عرض مشاركة واحدة
  #110  
قديم 30-01-2020, 08:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القدس اسلامية رغم أنف امريكا متابعة لملف القدس وفلسطين المحتلة وكل ما يستجد من اح

متى يسود المسلمون؟





د. إبراهيم إبراهيم هلال




لقد جاء الإسلام على يدِ الرسول صلى الله عليه وسلم فرفع معتنقيه إلى أعلى مكانة وأسمى منزلة، وبوَّأهم قيادة العالَم وسيادته، وحقَّق لهم وعده الذي وعدهم به في كتابه الكريم: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ [النور: 55].

فدانت لهم الجزيرة العربية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبدأت الأقطار والدول العظمى تدخل في دين اللَّه أفواجًا في عهد خلفائه، واستمرت تلك الدفعة التي دفعهم إياها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى وصلت إلى حدود الصين شرقًا، وإلى إسبانيا غربًا، حتى وجدنا تلك السَّعة تُصوَّر في خطاب هارون الرشيد حين كان في مجلس بين حاشيته، وقد مرت عليه سحابة تكاد تمطر، فحدَّث مَن في مجلسه وقال لهم: إن هذه السحابة ستجودنا، ولكنها مرت في طريقها دون أن تمطر في هذا المكان، فقال لها الرشيد: اذهبي حيث شئتِ، فإنك لا بد وأن تنزلي في أرضي، وسيأتي إليَّ خراجُك، وينتفع شعبي بثمراتك.

هذه الدنيا العريضة، وهذه الأقطار العديدة كلها كانت قوة واحدة هي أقوى قوة في العالم في هذا الزمان، وتدين لخليفة أو حاكم واحد بالطاعة والعدل، وتشعر في ذلك بالعزة والسيادة، دستورها الإسلام في تعاملها بين العربي وغير العربي، والمسلم وغير المسلم، والكل في العدل وفي وفرة الأمن سواء.

كان هذا القانون – أو هذا الدين – هو أسلوب تعاملهم في الداخل والخارج، وليس كما تفعل دول حضارة اليوم تعامل أبناءها، تبعًا لميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، وتعامل غير أبنائها بميثاق الوحوش واللصوص والمنافقين، فهم كما قال فيهم أمير الشعراء أحمد شوقي:
حفِظوا حقوقَ الناس في أوطانِهم
إلا أباة الضَّيمِ والضعفاء


ذهبت عنهم العفة، وتجردوا من النخوة، وحُرِموا من عاطفة الإنسانية والشعور بالإخاء نحو الجميع، فصارت أعمالهم تنطق بضد ما يدَّعيه تمدُّنهم.

كانت هذه هي العزة الإسلامية طوال القرون الأولى للإسلام:
فهل كانت هناك أسباب أهَّلتهم للوصول إلى هذا المجد؟


وهل جاءت بعد تلك الأسبابِ أسبابٌ نزعت عنهم ثوب ذلك المجد؟!

نعم، كانت هناك أسباب دفعتهم إلى هذا المجد دفعًا:
أوَّلُها وأهمها: الإسلام بما اشتمل عليه من نظم وأساليب، هي أساليب الحياة الرفيعة الكريمة.

وثانيها: عدم ظهور خطر جيل المنافقين من الفرس أو أبناء حكام وأمراء الفرس، الذين دخلوا في الإسلام، ولم يدخل الإسلامُ قلوبَهم، وانتهازهم فرصة الخلاف على الحكم بين أبناء علي وغيرهم من الأمويين أولاً، والعباسيين ثانيًا، لكي يشوِّهوا في هذه الفرصة معالم العقيدة الإسلامية، عن طريق قولهم في الإمام أو الخليفة، وارتفاعهم بصفاته إلى صفات الملائكة أو الإله سبحانه وتعالى، ثم خلع تلك الصفات على الإمام من آل البيت، والدعوة له بالخلافة، وأنه هو الأحق بها بالنسبة لتلك الصفات المخترعة والخيالية في الوقت نفسه، والتي لا توجد في ذلك الخليفة الأموي أو الخليفة العباسي، وربما خلعوا هذه الصفات على بعض دعاتهم من الفرس، أو رؤساء تلك الدعوات، أو خلعها ذلك الداعي الكبير على نفسه، إشارة إلى أنها انحدرت إليه من الإمام الذي يدعو إليه من آل البيت، وهكذا كان تشيعهم لآل البيت؛ مما دعا آل البيت إلى نقمتهم عليهم، وثورتهم على تلك الصفات التي ألصقوها بهم.

لم تظهر هذه الدعوة المجوسية - أو لم يظهر أثرها - في عصور مجد الإسلام؛ لأن الخلفاء كانوا في غاية اليقظة لهؤلاء، فرأينا مظهرًا لهذه اليقظة مصرع أبي مسلم الخراساني على يد أبي جعفر المنصور العباسي، ولو أن أبا مسلم هذا هو المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، ثم نكبة البرامكة في عهد الرشيد.

