عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-01-2021, 09:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد سورة النور

مقاصد سورة النور


أحمد الجوهري عبد الجواد




نور البيان في مقاصد سور القرآن
"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".

(24) سورة النور

الحمد لله رب العالمين، هو نور الأكوان ومُنزِّل القرآن وهادي الإنسان إلى سواء السبيل، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو نور السموات والأرض، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وصفوته من خلقه وخليله، هو النعمة المسداة، والسراج المنير الذي أنار للأمة طريق حياتها بهدي ربها، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى أمانته، ونصح للأمة، وكشفت الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات ربنا وتسليماته على هذا النبي الكريم، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وصلي علينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد..

أيها الإخوة المسلمون الكرام، فهذا لقاؤنا مع سورة النور عبر سلسلة الحديث عن مقاصد سور القرآن الكريم، وسورة النور هكذا سماها ربنا سبحانه وتعالى بهذا الاسم الجميل[1]، بهذا الاسم المشعّ، سورة النور، والنور شيءٌ محببٌ إلى كل نفس، والنور حياة، والنور أمل، هذه سورة النور سمَّاها الله كما سمى غيرها من سور القرآن الكريم، وذلك لما فيها من أحكامٍ اجتماعيةٍ عظيمة تنير حياة الناس وتشع على واقعهم بأضواء تميز لهم بين الخير والشر، والحق والباطل، والنفع والضر، وذلك هو المُشار إليه في قول الله تعالى في خلال آيات السورة ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ.

هذا حول اسم السورة، فاسم السورة يشير إلى ما فيها، أما توقيت نزولها فكان نزولها بعد الهجرة، واقترب بعض العلماء من زمانها بالتحديد فقالوا: نزلت في غضون السنة الخامسة من الهجرة، كانت في هذه الحدود من العهد المدني[2]، ولذلك – أي لأنها سورةٌ مدنية – فإنها اشتملت على أحكامٍ وعلى حدودٍ وعلى آدابٍ وتشريعات لا تقوم إلا على العقيدة الصحيحة التي انبنت في العهد المكي قبل ذلك، ففيها آدابٌ اجتماعيةٌ عظيمة لا تستغني المجتمعات السليمة عنها، وذُكر في فضلها أنها سورةٌ فاضلةٌ جدّاً، ثبت ذلك بالقرآن ورُوي شيءٌ من ذلك في الأثر[3]؛ أما القرآن فإن الله تعالى خص هذه السورة من بين مائة وأربع عشرة سورة بوصفٍ هو ثابتٌ لكل السور فقال {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، كل سورة كذلك، الله تعالى أنزلها وفرض أحكامها وأنزل فيها آياتٍ بيِّنات من آيات العقيدة والإيمان لعل الناس يتذكرون، فهذا الوصف ثابتٌ لكل السور، وحين يُطلق خاصةً على هذه السورة كأن الله تعالى قال هذه سورةٌ أنزلناها وفرضناها، وفي قراءةٍ سورةً بالنصب، كأن الله يقول: تلقوا، أو خذوا، أو أوحينا إليكم سورةً أنزلناها وفرضناها، فهذا في البلاغة في اللغة العربية يقال له: تخصيص الشيء بعد ذكره في العموم، يُذكر في عمومه أولاً ثم يُذكر ذكراً خاصّاً وحده، كما قال الله عن جبريل كثيراً في القرآن من مثل قوله تعالى: ﴿ تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا ﴾، ﴿ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، ﴿ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا ﴾ وهكذا، الملائكة كلها أرواح، كل ملك روح، والملائكة كلمةٌ تشمل جميع الملائكة بما فيهم جبريل عليه السلام، فيخص الله جبريل بعد ذكره ضمن الملائكة يخصه بالذكر ويخصه بكلمة روح ﴿ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، وكما نسمع في الاحتفالات يحضر هذا الحفل حشدٌ كبير من الساسة ورجال العلم ورجال كذا، وفيهم فلان الفلاني، لماذا فلان الفلاني هذا له صفةٌ خاصة بعد أن ذُكر ضمن الجمع الكبير والحشد العظيم من رجال كذا ورجال كذا، خُصَّ بالذكر لبروزه بينهم، لأنه رمزٌ خاص.

إذاً هذه السورة رمزٌ بين سور القرآن، فلقد خصها الله تعالى بوصفٍ عام لكل سورة، ولم يقل في أية سورةٌ أخرى ما قاله في شأن سورة النور ﴿ سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، رُوي عن مجاهد إمام من أئمة التابعين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "علموا رجالكم سورة المائدة، وعلموا نساءكم سورة النور"[4]، كما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه أوصى – وخاصةً للنساء – بتعلم سورة النساء "تعلموا سورة النساء والأحزاب والنور"[5]، فعلاً هي سورةٌ جديرةٌ بالتعلم والقراءة والحفظ والتفسير، وأن نعرف معانيها وأحكامها لأنه لا غنى لنا عنها.

