عرض مشاركة واحدة
  #458  
قديم 23-12-2022, 05:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (443)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ المسد
مكية

الاية 1 إلى الاية 5



قَالَ : وَمَرَّتْ بِهِ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا ، كُلَّمَا مَرَّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ : مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ ؟ قَالَ : أَقُولُ : سُلَيْمٌ ، قَالَ يَقُولُ : مَالِي وَلِسُلَيْمٍ ، ثُمَّ تَمُرُّ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ : مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَأَقُولُ : مُزَيْنَةُ ، فَيَقُولُ : مَالِي وَلِمُزَيَّنَةَ ، حَتَّى نَفِذَتِ الْقَبَائِلُ لَا تَمُرُّ قَبِيلَةٌ إِلَّا سَأَلَنِي عَنْهَا ، فَإِذَا أَخْبَرْتُهُ يَقُولُ : مَالِي وَلِبَنِي فُلَانٍ حَتَّى مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَضْرَاءِ ، كَتِيبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ، فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، لَا يُرَى مِنْهُمْ إِلَّا الْحَدَقُ مِنَ الْحَدِيدِ ، قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ يَا عَبَّاسُ ؟ قُلْتُ : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، [ ص: 572 ] فَقَالَ : وَاللَّهِ مَا لِأَحَدٍ بِهَؤُلَاءِ مِنْ قِبَلٍ وَلَا طَاقَةٍ ، وَاللَّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيكَ عَظِيمًا ، فَقَالَ : وَيْحَكَ! إِنَّهَا النُّبُوَّةُ ، قَالَ : نَعَمْ إِذًا .

فَقُلْتُ : الْحَقِ الْآنَ بِقَوْمِكَ فَحَذِّرْهُمْ ، فَخَرَجَ سَرِيعًا حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَصَرَخَ فِي الْمَسْجِدِ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، هَذَا مُحَمَّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ ، قَالُوا : فَمَهْ ؟ قَالَ : مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، قَالُوا : وَيْحَكَ وَمَا تُغْنِي عَنَّا دَارُكَ ؟ قَالَ : وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ ، فَتَفَرَّقَ النَّاسُ إِلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ .

قَالَ : وَجَاءَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَأَسْلَمَا وَبَايَعَاهُ ، فَلَمَّا بَايَعَاهُ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ يَدَيْهِ إِلَى قُرَيْشٍ يَدْعُوَانِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ .

وَلَمَّا خَرَجَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ وَبَدِيلُ بْنُ وَرْقَاءَ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامِدِينَ إِلَى مَكَّةَ بَعَثَ فِي إِثْرِهِمَا الزُّبَيْرَ وَأَعْطَاهُ رَايَتَهُ وَأَمَّرَهُ عَلَى خَيْلِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكِزَ رَايَتَهُ بِأَعْلَى مَكَّةَ بِالْحُجُونِ ، وَقَالَ : لَا تَبْرَحْ حَيْثُ أَمَرْتُكَ أَنْ تَرْكِزَ رَايَتِي حَتَّى آتِيَكَ ، وَمِنْ ثَمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَضُرِبَتْ هُنَاكَ قُبَّتُهُ ، وَأَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِيمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قُضَاعَةَ وَبَنِي سُلَيْمٍ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَبِهَا بَنُو بَكْرٍ قَدِ اسْتَنْفَرَتْهُمْ قُرَيْشٌ وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَمَنْ كَانَ مِنَ الْأَحَابِيشِ ، أَمَرَتْهُمْ قُرَيْشٌ أَنْ يَكُونُوا بِأَسْفَلَ مَكَّةَ ، وَإِنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ، وَكَانُوا قَدْ جَمَعُوا أُنَاسًا بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا ، وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَالِدٍ وَالزُّبَيْرِ حِينَ بَعَثَهُمَا : لَا تُقَاتِلَا إِلَّا مَنْ قَاتَلَكُمْ ، وَأَمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النَّاسِ مِنْ كُدًي ، فَقَالَ سَعْدٌ حِينَ تَوَجَّهَ دَاخِلًا الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ ، الْيَوْمُ تُسْتَحَلُّ الْحُرْمَةُ ، فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اسْمَعْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَمَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ صَوْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : أَدْرِكْهُ فَخُذِ الرَّايَةَ مِنْهُ ، فَكُنْ أَنْتَ الَّذِي تَدْخُلُ بِهَا ، فَلَمْ يَكُنْ بِأَعْلَى مَكَّةَ مِنْ قِبَلِ الزُّبَيْرِ قِتَالٌ ، وَأَمَّا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ وَبَنِي بَكْرٍ وَالْأَحَابِيشِ بِأَسْفَلِ مَكَّةَ ، فَقَاتَلَهُمْ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ ، وَلَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ قِتَالٌ غَيْرُ ذَلِكَ .

وَقُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَرِيبٌ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ، وَلَمْ يُقْتَلْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ : سَلَمَةُ بْنُ الْمَيْلَاءِ ، مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، وَرَجُلَانِ يُقَالُ لَهُمَا : كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ [ وَخُنَيْسُ ] بْنُ خَالِدٍ ، كَانَا فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، فَشَذَّا عَنْهُ وَسَلَكَا طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِهِ ، فَقُتِلَا جَمِيعًا . [ ص: 573 ]

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَهِدَ إِلَى أُمَرَائِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ أَنْ لَا يُقَاتِلُوا أَحَدًا إِلَّا مَنْ قَاتَلَهُمْ ، إِلَّا [ أَنَّهُ قَدْ عَهِدَ ] فِي نَفَرٍ سَمَّاهُمْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ ، وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ . مِنْهُمْ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَارْتَدَّ مُشْرِكًا ، فَفَرَّ إِلَى عُثْمَانَ ، وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ، فَغَيَّبَهُ حَتَّى أَتَى بِهِ [ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ أَنِ اطْمَأَنَّ أَهْلُ مَكَّةَ ، فَاسْتَأْمَنَ لَهُ .

وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ ، كَانَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمِ بْنِ غَالِبٍ ] ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُصَدِّقًا ، وَكَانَ لَهُ مَوْلًى يَخْدِمُهُ وَكَانَ مُسْلِمًا ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا وَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ لَهُ تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا وَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ، ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا ، وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ .

وَالْحُوَيْرثُ ، بْنُ [ نُقَيْذِ ] بْنِ وَهْبٍ ، كَانَ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ .

ومِقْيَسُ بْنُ صَبَابَةَ ، وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ ، لِقَتْلِهِ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ خَطَئًا وَرُجُوعِهِ إِلَى قُرَيْشٍ مُرْتَدًّا .

وَسَارَّةُ ; مَوْلَاةٌ كَانَتْ لِبَعْضِ بَنِي الْمُطَّلِبِ كَانَتْ مِمَّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكَّةَ .

وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، فَأَمَّا عِكْرِمَةُ فَهَرَبَ إِلَى الْيَمَنِ ، وَأَسْلَمَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَمَّنَهُ ، فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ حَتَّى أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ .

وَأُمًّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ ، فَقَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ ، اشْتَرَكَا فِي دَمِهِ ، وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صَبَابَةَ ، فَقَتَلَهُ تُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ ، وَأَمَّا قَيْنَتَا ابْنِ خَطَلٍ ; فَقُتِلَتْ إِحْدَاهُمَا وَهَرَبَتِ الْأُخْرَى حَتَّى اُسْتُؤْمِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَأَمَّنَهَا ، وَأَمَّا سَارَّةُ فَتَغَيَّبَتْ حَتَّى اُسْتُؤْمِنَ لَهَا فَأَمَّنَهَا ، فَعَاشَتْ حَتَّى أَوَطَأَهَا رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ فَرَسًا لَهُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْأَبْطَحِ فَقَتَلَهَا ، وَأَمَّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ ، فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ .

فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ وَقَفَ قَائِمًا عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ ، صَدَقَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ ، وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ، أَلَا إِنَّ كُلَّ مَأْثَرَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ [ ص: 574 ] يُدْعَى فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، إِلَّا سَدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجِّ ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظُّمَهَا بِالْآبَاءِ ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ ، ثُمَّ تَلَا " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى " ( الْحُجُرَاتِ - 13 ) الْآيَةَ ، يَا أَهْلَ مَكَّةَ ، مَاذَا تَرَوْنَ أَنِّي فَاعِلٌ بِكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرًا ، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ ، قَالَ : اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَقَدْ كَانَ اللَّهُ أَمْكَنَهُ مِنْ رِقَابِهِمْ عَنْوَةً ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَهْلُ مَكَّةَ الطُّلَقَاءَ .

ثُمَّ اجْتَمَعَ النَّاسُ لِلْبَيْعَةِ ; فَجَلَسَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الصَّفَا ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَسْفَلَ مِنْهُ يَأْخُذُ عَلَى النَّاسِ ، فَبَايَعُوهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِيمَا اسْتَطَاعُوا ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيْعَةِ الرِّجَالِ بَايَعَ النِّسَاءَ .

قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ : خَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ يُرِيدُ جَدَّةَ لِيَرْكَبَ مِنْهَا إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ سَيِّدُ قَوْمِي ، وَقَدْ خَرَجَ هَارِبًا مِنْكَ لِيَقْذِفَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ ، فَأَمِّنْهُ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : هُوَ آمِنٌ ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي شَيْئًا يُعْرَفُ بِهِ أَمَانُكَ ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِمَامَتَهُ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مَكَّةَ ، فَخَرَجَ بِهَا عُمَيْرٌ حَتَّى أَدْرَكَهُ بِجَدَّةَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ الْبَحْرَ فَقَالَ : يَا صَفْوَانُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي أُذَكِّرُكَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ أَنْ تُهْلِكَهَا ، فَهَذَا أَمَانُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ جِئْتُكَ بِهِ ، فَقَالَ : وَيْلَكَ اُغْرُبْ عَنِّي فَلَا تُكَلِّمْنِي ، قَالَ : أَيْ صَفْوَانُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ، أَفْضَلُ النَّاسِ وَأَبَرُّ النَّاسِ ، وَأَحْلَمُ النَّاسِ ، وَخَيْرُ النَّاسِ ، ابْنُ عَمِّكَ عِزُّهُ عِزُّكَ وَشَرَفُهُ شَرَفُكَ وَمُلْكُهُ مُلْكُكَ . قَالَ : إِنِّي أَخَافُهُ عَلَى نَفْسِي ، قَالَ : هُوَ أَحْلَمُ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْرَمُ ، فَرَجَعَ بِهِ مَعَهُ حَتَّى وَقَفَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَقَالَ صَفْوَانُ : إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّكَ أَمَّنْتَنِي ؟ قَالَ : صَدَقَ ، قَالَ فَاجْعَلْنِي فِي أَمْرِي بِالْخِيَارِ شَهْرَيْنِ ، قَالَ : أَنْتَ فِيهِ بِالْخِيَارِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ : وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ شَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةَ آلَافٍ ، وَكَانَ فَتْحُ مَكَّةَ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ ، وَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ بَعْدَ فَتْحِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً [ يَقْصُرُ ] الصَّلَاةَ .

ثُمَّ خَرَجَ إِلَى هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ ، قَدْ نَزَلُوا حُنَيْنًا .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، [ ص: 575 ] أَنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا . . . " وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ : حَدَّثَنَا حَرْبٌ عَنْ يَحْيَى ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ " حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ قَتَلَتْ خُزَاعَةُ رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ . أَلَا وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبَلِي ، وَلَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ، أَلَا وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ، أَلَا وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ ، حَرَامٌ لَا يُخْتَلَى شَوْكُهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا ، وَلَا يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلَّا مُنْشِدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرِ إِمَّا يُؤَدَّى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ يُقَالُ لَهُ أَبُو شَاهٍ فَقَالَ : اكْتُبْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا وَقُبُورِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِلَّا الْإِذْخِرَ " .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ ، عَنْ أَبِي النَّضِرِ - مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبِيدِ اللَّهِ - أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ : ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ الْفَتْحِ ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ ، وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبٍ ، قَالَتْ : فَسَلَّمْتُ ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ ؟ فَقُلْتُ : أَنَا أُمُّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَقُلْتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، زَعَمَ ابْنُ أُمِّي ، عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْتُهُ ، فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ ، وَذَلِكَ ضُحًى .

قَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ ) إِذَا جَاءَكَ نَصْرُ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَنْ عَادَاكَ وَهُمْ قُرَيْشٌ ، ( وَالْفَتْحُ ) فَتْحُ مَكَّةَ .
( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ( 2 ) )

( ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ) زمرا وأرسالا القبيلة بأسرها ، والقوم بأجمعهم من غير قتال . [ ص: 576 ]

قال الحسن : لما فتح الله - عز وجل - مكة على رسوله قالت العرب بعضها لبعض : إذا ظفر محمد بأهل الحرم - وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل - فليس لكم به يدان ، فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا بعد أن كانوا يدخلون واحدا واحدا ، واثنين اثنين .

وقال عكرمة ومقاتل : أراد بالناس أهل اليمن :

أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أخبرنا عبد الله بن عمر الجوهري حدثنا أحمد بن الكشميهني حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن جعفر حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة الإيمان والحكمة يمانية " .
( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ( 3 ) )

( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) فإنك حينئذ لاحق به .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو النعمان ، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر قال بعضهم : لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال : إنه ممن قد علمتم ، قال : فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم ، قال : وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني ، فقال : ما تقولون في قوله : " إذا جاء نصر الله والفتح " حتى ختم السورة ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا جاء نصرنا وفتح علينا ، وقال بعضهم : لا ندري ، ولم يقل بعضهم شيئا ، فقال لي : يا ابن عباس أكذلك تقول ؟ قلت : لا قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه به ، " إذا جاء نصر الله والفتح " فتح مكة ، فذلك علامة أجلك " فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " ، فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن . [ ص: 577 ]

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني عبد الأعلى ، حدثنا داود عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ; قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قول : " سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه " ، [ قالت : فقلت : يا رسول الله ، أراك تكثر من قول : " سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ؟ فقال : أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي ، فإذا رأيتها أكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ، فقد رأيتها : " إذا جاء نصر الله والفتح " . فالفتح : فتح مكة ، " ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " . " ]

قال ابن عباس : لما نزلت هذه السورة علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نعيت إليه نفسه .

قال الحسن : أعلم أنه قد اقترب أجله فأمر بالتسبيح والتوبة ، ليختم له بالزيادة في العمل الصالح .

قال قتادة ومقاتل : عاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه السورة سنتين .
سُورَةُ الْمَسَدِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ( 1 ) )

( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ ، أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الصَّفَا فَقَالَ : يَا صَبَاحَاهُ ، قَالَ : فَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ قُرَيْشٌ ، فَقَالُوا لَهُ : مَالَكَ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ مُصَبِّحَكُمْ أَوْ مُمَسِّيَكُمْ أَمَا كُنْتُمْ تُصَدِّقُونِي ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ : تَبًّا لَكَ ، أَلِهَذَا دَعَوْتَنَا جَمِيعًا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ " إِلَى آخِرِهَا .

قَوْلُهُ : ( تَبَّتْ ) أَيْ : خَابَتْ وَخَسِرَتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ ، [ أَيْ هُوَ ] ، أَخْبَرَ عَنْ يَدَيْهِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْسُهُ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي التَّعْبِيرِ بِبَعْضِ الشَّيْءِ عَنْ كُلِّهِ .

وَقِيلَ : " الْيَدُ " صِلَةٌ ، كَمَا يُقَالُ : يَدُ الدَّهْرِ وَيَدُ الرَّزَايَا وَالْبَلَايَا .

وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهَا مَالُهُ وَمُلْكُهُ ، يُقَالُ : فَلَانٌ قَلِيلُ ذَاتِ الْيَدِ ، يَعْنُونَ بِهِ الْمَالَ ، وَ " التَّبَابُ " : الْخَسَارُ وَالْهَلَاكُ .

