عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-09-2020, 12:37 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي قليل من العفوية!

قليل من العفوية!


أ. سميرة بيطام







حينما نَكتُب بالأسى وبدافع منه، نكون على مرأى من العفوية الحزينة، التي تَندفِع من أحاسيس دفينة بداخلِنا، نُحسُّها مَظلومة ولا تَملِك القُدرة في أن تكون أقوى مما هي عليه، وحينما نُريده نظامًا حياتيًّا رائعًا، لا نَقدِر على صناعة الروعة ولو أنها سهلة الصنع، وحينما نبحث عمَّن يَضمنا بصدق ويسمع حديثنا بل عذابنا مع الأيام في توالي المِحَن، لا نجد آذانًا مصغية، وحينما نَنحني لنقوم نحن بالدور المثالي في الحياة كأن نمسَح على رأس يتيم أو نُقدِّم تهنئة لقاصر، يبدو لنا المشهد فيه الكثير من الألفة والانسِجام في الروح، هل عفوية الناس ليست واحدة، أم أن العفوية تأتي بحسب موقف الارتجالية؟



كثيرة هي المآسي والأحزان، لكن أغلب الناس تُفضِّل الكبت ليَليَهُ الكبت؛ حتى لا يُدلي بدلو الآلام في عمق الطرف الآخر، هل هؤلاء الغلابة فقَدوا الثقة في أنفسهم ثم فيمَن حواليهم؟ هل إن ما آلمهم لا يفهمه أحد حتى لو كانت اللغة مَفهومة، حتى لو كانت الدموع تُعطي البراهين على درجة التألُّم؟ هل هناك تضارب بين حنايا من يَحملون عناوين السلم والسلمية؟



هل لقَسوة القلوب نهاية للمودة والرحمة والرأفة؟ فمَن كان مُعاقًا، فهو يستحقُّ التشجيع والاحتواء لبراعته في الرسم، وبذلك في ذاك الجمال الفني تحدٍّ للإعاقة والشعور بمركب النقص، وللمريض من على سرير المرض دعاء له بالشفاء؛ لأن الوهن يُفقِده الكثير من الواجبات، وللمظلوم نصرة بكلمة حق أو كلمة طيبة ترسَل له عبر أثير الأُخوَّة، وللأم التي تبكي ابنها الذي مات فجأة على الجيران أحقية المواساة في إعمار الدار عليها لأيام إلى أن ينجلي أسى الأمومة، ولفقير الجيب مقام آخَر في درهم خفاء اليد؛ حتى لا يعرف ما جادت به قلوب رحيمة، وهكذا يتحقَّق التكافل والتآزر، وبالمرة يكون فيه تمازج بين مستويات الناس في الغنى والفقر، في الصحة والمرض، في تقوى الإيمان وضَعفِ العقيدة؛ فالله خلق هذا التفاوت لحكمة؛ حتى يحسَّ بعضُنا بالبعض الآخر، وبذلك نشعر بإسلاميتنا متأصلة فينا وفي نماء مستمر، وبذلك نسعى لسد ثغرات النقص.



ألم تكن النية معيارًا للقيمة الدينية، ألم تقترن دقة احترام الشريعة بأعمال رحمة وخير؟

يقول - عز وجل -: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].



هناك قوة فعالة في الإسلام تتَّجه نحو الخير، والحياة تكون طيبة وسعيدة وهادئة بأثر هذا الخير، فأين نحن منه؟

الإسلام فيه مثُل أخلاقية ومبادئ سامية، يَنعكِس عنها الفهم والإدراك الأخلاقي، فالفهم ما لم يُترجمه سلوك راقٍ، يُصبح هناك سوء فهم أو لا فهم لتلك المبادئ، فقد قال وابصة بن معبد: أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((جئتَ تسأل عن البر؟))، قلت: نعم، قال: ((استفتِ قلبك، البر ما اطمأنَّت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك))، فعلَينا أن نتحرى عدلاً في ضمائرنا، فلا نميل مع الباطل ولا نَحيد عن الحق.



أي نوع من القوة هو موجود بداخل المتكبِّرين بخُيَلاء كبريائهم أمام مظاهر اليُتمِ والمرض والحرمان؟

أيُّ تبرير نقدمه لأناس أداروا وجوههم؛ حتى لا تَسقط أعينهم على ناقص مالٍ أو محروم من صحة، أو ناقص حركة أو قوة بفعل إعاقة أو بِنية ضعيفة؟ ثم أي فن من فنون التعاطي مع الحياة هو مضاد لغِنى الحرمان؟



شاهدناهم أغنياء ومع مرور الزمن صاروا فقراء، عايناهم أصحاء ثم غدوا مَرضى، سمعنا أنهم أكابر وأبناء أكابر من على كراسي السلطة، ثم أخذوا تقاعُدًا، فلا أحد يذكرهم بالاسم، أي المعايير أحق في التعامل مع الأيام وما تُخفيه من مفاجآت؟



إنها العفوية، في طلاقة اسمها رداء جميل نرتديه دونما تكلُّف، فيه اختزال كبير للبروتوكولات في التعامل، هي العفوية في انطلاق اللسان بتحية الإسلام على البسيط والمتوسِّط والغنيِّ من الناس، هي العفوية في تحقيق ميزان العدل مع أصناف البشر دونما تمييز.




إذًا قليل من العفوية لتحقيق الكثير من المودة والتوادد والتراحم والتآلف، من غير أن يكون هناك شك أن في العفوية تصغيرًا للأكتاف، ومن غير إحساس بانتكاسة كيان، إنما العفوية في تمثيل رداء إسلامي مثالي بميزان الوسطية، فلا إفراط ولا تفريط في التعامل؛ حتى نكون خير أمة أُخرِجت للناس.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.36 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]