عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26-03-2020, 05:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي فضل علم التفسير وحاجة الأمة إليه

فضل علم التفسير وحاجة الأمة إليه


عبد العزيز بن داخل المطيري




والمقصود أن مجالات الدعوة بالتفسير مجالات كثيرة متنوعة، فليجتهد كل واحد منكم في محاولة تأهيل نفسه لسد حاجة الأمة في مجال من تلك المجالات، أو يسهم فيها. والدعوة بالتفسير وببيان معاني القرآن دعوة حسنة مباركة لتعلقها بكلام الله عز وجل..
الحمد لله الذي أنزل إلينا كتابه العظيم رحمة وذكرى، وهدى وبشرى، فأنار به السبيل، وأقام به الحجة، وفرق به بين الحق والباطل، ورفع به من شاء من عباده، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا.
والصلاة والسلام على إمام المتقين، وأسوة المؤمنين، نبينا الأمين، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
أما بعد:
فإن علم التفسير من أشرف العلوم وأجلها، وأعظمها بركة، وأوسعها معرفة، وحاجة الأمة إليه ماسة، وقد شرف الله أهل التفسير ورفع مكانهم وجعلهم مرجعاً لعباده في فهم كلامه ومعرفة مراده وكفى بذلك فضلاً وشرفاً.
وعلم طالب العلم بفضل علم التفسير وعلو شأنه وجلالة قدره مما يعين على إقبال النفس على تعلمه وأخذه بقوة وجد واجتهاد.
وفضائل علم التفسير كثيرة، وفائدته لطالب العلم في نفسه خاصة، ولأمته عامة عظيمة جليلة.
قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة:15-16].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا . فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّـهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [النساء:174-175].

وحديثنا عن فضائل علم التفسير سيكون في وجوه مهمة تدل اللبيب على ما ورائها، ويكفي التذكير بأصولها عن سرد فروعها.


1- فأصل فضائل التفسير هو أنه معين على فهم كلام الله عز وجل؛ ومعرفة مراده، ومن أوتي فهم القرآن فقد أوتي خيراً كثيراً.
وفي صحيح البخاري وغيره من حديث أبي جحيفة السوائي قال: قلت لعلي رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟
قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه الله رجلًا في القرآن وما في هذه الصحيفة.
قلت: وما في الصحيفة.
قال: العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافرٍ.

ففهم القرآن معين لا ينضب، إذ يستخرج به من العلم شيء كثير مبارك، والناس يتفاوتون في فهم القرآن تفاوتاً كبيراً.
قال ابن القيم: "والمقصود تفاوت الناس في مراتب الفهم في النصوص وأن منهم من يفهم من الآية حكما أو حكمين، ومنهم من يفهم منها عشرة أحكام أو أكثر من ذلك، ومنهم من يقتصر في الفهم على مجرد اللفظ دون سياقه ودون إيمائه وإشارته وتنبيهه واعتباره، وأخص من هذا وألطف ضمه إلى نص آخر متعلق به؛ فيفهم من اقترانه به قدرا زائدا على ذلك اللفظ بمفرده وهذا باب عجيب من فهم القرآن لا يتنبه له إلا النادر من أهل العلم؛ فإن الذهن قد لا يشعر بارتباط هذا بهذا وتعلقه به، وهذا كما فهم ابن عباس من قوله: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف من الآية:15] مع قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة من الآية:233] أن المرأة قد تلد لستة أشهر، وكما فهم الصديق من آية الفرائض في أول السورة وآخرها أن الكلالة من لا ولد له ولا والد" ا.هـ.

والمقصود أن فهم القرآن يفتح لطالب العلم أبواباً من العلم يغفل عنها غيره، بل ربما سمع كلمة من رجل فذكرته بآية كان يتأملها فينفتح له بذلك باب أو أبواب من العلم، وهذه مرتبة عزيزة، كما قال عكرمة مولى ابن عباس: "إني لأخرج إلى السوق، فأسمع الرجل يتكلم بالكلمة فينفتح لي خمسون بابا من العلم" (رواه ابن سعد في الطبقات من طريق ابن علية عن أيوب عن عكرمة، وهذا إسناد صحيح). وعكرمة قال فيه سلام بن مسكين: كان أعلم الناس بالتفسير. وقال الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة. ومن أسباب سعة علم عكرمة بالتفسير ما أوتيه من فهم القرآن حتى إنه كان يذكر لابن عباس بعض الأوجه في التفسير فيستحسنها ابن عباس ويجيزه عليها بجائزة. وسبيل فهم القرآن هو معرفة تفسيره.

نقل ياقوت الحموي في معجم الأدباء عن أبي بكر بن مجاهد أنه قال: سمعت أبا جعفر-يريد شيخه محمد بن جرير الطبري- يقول: "إني أعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يلتذذ بقراءته؟".
والمقصود أن من أجل فضائل علم التفسير أنه يعين على فهم القرآن الذي هو رسالة الله إلينا.

