عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 17-11-2019, 08:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إدارة الذات للوقت: مقترح عملي في الإدارة الإسلامية

القسم الثالث: وقت العمل:
إنَّ العمل بالنسبة للمسلم عبادة، والوظيفة التي يُمارسها (الدوام الرسمي) أمانةٌ مُلقاة على عاتقه، سواء أكان العمل في القطاع العام أم الخاص، وهي مصدر رِزقه، ومَجال إبداعه، ومقدار إسهامه في خدمة الدَّولة والوطن، وكلما أحسنَ النية، وأدَّى الأمانة، وأخلص وتفرغ لعمله، واحترم وقته، وأعطاه حَقَّه كاملاً غير منقوص، كلما زادت فعاليته في عمله؛ ولذلك يَجِبُ أنْ يَستغلَّ الشخصُ وقته أثناء الدوام الرسمي بصورة فعالة، تُمكنه من إنجاز واجباته بسرعة ودقة وإنتاجية عالية، وعليه ألاَّ يستقل برأيه، بل عليه التنسيق والتعاوُن مع الآخرين، وعليه أيضًا عدم استغلال منصبه لجلب منفعة لنفسه أو لقرابته.

قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((العامل إذا استعمل، فأخذ الحقَّ، وأعطى الحق، لم يزل كالمجاهِدِ في سبيل الله حتى يرجعَ إلى بيته))[10]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - أيضًا: ((إنَّ الله يُحِب إذا عمل أحدُكم عملاً أن يتقنه))[11]، كما يَجب أن يتذكر الموظَّف أن ما يستحقه من راتب هو مُقابل عقدٍ بينه وبين صاحب العمل، ويَجب أن يحضر للعمل وهو في حالة صحية جَيِّدَة، وفي الوقت المحدد للعمل، وأن يعملَ بكلِّ أمانة وإخلاص طيلةَ وقتِ العمل؛ حتى يباركَ الله - تعالى - له في وقته وماله، بجانب ما يَجب أن يحس به الموظف من شرف وانتماء للجهة التي يعمل بها، وأنَّه مُشارك في نجاحها، كما عليه أن يدركَ أنَّ مرتبه يجب أن يكون حلالاً؛ حتى يربي به أبناءَه بالحلال، وكلما أخلصَ في العمل وأدائه بأمانة، وخَشِيَ الله، كان هذا الراتب بعون الله - تعالى - حلالاً عليه.

ومن الحِكم التي تغيب عن بالِ كثير من الناس: "إنَّ الواجباتِ أكثرُ من الأوقات، والزمن لا يقف مُحايدًا، فهو إمَّا صديق ودود، أو عدو لدود"[12].

وهو كما قال (ديل تمب Dale timpe) في كتابه "إدارة الوقت" (Management of time) يَجب أن يَحظى بالرقابة الشديدة نفسِها التي نوليها للممتلكات الأخرى؛ ولذلك فالمسؤول يَجب ألاَّ يستأثر بكل العمل والصلاحيات، ويصبح غارقًا في المركزية، بل عليه أن يفوضَ ما يمكن منها لمرؤوسيه؛ حتى يُحافظ على مَحبتهم وتعاوُنهم، وحتى يعد كوادرَ مُؤهَّلة لَها القُدرة على تَحمُّل المسؤولية في المستقبل.

وأهمُّ أمرين يتعلقان بهذا القسم: أنْ يَحرص الشخصُ على الحضور في الوقت المحدَّد للعمل؛ ليكونَ القُدوةَ الحسنة التي تُساعِد المرؤوسين على أن يَحذوا حَذْوه، ثُمَّ عدم الانشغال بأمور تتعارض مع عمله فتصرفه عن أداء واجبه؛ حتى يتمكن من العودة إلى منزله في الوقت المحدد لنهاية الدوام الرسمي، دون أنْ يَطغى وقتُ العمل على الأوقات الأخرى، فيختل التوازن.

