عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 23-06-2019, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (6)
- تفسير البغوى
سورة البقرة
الاية 30 إلى الاية
37
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (30)

قوله تعالى ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ ) أي وقال ربك وإذ زائدة وقيل معناه واذكر إذ قال ربك وكذلك كل ما ورد في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله وإذ وإذا حرفا توقيت إلا أن إذ للماضي وإذا للمستقبل وقد يوضع أحدهما موضع الآخر قال المبرد: إذا جاء ( إذ ) مع المستقبل كان معناه ماضيا كقوله تعالى ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ ) ( 30-الأنفال ) يريد وإذ مكروا وإذا جاء ( إذا ) مع الماضي كان معناه مستقبلا كقوله: ( فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ ) ( 34-النازعات ) ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ) ( 1-النصر ) أي يجيء ( لِلْمَلائِكَة ) جمع ملك وأصله مألك من المألكة والألوكة والألوك، وهي: الرسالة فقلبت فقيل ملأك ثم حذفت الهمزة طلبا للخفة لكثرة استعماله ونقلت حركتها إلى اللام فقيل ملك. وأراد بهم الملائكة الذين كانوا في الأرض وذلك أن الله تعالى خلق السماء والأرض وخلق الملائكة والجن فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن الأرض فغبروا فعبدوا دهرا طويلا في الأرض، ثم ظهر فيهم الحسد والبغي فأفسدوا وقتلوا فبعث الله إليهم جندا من الملائكة يقال لهم: الجن، وهم خزان الجنان اشتق لهم من الجنة رأسهم إبليس وكان رئيسهم ومرشدهم وأكثرهم علما فهبطوا إلى الأرض فطردوا الجن إلى شعوب الجبال( وبطون الأودية ) وجزائر البحور وسكنوا الأرض وخفف الله عنهم العبادة فأعطى الله إبليس ملك الأرض، وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة وكان يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة فدخله العجب فقال في نفسه: ما أعطاني الله هذا الملك إلا لأني أكرم الملائكة عليه فقال الله تعالى له ولجنده: ( إِنِّي جَاعِلٌ ) خالق. ( فِي الأرْضِ خَلِيفَةً ) أي بدلا منكم ورافعكم إلي، فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة.
والمراد بالخليفة هاهنا آدم سماه خليفة لأنه خلف الجن أي جاء بعدهم وقيل لأنه يخلفه غيره والصحيح أنه خليفة الله في أرضه لإقامة أحكامه وتنفيذ وصاياه ( قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ) بالمعاصي. ( وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ ) بغير حق أي كما فعل بنو الجان فقاسوا الشاهد على الغائب وإلا فهم ما كانوا يعلمون الغيب ( وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ) قال الحسن: نقول سبحان الله وبحمده وهو صلاة الخلق ( وصلاة البهائم وغيرهما ) سوى الآدميين وعليها يرزقون.

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج أنا زهير بن حرب أنا حبان بن هلال أنا وهيب أنا سعيد الجريري عن أبي عبد الله الجسري عن عبادة بن الصامت عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل قال: "ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده" وقيل: ونحن نصلي بأمرك، قال ابن عباس: كل ما في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة ( وَنُقَدِّسُ لَكَ ) أي نثني عليك بالقدس والطهارة وقيل: ونطهر أنفسنا لطاعتك وقيل: وننـزهك. واللام صلة وقيل: لم يكن هذا من الملائكة على طريق الاعتراض والعجب بالعمل بل على سبيل التعجب وطلب وجه الحكمة فيه ( قَالَ ) الله ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) المصلحة فيه، وقيل: إني أعلم أن في ذريته من يطيعني ويعبدني من الأنبياء والأولياء والعلماء وقيل: إني أعلم أن فيكم من يعصيني وهو إبليس، وقيل إني أعلم أنهم يذنبون وأنا أغفر لهم. قرأ أهل الحجاز والبصرة إني أعلم بفتح الياء وكذلك كل ياء إضافة استقبلها ألف مفتوحة إلا في مواضع معدودة ويفتحون في بعض المواضع عند الألف المضمومة والمكسورة( وعند غير الألف ) وبين القراء في تفصيله اختلاف.

وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31)

قوله تعالى ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ) سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض، وقيل: لأنه كان آدم اللون وكنيته أبو محمد وأبو البشر فلما خلقه الله تعالى علمه أسماء الأشياء وذلك أن الملائكة قالوا: لما قال الله تعالى: ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقا أكرم عليه منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره. فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم وفيه دليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلا كما ذهب إليه أهل السنة والجماعة قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة وقيل: اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وقال الربيع بن أنس: أسماء الملائكة وقيل: أسماء ذريته، وقيل: صنعة كل شيء قال أهل التأويل: إن الله عز وجل علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرقوا في البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة . ( ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ ) إنما قال عرضهم ولم يقل عرضها لأن المسميات إذا جمعت من يعقل وما لا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور وقال مقاتل: خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة فالكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال عرضهم ( فَقَالَ أَنْبِئُونِي ) أخبروني ( بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) في أني لا أخلق خلقا إلا وكنتم أفضل وأعلم منه فقالت الملائكة إقرارا بالعجز:

قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)
( قَالُوا سُبْحَانَكَ ) تنـزيها لك ( لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا ) معناه فإنك أجل من أن نحيط بشيء من علمك إلا ما علمتنا ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ ) بخلقك ( الْحَكِيم ) في أمرك والحكيم له معنيان: أحدهما الحاكم وهو القاضي العدل والثاني المحكم للأمر كي لا يتطرق إليه الفساد وأصل الحكمة في اللغة: المنع فهي تمنع صاحبها من الباطل ومنه حكمة الدابة لأنها تمنعها من الاعوجاج فلما ظهر عجزهم ( قَال ) الله تعالى:
( يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ) أخبرهم بأسمائهم فسمى آدم كل شيء باسمه وذكر الحكمة التي لأجلها خلق ( فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ ) الله تعالى ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ ) يا ملائكتي ( إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ) ما كان منهما وما يكون لأنه قد قال لهم ( إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ) ( 30-البقرة ) ( وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ) قال الحسن وقتادة: يعني قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ( وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) قولكم لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا، قال ابن عباس رضي الله عنهما هو أن إبليس مر على جسد آدم وهو ملقى بين مكة والطائف لا روح فيه فقال: لأمر ما خلق هذا ثم دخل في فيه وخرج من دبره وقال: إنه خلق لا يتماسك لأنه أجوف ثم قال للملائكة الذين معه أرأيتم إن فضل هذا عليكم وأمرتم بطاعته ماذا تصنعون؟ قالوا: نطيع أمر ربنا، فقال إبليس في نفسه: والله لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط علي لأعصينه فقال الله تعالى: ( وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ) يعني ما تبديه الملائكة من الطاعة ( وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) يعني إبليس من المعصية.
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)

وقوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ ) قرأ أبو جعفر "للملائكة اسجدوا" بضم التاء على جوار ألف اسجدوا وكذلك قرأ "قل رب احكم بالحق"( 112-الأنبياء ) بضم الباء وضعفه النحاة جدا ونسبوه إلى الغلط فيه واختلفوا في أن هذا الخطاب مع أي الملائكة فقال بعضهم: مع الذين كانوا سكان الأرض. والأصح: أنه مع جميع الملائكة لقوله تعالى: ( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ) ( 30-الحجر ) وقوله: ( اسجدوا ) فيه قولان: الأصح أن السجود كان لآدم على الحقيقة، وتضمن معنى الطاعة لله عز وجل بامتثال أمره، وكان ذلك سجود تعظيم وتحية لا سجود عبادة، كسجود إخوة يوسف له في قوله عز وجل ( وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ) ( 100-يوسف ) ولم يكن فيه وضع الوجه على الأرض، إنما كان الانحناء، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام.
وقيل: معنى قوله ( اسْجُدُوا لآدَمَ ) أي إلى آدم فكان آدم قبلة، والسجود لله تعالى، كما جعلت الكعبة قبلة للصلاة والصلاة لله عز وجل.
( فَسَجَدُوا ) يعني: الملائكة ( إِلا إِبْلِيسَ ) وكان اسمه عزازيل بالسريانية، وبالعربية: الحارث، فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل: إبليس، لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أي يئس.
واختلفوا فيه فقال ابن عباس رضي الله عنهما وأكثر المفسرين: كان إبليس من الملائكة، وقال الحسن: كان من الجن ولم يكن من الملائكة لقوله تعالى ( إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ) ( 50-الكهف ) فهو أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس، ولأنه خلق من النار والملائكة خلقوا من النور، ولأن له ذرية ولا ذرية للملائكة، والأول أصح لأن خطاب السجود كان مع الملائكة، وقوله ( كَانَ مِنَ الْجِنِّ ) أي من الملائكة الذين هم خزنة الجنة. وقال سعيد بن جبير: من الذين يعملون في الجنة، وقال: قوم من الملائكة الذين يصوغون حلي أهل الجنة، وقيل: إن فرقة من الملائكة خلقوا من النار سموا جنا لاستتارهم عن الأعين، وإبليس كان منهم. والدليل عليه قوله تعالى ( وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ) ( 158-الصافات ) وهو قولهم: الملائكة بنات الله، ولما أخرجه الله من الملائكة جعل له ذرية.

