عرض مشاركة واحدة
  #456  
قديم 23-12-2022, 05:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير البغوى****متجدد إن شاء الله

الحلقة (441)
الجزء الثامن
- تفسير البغوى

سُورَةُ قريش
مكية

الاية 1 إلى الاية 4


( أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ( 2 ) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ( 3 ) )

( أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ) " كَيْدَهُمْ " يَعْنِي مَكْرَهُمْ وَسَعْيَهُمْ فِي تَخْرِيبِ الْكَعْبَةِ . وَقَوْلُهُ : " فِي تَضْلِيلٍ " عَمَّا أَرَادُوا ، وَأَضَلَّ كَيْدَهُمْ حَتَّى لَمْ يَصِلُوا إِلَى الْكَعْبَةِ ، وَإِلَى مَا أَرَادُوهُ بِكَيْدِهِمْ . قَالَ مُقَاتِلٌ : فِي خَسَارَةٍ ، وَقِيلَ : فِي بُطْلَانٍ . ( وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ) كَثِيرَةً مُتَفَرِّقَةً يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا . وَقِيلَ : أَقَاطِيعَ كَالْإِبِلِ الْمُؤَبَّلَةِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ . أَبَابِيلُ جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ ، يُقَالُ : جَاءَتِ الْخَيْلُ أَبَابِيلُ مِنْ هَاهُنَا وَهَاهُنَا .

قَالَ الْفَرَّاءُ : لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا . وَقِيلَ : وَاحِدُهَا إِبَالَةٌ . وَقَالَ الْكِسَائِيُّ : إِنِّي كُنْتُ أَسْمَعُ [ ص: 541 ] النَّحْوِيِّينَ يَقُولُونَ : وَاحِدُهَا أَبُولُ ، مِثْلُ عَجُولٌ وَعَجَاجِيلُ .

وَقِيلَ : وَاحِدُهَا مِنْ [ لَفْظِهَا ] إِبِّيلٌ .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَتْ طَيْرًا لَهَا خَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الطَّيْرِ ، وَأَكُفٌّ كَأَكُفِّ الْكِلَابِ .

وَقَالَ عِكْرِمَةُ : لَهَا رُؤُوسٌ كَرُؤُوسِ السِّبَاعِ . قَالَ الرَّبِيعُ : لَهَا أَنْيَابٌ كَأَنْيَابِ السِّبَاعِ .

وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : خُضْرٌ لَهَا مَنَاقِيرُ صُفْرٌ . وَقَالَ قَتَادَةُ : طَيْرٌ سُودٌ جَاءَتْ مِنْ قَبْلِ الْبَحْرِ فَوْجًا فَوْجًا مَعَ كُلِّ طَائِرٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ ; حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ ، وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ ، لَا تُصِيبُ شَيْئًا إِلَّا هَشَمَتْهُ .
( ترميهم بحجارة من سجيل ( 4 ) فجعلهم كعصف مأكول ( 5 ) )

( ترميهم بحجارة من سجيل ) قال [ ابن عباس ] وابن مسعود : صاحت الطير ورمتهم بالحجارة ، فبعث الله ريحا فضربت الحجارة فزادتها شدة فما وقع منها حجر على رجل إلا خرج من الجانب الآخر ، وإن وقع على رأسه خرج من دبره . ( فجعلهم كعصف مأكول ) كزرع وتبن أكلته الدواب فراثته فيبس وتفرقت أجزاؤه . شبه تقطع ، أوصالهم بتفرق أجزاء الروث . قال مجاهد : " العصف " ورق الحنطة . وقال قتادة : هو التبن . وقال عكرمة : كالحب إذا أكل فصار أجوف . وقال ابن عباس : هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف له .
سُورَةُ قُرَيْشٍ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ( 1 ) )

( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ) قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ : " لِيلَافِ " بِغَيْرِ هَمْزٍ " إِلَافِهِمْ " طَلَبًا لِلْخِفَّةِ ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ " لِئِلَافِ " بِهَمْزَةٍ مُخْتَلَسَةٍ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ بَعْدَهَا [ عَلَى وَزْنِ لِغِلَافِ ] وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِهَمْزَةٍ مُشْبَعَةٍ وَيَاءٍ بَعْدَهَا ، وَاتَّفَقُوا - غَيْرَ أَبِي جَعْفَرٍ - فِي " إِيلَافِهِمْ " أَنَّهَا بِيَاءٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ ، إِلَّا عَبْدَ الْوَهَّابِ بْنَ فُلَيْحٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ قَرَأَ : " إِلْفِهِمْ " سَاكِنَةَ اللَّامِ بِغَيْرِ يَاءٍ .