2- أن أشرف الكلام وأحسنه وأصدقه وأعظمه بركة وفضلا هو كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وقد روي أن: فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه. فالاشتغال بالتفسير اشتغال بأفضل الكلام وأحسنه وأعظمه بركة، وهو كلام الله عز وجل، ولا يزال العبد ينهل من هذا العلم ويستزيد منه حتى يجد بركته في نفسه وأهله وماله: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].

3- أن الله فضل العلم وشرفه وشرف أهله ورفع درجتهم، والعلم بالقرآن هو أفضل العلوم وأجمعها، وقد فصل الله في القرآن كل شيء؛ فمن ابتغى العلم من أفضل أبوابه وأحسنها فعليه بتدبر القرآن وفهمه ومعرفة معانيه. وهذا أمر معلوم لمن اشتغل بتفسير القرآن فإنه يجد فيه من أنواع العلوم النافعة شيئاً كثيراً مباركاً؛ فهو جامع لأنواع العلوم النافعة:
- فأصول الإيمان والاعتقاد الصحيح والتعريف بالله تعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله وسننه في خلقه مبينة في القرآن.
-وأصول الأحكام الفقهية في مسائل العبادات والمعاملات والمواريث وأحكام الأسرة والجنايات كلها مبينة في القرآن.
-أصول المواعظ والسلوك والتزكية كلها مبينة في القرآن الكريم.
- وكذلك الآداب والأخلاق الكريمة والخصال الحميدة.
- وفيه بيان أمور ضلت فيها أمم وطوائف كثيرة من بدء الخلق وقصص الأنبياء وأخبار بني إسرائيل كما قال الله تعالى: {إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [النمل:76].


"يختلفون" فعل مضارع يدل على التجدد؛ فهم قد اختلفوا ولا يزالون يختلفون، وهذا القرآن يقص عليهم أكثر الذي يختلفون فيه؛ فمن فقه ما قصه الله في القرآن من أخبار بني إسرائيل حصل العلم بأكثر ما يختلفون فيه علماً يميز به صحيح أقوالهم من خطئها، ويحكم به بين أقوالهم.
-ومما تضمنه القرآن من العلوم علم الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، ففيه بيان أصول الدعوة وأنواعها ومراتبها وصفات الدعاة إلى الحق، وكشف شبهات المضلين، وأصول الاحتجاج للحق، ومعاملة المخالفين على اختلاف مراتبهم.
- ومما تضمنه القرآن من العلوم علم المقاصد الشرعية والسياسة الشرعية، وكيف ترعى الرعية وتربى بالقرآن وتقاد به إلى ما فيه نجاتها وسعادتها.

-وفيه بيان الهدى في كل ما يحتاج إليه العبد في شؤون حياته وكيف يتخلص من كيد الشيطان وشر النفس وفتنة الدنيا وسائر الفتن التي تعترضه، وكيف يهتدي إلى الصراط المستقيم. إلى غير ذلك من العلوم الجليلة النافعة التي ينتفع بها أحسن الانتفاع من فهم مراد الله تعالى فهم المؤمن المسترشد الصادق في اتباع الهدى.
ويجمع ذلك كله قول الله تعالى:
{إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء:9].فحذف المتعلق هنا لإرادة العلوم؛ فهو يهدي للتي هي أقوم في كل شيء.

وقال الله تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[يوسف من الآية:111]. فمن أراد الهداية فعليه بفهم القرآن. ومن أراد الرحمة فعليه بهدى القرآن. ومن أراد العلم فعليه بتدبر القرآن
قال ابن القيم رحمه الله:


فتدبر القرآن إن رمت الهدى *** فالعلم تحت تدبر القرآن
-والمفسر يحتاج إلى التمكن من علوم كثيرة متنوعة؛ ينفتح له بها من أبواب فهم القرآن ومعرفة معانيه ما يدله على سعة علم التفسير وشرفه وتعدد معارف أهله؛ فيحتاج إلى معرفة معاني المفردات ومعاني الحروف والأساليب والإعراب والصرف والبلاغة والاشتقاق، ويحتاج إلى معرفة أصول الفقه وقواعد الترجيح والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول وأحوال النزول وفضائل الآيات والسور وأمثال القرآن والمبهمات وغيرها من العلوم المتنوعة التي يكتسبها المفسر شيئاً فشيئاً بتدرج تعلمه للتفسير. ويجد لكل علم من هذه العلوم أثره في التفسير واستخراج المعاني الجليلة واللطيفة. والمقصود أن علم التفسير من أوسع العلوم؛ فمن أقبل عليه وأحسن العناية به؛ فإنه يكتسب المعرفة الواسعة الحسنة بعلوم كثيرة.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]