عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 27-07-2009, 10:28 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أشكُو إليكَ زَوْجي

كثيرًا ما يهددني بالطلاق،
ويؤلمني ذلك أكثر إذا كان أمام الأولاد
وأخشى أن أعيش معه في الحرام ونحن لا ندري،
وذلك بسبب كثرة التلفظ بالطلاق

من المظاهر المؤسفة والخطيرة في حياتنا الأسرية جَعْلُ الرجل زوجته أداة يمين ليصدقه الناس حين يحلف، وكم من أسرة تشتت شملها بسبب يمين متسرع من الرجل، تطلق زوجته بسببه.
والأخطر من ذلك أن تكون الزوجة طالقًا ويعيش زوجها معها في الحرام، إما لأنه لا يفقه أحكام الطلاق، أو بسبب فتوى جاهل لا يعلم من فقه الطلاق إلا اسمه، لذا فإن التهاون بشأن الطلاق مزلق خطير ونتائجه وخيمة.
ومن مظاهر سوء خلق الرجل: إطلاق العنان للسانه بكثرة الحلف بالطلاق أو تهديد زوجته به بين الحين والآخر، وهذا أيضًا من سوء عشرته لزوجته؛ فهي دائمًا تعيش في قلق تخاف أن تتكلم أو تعمل شيئًا يهددها بسببه بالكلام أو تخشى أن تعيش معه في الحرام وهي لا تدري، فلماذا يجعل الرجل زوجته تعيش في هذا القلق وعدم الاستقرار؟!!
وفي أحيان كثيرة عندما يقع الطلاق، يندم الزوج بعد أن كان يعيش حياة مستقرة ترفرف عليها السعادة والطمأنينة، بسبب نزوة غضب رعناء، أو عندما يعمى بصره، ويطيش بعقله.
وقد يبدأ يبحث عمن يفتيه في إمكانية الرجعة، أو أن الطلاق لم يقع لسبب أو لآخر، ويبدأ في تَلَقُّت الرخص من هنا وهناك، مع أنه كان في غنى عن ذلك من البداية لو أنه اتقى الله تعالى في زوجته، وحكَّم عقله، ولم يجعل للشيطان عليه سبيلاً ويخطئ الرجل كثيرًا عندما يلوك لسانه بلفظ الطلاق كثيرًا لاسيما أمام أولاده، فإما أن يتعلموا منه ذلك الخلق الذميم، أو يحدث عندهم عُقد نفسية من الزواج أو من الرجال بالنسبة للبنات.
ومن النتائج الوخيمة التي تنتج عن كثرة الاستهتار بلفظ الطلاق، وهو وقوعه عند أي موقف غاضب أو مشكلة والطلاق (ليس للتسلية، ولا لتنفيس الغضب، كما يفعل بعض الأزواج الجهلة، الذي يوقع أحدهم "الطلاق" على الزوجة، عند أي خلاف أو غضب، فتثور عصبيته الحمقاء، فلا يرى مهدئًا لها سوى "الطلاق"، أو يريد فرض رأيه على زوجته، وإرغامها على فعل ما يريده، فيحلف عليها يمين الطلاق مُعَلَّقًا، مثل: إن فعلتِ كذا أو ذهبتِ إلى بيت كذا، فأنت طالق.
فهؤلاء أساءوا استعمال حق التطليق، الذي جعله الشرع بيد الزوج، لإزالة عصمة النكاح، عند وجود الحاجة، لا تبعًا للهوى، واستجابة للترفه والجهل والانفعال، وجعلوا من الطلاق وسيلة إرهاب وابتزاز، خلافًا لحكمة الشرع الحنيف، الذي جعل الطلاق علاجًا لمُعضلة الخلاف بين الزوجين، لا سببًا لمعضلات أخرى. وهنا نوصي الأزواج ونذكرهم بتقوى الله عز وجل، وبأن يراعوا حدود الله تعالى فيما شرع من أمر الطلاق، فلا يجعلوا "الطلاق" أُلعوبة على ألسنتهم، أو وسيلة تهديد وإرهاب للزوجة، ولا يتلفظوا بالطلاق، إلا حين الرغبة في التفرق وإنهاء الحياة الزوجية، ويتأكد أن يحصل التطليق ويُسَجَّل في المحاكم الشرعية؛ لأنه أضمن للحقوق، وأحفظ وأثبت)([1]).
وتحت عنوان "كثرة التلويح والتهديد بالطلاق"، يقول الدكتور سعيد عبد العظيم:
"وهذا لون من سوء معاشرة الزوجات؛ فعندما تسمع المرأة كلمة الطلاق على لسان زوجها بلا سبب موجب يهون عليها الأمر، وتستشعر عدم الأمان بل وفي لحظات الطيش والانفعال قد تستفز زوجها وتستثيره لإيقاع الطلاق عليها. الأمر الذي تتخرب بسببه البيوت والأسر ويكون سببًا لضياع الأولاد بسبب الاستهانة بمثل هذه الكلمات التي نرددها في غير موضعها الصحيح.
