عرض مشاركة واحدة
  #382  
قديم 26-03-2020, 01:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (381)
تفسير السعدى
سورة الشعراء
من الأية(198) الى الأية(215)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الشعراء


" ولو نزلناه على بعض الأعجمين " (198)
" وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ " الذين لا يفقهون لسانهم, ولا يقدرون على التعبير كما ينبغي " فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ " يقولون: ما نفقه ما يقول, ولا ندري ما يدعو إليه.
فليحمدوا ربهم, أن جاءهم على لسان أفصح الخلق, وأقدرهم على التعبير عن المقاصد, بالعبارات الواضحة, وأنصحهم.
وليبادروا إلى التصديق به, وتلقيه بالتسليم والقبول.
ولكن تكذيبهم له من غير شبهة, إن هو إلا محض الكفر والعناد, وأمر قد توارثته الأمم المكذبة, فلهذا قال:

" كذلك سلكناه في قلوب المجرمين " (200)

" كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ " , أي: أدخلنا التكذيب, ونظمناه في قلوب أهل الإجرام, كما يدخل السلك في الإبرة, فتشربته, وصار وصفا لها.
" لا يؤمنون به حتى يروا العذاب الأليم "(201)
وذلك بسبب ظلمهم وجرمهم, فلذلك " لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ " على تكذيبهم.
" فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون " (202)
" فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ " أي: يأتيهم على حين غفلة, وعدم إحساس منهم, ولا استشعار بنزوله, ليكون أبلغ في عقوبتهم والنكال بهم.
" فيقولوا هل نحن منظرون " (203)
" فَيَقُولُوا " إذ ذاك: " هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ " أي: يطلبون أن ينظروا ويمهلوا.
والحال إنه قد فات الوقت, وحل بهم العذاب, الذي لا يرفع عنهم, ولا يفتر ساعة.

" أفبعذابنا يستعجلون "(204)
يقول تعالى: " أَفَبِعَذَابِنَا " وهو العذاب الأليم العظيم, الذي لا يستهان به, ولا يحتقر.
" يَسْتَعْجِلُونَ " فما الذي غرهم؟ هل فيهم قوة وطاقة, للصبر عليه؟.
أم عندهم قوة يقدرون بها على دفعه, أو رفعه, إذا نزل؟.
أم يعجزوننا, ويظنون أننا, لا نقدر على ذلك؟.

" أفرأيت إن متعناهم سنين " (205)
" أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ " .
أي: أفرأيت إذا لم نستعجل عليهم, بإنزال العذاب, وأمهلناهم عدة سنين, يتمتعون في الدنيا " ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ " من العذاب.

" ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون " (207)
" مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ " من اللذات, والشهوات.
أي: أي شيء يغني عنهم, ويفيدهم, وقد مضت اللذات وبطلت, واضمحلت, وأعقبت تبعا لها, وضوعف لهم العذاب عند طول المدة.
القصد أن الحذر, من وقوع العذاب, واستحقاقهم له.
وأما تعجيله وتأخيره, فلا أهمية تحته, ولا جدوى عنده.

" وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون " (208)
يخبر تعالى عن كمال عدله, في إهلاك المكذبين, وأنه ما أوقع بقرية, هلاكا وعذابا, إلا بعد أن يعذر بهم, ويبعث فيهم النذر بالآيات البينات, فيدعونهم إلى الهدى, وينهونهم عن الردى, ويذكرونهم بآيات الله, وينهونهم على أيامه في نعمه ونقمه.
" ذكرى وما كنا ظالمين " (209)
" ذِكْرَى " لهم وإقامة حجة عليهم.
" وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ " فنهلك القرى, قبل أن ننذرهم, ونأخذهم, وهم غافلون عن النذر, كما قال تعالى " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا " " رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ " .

" وما تنزلت به الشياطين " (210)
ولما بين تعالى, كمال القرآن وجلالته, نزهه عن كل صفة نقص, وحماه - وقت نزوله, وبعد نزوله - من شياطين الجن والإنس فقال: " وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ " أي: لا يليق بحالهم ولا يناسبهم " وَمَا يَسْتَطِيعُونَ " ذلك.
" إنهم عن السمع لمعزولون " (212)
" إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ " قد: أبعدوا عنه, وأعدت لهم الرجوم لحفظه, ونزل به جبريل, أي الملائكة, الذي لا يقدر شيطان أن يقربه, أو يحوم حول ساحته.
وهذا كقوله " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ "

" فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين " (213)
ينهى تعالى رسوله أصلا, وأمته أسوة له في ذلك, عن دعاء غير الله, من جميع المخلوقين, وأن ذلك موجب للعذاب الدائم, والعقاب السرمدي, لكونه شركا.
" مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ " .
والنهي عن الشيء, أمر بضده.
فالنهي عن الشرك, أمر بإخلاص العبادة وحده لا شريك له, محبة, وخوفا, ورجاء, وذلا, وإنابة إليه في جميع الأوقات.
ولما أمره بما فيه كمال نفسه, أمره بتكميل غيره فقال:

" وأنذر عشيرتك الأقربين " (214)
" وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " الذين هم أقرب الناس إليك, وأحقهم بإحسانك الديني والدنيوي, وهذا لا ينافي أمره بإنذار جميع الناس.
كما إذا أمر الإنسان بعموم الإحسان, ثم قيل له " أحسن إلى قرابتك " .
فيكون هذا الخصوص, دالا على التأكيد, وزيادة الحث.
فامتثل صلى الله عليه وسلم, هذا الأمر الإلهي, فدعا سائر بطون قريش, فعمم وخصص, وذكرهم ووعظهم, ولم يبق صلى الله عليه وسلم, من مقدوره شيئا, من نصحهم, وهدايتهم, إلا فعله, فاهتدى من اهتدى, وأعرض من أعرض.

" واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين "(215)
" وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ " بلين جانبك, ولطف خطابك لهم, وتوددك, وتحببك إليهم, وحسن خلقك والإحسان التام بهم.
وقد فعل صلى الله عليه وسلم, ذلك كما قال تعالى: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ " .
فهذه أخلاقه صلى الله عليه وسلم, أكمل الأخلاق, التي يحصل بها من المصالح العظيمة, ودفع المضار, ما هو مشاهد.
فهل يليق بمؤمن بالله ورسوله, ويدعي اتباعه والاقتداء به, أن يكون كلا على المسلمين, شرس الأخلاق, شديد الشكيمة, غليظ القلب, فظ القول, فظيعه؟.
وإن رأى منهم معصية, أو سوء أدب, هجرهم, ومقتهم, وأبغضهم.
لا لين عنده, ولا أدب لديه, ولا توفيق.
قد حصل من هذه المعاملة, من المفاسد, وتعطيل, المصالح, ما حصل, ومع ذلك تجده محتقرا, لمن اتصف بصفات الرسول الكريم, وقد رماه بالنفاق والمداهنة, وذكر نفسه ورفعها, وأعجب بعمله.
فهل يعد هذا, إلا من جهله, وتزيين الشيطان, وخدعه له.
ولهذا قال الله لرسوله: " فَإِنْ عَصَوْكَ " في أمر من الأمور, فلا تتبرأ منهم, ولا تترك معاملتهم, بخفض الجناح, ولين الجانب.
بل تبرأ من عملهم, فعظهم عليه, وانصحهم, وابذل قدرتك في ردهم عنه, وتوبتهم منه.
وهذا الدفع, احتراز وهم من يتوهم, أن قوله " وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ " للمؤمنين, يقتضي الرضاء بجميع ما يصدر منهم, ما داموا مؤمنين, فدفع هذا, والله أعلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.84%)]