عرض مشاركة واحدة
  #152  
قديم 29-07-2022, 07:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله




كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الرابع

الحلقة (152)
صــــــــــ 57 الى صـــــــــــ63






قلت وأنت تقول لو دفع رجل إلى وال مالا يحمل به في سبيل الله ، أو يتصدق به متطوعا لم يكن له أن يخرجه من يدي الوالي بل يدفعه ؟ قال نعم قال ما العطايا بوجه واحد قلت فعمدت إلى ما دلت عليه السنة وجاءت الآثار بإجازته من الصدقات المحرمات فجعلته قياسا على ما يخالفه وامتنعت من أن تقيس عليه ما هو أقرب منه مما لا أصل فيه تفرق بينه وبينه . قال : وقلت له لو قال لك قائل : أنا أزعم أن الوصية لا تجوز إلا مقبوضة . قال : وكيف تكون الوصية مقبوضة ؟ قلت بأن يدفعها الموصي إلى الموصى له ويجعلها له بعد موته فإن مات جازت ، وإن لم يدفعها لم تجز كما أعتق رجل مماليك له فأنزلها النبي صلى الله عليه وسلم وصية ، وكما يهب في المرض فيكون وصية قال ليس ذلك له . قلت : فإن قال لك ولم ؟ قال أقول ; لأن الوصايا مخالفة للعطايا في الصحة قلت : فأذكر من قال يجوز بغير ما وصفنا من السلف . قال : ما أحفظه عن السلف وما أعلم فيه اختلافا قلنا : فبان لك أن المسلمين فرقوا بين العطايا ، قال : ما وجدوا بدا من التفريق بينهما . قلت : والوصايا بالعطايا أشبه من الوقف بالعطايا ، فإن للموصي أن يرجع في وصيته بعد الإشهاد عليها ويرجع في ماله إن مات من أوصى له بها ، أو ردها فكيف باينت بين [ ص: 57 ] العطايا والوصايا سواها وامتنعت من المباينة بين الوقف والعطايا سواه وأنت تفرق بين العطايا سواه فرقا بينا فنقول في العمرى هي لصاحبها لا ترجع إلى الذي أعطاها ، ولا تقول هذا في العارية ، ولا العطية غير العمرى ، قال بالسنة . قلت : وإذا جاءت السنة اتبعتها ؟ قال فذلك يلزمني . قلت : فقد وصفت لك في الوقف السنة والخبر العام عن الصحابة ، ولم تتبعه ، وقلت له أرأيت النحل والهبة والعطايا غير الوقف ألصاحبها أن يرجع فيها ما لم يقبضها من جعلها له ؟ قال : نعم ، قلت : فمن تقويت به فمن قال قولك من أصحابنا يقول لا يرجع فيها ، وإن مات قبل يقبضها من أعطيها رجعت ميراثا يكون في ذلك الوقف فيسوي بين قوليه ، قال : فهذا قول لا يستقيم ، ولا يجوز فيه إلا واحد من قولين إما أن يكون كما قلت إذا تكلم بالوقف ، أو العطية تمت لمن جعلها له وجبر على إعطائها إياه ، وإما أن يكون لا يتم إلا بالقبض مع العطايا فيكون له أن يرجع ما لم تتم بقبض من أعطيها ، ولا يجوز أبدا أن يكون له حبسها إذا تكلم بإعطائها ، ولا يكون لوارثه ملكها عنه إذا لم ترجع في حياته إلى ملكه لم ترجع في وفاته إلى ملكه فتكون موروثة عنه ، وهذا قول محال وكل ما وهبت لك فلي الرجوع فيه ما لم تقبضه ، أو يقبض لك ، وهذا مثل أن أقول : قد بعتك عبدي بألف فإن قلت قد رجعت قبل أن تختار أخذه كان لي الرجوع وكل أمر لا يتم إلا بأمرين لم يجز أن يملك بواحد . فقلت : هذا كما قلت إن شاء الله ، ولكن رأيتك ذهبت إلى رد الصدقات قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت فهل لك فيها حجة غير ما ذكرت مما لزمك به عندنا إثبات الصدقات ؟ قال ما عندي فيها أكثر مما وصفت .

