عباس: « كانت المرأة تطوف بالبيت وهي عريانه».
وفي رواية لمسلم عن ابن عباس: « أن الرجال كانوا يطوفون بالبيت عراة نهارا، وكانت النساء تطوف بالبيت عراة ليلا طلبا للستر « أي: طلبا للتستر عن أعين الناس؟
فتقول: «من يعيرني تطوافا» التطواف هو الثوب الذي يطاف به، أي: لكي تستر به عورتها أثناء الطواف.
وهذا الفعل المنكر الذي زيّنه الشيطان الرجيم لأهل الجاهلية، وهو أنه زيّن لهم الطواف بالبيت الحرام بمكة عراة؟! إذا جاؤوا مكة للعمرة، يرمون ثيابهم التي يزعمون أنهم عصوا الله تعالى فيها، ويتركونها ملقاة على الأرض، ولا يأخذونها بعد ذلك أبدا، بل تُداس بالأرجل حتى تبلى وتتمزق، ويسمونه: الإلقاء أو اللقى، حتى جاء الإسلام، وحرم الله ذلك، ومنع النبي [ المشركين أن يطوفوا بالبيت عراة، وأمر بستر العورة، وذلك لما أرسل أبا بكر رضي الله عنه، وأردفه بعلي ]، أن يؤذّنا في الموسم: « ألّا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان». رواه البخاري (369) ومسلم في الحج (4/982) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وكان أهل الجاهلية ينسبون هذا الفعل القبيح إلى آبائهم وإلى الله تعالى؟! قال سبحانه: {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا} (الأعراف: 28).
فقوله: {وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً} الفاحشة هنا: هي الطواف بالبيت عراة، وهذا من أبشع ما يتصور!! أن يتعرّى الإنسان عند بيت الله الحرام، في المسجد العتيق المبارك؟! الذي أمر الله من بناه وهو خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بتطهيره، فقال: {وطهّر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود} (الحج: 26).
فقوله: {وطهر بيتي} أي: من الشرك والمعاصي، ومن النجاسات والأقذار، الحسية والمعنوية، وأضافه إلى نفسه فقال: {بيتي} تشريفا وتعظيما، فتعظم محبته في القلوب.
فانظر كيف استدرج الشيطان أهل الجاهلية، وجعلهم ينحطون إلى مثل هذه الحالة المزرية القبيحة، بما سوّل لهم وزين من القبيح، وإظهاره بصورة التعبد والتبرر، وهذا من قلب الحقائق، وعكس المفاهيم، وعدو الله بارع في مثل هذه الأحوال، حيث يقلب الحق باطلا، والباطل حقا، والحسن قبيحا والعكس، ويأتي الناس من باب العبادات، فيشرع لهم ما لم ينزل به الله سلطانا، فقال للمشركين: هذه ثياب عصيتم الله فيها، فكيف تطوفون بها ببيت الله الحرام؟! بل نزهوا بيت الله الحرام عن الطواف بهذه الثياب المليئة بالذنوب؟! فألقوها عنكم، وحرموا ما أحل الله اتباعا للشيطان؟! فكان أحدهم إذا جاء إلى مكة، ووجد من يُعيره ثوباً يطوف به فعل، وإلا ألقى ثيابه، وطاف بالبيت عريانا بغير ثياب؟؟!
وهذا إذا كان لم يقدر على شراء ثوب جديد يطوف به.
والأقبح من ذلك أنهم ادعوا أن آباءهم كانوا على ذلك؟! ثم نسبوا هذا الفعل الشنيع لله عز وجل ولشرعه، فقال الله تعالى عنهم {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها} فهؤلاء الذين لا يؤمنون بالله الذين اتبعوا الشيطان، يزعمون أن الذي أمرهم بذلك هو الله؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا! فرد الله عليهم هذا الزعم الباطل فقال: {قل إن الله لا يأمر بالفحشاء} قال ابن جرير: أي: قل لهم يا محمد: الله لا يأمر خلقه بقبائح الأفعال ومساويها، ثم قال: {أتقولون على الله ما لا تعلمون} أتروون على الله أنه أمركم بالتعري؟! والتجرد من الثياب واللباس للطواف؟! وأنتم لا تعلمون أنه أمركم بذلك؟
ثم قال الله تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين} أي: قل لهؤلاء الذين يزعمون أن الله أمرهم بالفحشاء كذبا على الله: إن الله إنما يأمر بالقسط، أي: بالعدل، وأن تجعلوا سجودكم لله خالصا، دون ما سواه من الآلهة الباطلة.
