عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 22-10-2021, 06:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي إعلام الأنام بأخلاق الحرب في الإسلام

إعلام الأنام بأخلاق الحرب في الإسلام
السيد مراد سلامة



الخطبة الأولى
أما بعد:
فحياكم الله تعالى وبيَّاكم، وجعل الله تعالى الجنة مأوانا ومأواكم، حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون عن (إعلام الأنام بأخلاق الحرب في الإسلام)، لنتعرف على الأخلاق الإسلامية الرفيعة التي تحلى بها المجاهدون في سبيل الله مع أعدائهم في ميدان المعركة حالهم كما قال الشاعر:
مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً فلمَّا
ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
وحَلَّلْتُمُ قتلَ الأسارى وطالَما
غَدوْنا عن الأسْرى نَعفُّ ونصفَح
فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا
وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ


أيها الأحباب، "مشهد الحروب القذرة في عالمنا اليوم، وما تلحقه من أضرار على البشرية، مقابل عدم قدرة القوانين الدولية على محاسبة مجرمي الحرب - وما أكثرهم - تجعلنا مدعوين لتقديم نموذجنا الإسلامية ورؤيتنا للحروب: أهدافها وضوابطها وأخلاقياتها، وهي رؤية لم تصل إليها البشرية رغم ما شهِدته من تقدُّم وحضارة"، وفي هذه الخطبة نضع بعض تلك الأخلاق والقوانين فأعيروني القلوب والأسماع.

أولًا: أنه لا يقتل إلا المقاتلة: إخوة الإسلام إن من الأخلاق والآداب والقوانين التي وضعها الإسلام للحرب، أنه لا يتعرض للمدانين الذين لم يشاركوا في الحرب؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، قال الشوكاني: "وقال جماعة من السلف: إن المراد بقوله: ﴿ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ من عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم"[1].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انطلقوا باسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلًا ولا صغيرًا ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين"[2].

وعن نافع أن عبدالله رضي الله عنه أخبره "أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان"[3].

ولقد كان من رحمته صلى الله عليه وسلم بهم أنه لا يفرِّق بين ابن وأمه؛ لأن ذلك التفريق ليس من الإنسانية، فكيف يرضى به الإسلام، فقد نهى أصحابه عن ذلك، فعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَبَا أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ قَدِمَ بِسَبْيٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَبْكِي وَقَالَتْ: بِيعَ ابْنِي فِي عَبْسٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي أُسَيْدٍ: «لَتَرْكَبَنَّ فَلَتَجِيئَنَّ بِهِ كَمَا بِعْتَ بِالثَّمَنِ»، فَرَكِبَ أَبُو أُسَيْدٍ فَجَاءَ بِهِ [4].

ثانيًا: النهي عن قتل المدبر والإجهاز على الجريح:
معاشر الموحدين، من أخلاقيات الحرب في الإسلام أنه نهى أتباعه عن قتل المدبر، ونهاهم عن الإجهاز على الجريج، فأي أخلاق تلك، إنها الأخلاق الإسلامية الرفيعة.

عباد الله، فعن حصين عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "ألا لا يقتل مدبر ولا يجهز على جريح، ومن أغلق بابه فهو آمن"[5].

ثالثًا: النهي عن الغدر والمثلة - تشويه الجثث - ومن الأخلاق الرفيعة مع الأعداء أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغدر، والمثلة بجثث القتلى، فقد كان من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اغزوا باسم الله وفي سبيل الله، وقاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغدروا، ولا تغلوا ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا وليدًا"[6].

وقد ترسَّخت قيمة الوفاء في نفوس الصحابة، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه في ولايته أن أحد المجاهدين قال لمحارب من الفرس: لا تَخَفْ، ثم قتله، فكتب رضي الله عنه إلى قائد الجيش: "إنه بلغني أن رجالًا منكم يَطْلُبُونَ العِلْـجَ (الكافر)، حتى إذا اشتدَّ في الجبل وامتنع، يقول له: "لا تَخَف"، فإذا أدركه قتَله، وإني والذي نفسي بيده، لا يبلغني أن أحدًا فعل ذلك إلا قطعتُ عنقه"[7].