وقد ذكرنا كيف أن الشيطان يفرح بطلاق وفراق الرجل امرأته بل ويقول لمن آتاه بالخبر من أعوانه أنت أنت.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله فقيل له: يكثر بين الناس عندنا الحلف بالطلاق والحرام فما حكم ذلك؟ فأجاب بقوله: (أما الحلف بالطلاق فهو مكروه لا ينبغي فعله لأنه وسيلة إلى فراق الأهل ـ عند بعض أهل العلم ـ ولأن الطلاق أبغض الحلال إلى الله فينبغي للمسلم حفظ لسانه من ذلك إلا عند الحاجة إلى الطلاق والعزم عليه في غير حال الغضب. والأولى الاكتفاء باليمين بالله سبحانه إذا أحب الإنسان أن يؤكد على أحد من أصحابه أو ضيوفه للنزول عنده للضيافة أو غيرها، أما في حالة الغضب فينبغي له أن يتعوذ بالله من الشيطان، وأن يحفظ لسانه وجوارحه عما لا ينبغي، أما التحريم فلا يجوز سواء كان بصيغة اليمين أو غيرها لقول الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] الآية. ولأدلة أخرى معروفة ولأنه ليس للمسلم أن يحرم ما أحل الله له، أعاذ الله الجميع من نزغات الشيطان")اهـ.
وقال الإمام النووي في شرحه لصحيح مسلم (10/61): وفي قوله صلى الله عليه وسلم ((إن شاء أمسك وإن شاء طلق))؛ دليل على أنه لا إثم في الطلاق بغير سبب لكن يكره للحديث المشهور في سنن أبي داود وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق))([2])، فيكون حديث ابن عمر لبيان أنه ليس بحرام، وهذا الحديث لبيان كراهة التنزيه. قال أصحابنا: للطلاق أربعة أقسام؛ حرام ومكروه وواجب ومندوب، ولا يكون مباحًا مستوى الطرفين.
فأما الواجب: ففي صورتين: وهما في الحكمين إذا بعثهما القاضي عند الشقاق بين الزوجين ورأيا المصلحة في الطلاق وجب عليه الطلاق، وفي المولي إذا مضت عليه أربعة أشهر وطالبت المرأة بحقها فامتنع من الفيئة والطلاق، فالأصح عندنا أنه يجب على القاضي أن يطلق عليه طلقة رجعية.
وأما المكروه: فأن يكون الحال بينهما مستقيمًا فيطلق بلا سبب وعليه يحمل حديث: ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق)).
وأما الحرام: ففي ثلاث صور:
أحدها: في الحيض بلا عوض منها ولا سؤالها.
والثاني: في طهر جامعها فيه قبل بيان الحمل.
والثالث: إذا كان عنده زوجات يقسم لهن وطلق واحدة قبل أن يوفيها قسمها.
وأما المندوب: فهو أن لا تكون المرأة عفيفة أو يخافا أو أحدهما أن لا يقيما حدود الله أو نحو ذلك. والله أعلم.
ولا يصح العبث بهذا اللفظ في أوقات المزاح والمرح؛ فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن طلاق الهازل يقع كما أن نكاحه يصح، لما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وحسنه، والحاكم وصححه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث جِدُّهن جِد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة))([3])، كما يحرم عليه التلاعب بكتاب الله والتطليق بالثلاثة دفعة واحدة وتحتسب طلقة واحدة.
والزواج في شريعتنا ليس زواجًا كاثوليكيًا بحيث يجبر الإنسان على معاشرة من يبغض ويكره، ولا يحدث الطلاق إلا إذا اتهم زوجته بالزنا بهتانًا حتى يجيزوا له فراقها، وفي ذات الوقت يجب علينا أن نتقي الله في هذه الرابطة وهذا الميثاق الغليظ ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾ [النساء: 21]. وهو العهد والزواج بين الرجل والمرأة فلا ينبغي الإخلال بها والتهوين من شأنها. وكل أمر من شأنه أن يوهن ويضعف من هذه الصلة فهو بغيض إلى الإسلام، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من خبب (أفسد) امرأة على زوجها))([4]). وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها (أي لتخلي عصمة أختها من الزواج لتحظى بزوجها ولها أن تتزوج زواجًا آخر) ولتنكح: فإنما لها ما قُدر لها))([5]). وعن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس؛ فحرام عليها رائحة الجنة))([6]).