ولذلك يَجب التخطيط لإنجاز العمل، وأنْ تكون الأهداف واضحة؛ لأن الشواهد المستمدة من البحوث النفسية، على سبيل المثال بحث (بيرسون وتوديل person and Tweddle 1984)، تبين أن وجود الأهداف والغايات الواضحة من الممكن أن يكون أساسًا للأداء الناجح، وسوف يُساعد على أنْ:
(1) نُحدد بدقة ووضوح ما ينبغي علينا عملُه.
(2) نخطط للكيفية التي سنقوم من خلالها بأداء هذا العمل.
(3) نراقب تقدُّمنا في الوقت الذي نؤدي فيه العمل.
(4) نقوِّم مدى نجاحِنا عندما ننتهي من أداء العمل.
(5) نتعلم بطريقةٍ أكثر فعالية من الخبرات التي تُقدمها لنا هذه الأهداف والغايات؛ حتى لا يضيع منا الوقت الذي حذرنا أحدُ الشعراء من ضياعه رَغْمَ أهميته قائلاً:
وَالْوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ
وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ



وقبل أن ننتهي من الحديث عن هذا القسم، أرغبُ بأَنْ أذكِّرَ بأهمية الدُّعاء عند الدخول إلى الباب الرئيسي لموقع العمل بما ورد في القرآن والسنة، وأذكر الآية الكريمة؛ قال - تعالى -: ﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ [طه: 25 - 28].

القسم الرابع: الوقت المخصص للأرحام والأصدقاء:
ينبغي على المرء تَخصيصُ وقتٍ للحياة الاجتماعية، وتقوية أواصر المودة والإخاء مع الأصدقاء والجيران وزملاء العمل، وصِلَة الأرحام، والابتعاد عن العزلة؛ لأَنَّها مضرة ومفسدة للنفس، وقد رُوِي عن الرسولِ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((المؤمن هَيِّن لين، إلف مألوف))، وقد نَبَّه الإسلام إلى ضرورة إحاطة ذوي الأرحام بقدرٍ وافر من الرحمة والرعاية، وإلى أداء حقوق الأقرباء، وتقوية صلة القرابة بالمودة الدائمة، وقد عُنِيَ الإسلامُ أيضًا بالصِّلات التي تربط الشخصَ بالأصدقاء؛ لتأثيرها العميق في توجيه النفس والعقل، ونتائجها المهمة فيما يصيب الجماعة كلها من تقدُّم أو تأخُّر، ومن قلق واطمئنان؛ لأَنَّ الشخص يتأثر بأصدقائه ويؤثِّر فيهم، والصديق هو مَن صَدَقك، والصديق من تَجده وقت الضيق - كما يقال.

والصداقة نعمة من الله - سبحانه وتعالى - وهي من أركانِ السَّعادة في الحياة، فليس هناك أجمل من ود صديق أمين؛ لأَنَّ الصديق الأمين يَمنح الود الخالص الذي لا تشوبه شائبة، فهو ليس قريبًا أو مَرؤوسًا أو مُنتفعًا، إنَّه أنيس حقيقي لأوقاتنا، ويَختلف كثيرًا عن الجليس العادي، كما أنَّ الصداقةَ تُخرجنا من الوحدة، وتَمنح الإنسانَ أمانًا في الحياة، وتُذِيقه حَلاوة الترحاب لمن يفقده بعد غيابٍ، وتَجعل لوجوده معنى خارجًا عن ذاته، فالصديقُ القديم يَمنح إحساسًا بالأمان؛ لأَنَّه يعرفنا جيدًا، ويفهمنا ونفهمه، ونسيجُ الذكريات الطويلة بيننا يزيد اللقاء متعة، وفي ذلك قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "شر الإخوان من تتكلَّف له، وخيرهم من أحدَثتْ رُؤيتُك له ثقة فيه وطمأنينة إليه"، وقال الشاعر:
يَقُولُونَ لِي هَلْ مِنْ أَخٍ أَوْ قَرَابَةٍ؟
فَقُلْتُ لَهُمْ: إِنَّ الشُّكُولَ أَقَارِبُ

صَدِيقِيَ فِي حَزْمِي وَعَزْمِي وَمَذْهَبِي
وَإِنْ بَاعَدَتْنَا فِي الْأُصُولِ الْمَنَاسِبُ



ولذلك من الضَّروري جدًّا الاهتمام باختيار الأصدقاء بعناية، والابتعاد عن قليلي الدِّين والأمانة، ويَجب أن تكونَ أعدادُهم مَحدودة، ومِمَّن يُقاربونك في السنِّ والميول والصَّلاح؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تصاحِبْ إلاَّ مُؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقي))[13]، وقال الفاروق - رضي الله عنه -: "الإخوان بمنزلة النار: قليلها متاع، وكثيرها بوار"، ويرى (أرسطو) أنَّ الإنسانَ لا يُمكن أن يصادق بحق إلاَّ صديقًا واحدًا فقط.