ورغم ما حدث في غزوة أُحُد من تمثيل المشركين بحمزة عم الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يُغيِّر مبدأه، بل إنه صلى الله عليه وسلم هدَّد المسلمين تهديدًا خطيرًا إن قاموا بالتمثيل بأجساد قتلى الأعداء، فقال: "أَشَد الناسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ قَتَلَهُ نَبِي، أَوْ قَتَلَ نَبِيًّا، وَإِمَامُ ضَلاَلَةٍ، وَمُمَثلٌ مِنَ الْـمُمَثِّلِينَ"[8].

ولم تَرِدْ في تاريخ رسول الله صلى الله عليه وسلم حادثةٌ واحدة تقول بأن المسلمين مثَّلوا بأَحَدٍ من أعدائهم.

رابعًا: النهي عن التدمير والتخريب من غير حاجة، عن صالح بن كيسان قال: لما بعث أبو بكر رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان إلى الشام على ربع من الأرباع، خرج أبو بكر رضي الله عنه معه يوصيه ويزيد راكب، وأبو بكر يمشي، فقال يزيد: "يا خليفة رسول الله، إما أن تركب وإما أن أنزل"، فقال: "ما أنت بنازل وما أنا براكب، إني أحتسب خطاي هذه في سبيل الله، يا يزيد، إنكم ستقدمون بلادًا تؤتون فيها بأصناف من الطعام، فسموا الله على أولها، واحمدوه على آخرها، وإنكم ستجدون أقوامًا قد حبسوا أنفسهم في هذه الصوامع، فاتركوهم وما حبسوا له أنفسهم، وستجدون أقوامًا قد اتخذ الشيطان على رؤوسهم مقاعد يعني الشمامسة فاضربوا تلك الأعناق، ولا تقتلوا كبيرًا هرمًا، ولا امرأة، ولا وليدًا، ولا تخربوا عمرانًا، ولا تقطعوا شجرة إلا لنفع، ولا تعقرن بهيمة إلا لنفع، ولا تحرقن نخلًا ولا تغرقنه، ولا تغدر، ولا تمثل، ولا تجبن، ولا تغلل، ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾[الحديد: من الآية25] أستودعك الله وأقرئك السلام"[9].

خامسًا: إكرام الأسير: قال الله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾[الإنسان: 8]، قال البيضاوي: "مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا؛ يعني أسراء الكفار، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالأسير، فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول: أحسن إليه"[10].

إطعام الأسرى:
مما حث عليه الإسلام إطعام الأسير، وجعل ذلك سببًا من أسباب دخول الجنة إطعام الأسرى؛ قال الله تعالى: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾[الإنسان:8]، في هذه الآية الكريمة من الدستور الإسلامي القرآن الكريم يحثُّ الله تعالى عباده المؤمنين على الإحسان إلى أسراهم وإطعامهم، ويعِدُهم بذلك النعيم في الآخرة، قال ابن عباس: أمر رسول الله أصحابه يوم بدر أن يُكرموا الأُسَارى، فكانوا يُقَدِّمُونهم على أنفسهم عند الغداء، وهكذا قال سعيد بن جبير، وعطاء، والحسن، وقتادة[11].

ويعلق ابن جريج على نفس الآية فيقول: لم يكن الأسير على عهد رسول الله إلا من المشركين، قال أبو عبيد: فأرى أن الله قد أثنى على من أحسن إلى أسير المشركين [12].

وها هو أبو عزيز شقيق مصعب بن عمير يحكي ما حدث يقول: كنتُ في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خَصَّوْني بالخبز، وأكلوا التمر لوصية رسول الله إياهم بنا، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها، فأستحيي فأردُّها فيردُّها عَلَيَّ ما يمسُّها!

قال ابن هشام: وكان أبو عزيز هذا صاحب لواء المشركين ببدر بعد النضر بن الحارث [13].