هذا حول فضل السورة، أما موضوعاتها التي قدمتها لنا وحملتها في أحشائها، فهي موضوعاتٌ جليلة كلها تقريباً تقوم حول أو تقوم على صيانة العرض ووسائل حفظها، صيانة الأعراض ووسائل حفظها، تقوم على هذا الأساس وتدور حول هذا المحور وتعلمون أحبتي الكرام خطورة الأعراض، فالأعراض كالزجاج أقل ضربةٍ فيها إن لم تكسرها تخدشها وتشرخها، والزجاج إلى حدث فيه شدخٌ أو شرخ فإنه يبطل استعماله غالباً، ومريم عليها رحمة الله حين ظهر حملها وأجاءها المخاض وسيظهر ولدها على يديها وسيراها قومها، وهؤلاء يهود أوصافهم معروفة وقبحهم ظاهر، يا ترى ماذا سيقولون عني، ساعتها وساعة أن تخيلت أن عرضها سيقال عنه كذا وكذا ﴿ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾، فالموت أرحم ونسيان الذكر أرحم من أن تعيش المرأة وعليها كلمةٌ شائنة، من أن يكون هناك عرضٌ وعليه شائعة ولو كاذبة، فالموت أحسن من ذلك ﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فلا كانت مريم ولا كان حملها ولا كنت أريد كل هذا، لو كنت نسياً منسياً أي لم أكن شيئاً يُذكر في هذه الدنيا لكان خيراً لي من أن أواجه قوماً بهتاً مفترين كاليهود بولدٍ ليس له أب، يا ويلي ماذا سيقال لي، وفعلاً حين قابلوها ولقوها ﴿ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ وما صبَّرها إلا أن الله بشرها بأنه سيدافع عنها ﴿ فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا ﴾، لا تكلمي القوم ونحن سنجيبهم، وأجابهم الله على لسان عيسى عليه السلام وهو وليدٌ صغير ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا.

فالعرض أحبتي الكرام شيءٌ عظيم، شيءٌ خطير، شيءٌ غالٍ جداً تهون الحياة في سبيل الحفاظ عليه، نسأل الله أن يحفظ أعراضنا جميعاً، ولذلك ذكر الله في صفات المؤمنين كما جاء في السورة السابقة ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾، وتكررت الآيات ذاتها هي هي في سورة المعارج بعد ذلك أيضاً مرةً أخرى، والدين جاء يحفظ أموراً سماها العلماء بالكليات الخمس، يعني أمور جامعة أساسٌ في الحياة لا تقوم الحياة بغيرها، منها العرض والحفاظ عليه، هذه السورة تركز على هذه النقطة وتدور حول هذا المحور الخطير بعدة موضوعات؛ أولاً جرَّم الله الاعتداء على الأعراض اعتداءً فعلياً عملياً أو قولياً، وغرَّم ذلك الاعتداء، جرَّمه أي جعله جريمة سواءٌ كان هذا الاعتداء على الأعراض بالزنا أو بالقذف بالكلمة، أن يتهم إنسانٌ عرضاً من الأعراض بأنه وقع في زنا، هذا اسمه قذف، جعل الله الاثنتين كبيرتين هذه كبيرة وتلك كبيرةٌ أيضاً، وغرَّم فاعلها فالزاني – حسب ما ذُكر في هذه السورة – هو الزاني غير المحصن الذي لم يسبق له أي زواج، لم يذق الحلال أبداً في هذا المجال، فهذا اسمه غير مُحصن، يُجلد مائة جلدة ويغرَّب الشاب سنةً كاملة، يُقصى عن بلاده وأهله وعشيرته ويقضي سنةً في مكانٍ قفرٍ، في مكانٍ موحش في غربةٍ فيها الكربة والألم، أما البنت بتجلد مائة جلدةٍ فقط ولا تغرب، ومن اعتدى على الأعراض أو عرض منها بكلمةٍ قاذفة فإنه يُجلد ثمانين جلدة وتُرد شهادته بين المؤمنين ولا تُقبل كلمته، فلقد اتهم عرضاً بكذب فلا يؤتمن أن يكذب مرةً أخرى، ومن كذب في الأعراض يكذب فيما دونها، يكذب في الأموال وبقية الأحوال، لأن كذبه على الأعراض أخطر، وتُرد شهادته ويصير بين الناس معروفاً بالفسق ﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ﴾ فإنه يرفع عنه هذا الحظر فتقبل شهادته من جديد ويقبله الناس وما عادوا يسمونه فاسقاً إن تاب من جريمته هذه.