ويَجب عدمُ مُصاحبة مَن يدَّعون أنَّهم أصدقاء، وخاصَّة الذين لهم ميول وانحرافات شائنة من أصحاب النفوس الضعيفة والمصالح، فكثيرًا ما نسمعُ عن أصدقاء تَحوَّلوا إلى أعداء، كما يَجب الابتعادُ عن (الشلل: البشك) التي تؤثر على قراراتِك وآرائك، هكذا فإنَّ الوقت المخصص للحياة الاجتماعية يُتيح التواصُل، الذي يؤدي إلى نشرِ الْمَحبَّة والتعاطُف والتسامح؛ مِمَّا يُحقق للإنسان الراحةَ النفسية والاطمئنان، ويدفعه للنجاح والإبداع.

كما يَجب التفريقُ بين الأصدقاء والمعارف، فقد تَعرِف فلانًا؛ لأَنَّه زميلٌ، أو تعرَّفْتَ عليه، ولكن الصديقَ هو مَن عرفته وفهمته، واعتبرته مُستحِقًّا لأَنْ يكونَ في قائمة الأصدقاء المحدودة.

ونَعود للأرحام، فصِلَة الرَّحِم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليُكرم ضيفَه، ومن كان يُؤمن بالله واليوم الآخر، فليَصِل رَحِمَه))[14]، ونقصد بالأرحام هنا الإخوان، والأخوات، والعَمَّات، والأخوال، والأعمام، وأبناء العمومة، وكل مَن يربطك به قرابة وصلة رحم، واعلم أنَّ مِن أهم الأرحام عناية مَن لهم علاقة بالأُمِّ مثل: الخالة، والخال، ثُمَّ مَن لهم علاقة بالأب وهكذا.

أمَّا الأهل، فكل ما ذكرناهم: الأجداد، والأب، والأم، والأبناء، ولكنَّ الأهلَ من المنظور الإسلامي يدخلون تَحت باب الأرحام، والاهتمام بالأرحام أيضًا سببٌ لزيادة العمر، وبسط الرزق؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن أحَبَّ أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه))[15]، وهي وصل لما أمر الله به أن يوصل، وهي سبب لشيوع المحبة بين الأقارب، ودليل على كرم النَّفس، وسَعَة الأفق، وطيب المنبت، وحسن الوفاء؛ ولهذا قيل: "من لم يصلح لأهله لم يصلح لك، ومن لم يذب عنهم لم يذب عنك"[16].

ومن فوائد مُواصلة الأرحام والأصدقاء أنَّك تكون على بَيِّنَة من أحوالهم، وخاصَّة كبار السن، وتسمع أخبارَهم وأخبار الأعزاء منهم عليك، وأخبار ما يَدور في المجتمع، كما عليك أنْ تكونَ كريمًا، فتدعو أرحامك وأصدقاءك إلى المناسبات، مُراعيًا العدالة وعدم تفضيل بعضهم على بعض إلاَّ بالتقوى، فتكون في مَوقف المساعد والمطلع على الأمور، وليس الذي يعيش في قوقعة، على أن يتمَّ كل ذلك في حدود الوَقت المخصص للأرحام والأصدقاء.

القسم الخامس: الوقت المخصص للذات (إدارة الأمور الشخصية):
هذا القسم من الوقت له أهمية خاصَّة بالنسبة للشخص؛ لأنَّه الوقت المدَّخر لذاته ولشؤونه الشخصية، ولنشاطاته الخاصَّة لنفسه، والذي عادة لا يُشاركه فيه أحد، والتي تشمل الهوايات، والقراءة، والرياضة، والتأمُّل، والتسلية، والنوم، دون مُشاركة الآخرين فيه، حتى لو كانت بعضُ هذه النشاطات يُمارِسها الشخصُ بصورة جماعية.

وهذا الوقت هو ما يطلق عليه وقت الفراغ، وهو الفراغُ الذي يأتي بعد انقضاء وَقت العمل والأوقات الأخرى المخصصة للأمور الدينية، والأهل، والأصدقاء، والأرحام، وهو وقت مهم جدًّا، وقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ))[17]؛ لذا فإنَّ هذا الوقت يَجب الاستفادة منه بالحد الأقصى، ومن أمور تفيد الشخصَ، وتُحقق له التوازُن بين حاجات الرُّوح، والنفس، والعقل، والجسد؛ (انظر الشكل رقم 4).


