عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-01-2021, 09:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المدد عند الصوفية

المدد عند الصوفية



الشيخ أبو الوفاء محمد درويش




أما أنكم لو طلبتم من شيوخكم -وهم حاضرون معكم- طعاماً تأكلونه أو ماء تشربونه، أو ثوباً تلبسونه، أو كتاباً تقرءونه أو درساً تتعلمونه ما عاب عليكم أحد ولا لامكم فيه لائم ولكنكم تطلبون من الغائبين ومن الموتى أموراً لا يقدر عليها إلا رب العالمين، فتؤلهون الغائبين والموتى، وتجعلونهم شركاء لله في علمه وقدرته، وتصرفه في ملكوت السموات والأرض، وتزعمون بعد ذلك أنكم موحدون وتلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون.


أما الموتى فمهما يكن فضلهم وصلاحهم وتقواهم في حياتهم الدنيا، ومهما تسم أقدارهم، وتعل منـزلتهم عند ربهم فقد انقطعت بالموت أعمالهم. لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...» وإذا انقطع عمل العبد لنفسه فأحرى أن ينقطع عمله لغيره، فهيهات أن يصل منه إلى المريد مدد، أو ينتفع بشخصه بعد موته أحد.

أما الأحياء الذين تحول بينهم وبين المريد المسافات الشاسعة التي لا تبلغها الأصوات ولا تقطعها الدعوات فهيهات أن يستمعوا لمريديهم هيهات.

ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور.

ومما وسوس به الشيطان في صدورهم وسال به لعابه من أسلات أقلام الكاتبين منهم قولهم: "أن المدد من الله مباشرة لا تتحمله القلوب الضعيفة فلا بد من وساطة الشيخ الذي يكون بمثابة زجاجة ملونة تضعف ضوء المصباح القوي[2]" كبرت كلمة تخرج من أفواههم أن يقولون إلا كذباً.

فجميع العباد مغمورون فيه إنما هو من إمداد الله تعالى، فحياتهم وأسماعهم وأفئدتهم، وعقولهم وجميع أعضائهم وحواسهم ومشاعرهم وأفهامهم وعواطفهم ومداركهم وقواهم، من إمداد الله تعالى وصلت إليهم من الله تعالى مباشرة، ولا يد لشيخ من الأشياخ ولا لنبي من الأنبياء في وصولها. التوفيق للرشد والهداية إلى الصراط المستقيم، من أمداد الله تعالى. وقد علمنا الله تعالى أن ندعوه مخلصين له الدين، وأن نبتهل إليه طالبين منه الهداية إلى الصراط المستقيم، وأين أنتم من قوله تعالى: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6]، آية من السبع المثاني جعلها في فاتحة الكتاب التي لا صلاة لمصل إلا بها.

وأين كان الشيوخ حين أمد الله جميع خلقه بما هم مغمورون فيه من موفور النعم وجزيل الآلاء. وكله من فضل الله ورحمته؟


ولكنها ضلالات وأكاذيب ومفتريات يفترونها ليخدعوا الناس عن أنفسهم حتى يطيعوهم الطاعة العمياء، وينـزلوا لهم عن أموالهم فيأخذونها غنيمة باردة ويأكلوها بالباطل وهم يعلمون.

المدد شرك وخرافة

أما أنه شرك فالاعتقاد أن غير الله تعالى يملك قوة غيبية يستطيع أن يسمع به ادعاء من يستمده، ويعلم حاجته ثم يمده بما هو في حاجة إليه. وهذا الاعتقاد هو الذي يطوع لهم أن يتجهوا إلى غير الله في طلب ما لا يقدر عليه إلا الله وذلك هو الشرك الصريح القبيح. وأما أنه خرافة، فلأنه لا يقبله عقل، ولا يؤيده علم، ولا يعضده نص من نصوص الشريعة المطهرة الواردة في كتاب الله والصحيح من سنة رسول الله.

أما العقل: فإنه لا يتصور أن إنساناً يتجه قلبه على البعد نحو إنسان آخر فيحدث ذلك الاتجاه آثاراً مادية أو معنوية في ذلك الإنسان وخاصة إذا كان يطلب المدد من الموتى الذين انقطعت أعمالهم بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين.

وأما العلم: فعلى فرط ما بلغه من الاستكشافات الرائعة التي غيرت الكثير من أوضاع هذه الكرة الأرضية ونظمها لم يصل بعد إلى كشف يؤيد هذه الخرافة.
وما هو بواصل إلى ذلك أبداً.

وأما الدين: فلم يرد في نص من نصوصه الواردة في كتاب الله وسنة رسوله إلا ما يهدم هذه الخرافة على رؤوس المفتونين بها.

ولو أتيحت هذه القدرة المزعومة لأحد من البشر لأتيحت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحب الخلق إلى الله وأكرمهم عليه.