سادسًا: النهي عن الإغارة على العدو ليلًا حتى يصبح:
إخوة الإسلام، ومن الآداب الإسلامية التي شرعها لنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يُغير على عدوه ليلًا وهم نائمون، ولا يأخذهم وهم نائمون، انظروا عباد الله إلى قمة العدل وقمة الأخلاق التي تحلَّى بها المسلمون مع أعدائهم، فعَنْ ‌حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ‌أَنَسًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ ‌حَتَّى ‌يُصْبِحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ، فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا»[14].

عَنْ ‌أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهَا لَيْلًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ ‌لَا ‌يُغِيرُ ‌عَلَيْهِمْ ‌حَتَّى يُصْبِحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ»[15].

سابعًا: النهي عن التحريق والتعذيب بالنار:
أمة الإسلام ومن آداب وأخلاقيات الحرب في الإسلام أنه نهى اتباعه عن تحريق أعدائهم بالنار وتعذيبهم بها، على الرغم عباد الله من أن التحريق بالنار كان سائدًا في الحروب قبل الإسلام، فعَنْ ‌أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ فَقَالَ: إِنْ وَجَدْتُمْ فُلَانًا وَفُلَانًا، ‌فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: إِنِّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلَانًا وَفُلَانًا، وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا»[16].

ثامنًا: النهي عن النهب في الحرب:
أمة الإسلام، من أخلاقيات الحرب في الإسلام أنه نهى المجاهدين عن النهب مهما أصابهم من جوعة وخصاصة؛ لأن النهب من الخيانة التي لا يرضاها الإسلام.

«عَنْ أَبِي لَبِيدٍ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ كَابُلَ، قَالَ: فَأَصَابَ النَّاسُ غَنِيمَةً، ‌فَانْتَهَبُوهَا، فَأَمَرَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ، مُنَادِيًا يُنَادِي، فَنَادَى، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "مَنِ انْتَهَبَ فَلَيْسَ مِنَّا"، رُدُّوهَا، فَرَدُّوهَا فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ»[17].

عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَصَابَ النَّاسَ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ، وَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا، فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي؛ إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي عَلَى قَوْسِهِ، فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا بِقَوْسِهِ، ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ، ثُمَّ قَالَ: «‌إِنَّ ‌النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَل مِنَ الْمَيْتَةِ»، أَوْ «إِنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ النُّهْبَةِ»[18].

تاسعًا: النهي عن تضيق المنازل وقطع الطرق في الحرب:
ومن روائع الآداب الإسلامية أنه نهى أتباعه عن تضيق المنازل وقطع الطرق، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَزَلْنَا عَلَى حِصْنِ سِنَانٍ بِأَرْضِ الرُّومِ مَعَ عَبْدِاللهِ بْنِ عَبْدِالْمَلِكِ، ‌فَضَيَّقَ ‌النَّاسُ ‌الْمَنَازِلَ، وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ، فَقَالَ مُعَاذٌ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ كَذَا وَكَذَا، فَضَيَّقَ النَّاسُ الطَّرِيقَ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى: " مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلَا جِهَادَ لَهُ" [19].

قوله: ((فضيق الناس))، قيل: التضييق هنا بسبب أخذ منزل لا حاجة له إليه، أو فوق حاجته، قوله: "فلا جهاد له"؛ أي: فلا كمالَ ثوابِ الجهاد له بإضراره الناس؛ لأنه إذا نزل في الطريق يمنع الناس من المرور، أو يضيقُ الطريق فيتضررون بالمرور، وإضرار الناس إثم.

عاشرًا: النهي عن قتل الرسل:
ومن الآداب التي شرعها الإسلام في الحرب أن الرسل لا تقتل ولا تؤْسَر، وذلك من كرم الإسلام ومن عدله مع أعدائه، فعَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ، قَالَ: سمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: حِينَ قَرَأَ كِتَابَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ، قَالَ لِلرَّسُولَيْنِ: فَمَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَقُولُ: كَمَا قَالَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاللهِ ‌لَوْلَا ‌أَنَّ ‌الرُّسُلَ ‌لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْتُ أَعْنَاقَكُمَا" [20].