وهكذا ظل المجد الإسلامي والحضارة العلمية والإسلامية والشخصية العظيمة لدول الإسلام طول فترة يقظة الخلفاء، وقدرتهم على التمييز بين الأعداء والأصدقاء من أصحاب الأقاليم المفتوحة والبلاد التي لم يتمكن الإسلام من نفوس أصحابها، ثم أخطأ الخليفة في السياسة[1]، فاتخذ من سَعة الإسلام سبيلاً إلى ما كان يظنه خيرًا له، ظن أن الجيش العربي قد يكون عونًا لخليفة عَلوي؛ لأن العَلويين كانوا ألصق ببيت النبي عليه الصلاة والسلام فأراد أن يتخذ لنفسه جيشًا أجنبيًّا من الترك والديلم، وغيرهما من الأمم التي ظن أنه يستعبدها بسلطانه، ويصطنعها بإحسانه، فلا تساعد الخارج عليه، ولا تعين طالب مكانه من الملك، فلم تكن إلا عشيَّة أو ضحاها حتى تغلَّب رؤساء الجند على الخلفاء، واستبدوا بالسلطان دونهم، وصارت الدولة في قبضتهم، ولم يكن لهم ذلك العقل الذي راضه الإسلام، والقلب الذي هذَّبه الدين، بل جاؤوا إلى الإسلام يحملون ألوية الظلم.

كان هذا العامل الذي بدأه الخليفة المعتصم مهيأً للجو تمام التهيئة أمام استفحال ذلك العامل التشيعي المتقدم، فبدأت تلك الدولة الواسعة من الناحية السياسية تنهار، وانفصلت أجزاؤها عنها جزءًا فجزءًا، حتى اقتصرت في النهاية على بغداد وما حولها، وقامت دول متعددة نتيجة لتلك الدعوة التشيعية الغالية، التي من أبرزها دولة القرامطة والدولة الفاطمية، وكلها كانت دويلات لا دولاً؛ إذ في عهدهم بدأ الغزو الأوروبي الاستعماري ينزل في بلاد الشرق الأوسط في بيت المقدس وما حولها، باسم الصليب وادعاء تأمين بيت المقدس أو الطريق إليه، وظل حوالي مائتي عام، ثم جاء الغزو التتري، ولولا الروح الإسلامية التي صحت صحوتها في مصر، ولولا بقية من نخوة عربية، ودفعة قوية من علماء أجلاء من أمثال ابن تيمية والعز بن عبدالسلام، لكان للدنيا وجه غير وجهها الآن.

هذان العاملان - عامل الاستبداد السياسي الأجنبي، وعامل التشيع الغالي - كانت نتيجتهما تحطُّم الدولة الإسلامية، ذلك التحطم الذي نحاول التخلص منه الآن، كذلك من نتيجتهما اتجاه الاستعمار الأوروبي إليها منذ الحروب الصليبية، حتى تلك الحرب الإسرائيلية التي نخوضها، فكان الاستبداد السياسي الأجنبي عاملاً في القضاء على شخصية الحاكم، وكانت الدعوة التشيعية أو الباطنية عاملاً في القضاء على العقلية الإسلامية والفهم السلفي للإسلام وتعاليمه الذي كان للصحابة رضي اللَّه عنهم ومَن بعدهم من الجيل الأول والجيل الثاني، جعل المسلمين يفهمون دينَهم على غير ما أنزله الله، واستبدَّت به الروح التصوفية التواكلية التي تدَعُ كلَّ شيء للقضاء والقدر، وتفصل الدين عن الدنيا، وتُصوِّر الدين في صورة طقوس فارسية، أو يونانية، أو هندية، أو مسيحية مبدَّلة، أو يهودية مبتدعة، فأصبح المسلمون على غير الإسلام وأصبح الإسلام حجة عليهم، وليسوا هم حجة عليه، فذابت منهم الروح الإنسانية، ومسخت فطرتهم وأصبحوا غثاءً كغثاء السيل، لا روح فيهم ولا حياة، إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل.

والآن وقد زال هذان العاملان بكليَّتِهما، فليس هناك من مستبدٍّ يحكم بالجهل ويتعصب للضلال ويتخذ الفوضى دستورًا، كما كان يفعل أولئك الحكام من الأتراك والديلم، وليس هناك من متشيِّع، ولا متشيَّع له من أجل الحكم والسياسة، ولا اتخاذ النسب الشريف سببًا للحكم، وإنما المسلمون قد أصبحوا وأمرهم شورى بينهم، ضاعت منهم العصبيات الإقليمية، وتاهت رواسب الأديان القديمة في تيه الانتقال من عصر الحروب الصليبية، إلى فترة التأهب لتمزيق الإسرائيليين شر ممزَّق، ومن والاهم من الاستعمار في كل مكان، وانجابت عنهم الغفلة، وقد وضح النهار أمام أعينهم، فإذا هم يرون دينهم أمامهم، كما كان الصحابة رضوان اللَّه عليهم يرونه، وينظرون إلى بعضهم البعض نظرة الصحابة بعضهم إلى بعض، أشداء على الكفار رحماء بينهم، وما عليهم بعد ذلك إلا الثبات على هذا ومواصلة العمل والجد والاجتهاد والتماس الرزق في خبايا الأرض، وبين طيات الماء وذرات الهواء، وهكذا فرغم محاولات الاستعمار الفاشلة، فنحن اليوم بنبت جديد وعصرنا عصر البعث الإسلامي القوي المجيد: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ [النور: 55].

المصدر: مجلة التوحيد، عدد رجب 1393هـ، صفحة 33.



[1] خليفة عباسي - وهو المعتصم - أراد أن يصنع لنفسه ولخلفه، وبئس ما صنع بأمته ودينه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.80%)]