ومن البديهي جدًّا أنْ يهتمَّ الشخص بنفسه؛ لأَنَّ رُوحه وعقله وجسمه كلها أمانة في عنقه، وهو مسؤول عنها أمامَ الله - سبحانه وتعالى - وهذا يُحتِّم على الشخص أنْ ينظرَ إلى حواسه، التي أنعم الله بها عليه، وإلى المواهب التي حباه إيَّاها، فيهتم بعقله، وتغذيته بالمعارف المفيدة، والعلم النافع، وأنْ يَسْمُوَ بنفسه عن الصَّغائر، ويُغذِّي رُوحه بالقرآن وبالإيمان، ويبتعد عن المحرَّمات، وأَنْ يُخصص جزءًا من هذا الوقت للقراءة والاطلاع، خصوصًا في مجال تخصصه، ثم ما يتعلق بالثقافة العامة (بعد إعطاء تخصصه ومصدر قُوته ما يَحتاجه من اهتمام ومعرفة)؛ حَتَّى يكونَ واسِعَ التفكير والحكمة، وحتى تزدادَ مَعرفتُه، فيزداد إبداعه وتفوقه، ويرتقي بمستوى أدائه؛ قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن سَلَكَ طَريقًا يلتمس فيه عِلمًا، سَهَّل الله له طريقًا إلى الجنة))[18].

وحيث إنَّ صِحَّةَ الأجسام ونضارتَها من الأمور التي وَجَّه الإسلامُ إليها عنايةً فائقة، من منطلق: "أنَّ صحة الجسد وطهارته ليست صلاحًا ماديًّا فقط، بل لها أثرُها العميق في تزكية النفس، وتَمكين الإنسان من النهوض بأعبائه"[19]، كذلك ينبغي على الإنسانِ أيضًا تَخصيص وقت لممارسة الرياضة المناسبة، التي تكسبه لياقةً بَدنية، وصَفاء ذِهنيًّا، وتنأى به عن السمنة، وما تَجره من أمراضٍ ومشاكل، وعليه الاهتمامُ بالنظافة العامَّة والتطيب؛ حيثُ إِنَّ الرائحةَ الزكية يُحِبُّها الله - تعالى - وملائكته، وهي غذاء للعقل، ومراعاة لعدم نفور الناس، وإجراء الفحوصات الطبية الدَّورية، والابتعاد عن كل ما يضعف الرُّوح والعقل والجسم، مع إعطاء البدن حَقَّه من الراحة والاستجمام.

ويَجب كذلك تَخصيصُ وقتٍ للتأمُّل ومُراجعة النفس، والتفكير في الأخطاء؛ لتصحيحها، والترويح عن النفس بوسائل التسلية البريئة والرحلات، والتمتُّع بالإجازات السنوية والأسبوعية؛ حتى يعودَ إلى عمله بنَفْسٍ طيبة، ورَغبة صادقة، وحماس متقد؛ لأَنَّ القائِدَ أو المسؤول المرهق لا يَستطيعُ إصدارَ قرارات حكيمة وفعالة، وقد قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ لنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولبدنك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حق حقه))[20].

وهذا الحديث الشريف هو في الواقع الذي أثار اهتمامي بالتفكير في إدارةِ الذات التي بين أيديكم، وأحب أنْ أؤكد في نِهايَة هذا القسم على أهميةِ إعطاء الجسم حَقَّه من النوم، فعلى المرء المسلم النومُ مُبكرًا؛ حتى ينهضَ مُبكرًا لصلاة الفجر، ويستقبل نهارَه بالصلاة والحركة والحيوية؛ قال - تعالى -: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن صلى الصبحَ في جماعة، فهو في ذِمَّة الله حتى يُمسي))؛ ولذلك على كلِّ شخص مُحاربة السهر بكل ما يُمكن، إذا أراد فعلاً أن يكون إنسانًا ناجحًا ومُبدعًا في حياته، وسبق الحديث عن ذلك، ويستطيع الشخصُ من خلال تقسيم الوقت على النحو الذي تقدَّم خلْق نوع من التوازُن الذي يُحَقِّق له النَّجاحَ دون أنْ يَطغى قسمٌ على آخر؛ لأَنَّ هذا التوازُن يُعينه على العَدْلِ وأداء الواجبات الدينية، والاهتمام بالأسرة، والعمل، والأقارب، والأصدقاء بدرجة متناسقة، وبذلك يَحصل الإشباع للنَّواحي الرُّوحية، والنفسية، والعقلية، والبدنية بقدرٍ مناسب لكل منها، والشكل رقم (4) يوضح ذلك.