ولو أتيحت له هذه القدرة لطلب صحابته الكرام منه المدد ولأمدهم بما شاءوا. ولأمد نفسه ولم يختبئ في الغار ثلاثة أيام، ولكن شيئاً من هذا لم يقع، وهذه كتب السنة بين أيدينا تشهد بكذب هذه الدعاوى الزائفة الكذوب. إذ لم يرويها حديث واحد صحيح ولا حسن بل ولا ضعيف يؤيد هذه الدعاوى.

بل على النقيض من ذلك جميع ما ورد في السنة ينادي ببطلان هذه الدعوى، وبأنها إفك وزور وبهتان.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لكريمته الزهراء الطاهرة الزكية: «يا فاطمة بنت محمد: لا أملك لك من الله شيئاً» وجاء في صحيح البخاري: «أن جماعة من الصحابة أحاط بهم الأعداء فتوجهوا إلى الله تعالى قائلين: اللهم أخبر عنا نبيك محمد».

كان في وسعهم أن يقولوا: المدد يا رسول الله. ولم يفعلوا. لماذا؟ لأنهم يعلمون علم اليقين أن الرسول لا يعلم الغيب، فلا يمكن أن يبلغه نداؤهم، لأنهم يؤمنون بالقرآن الذي يقول الله فيه لنبيه: ﴿ قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام: 50]، ويقول: ﴿ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف: 9]، ويقول: ﴿ قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً [الجن: 21]، ولأنهم يعلمون أن هذا المدد لا يكون إلا بقوة غيبية هي من خصائص رب العزة سبحانه فلم يطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم ما لا يملك.

وإنما طلبوا من الله تعالى القادر على كل شيء أن يخبر رسوله بالوحي يتنـزل عليه، فيبعث إليهم مدداً حياً من الجنود والمقاتلة ينقذهم من الكرب الذي نـزل بهم.

يريد هؤلاء الشيوخ أن يصرفوا مريديهم عن دعوة الله الحق مخلصين له الدين، فيهونون عليهم بالباطل ويقولون: "لم لا تنادي ربك وتقول: يا رب اغسل لي ثوبي ونظف لي بيتي، وساق لي دابتي، واطبخ لي طعامي، واحضره أمامي، وامضغ لي لقمتي، وارضع لي طفلي، على حد قول من قال: "سألت الله يجمعني بسلمى" ويوردون هذه الأبيات الوقحة الفاجرة الكافرة التي وضعها صاحب كتاب رجوع الشيخ إلى صباه ليهيج بقراءتها الغرائز الوضيعة، والطبائع الحيوانية، والشهوات الدنيئة. هذا الكتاب الداعر الماجن الخبيث الذي صادرته الحكومة من أجل هذه الأبيات وأمثالها.

ولا جرم أن إثبات هذه الأبيات في كتاب يذاع في الناس ويقرؤه الشباب عدوان صارخ على القانون، واستهانة بأحكام الدولة، وإهدار لهيبة الحكومة المهيمنة على حماية آداب الشعب ورعاية أخلاقه.

ونقول للعقلاء والمنصفين: إن مطالب الإنسان وحاجاته لا يدركها إلا إذا توفرت له الأسباب التي اقتضت حكمة الله أن تكون مؤدية إليها، وزالت الموانع التي من شأنها بمقتضى هذه الحكمة أن تحول دونها، وقد منح الله الإنسان علماً وقدرة يتمكن بها من كسب بعض الأسباب وإزالة بعض الموانع، لأن علمه محدود وقدرته محدودة، فعلى العبد أن يبذل قصارى جهده في الأخذ بالأسباب، التي يستطيع كسبها وفي درء الموانع التي يتسنى له درؤها، وله أن يطلب العون والمساعدة إن عجز عن بلوغ ذلك من أمثاله من البشر. وذلك ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 2].

أما ما وراء علمه وقدرته، وما وراء قوى البشر وقدرهم فلا يلتمس إلا من الله سبحانه وتعالى، ولا يطلب من سواه، إذ لا يقدر على ما وراء الأسباب التي خولها الجنس البشري على سواه إلا مسبب الأسباب.

أما الاستعانة بالأولياء وطلب المدد من الشيوخ الذين اتخذوهم أولياء من دون الله تعالى واستعانوا بهم فيما وراء الأسباب الكونية فهو شرك أقبح من شرك الجاهلية.

يجب الاستعانة بالله وحده فيما وراء الأسباب الكونية وذلك هو روح الدين وكمال اليقين، وعقد التوحيد الخالص الذي يسمو بنفوس معتقديه ويخلصها من رق الرؤساء والكبراء والشيوخ حتى يكون المؤمن مع الناس حراً خالصاً وسيداً كريماً، ومع الله عبداً خاضعاً، سميعاً مطيعاً.


[1] كتاب إجابة المدد.

[2] كتاب إجابة المدد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.29 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.63%)]