وقد قال الله سبحانه وتعالى محذرا قبل هذه الآية: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا} (الأعراف: 27).
فقوله: {لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} أي لا يخدعنكم الشيطان، ويوقعكم في الفتنة والبلاء العظيم، ويصدكم عن سبيل الله تعالى، كما فعل مع أبويكم، بمكره وحيلته، حيث زين لآدم وزوجه الأكل من الشجرة التي نهاهم الله عنها، فلما أكلا من الشجرة، بدت لهما سوءاتهما، وطارت عنهم ثيابهما، وما كان يسترهما من الستر، قيل: كان نورا، فظهرت لهما السوءة؛ فلهذا حذر الله من هذا المكر الشيطاني وقال: {لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ} وأنزل تبارك وتعالى بعدها {يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس: كانوا يطوفون بالبيت عراة، فأمرهم الله أن يلبسوا ثيابهم ولا يتعروا. رواه ابن جرير (14507 ).
وقوله: {عند كل مسجد} يعني: عند كل صلاة، فرضا كانت أو نفلا، فيجب على المصلي أن يأخذ زينته للصلاة.
والزينة: قال أهل التفسير: هي اللباس الذي يستر العورة، فيجب على الإنسان إذا أراد أن يصلي أن يستر عورته، فهذا واجب كما قلنا في الصلوات كلها بلا خلاف بين المسلمين.
وقال بعض أهل التفسير: قوله {خذوا زينتكم} المقصود به ما هو زائد على مجرد الثياب، فهو ما يتزين به الإنسان زيادة على ثيابه، يعني الزينة التي تكون فوق الثياب التي يستر بها عورته ، كالعمامة والعباءة، وكذا الطيب، والتنظّف ما استطاع، والسواك، ولاسيما في الصلوات التي يجتمع لها المسلمون كصلاة الجمعة والعيدين؛ فإن هذا مما يزداد سنيته واستحبابه، والنبي [ حث على ذلك: «ومن أتى الجمعة فليغتسل يمس من طيبه ومن طيب أهله» ويتسوك فيأخذ زينته عند كل صلاة، فهذا مشروع وشي محبوب.
وروى الطبراني: عن تميم الداري ] بسند صحيح: أنه اشترى ثوبا بألف دينار، أو بألف درهم يلبسه للصلاة؛ تجملا بين يدي الله سبحانه وتعالى.
وهذا من تعظيم شعائر الله تعالى، وأمر القيام بين يديه.
لكن هذا لا يعني الإسراف في ذلك، فقد قال سبحانه: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} وقال {ولا تبذر تبذيرا}، وقال: {إن الله لا يحب المسرفين} وغيرها.
فكما أمركم الله سبحانه وتعالى بأخذ الزينة، وخاطبكم بذلك فهذا لا يعني الإسراف في ذلك. وقال [: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا، في غير إسراف ولا مخيلة» رواه أحمد والنسائي وابن ماجة.
ويروى أيضا موقوفا عن ابن عباس أنه قال: كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة.
من غير أن يكون في ذلك مبالغة في الإسراف، ولا مخيلة: يعني خيلاء وفخر وكبر.
وقد حث النبي [ على لباس البياض، فقال [ فيما رواه الإمام أحمد وأهل السنن: «البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم».
وقال أيضا: «البسوا الثياب البيض؛ فإنها أطهر واطيب، وكفنوا موتاكم» رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وابن ماجة – صحيح الجامع.
فهو لباس كان يستحبه النبي [ ويكثر من لبسه.
وستر العورة عند إرادة الصلاة، واجب في كل حال من الأحوال كما ذكرنا، ولو كان الرجل خاليا وحده في بيته، فالصلاة لا تصح إذا صلى الإنسان كاشفا عورته , والمرأة كذلك، وهي كلها عورة في الصلاة إلا الوجه والكفين على الصحيح، كما جاء ذلك في حديث النبي [: « لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار».
وقوله «حائض» يعني: بالغة.
والله تعالى أعلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.08 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.45 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]