وَعَدَّ بَعْضُهُمْ سُورَةَ الْفِيلِ وَهَذِهِ السُّورَةَ وَاحِدَةً ; مِنْهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ لَا فَصْلَ بَيْنَهُمَا فِي مُصْحَفِهِ ، وَقَالُوا : اللَّامُ فِي " لِإِيلَافِ " تَتَعَلَّقُ بِالسُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَّرَ أَهْلَ مَكَّةَ عَظِيمَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا صَنَعَ بِالْحَبَشَةِ ، وَقَالَ : ( لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ) .

وَقَالَ الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى : جَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ ، أَيْ [ يُرِيدُ إِهْلَاكَ أَهْلِ ] الْفِيلِ لِتَبْقَى قُرَيْشٌ [ وَمَا أَلِفُوا مِنْ ] رِحْلَةِ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ : أَلِفُوا ذَلِكَ فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ .

وَالْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُمَا سُورَتَانِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِلَّةِ الْجَالِبَةِ لِلَّامِ فِي قَوْلِهِ " لِإِيلَافِ " ، قَالَ الْكِسَائِيُّ [ ص: 546 ] وَالْأَخْفَشُ : هِيَ لَامُ التَّعَجُّبِ ، يَقُولُ : اعْجَبُوا لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، وَتَرَكِهِمْ عِبَادَةَ رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَتِهِ كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ لِزَيْدٍ وَإِكْرَامِنَا إِيَّاهُ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ : اعْجَبُوا لِذَلِكَ : وَالْعَرَبُ إِذَا جَاءَتْ بِهَذِهِ اللَّامِ اكْتَفَوْا بِهَا دَلِيلًا عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْ إِظْهَارِ الْفِعْلِ مِنْهُ .

وَقَالَ الزَّجَّاجُ : هِيَ مَرْدُودَةٌ إِلَى مَا بَعْدَهَا تَقْدِيرُهُ : فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لِإِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ .

وَقَالَ [ ابْنُ عُيَيْنَةَ ] : لِنِعْمَتِي عَلَى قُرَيْشٍ .

وَقُرَيْشٌ هُمْ وَلَدُ النَّضِرِ بْنِ كِنَانَةَ ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدَهُ النَّضْرُ فَهُوَ قُرَشِيٌّ ، وَمَنْ لَمْ يَلِدْهُ النَّضْرُ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ .

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَرِيكٍ الشَّافِعِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجَوْرَبَذِيُّ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّدَفِيُّ ، أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، حَدَّثَنِي شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ " .

وَسُمُوا قُرَيْشًا مِنَ الْقَرْشِ ، وَالتَّقَرُّشِ وَهُوَ التَّكَسُّبُ وَالْجَمْعُ ، يُقَالُ : فَلَانٌ يَقْرِشُ لِعِيَالِهِ وَيَقْتَرِشُ أَيْ يَكْتَسِبُ ، وَهُمْ كَانُوا تُجَّارًا حُرَّاصًا عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَالْإِفْضَالِ .

وَقَالَ أَبُو رَيْحَانَةَ : سَأَلَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ : لِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا ؟ قَالَ : لِدَابَّةٍ تَكُونُ فِي الْبَحْرِ مِنْ أَعْظَمِ دَوَابِّهِ يُقَالُ لَهَا الْقِرْشُ لَا تَمُرُّ بِشَيْءٍ مِنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ إِلَّا أَكَلَتْهُ ، وَهِيَ تَأْكُلُ وَلَا تُؤْكَلُ ، وَتَعْلُو وَلَا تُعْلَى ، قَالَ : وَهَلْ تَعْرِفُ الْعَرَبُ ذَلِكَ فِي أَشْعَارِهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَأَنْشَدَهُ شِعْرَ الْجُمَحِيِّ :
وقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا سُلِّطَتْ بالعُلُوِّ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ عَلَى سَائِرِ الْبُحُورِ جُيُوشَا تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلَا تَتْرُكْ
فِيهِ لِذِي الْجَنَاحَيْنِ رِيشَا [ ص: 547 ] هَكَذَا فِي الْكِتَابِ حَيُّ قُرَيْشٍ يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا [ كَمِيشَا ] وَلَهُمْ فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَبِيٌّ
يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا
( إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ( 2 ) فليعبدوا رب هذا البيت ( 3 ) الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ( 4 ) )

قوله تعالى : ( إيلافهم ) بدل من الإيلاف الأول ( رحلة الشتاء والصيف ) " رحلة " نصب على المصدر ، أي ارتحالهم رحلة الشتاء والصيف .