الفصل الرابع: البرنامج التنظيمي لإدارة الذات للوقت
يمكن تقسيم البرنامج التنظيمي لإدارة الذات للوقت إلى الأقسام الخمسة التالية:
أولاً: البرنامج اليومي:
ويبدأ من النهوض من النومِ لأداء صَلاة الفجر حتى الخلود إلى النوم بعد صلاة العشاء، وهو يتضمن برنامجين:
أ- برنامج للأيام العادية (أيام العمل).
ب- برنامج لأيام العطلات.

ويتم في البرنامج اليومي توزيعُ ساعات اليوم الأربع والعشرين (24) إلى خمس فترات، هي:
(1) الوقت المخصص للأمور الدينية.
(2) الوقت المخصص للعمل (الوظيفة).
(3) الوقت المخصص للأهل.
(4) الوقت المخصص للأرحام والأصدقاء.
(5) الوقت المخصص للذات (الأمور الشخصية)، وهو بدَوْرِه يُوزع على النشاطات التالية:
1- القراءة.
2- التأمل.
3- الرياضة.
4- التسلية.
5- النوم.

ثانيًا: إدارة الأمور المالية الشخصية:
ويتم ذلك بمعرفة الوارد والمنصرف، والديون التي لك أو التي عليك، وحساب الزكاة؛ (أي: الحسابات على المستوى الفردي).

ثالثًا: إدارة المنزل: التي تشمل:
أ- توفير مستلزمات المنزل؛ من طعامٍ وشَراب وكساء، وأمن وسلامة.
ب- توفير الرعاية الصحية لأفراد الأسرة والعاملين في المنزل.
ج- رواتب الزوج والأبناء، ورَواتب الذين يعملون لديك مثل السائق والخادمة (إذا وجدوا)، وضبط ذلك.
د- صيانةُ المنزل وأَمْنه وسَلامته، وتَسديد فواتير مَصروفات المنزل.
هـ- صيانة وسائل النقل؛ مثل السيارة.

رابعًا: تنظيم الوثائق والسجلات والأوراق المهمة التي تَحتاج إليها من وقت لآخر:
ومن أهم ذلك:
أ- الصكوك.

ب- صور من بطاقة الأحوال المدنية ودفتر العائلة، وصور لكل بطاقة، أو هوية، أو رخصة، أو دليل هاتف، وحفظها؛ لسُرعة الحصول على بدل منها إذا فُقدت.

ج- سجل للرواتب والدخل والمنصرف.

د- سجل لأهم الأحداث، والحوادث، والإنذارات: (تسجيل ذكريات الأسرة من زواج ونجاح وخلافه)، ملف للمستندات: ألبومات صور للذِّكريات العزيزة، ملفات دراسية للأبناء.

والأفضل برمجة تلك المستندات والوثائق في أنظمةِ الحاسب الآلي.

خامسًا: أمور إدارية متنوعة:
أ- الإدارة أثناء السفر:
إذا كان المرءُ مع مَجموعة، فعلى الأقدم توزيعُ المهام بين أفرادِها؛ حَتَّى يكونَ هناك مَن يهتم بتسجيل الملاحظات حول المهام أثناءَ السفر مثلاً، وآخر يهتم بالجوازات والتذاكِر، وآخر بالأمتعة، وينبغي في السفر التركيز على الأمور الخمسة الآتية:
(1) ما يتعلق بالناحية الدينيَّة؛ مثل: (دعاء السَّفر، والقرآن الكريم، وبوصلة القبلة، ومواعيد الصلاة... إلخ).

(2) الجوازات، ووثائق إثبات الشَّخْصِيَّة، والسماح بالسفر، وتذاكر السفر.

(3) النقود أو الشيكات السياحية، أو بطاقات الصرف، أو بطاقات الائتمان.

(4) المعلومات المتعلقة بالهدف من السفر؛ مثل: برنامج المهمة، والمعلومات والوثائق المتعلقة بها، وجهاز الحاسب الآلي.

