عرض مشاركة واحدة
  #464  
قديم 17-02-2021, 07:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (21)
الحلقة (245)

تفسير سورة النساء (28)


بين الله عز وجل الحقوق التي يلزم العبد المؤمن الإتيان بها، وأول هذه الحقوق حق الله عز وجل الذي خلقه ورزقه، والمستحق لطاعته وعبادته، وثاني هذه الحقوق حق الوالدين لسابق فضلهما على الابن وكونهما سبباً لوجوده في الدنيا، ثم تأتي حقوق ذوي القربى من الأرحام والأصهار، وحق اليتامى والمساكين، وحق الجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب، وحق ابن السبيل، وحق ملك اليمين، وكل هذه الحقوق يسأل الله عز وجل العبد عنها يوم القيامة لينظر ما فعل فيها.
تابع تفسير قوله تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ...)
الحمد لله؛ نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث قبلها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).الحمد لله على توفيقه، الحمد لله على آلائه وإنعامه.ما زلنا مع سورة النساء المباركة، وبالذات مع آية الحقوق العشرة، وقد تكرر هذا، وأكثر المستمعين والمستمعات قد وعوه، آية من سورة النساء تضمنت عشرة حقوق على كل مؤمن ومؤمنة أن يؤديها كاملة وافية، وإلا فهو مسئول ومراقب إلا أن يشاء الله.هذه الآية المباركة طالبت المستمعين والمستمعات بحفظها، وليصلوا بها النوافل والفرائض؛ حتى تستقر في نفوسهم؛ لأنها حقوق واجبة، إذا لم تعرفها كيف تؤديها؟ من غير المعقول إذا لم تعرف الحق كيف تؤديه؟
حق الله في العبادة
وسبق أن قلنا: إن الحق الأول هو حق الله تبارك وتعالى، الذي وجب له علينا مقابل أن خلقنا ورزقنا وحفظنا، ولو فتحنا أعيننا ونظرنا إلى نعمه المتوالية نذوب حياء، وهذا الحق هو: أن نعبده بما شرع من العبادات، ونخلصها له ولا نشرك به سواه.وعرفنا أنه من غير المعقول أن تعبد الله تعالى وأنت ما تعرف ما تعبده به، فوجب أن نتعلم أنواع العبادات التي جاءت في كتابه وعلى لسان رسوله عبادة عبادة، وأن نتعلم كيف نؤديها؛ فنؤديها على الكيفية التي شرعها الله عز وجل، وبينها رسوله صلى الله عليه وسلم.وأصبحنا عالمين مطمئنين إلى أن العبادة عبارة عن أداة تزكية، مادة تطهير، فهذه المادة لا بد وأن تكون خالصة كما هي، وأن تعرف أوقاتها المعينة لها وكيفياتها التي حددت لها، وإلا ما تنتج لك نوراً ولا هداية.وعرفنا أن الشرك يحبط العبادة ويبطلها ويزيل أثرها، ويحول نفس المشرك إلى نفس مظلمة كأرواح الشياطين، فالحذر الحذر أن يراك الله عز وجل تلتفت إلى غيره بقلبك، بلسانك، بوجهك، بأعمالك؛ فلتكن أقوالك وأعمالك كلها المراد بها الله.مررنا على رجل يحرث في أرض، لمن يحرث هذا؟ ينبغي أن يحرث لله، كيف لله؟ ينوي بحرثه أن يستنتج بإذن الله قوته وقوت أسرته، وأن ينتفع مؤمن أو غير مؤمن بهذا الزرع الذي ينبت، إذاً أصبح الحرث لله. مررنا برجل يهدم في جدار بالفئوس لم؟ لله، كيف تهدم لله؟ نعم. خشيت أن يسقط هذا الجدار على مؤمن أو مؤمنة فيهلك، فأنا أهدمه لذلك.مررنا برجل يبني جداراً، ما هذا؟ قال: لله، كيف لله، آلله أمرك؟ قال: نعم، أريد أن أبني منزلاً أكن فيه نفسي وأسرتي، ونحن عبيد الله، فنعمل لله.هذه هي الغاية التي ينبغي أن يعقلها كل مؤمن ويفهمها ويكيف حياته لها، وإلا ما معنى: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163] ما معنى محياي ومماتي؟ خرج عن الحياة والموت شيء؟ معناه: أننا وقف على الله، تعرفون الوقف أو لا؟ ريع الوقف ودخله لمن؟ لمن وقف عليه، ونحن وقف على الله نأكل من أجل الله، نشرب من أجل الله، نتزوج من أجل الله، نطلق من أجل الله، نبكي من أجل الله، نبتسم ونضحك من أجل الله.. كل حياتنا لله، فلو عرف المسلمون هذا لارتقوا إلى سماء الكمالات، لكن الجهل غشاهم وغطاهم من ألف سنة إلا من رحم الله عز وجل، مع أن أبا القاسم صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات ) عملك منوط بنيتك، إن أردت الله ووجهه فزت، نسيت، غفلت، أردت ليلى أو سلمان.. عملك لغير الله حابط.وهيا نتغنى بالآية تذكيراً للناسين وتعليماً لغير العالمين.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].أولاً: عرفنا حق الله عز وجل وهو: أن نعبده وحده ولا نشرك به سواه، ونتعلم أنواع العبادة ونعبده بها، طاعة في الأمر والنهي، وعرفنا حقوق الوالدين، وذكرت لكم لطيفة ما تنسوها، ما ذكر الله حقه إلا وعقب عليه بحق الوالدين، فما العلة؟ ما السر؟ ما الحكمة؟لأن الله استحق عبادتنا؛ لأنه خلقنا ورزقنا وكسانا ولطف بنا.
حقوق الوالدين
ثانياً: الوالدان: ألست من ماء أبيك وماء أمك؟ ألست قضيت تسعة أشهر في بطن أمك، ويستحيل دمها إلى لبن أبيض تشربه؟ أليس والدك قائماً عليك وعليها؟ يغدق عليك الطعام والشراب والكسوة، كيف ترد هذا الحق؟ بالإحسان بهما أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء:23]، وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [النساء:36].والمراد بـ: (الوالدين) الأم والأب، إلا أن حق الأم متضاعف ثلاث مرات ( من أحق الناس بصحبتي يا رسول الله؟ قال: أمك. قلت: ثم من؟ قال: أمك. ثم من؟ وفي الرابعة قال: أبوك ) والحكم واضح، مثلنا مرة: تعال نربط في بطنك نعلاً فقط ولا تنزعه لا ليل ولا نهار تسعة أشهر، تستطيع؟ يمتص من دمك ولا لحمك، فقط مربوط، تأتي إلى الليل ما تستطيع تنزعه، فكيف بأم تحملك في بطنها وتتغذى بدمها؟!إذاً: ما الإحسان بالوالدين؟أولاً: طاعتهما في المعروف فيما أذن الله تعالى بفعله أو تركه، إذا قال الوالد لولده: قف هنا يقف، إذا قال: يا بني اجلس يجلس، إذا قال: لا تقف لا يقف، لا تجلس لا يجلس.طاعتهما في المعروف؛ فإن طلبا منه غير المعروف فالقاعد عند المؤمنين والمؤمنات محفوظة: ( إنما الطاعة في المعروف )، قاعدة قانونية ( إنما الطاعة في المعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ).بعد طاعتهما في المعروف، كف أدنى أذى عنهما، كل ما يُحدث ألماً في نفس أبيك أو أمك حرام أن تفعله حتى رفع الصوت والانتهار، فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء:23]، وتأتي آداب أخرى منها: أنك لا تريهم وجهك وأنت غضبان تؤلمهم، لا تمش أبداً وأنت أطول من أبيك وتمشي إلى جنبه ويصبح هو دونك امش وراءه، لا تمش أمامه كأنك تقوده، صوتك منخفض عن صوته، تؤثره في المجلس .. في تناول الطعام، في أي شيء هو المقدم وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ [الإسراء:24] تعرف الطائر كيف يميل بجناحه؟ أنت كذلك، أظهر الذلة في نفسك لهما، لا تتعنتر، وختام الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [النساء:36].وعقوق الوالدين من أكبر الذنوب، من مات عاقاً لوالديه لن يدخل الجنة إلا بعد تصفية كاملة قد تكون آلاف السنين في جهنم، وإن أمراك بمعصية الله فلا، إذا قال أباك: لا تصل، هل تطيعه؟ قال: سب فلاناً أو اضربه من المؤمنين، أتطيعه؟ الطاعة في المعروف فقط.وهناك حقوق ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم للوالدين بعد موتهما، منها: أولاً: الصلاة عليهما ما حييت، وأنت تستغفر لهما وتترحم عليهما طول حياتك بعد موتهما.ثانياً: الاستغفار لهما.ثالثاً: صلة الرحم التي لا صلة لك بها إلا من طريقهما من سائر الأقارب.وأخيراً: أن تبر أهل ود أبيك.وقد عرفنا تلك الحادثة ما بين مكة والمدينة، كان ابن عمر رضي الله عنهما معتمراً أو حاجاً ويركب على حمار يروح به على نفسه، عنده جمل ولكن الحمار معه إذا ملَّ وسئم من ركوب البعير ركب على الحمار يروح؛ لأن المسافة عشرة أيام، واستراحوا وجاء سائل يسأل من البدو، فعرفه عبد الله فقام فأخرج عمامة كان يربطها على رأسه في الليل يستريح بها، فأعطاه العمامة وأعطاه الحمار، فعجب مولاه نافع وقال له: يا مولاي! هذا أعرابي حفنة من التمر تكفيه، لم تعطيه عمامة تشد بها رأسك وحماراً تروح به على نفسك؟ قال: اسكت، هذا أبوه كان صديقاً لـعمر ، هذا الذي تقول والده كان صديقاً لأبي.والحمد لله عرفنا عجوزاً كانت صديقة لأمي، أما أبي فلا أعرفه فقد توفي وأنا رضيع، ولما عرفنا هذا العلم ذهبت إليها وأحسنت إليها وزرتها؛ لأنها كانت صديقة لأمي، فهل تفعلون؟
حقوق ذوي القربى
ذكر الله بعد الوالدين الأقارب فقال: ذِي الْقُرْبَى [النساء:36] أي: الأقارب، الأقرب فالأقرب، أخوك أقرب من عمك، وعمك أقرب من ابن عمك، وخالتك أقرب من بنت خالتك، وهكذا الأقرب فالأقرب في حدود طاقتك، وعمر وضع قاعدة رضي الله تعالى عنه وهي قوله: (تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم)، تعلموا أيها المؤمنون أيها المستمعون من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، أما الذي ما تستطيعون أن تصلوه كابن ابن ابن.. كذا ما هناك حاجة إليه، لكن الذين تجب صلتهم تعلمه، اعرف خالتك، وخالك، وعمك، وابن عمك، وابن خالتك.. وهكذا في حدود طاقتك، حقهم ماذا؟ الإحسان إليهم، وذلك بإسداء الفضل والمعروف لهم، وكف الأذى عنهم كالوالدين.أقاربك حقهم عليك أن تبر بهم وتحسن إليهم، ولا تؤذ أحداً منهم، لا باللسان ولا بالمال ولا بالسنان، أبداً؛ لأنك تجمعك وإياهم رحم واحدة، وهكذا الإسلام يكون المجتمعات المتضامنة المتكافلة المتعاونة، يبدأ بين العبد وربه، ثم بين العبد ووالديه، بين العبد وأسرته، ثم ينتقل حتى تصبح الأمة كأنها جسم واحد، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]