وَأَبُو لَهَبٍ : هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى . قَالَ مُقَاتِلٌ : كُنِّيَ بِأَبِي لَهَبٍ لِحُسْنِهِ وَإِشْرَاقِ وَجْهِهِ . [ ص: 582 ]

وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ " أَبِي لَهْبٍ " سَاكِنَةَ الْهَاءِ ، وَهِيَ مِثْلُ : نَهْرٍ وَنَهَرٍ . وَاتَّفَقُوا فِي " ذَاتَ لَهَبٍ " أَنَّهَا مَفْتُوحَةُ الْهَاءِ لِوِفَاقِ الْفَوَاصِلِ .

( وَتَبَّ ) أَبُو لَهَبٍ ، وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ : وَقَدْ تَبَّ . قَالَ الْفَرَّاءُ : الْأَوَّلُ دُعَاءٌ ، وَالثَّانِي خَبَرٌ ، كَمَا يُقَالُ : أَهْلَكَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ فَعَلَ .
( ما أغنى عنه ماله وما كسب ( 2 ) سيصلى نارا ذات لهب ( 3 ) وامرأته حمالة الحطب ( 4 ) )

( ما أغنى عنه ماله وما كسب ) قال ابن مسعود : لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرباءه إلى الله - عز وجل - قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي نفسي ومالي وولدي ، فأنزل الله تعالى :

( ما أغنى عنه ماله ) أي ما يغني ، وقيل : أي شيء يغني عنه ماله ، أي : ما يدفع عنه عذاب الله ما جمع من المال ، وكان صاحب مواش ( وما كسب ) قيل : يعني ولده ، لأن ولد الإنسان من كسبه كما جاء في الحديث : " أطيب ما يأكل أحدكم من كسبه ، وإن ولده من كسبه " . ثم أوعده بالنار فقال : ( سيصلى نارا ذات لهب ) أي نارا تلتهب عليه . ( وامرأته ) أم جميل بنت حرب بن أمية أخت أبي سفيان ( حمالة الحطب ) قال ابن زيد والضحاك : كانت تحمل الشوك والعضاة فتطرحه في طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه لتعقرهم ، وهي رواية عطية عن ابن عباس .

وقال قتادة ، ومجاهد ، والسدي : كانت تمشي بالنميمة وتنقل الحديث فتلقي العداوة بين الناس ، [ ص: 583 ] وتوقد نارها كما توقد النار [ بالحطب ] . يقال : فلان يحطب على فلان ، إذا كان يغري به .

وقال سعيد بن جبير : حمالة الخطايا ، دليله : قوله : " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم " ( الأنعام - 31 ) .

قرأ عاصم " حمالة " بالنصب على الذم ، كقوله : " ملعونين " .

وقرأ . الآخرون بالرفع ، وله وجهان : أحدهما سيصلى نارا هو وامرأته حمالة الحطب . والثاني : وامرأته حمالة الحطب في النار أيضا .
( في جيدها حبل من مسد ( 5 ) )

( في جيدها ) في عنقها ، وجمعه أجياد ، ( حبل من مسد ) واختلفوا فيه ، قال ابن عباس ، وعروة بن الزبير : سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا ، تدخل في فيها وتخرج من دبرها ، ويكون سائرها في عنقها ، وأصله من " المسد " وهو الفتل ، و " المسد " ما فتل وأحكم من أي شيء كان ، يعني : السلسلة التي في عنقها ففتلت من الحديد فتلا محكما .

وروى الأعمش عن مجاهد : " من مسد " أي من حديد ، والمسد : الحديدة التي تكون في البكرة ، يقال لها المحور .

وقال الشعبي ومقاتل : من ليف . قال الضحاك وغيره : في الدنيا من ليف ، وفي الآخرة من نار . وذلك الليف هو الحبل الذي كانت تحتطب به ، فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة فأعيت فقعدت على حجر تستريح فأتاها ملك فجذبها من خلفها فأهلكها .

قال ابن زيد : حبل من شجر ينبت باليمن يقال له مسد .

قال قتادة : قلادة من ودع وقال الحسن : كانت خرزات في عنقها [ فاخرة ] وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة في عنقها فاخرة ، فقالت : لأنفقنها في عداوة محمد - صلى الله عليه وسلم - .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 07:01 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 51.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 50.82 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (1.28%)]