قوله: ( أَبَى ) أي امتنع فلم يسجد ( وَاسْتَكْبَر ) أي تكبر عن السجود ( لآدم ) ( وَكَان ) أي: صار ( مِنَ الْكَافِرِينَ ) وقال أكثر المفسرين: وكان في سابق علم الله من الكافرين الذين وجبت لهم الشقاوة.
أنا أبو بكر محمد بن عبد الصمد الترابي أنا ابن الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين الحدادي أنا أبو يزيد محمد بن يحيى بن خالد أنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي أنا جرير ووكيع وأبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار"

قوله تعالى ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ ) وذلك أن آدم لم يكن له في الجنة من يجانسه فنام نومة فخلق الله زوجته حواء من قصيراء شقه الأيسر، وسميت حواء لأنها خلقت من حي، خلقها الله عز وجل من غير أن أحس به آدم ولا وجد له ألما، ولو وجد لما عطف رجل على امرأة قط فلما هب من نومه رآها جالسة عند رأسه( كأحسن ما في ) خلق الله فقال لها: من أنت؟ قالت زوجتك خلقني الله لك تسكن إلي وأسكن إليك ( وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا ) واسعا كثيرا ( حَيْثُ شِئْتُمَا ) كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما ( وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ) يعني للأكل، وقال بعض العلماء: وقع النهي على جنس من الشجر. وقال آخرون: على شجرة مخصوصة، واختلفوا في تلك الشجرة، قال ابن عباس ومحمد بن كعب ومقاتل: هي السنبلة وقال ابن مسعود: هي شجرة العنب. وقال ابن جريج: شجرة التين، وقال قتادة: شجرة العلم وفيها من كل شيء، وقال علي رضي الله عنه: شجرة الكافور ( فَتَكُونَا ) فتصيرا ( مِنَ الظَّالِمِينَ ) أي الضارين بأنفسكما بالمعصية، وأصل الظلم، وضع الشيء في غير موضعه.

( فَأَزَلَّهُمَا ) استزل ( الشَّيْطَان ) آدم وحواء أي دعاهما إلى الزلة: وقرأ حمزة: فأزالهما، أي نحاهما "الشيطان" فيعال من شطن، أي: بعد، سمي به لبعده عن الخير وعن الرحمة، ( عَنْهَا ) عن الجنة ( فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) النعيم، وذلك أن إبليس أراد أن يدخل ليوسوس ( إلى ) آدم وحواء فمنعته الخزنة فأتى الحية وكانت صديقة لإبليس وكانت من أحسن الدواب، لها أربع قوائم كقوائم البعير، وكانت من خزان الجنة فسألها إبليس أن تدخله فمها فأدخلته ومرت به على الخزنة وهم لا يعلمون فأدخلته الجنة، وقال الحسن: إنما رآهما على باب الجنة لأنهما كانا يخرجان منها وقد كان آدم حين دخل الجنة ورأى ما فيها من النعيم قال: لو أن خلدا، فاغتنم ذلك منه الشيطان فأتاه من قبل الخلد فلما دخل الجنة وقف بين يدي آدم وحواء وهما لا يعلمان أنه إبليس فبكى وناح نياحة أحزنتهما، وهو أول من ناح فقالا له: ما يبكيك؟ قال: أبكي عليكما تموتان فتفارقان ما أنتما فيه من النعمة. فوقع ذلك في أنفسهما فاغتما ومضى إبليس ثم أتاهما بعد ذلك وقال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد؟ فأبى أن يقبل منه، وقاسمهما بالله إنه لهما لمن الناصحين، فاغترا وما ظنا أن أحدا يحلف بالله كاذبا، فبادرت حواء إلى أكل الشجرة ثم ناولت آدم حتى أكلها.
وكان سعيد بن المسيب يحلف بالله ما أكل آدم من الشجرة وهو يعقل ولكن حواء سقته الخمر حتى إذا سكر قادته إليها فأكل .