(5) حقائب السفر وبداخلها ما يَحتاجه المسافر من ملابس ومستلزمات (ومن الأفضل وضع قائمة توضح جميعَ ما تَحتاجه من مُستلزمات في الحقيبة؛ حَتَّى لا تنساها، وتوضع القائمة في سقف إحدى الحقائب)، مع الحرصِ على أنْ يَكون عنوانك على كلِّ حَقيبة؛ ليسهلَ التعرُّف عليها، وكثيرًا ما تتشابه الحقائِبُ، مع العلمِ أنَّ الجهة التي تستقبل المسافرين (جهة الوصول)، وخاصة إذا كانوا في مهام رَسْمِيَّة، فهم يَحتاجون إلى الخدمات الخمس التالية:
1- الدليل أو الشخص الذي يقوم باستقبالهم، ويكون دليلاً ومَرجعًا لهم في جهة الوصول.
2- المواصلات.
3- السكن.
4- الطعام.
5- تصريح بدخول المناطق التي تَحتاج إلى تصريح.

كما يَجب الاهتمام في السفر والحضر، وخاصة في المناسبات الكبيرة، كالمؤتمرات، وحفلات التخرج ونحوها، بالسائقين؛ حَتَّى يؤمن لهم مكان الوقوف والاستراحة والطَّعام؛ حَتَّى يكونوا متواجدين عند السيارات قبل الخروج.

ب- إدارة الذات (الشخصية):
وتَشمل أمورًا مُهِمَّة مُتنوعة يَجب وضعُها في الحسبان، وأهمها:
(1) الاهتمام بمكتبة المنزل، والتأكُّد من توفير كل ما تَحتاجه من كتبٍ ومَراجع؛ حَتَّى تستفيد منها في تَخصُّصك وثقافتك، ويستفيد منها الأهل.

(2) الاهتمام بالمواعيد وكتابتها على تقويم الحائط الذي يوضح أيامَ الشهر كله.

(3) الاستفادة الفعالة من العطل الأسبوعية، وعطل الأعياد، والعطل الرسمية.

(4) ترتيب الملابس وتَخزين ما لا تَحتاجه مُؤقتًا (مثل: تخزين ملابس الصيف أثناءَ الشتاء أو العكس)، والتصرُّف في الزائد من الملابس والمعدات والأثاث... إلخ؛ حتى لا تتراكم مع مرور الزَّمن.

(5) ترتيب النقود (كل فئة مع بعضها)، ورُخصة السيارة، وإثبات الشخصية والبطاقة الطبية في محفظة الجيب، وبطاقات الائتمان... إلخ.

(6) الاحتفاظ بدليل هاتف صغير يُحمل في الجيب، أو جهاز حاسب آلي لأرقام الهواتف.

(7) ترقيم مفاتيح المنزل؛ حَتَّى يسهل حفظها في مكان معين، وحتى لا تفقد أو تَختلط، ويصعُب البحث عنها، وترقيم مقابس الكهرباء، 110/220 فولت.

(8) الاهتمام بالخدم والسائقين والفَرَّاشين، والترتيب لتوفير ما يلزم لهم من مُستلزمات؛ مثل: السكن، والملابس، والطعام، والأمن، والسلامة، وخلافه.



[1] سهيل فهد سلامة، مرجع سابق، ص162.

[2] ناصر محمد العديلي، مرجع سابق، ص 19 - 20.

[3]ناصر محمد العديلي، مرجع سابق، ص5.

[4] محمد الغزالي، "خلق المسلم"، ص27.

[5] المرجع السابق.

[6]أخرجه ابن جبير وابن المنذر من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أورده عبدالله علوان في كتاب "تربية الأولاد في الإسلام"، الجزء الثاني، ص680.

[7] المرجع السابق.

[8] رواه النسائي في "عشرة النساء"، ص87، وهو في "صحيح الجامع"، رقم 4534.

[9] رواه النسائي في "عِشْرة النساء"، رقم (292).

[10] حديث صحيح، رواه أصحاب السنن وأحمد.

[11] رواه أبو يعلى والبيهقي.

[12] دافيد فانتانا، "إدارة الوقت"، ترجمة د. عبدالرحمن بن هيجان، ص64.

[13] أخرجه أبو داود، وأورده محمد الغزالي في كتابه "خلق المسلم"، طبعة دار القلم الثانية (1400هـ - 1980م)، ص 193.

[14]البخاري (6138)، أورده محمد بن إبراهيم الحمد، "سلسلة أخطاء في السلوك والتعامل"، دار ابن خزيمة للنشر 1415هـ.

[15]البخاري (5986)، ومسلم (2557).

[16] الماوردي، "أدب الدنيا والدين"، ص 153.


[17] رواه البخاري ومسلم.

[18] رواه مسلم.

[19] محمد الغزالي، "خلق المسلم"، مرجع سابق، ص 148، بيروت.

[20] متفق عليه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 39.87 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.24 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]