روى عكرمة ، وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف ، فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم ويعبدوا رب هذا البيت .

وقال الآخرون : كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة ، إحداهما في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ والأخرى في الصيف إلى الشام .

وكان الحرم واديا جدبا لا زرع فيه ولا ضرع ، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم ، وكان لا يتعرض لهم أحد بسوء ، كانوا يقولون : قريش سكان حرم الله وولاة بيته فلولا الرحلتان لم يكن لهم بمكة مقام ، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف ، وشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن ، فحملوا الطعام إلى مكة ، أهل الساحل من البحر على السفن وأهل البر على الإبل والحمير فألقى أهل الساحل بجدة ، وأهل البر بالمحصب ، وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة فألقوا بالأبطح ، فامتاروا من قريب وكفاهم الله مؤنة الرحلتين ، وأمرهم بعبادة رب البيت فقال : ( فليعبدوا رب هذا البيت ) أي الكعبة . ( الذي أطعمهم من جوع ) أي من بعد جوع بحمل الميرة إلى مكة ( وآمنهم من خوف ) بالحرم وكونهم من أهل [ مكة ] حتى لم يتعرض لهم [ في رحلتهم ] [ ص: 548 ]

وقال عطاء عن ابن عباس : إنهم كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين ، وكانوا يقسمون ربحهم بين الفقير والغني حتى كان فقيرهم كغنيهم .

قال الكلبي : وكان أول من حمل [ السمراء ] من الشام ورحل إليها الإبل : هاشم بن عبد مناف وفيه يقول الشاعر .
قل للذي طلب السماحة والندى هلا مررت بآل عبد مناف هلا مررت بهم تريد قراهم
منعوك من ضر ومن إكفاف الرائشين وليس يوجد رائش
والقائلين هلم للأضياف والخالطين فقيرهم بغنيهم
حتى يكون فقيرهم كالكافي والقائمين بكل وعد صادق
والراحلين برحلة الإيلاف عمرو [ العلا ] هشم الثريد لقومه
ورجال مكة [ مسنتون ] عجاف سفرين سنهما له ولقومه
سفر الشتاء ورحلة الأصياف

وقال الضحاك والربيع وسفيان : " وآمنهم من خوف " من خوف الجذام ، فلا يصيبهم ببلدهم الجذام .
سُورَةُ الْمَاعُونِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ( 1 ) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ( 2 ) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ( 3 ) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ( 4 ) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ( 5 ) )

( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ) قَالَ مُقَاتِلٌ : نَزَلَتْ فِي الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَقَالَ السُّدِّيُّ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ وَابْنُ كَيْسَانَ : فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . قَالَ الضَّحَّاكُ : فِي [ عَمْرِو ] بْنِ عَائِذٍ الْمَخْزُومِيِّ . وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ .

وَمَعْنَى " يُكَذِّبُ بِالدِّينِ " أَيْ بِالْجَزَاءِ وَالْحِسَابِ . ( فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ) يَقْهَرُهُ وَيَدْفَعُهُ عَنْ حَقِّهِ وَالدَّعُّ : الدَّفْعُ بِالْعُنْفِ وَالْجَفْوَةِ . ( وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ) لَا يَطْعَمُهُ وَلَا يَأْمُرُ بِإِطْعَامِهِ لِأَنَّهُ يُكَذِّبُ بِالْجَزَاءِ . ( فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ) [ أَيْ : عَنْ مَوَاقِيتِهَا غَافِلُونَ ] .

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [ ص: 552 ] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ غَالِبِ بْنِ تَمَّامٍ الضَّبِّيُّ ، حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ حَفْصٍ [ القَسْمَلِيُّ ] حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا [ عَبْدُ الْمَلِكِ ] بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ [ سَعْدٍ ] عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ " الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ " ، قَالَ : " إِضَاعَةُ الْوَقْتِ " .

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُمُ الْمُنَافِقُونَ يَتْرُكُونَ الصَّلَاةَ إِذَا غَابُوا عَنِ النَّاسِ ، وَيُصَلُّونَهَا فِي الْعَلَانِيَةِ إِذَا حَضَرُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ )( الذين هم يراءون ( 6 ) ويمنعون الماعون ( 7 ) )

( الذين هم يراءون ) وقال في وصف المنافقين : " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس " ( النساء - 142 ) .

وقال قتادة : ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصل .

وقيل : لا يرجون لها ثوابا إن صلوا ولا يخافون عقابا إن تركوا .

وقال مجاهد : غافلون عنها يتهاونون بها .