وأحكام الطلاق موجودة ومفصلة في كتب الفقه، وحالات الطلاق التي تحدث لابد من الرجوع فيها لعلماء الأمة المعتبرين حتى يتم التعرف على اللفظ الذي قيل ونية المطلق وحالته وقت إيقاع الطلاق وهل طلق قبل ذلك أم لا.
فلفظ: "أنت طالق" أو "هي طالق" (صريح في إيقاع الطلاق ولا يفتقر لنية). وتعليق الطلاق على شرط كقول الرجل: "أنت طالق" (لو فعلت أو قلت كذا) مرده لنية القائل؛ فإن قصد به الطلاق كان طلاقًا إذا حدث الشرط وإذا كانت نيته التهديد والوعيد ويشق عليه فراقها ولا ينوي طلاقها (فهذا يمين يكفره كفارة يمين بأن يطعم عشرة مساكين فإن لم يستطع يصوم ثلاثة أيام)، ثم الصيغة الثالثة (عليَّ الطلاق أو الطلاق يلزمني) فهو يمين باتفاق العلماء يكفره كفارة يمين. والكنايات تفتقر لنية مثل قول الرجل: الحقي بأهلك أو أنت حرام عليَّ. والمرأة إذا طلقها زوجها طلقات ثلاثة تَبِين منه بَيْنُونة كبرى ولا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ولا يصح نكاح التحليل فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم المُحَلِّلِ والمحلَّلَ له. وقول الرجل لامرأته: "طالق طالق طالق" لابد من معرفة هل يقصد بتكريره اللفظ تأكيد الطلقة الأولى فتحسب طلقة واحدة، أم أنه يقصد تأسيس طلقة ثانية وثالثة.
وإيقاع الطلاق غالبًا لا ينفك عن الغضب وهذا الغضبان قد لا يتصور ما يقول وبالتالي فلابد من السؤال عن حالته وقت إيقاع الطلاق. يقول ابن تيمية: "حقيقة الإغلاق (يقصد رواية لا طلاق ولا عتاق في إغلاق)([7]) أن يغلق على الرجل قلبه فلا يقصد الكلام أو لا يعلم به كأنه انغلق عليه قصده وإرادته. قال: ويدخل في ذلك طلاق المكره والمجنون ومن زال عقله بسكر أو غضب، وكل ما لا قصد له ولا معرفة له بما قال. والغضب على ثلاثة أقسام:
1ـ ما يزيل العقل فلا يشعر صاحبه بما قال، وهذا لا يقع طلاقًا بلا نزاع.
2ـ ما يكون في مبادئه حيث لا يمنع صاحبه من تصور ما يقول وقصده فهذا يقع طلاقه.
3ـ أن يستحكم ويشتد به فلا يزيل عقله بالكلية ولكنه يحول بينه وبين نيته بحيث يندم على ما فرط منه إذا زاد فهذا محل نظر وعدم الوقوع في هذه الحالة قوي متجه.اهـ. والمحاكم عندنا في مصر تعمل بفتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية في الطلاق)([8]).
وفي الختام ننصح كل مسلم أن يتقي الله تعالى في نفسه أولاً، ثم في أهله، وأن يتعقل عند كل تصرف يريد أن يتصرف فيه لاسيما فيما يتعلق بالطلاق. وليحذر أشد الحذر التساهل في إطلاق الطلاق، وجريانه على اللسان، فإن ذلك أمر خطير، فلا يتعجل في هذه الأمور، وأن يصبر، وينظر في عواقب الأمور من قبل أن يندم.

([1]) أصول المعاشرة الزوجية، القاضي الشيخ محمد أحمد كنعان ص192، 193.

([2]) حديث ضعيف. قال ابن عثيمين رحمه الله: لأنه لا يصح أن نقول حتى بالمعنى "أبغض الحلال إلى الله" لأن ما كان مبغوضًا عند الله فلا يمكن أن يكون حلالاً. الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة (2/647).

([3]) قلت (المؤلف): حسنه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (3027).

([4]) رواه أبو داود والنسائي. قلت (المؤلف): وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (5437).

([5]) قلت (المؤلف): رواه البخاري، وأبو داود.

([6]) رواه أصحاب السنن، وحسنه الترمذي. قلت (المؤلف): وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (2706).

([7]) وقد فسر جمع من أهل العلم منهم الإمام أحمد رحمه الله الإغلاق: بأنه الإكراه والغصب. الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة (2/648).

([8]) وعاشروهن بالمعروف ص68ـ 72.


رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.14 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.32%)]