قال إبراهيم بن أدهم: أورثتنا تلك الأكلة حزنا طويلا. قال ابن عباس وقتادة: قال الله عز وجل لآدم: ألم يكن فيما أبحتك من الجنة مندوحة عن الشجرة؟ قال: بلى يا رب وعزتك، ولكن ما ظننت أن أحدا يحلف بك كاذبا، قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كدا فأهبطا من الجنة وكانا يأكلان فيها رغدا فعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث فحرث فيها وزرع ثم سقى حتى إذا بلغ حصد ثم داسه ثم ذراه ثم طحنه ثم عجنه ثم خبزه ثم أكله فلم يبلغه حتى بلغ منه ما شاء. قال سعيد بن جبير: عن ابن عباس: إن آدم لما أكل من الشجرة التي نهي عنها قال الله عز وجل: ما حملك على ما صنعت قال يا رب زينته لي حواء قال: فإني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها ودميتها في الشهر مرتين، فرنت حواء عند ذلك فقيل: عليك الرنة وعلى بناتك فلما أكلا ( تهافتت ) عنهما ثيابهما وبدت سوآتهما وأخرجا من الجنة، فذلك قوله تعالى: ( وَقُلْنَا اهْبِطُوا ) أي انـزلوا إلى الأرض يعني آدم وحواء وإبليس والحية، فهبط آدم بسرنديب من أرض الهند على جبل يقال له نود، وحواء بجدة وإبليس بالأيلة والحية بأصفهان ( بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ) أراد العداوة التي بين ذرية آدم والحية وبين المؤمنين من ذرية آدم وبين إبليس؛ قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ ( 22-الأعراف ).
أنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسن بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن محمد الصفار حدثنا منصور الرمادي أنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال عكرمة: لا أعلمه إلا رفع الحديث، أنه كان يأمر بقتل الحيات وقال: من تركهن خشية أو مخافة ثائر فليس منا وزاد موسى بن مسلم عن عكرمة في الحديث: ما سالمناهن منذ حاربناهن [وروي أنه نهى عن ذوات البيوت، =روى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بالمدينة جنا قد أسلموا فإن رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان" ]
قوله تعالى: ( وَلَكُمْ فِي الأرْضِ مُسْتَقَرٌّ ) موضع قرار ( وَمَتَاع ) بلغة ومستمتع ( إِلَى حِينٍ ) إلى انقضاء آجالكم
( فَتَلَقَّى ) تلقى والتلقي: هو قبول عن فطنة وفهم، وقيل: هو التعلم ( آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ ) قراءة العامة: آدم برفع الميم وكلمات بخفض التاء. قرأ ابن كثير: آدم بالنصب، كلمات برفع التاء يعني جاءت الكلمات آدم من ربه، وكانت سبب توبته. واختلفوا في تلك الكلمات قال سعيد بن جبير ومجاهد والحسن: هي قوله رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا الآية.
وقال مجاهد ومحمد بن كعب القرظي: هي قوله لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنك أنت ( التواب الرحيم ) . لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب عملت سوءا وظلمت نفسي فارحمني إنك أنت أرحم الراحمين وقال عبيد بن عمير: هي أن آدم قال يا رب أرأيت ما أتيت أشيء ابتدعته من تلقاء نفسي أم شيء قدرته علي قبل أن تخلقني؟ قال الله تعالى: بل شيء قدرته عليك قبل أن أخلقك. قال يا رب فكما قدرته قبل أن تخلقني فاغفر لي .

وقيل: هي ثلاثة أشياء الحياء والدعاء والبكاء، قال ابن عباس بكى آدم وحواء على ما فاتهما من نعيم الجنة مائتي سنة، ولم يأكلا ولم يشربا أربعين يوما، ولم يقرب آدم حواء مائة سنة، وروى المسعودي عن يونس بن خباب وعلقمة بن مرثد قالوا: لو أن دموع جميع أهل الأرض جمعت ( لكانت ) دموع داود أكثر حيث أصاب الخطيئة ولو أن دموع داود ودموع أهل الأرض جمعت لكانت دموع آدم أكثر حيث أخرجه الله من الجنة قال شهر بن حوشب: بلغني أن آدم لما ( هبط ) إلى الأرض مكث ثلاثمائة سنة لا يرفع رأسه حياء من الله تعالى

قوله: ( فَتَابَ عَلَيْهِ ) فتجاوز عنه ( إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ ) يقبل توبة عباده ( الرَّحِيم ) بخلقه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.07 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]