وقال الحسن : هو الذي إن صلاها صلاها رياء ، وإن فاتته لم يندم .

وقال أبو العالية : لا يصلونها لمواقيتها ولا يتمون ركوعها وسجودها . ( ويمنعون الماعون ) روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال : هي الزكاة ، وهو قول ابن عمر والحسن وقتادة والضحاك .

وقال عبد الله بن مسعود : " الماعون " : الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهي رواية [ ص: 553 ] سعيد بن جبير عن ابن عباس .

قال مجاهد : " الماعون " [ العارية . وقال عكرمة ] أعلاها الزكاة المعروفة [ وأدناها عارية المتاع .

وقال محمد بن كعب والكلبي : " الماعون " : المعروف الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم .

قال قطرب : أصل الماعون من القلة ، تقول العرب : ما له : سعة ولا منعة ، أي شيء قليل فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعونا لأنه قليل من كثير .

وقيل : " الماعون " : ما لا يحل منعه مثل : الماء والملح والنار ] . سُورَةُ الْكَوْثَرِ

مَكِّيَّةٌ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ( 1 ) )

( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الْمُخْتَارِ - يَعْنِي ابْنَ فُلْفُلٍ - عَنْ أَنَسٍ قَالَ : بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أظْهُرِنَا إِذْ أَغْفَى إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُبْتَسِمًا فَقُلْنَا : مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ ، فَقَرَأَ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : " إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ " ، ثُمَّ قَالَ : " أَتُدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ " ؟ قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " فَإِنَّهُ نَهَرَ وَعَدَنِيهِ رَبِّي - عَزَّ وَجَلَّ - عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ فَيُخْتَلَجُ الْعَبْدُ مِنْهُمْ فَأَقُولُ : رَبِّ إِنَّهُ مِنِّي ، فَيَقُولُ : مَا تَدْرِي مَا أَحْدَثَ بَعْدَكَ " .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " الْكَوْثَرُ " : الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . قَالَ أَبُو بِشْرٍ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ : إِنَّ أُنَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ سَعِيدٌ : النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ . [ ص: 558 ]

قَالَ الْحَسَنُ : هُوَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ .

قَالَ عِكْرِمَةُ : النُّبُوَّةُ وَالْكِتَابُ .

وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْكَوْثَرُ : فَوْعَلٌ [ مِنَ الْكَثْرَةِ ، كَنَوْفَلٍ : فَوْعَلٌ ] مِنَ النَّفْلِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ [ كَثِيرٍ فِي الْعَدَدِ أَوْ ] كَثِيرٍ فِي الْقَدْرِ وَالْخَطَرِ : كَوْثَرًا . وَالْمَعْرُوفُ : أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ أَعْطَاهُ اللَّهُ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ :

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخِرَقِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ [ عَلِيٍّ ] الْكُشْمِيهَنِيُّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرَ ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَإِذَا أَنَا بِنَهْرٍ يَجْرِي بَيَاضُهُ [ بَيَاضُ ] اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَحَافَّتَاهُ خِيَامُ اللُّؤْلُؤِ فَضَرَبْتُ بِيَدِي فَإِذَا الثَّرَى مِسْكٌ أَذْفَرُ فَقُلْتُ لِجِبْرِيلَ : مَا هَذَا ؟ قَالَ الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - : .

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الصَّلْتُ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " الْكَوْثَرُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ ، حَافَّتَاهُ الذَّهَبُ مَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَأَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ " . . [ ص: 559 ]

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ ، حَدَّثَنَا نَافِعُ [ بْنُ عُمَرَ ، عَنِ ] ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ : قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ ، مَنْ يَشْرَبْ مِنْهَا لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا " .

أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ ، أَخْبَرَنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ ، عَنْ مُعَدَّانِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " [ أَنَا عِنْدَ عُقْرِ حَوْضِي ] أَذُودُ النَّاسَ عَنْهُ لِأَهْلِ الْيَمَنِ " إِنِّي لَأَضْرِبُهُمْ بِعَصَايَ حَتَّى يَرْفَضُّوا عَنْهُ " وَإِنَّهُ [ لَيَغُتُّ ] فِيهِ مِيزَابَانِ مِنَ الْجَنَّةِ ، أَحَدُهُمَا مِنْ وَرِقٍ وَالْآخَرُ مِنْ ذَهَبَ طُولُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى وَصَنْعَاءَ ، أَوْ مَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَمَكَّةَ أَوْ مِنْ مَقَامِي هَذَا إِلَى عُمَانَ " .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-12-2022 الساعة 06:58 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.45 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 45.79 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]