الحادي عشر: النهي عن قتل المعاهد:
معاشر الموحدين، إن من أخلاقيات الحرب في الإسلام أنه نهى عن قتل المعاهد وحذر من ذلك تحذيرًا شديدًا، عَنْ ‌عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «‌مَنْ ‌قَتَلَ ‌مُعَاهَدًا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا»[21].

الخطبة الثانية
أهداف الحرب في الإسلام:
إخوة الإسلام، بعدما تعرفنا على الأخلاق والآداب التي شرعها الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم - نقف في عجالة سريعة، لنتعرف على أهداف الحرب في الإسلام؛ ليعلم الجميع أن الإسلام ليس متعطشًا للدماء ولا داعيًا للحرب والتخريب والتدمير، لقد انتضى الإسلام السيف لا ليكره الناس على الإسلام، ولكن ليكفل عدة أهداف؛ منها:
أولًا: شرع الجهاد عباد الله لصدِّ عدوان يعده العدو لاجتياح بلاد المسلمين، ويهدد أمنهم مثلما حدث ذلك في غزو حنين وحصار الطائف، حين اجتمعت هوازن وثقيف بعد فتح مكة بقيادة مالك بن عوف النمري.

ثانيًا: يُشرع الجهاد للدفع عن الدين والأرض وصد هجمات الغزاة كما حدث في غزوة أحد والخندق حين اجتمعت الأحزاب لضرب الإسلام.

ثالثًا: يُشرع الجهاد ضد من نقض العهود والمواثيق، مثلما حدث مع بني قينقاع وبني النضير وفتح مكة.

رابعًا: يُشرع الجهاد لتأمين المسلمين إذا تعرَّض لهم مَن يَفتنهم عن دينهم، أو يمنع الداعي من تبليغ دعوته؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا ‌يُحِبُّ ‌الْمُعْتَدِينَ ﴾ [البقرة: 190]، وقال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ ‌كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ ‌كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36].

يقول أحد المفكرين: لو لم يكن من مظاهر العدل في الإسلام إلا قوانينه الحربية، لكان في ذلك ما يقنع المنصفين على اعتناقه.

[1] فتح القدير، 1/ 293.

[2] رواه أبو داود 2/ 44، (2614).

[3] رواه البخاري، 3/ 1098، (2851)، ومسلم، 3/ 1363، (1744).

[4] السنن الكبرى للبيهقي (9/ 212).

[5] ابن أبي شيبة،6/ 498، (33276).

[6] رواه أبو داود، 2/ 44، والترمذي، 4/ 22، (1408).

[7] الموطأ: رواية يحيى الليثي (967)، والبيهقي: معرفة السنن والآثار (5652).

[8] أحمد (3868)، واللفظ له، وحسنه شعيب الأرناؤوط، والطبراني في الكبير (10497)، والبزار (1728)، وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (281).

[9] البيهقي السنن الكبرى، 9/ 90، (17929).

[10] تفسير البيضاوي، 1/ 427.

[11] [ابن كثير (تفسير القرآن العظيم [4/ 584]).].

[12] البيهقي (شعب الإيمان [6/ 526]).].

[13] [ابن كثير (السيرة النبوية [2/ 475]).].

[14] «صحيح البخاري -ط السلطانية» (4/ 47).

[15] «صحيح البخاري -ط السلطانية» (4/ 48).

[16] «صحيح البخاري -ط السلطانية» (4/ 61).

[17] «مسند أحمد» (34/ 233 ط الرسالة).

[18] أخرجه البخاري (2488)، ومسلم (1968)، وابن ماجه (3137)، والترمذي (1691).

[19] «مسند أحمد» (24/ 405 ط الرسالة)، «وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (2468)، وأبو داود (2629)».

[20] «مسند أحمد» (25/ 367 ط الرسالة)، «وأخرجه أبو داود (2761)، والحاكم 2/ 142-143».

[21] «صحيح البخاري - ط السلطانية» (4/ 99).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.12%)]