ثانياً: السورة ذكرت قصة الإفك وهي قصةٌ تطبيقيةٌ على هذا الحد، اتُهمت فيها السيدة عائشة رضي الله عنها وكانت هي الضحية لنتعلم منها هذا الدرس، رضي الله عنها وأرضاها وجزاها الله عنا خيرا، فقد تكلم المنافقون في عرضها بتقدير الله سبحانه وتعالى، ثم برأها الله تعالى مما قالوا في عشر آياتٍ من هذه السورة ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ... إلى آخر عشر آيات، وفي هذه القصة عبرٌ لا تستغني عنها الأمة الإسلامية لتصون أعراضها من الكلمة الشائعة، ولتحفظ ألسنتها من القول الكاذب الخالي من الدليل، فيها تعليمٌ عظيم لهذه الأمة، في هذه القصة العظيمة[6].

ثم بعد ذلك تمضي الآيات ليشرِّع الله تعالى أدباً جليلاً جداً هو شيءٌ قليل ربما يستهين به الناس ولكنه يوصل إلى هذا الخطر العظيم، شرع أدب الاستئذان ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ﴾ إلى عدة آيات، ثم بعد ذلك أيضاً كما شرع الاستئذان على البيوت من خارجها، يشرع الله تعالى الاستئذان داخل البيوت بين أفراد الأسرة الواحدة في أوقات النوم، يستأذن الواحد على الآخر، الأخ على الأخت والعكس، الأولاد على أبيهم وأمهم، وهكذا يستأذن الأفراد على بعضهم داخل أسرة وبيت واحد ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ ﴾ أي يجب أن يستأذنكم ﴿ لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ﴾، وذكرها الله تعالى أنها ثلاث عورات لأنها أوقات نومٍ والنائم لا يملك أمر نفسه.

استئذانٌ من خارج البيوت عند دخولها في كل وقت، واستئذانٌ داخل البيوت بين أفراد الأسرة الواحدة في ثلاث أوقات فقط ﴿ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ، هذه الأوقات تخلف منها الآن في نومنا وقتان، وبقي وقتٌ واحد وهو من قبل صلاة الفجر، هذا هو الذي ننام فيه، ولكن قد ينام الواحد في وقت آخر من ليل أو نهار، العبرة بالمعنى فيستأذن أفراد الأسرة على بعضهم في أوقات نومنهم أياً كانت، لكن تنظيم اليوم والليلة وتنظيم اليقظة والنوم أجمل تنظيم له على منهج الله عز وجل، أن ينام الإنسان من بعد صلاة العشاء ثم يقوم في منتصف الليل إن كان يصلي أو يقيم بعض الليل، ثم ينام من قبل صلاة الفجر، ثم ينام من الظهيرة ساعة القيلولة، هذا إعجازٌ علميٌ في القرآن الكريم لراحة الجسم وحفظ صحة البدن، فالاستئذان يكون أوقات النوم؛ وذلك لأن من رأى العورة ومن رأى العرض مكشوفاً قد يقع عليه بالزنا وقد يفتري عليه شيئاً آخر، فالبداية هي النظر، ولذلك الله تبارك وتعالى في الموضوع الذي بعد ذلك يأمر المؤمنين والمؤمنات الرجال والنساء بالغض من البصر ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ﴾، وبعدها ﴿ وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ ﴾، وفي المرتين يغضوا من أبصراهم ويحفظوا فروجهم، يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، لماذا جمع بين الأمرين؟ لأن البداية هي النظرة والنهاية هي الوقوع على الفرج بالزنا، الاعتداء على العرض بالزنا، هذه هي البداية وتلك هي النهاية فاحذروا البداية تسلماً للنهاية، فقال ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ﴾، كأن غض البصر يمنع الزنا، من البداية تُغلق الباب أولاً عند بداية الطريق فلا يدخل أحدٌ فلا يصل إلى نهاية الخطر، والله تعالى لا يعذبنا بشرعه ولا يضيق علينا بحلاله وحرامه، فحين أمرنا نحن الرجال – والنساء كذلك – حين أمرنا بالغض من البصر فإنه يتعبنا جداً في هذا التكليف كشف العورات، عن أي شيء تغض عن هذا العورة أو تلك، عن هذه المرأة أو هذه أو هذه، فوق تحت يمين شمال أمام خلف..، في كل مكان عورةٌ مكشوفة، تريد أن تغض بصرك تعذب نفسك، أيريد الله أن يعذبنا؟ لا، نحن لا نريد أن نرى ولكن كثرة المكشوف تصعِّب تطبيق هذا الأمر، ولذلك من رحمة الله ومن حمته وكمال تشريعه أنه أمر بالغض من الأبصار وفي الآية نفسها أمر النساء أن يسترن أنفسهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وفيها رأيان، الرأي الأول أن تغطي المرأة جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين، والرأي الثاني – وهو الأصح – أن تغطي جميع بدنها فجمالها في وجهها، فالرأي مع النقاب أفضل، والدليل مع النقاب أقوى، وغض البصر مع النقاب أسهل على من أراد أن يغض بصره، فحين أمرنا الله بالغض من البصر أمر النساء وأصحاب الزينة أن يسترن زينتهن حتى لا يجد المسلم مشقةً في الغض من البصر، وما أحكم ربنا سبحانه وتعالى[7].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.27 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.31%)]