( قال الشافعي ) رحمه الله قلت ففيما وصفت أن صدقات المهاجرين والأنصار بالمدينة معروفة قائمة ، وقد ورث المهاجرين والأنصار النساء الغرائب والأولاد ذوو الدين والإهلاك لأموالهم والحاجة إلى بيعه فمنعهم الحكام في كل دهر إلى اليوم فكيف أنكرت إجازتها مع عموم العلم ؟ وأنت تقول لو أخرج رجل بيتا من داره فبناه مسجدا وأذن فيه لمن صلى ، ولم يتكلم بوقفه كان وقفا للمصلين ، ولم يكن له أن يعود في ملكه إذا أذن للمصلين فيه ، وفي قولك هذا أنه لم يخرجه من ملكه ، ولو كان إذنه في الصلاة إخراجه من ملكه كان إخراجه إلى غير مالك بعينه فكان مثل الحبس الذي يلزمك إطلاقها لحديث شريح فعمدت إلى ما جاءت به السنة من الوقف في الأموال والدور وما أخرجه مالكه من ملك نفسه فأبطلته بعلة وأجزت المسجد بلا خبر من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاوزت القصد فيه فأخرجته من ملك صاحبه ، ولم يخرجه صاحب من ملكه إنما يخرجه بالكلام وأنت تعيب على المدنيين أن يقضوا بحيازة عشرة وعشرين سنة .

إذا حاز الرجل الدار والمحوز عليه حاضر يراه يبنيها ويهدمها ، وهو يبيع المنازل لا يكلمه فيها . وقلت الصمت والحوز لا يبطل الحق إنما يبطله القول وتجعل إذن صاحب المسجد - ، وهو لم ينطق بوقفه - وقفا فتزكن عليه وتعيب ما هو أقوى في الحجة من قول المدنيين في الحيازة من قولك في المسجد وتقول هذا وهو إزكان ، وقلت له : أرأيت لو أذن في داره للحاج أن ينزلوها سنة ، أو سنتين أتكون صدقة عليهم ؟ قال لا وله منعهم متى شاء من النزول فيها ، قلت : فكيف لم تقل هذا في المسجد يخرجه من الدار ، ولا يتكلم بوقفه . فقال : إن صاحبينا قد عابا قول صاحبهم وصارا إلى قولكم في إجازة الصدقات ، فقلت له ما زاد قولنا قوة بنزوعهما إليه ، ولا ضعفا بفراقهما حين فارقاه ولهما بالرجوع إليه أسعد ، وما علمتهما أفادا حين رجعا إليه علما كانا يجهلانه ، قال : ولكن قد يصح عندهما الشيء بعد أن لم يصح ، فقلت : الله أعلم كيف كان رجوعهما ومقامهما والرجوع بكل حال خير لهما إن شاء الله وقلت له أيجوز لعالم أن يأتيه الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر منصوص فيقول به ، وإن عارضه [ ص: 58 ] معارض بخبر غير منصوص فيقول به ثم يأتي مثله فلا يقبله ويصرف أصلا إلى أصل ؟ قال : لا ، قلت : فقد فعلت وصرفت الصدقات إلى النحل وهما مفترقان عندك . وقلت له : أيجوز أن يأتيك الحديث عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الصدقات بأمر يدل على أنهم تصدقوا بها وولوها وهم لا يفعلون إلا الجائز عندهم ، ثم يقولون في النحل عندهم : إنما تكون بأن تكون مقبوضات ، فتقول : أجعلوا الصدقات مثله ؟ قال : لا ، قلت : فقد فعلت قال : فلو كان هذا مأثورا عندهم عرفه الحجازيون ، فقلت قد ذكرت لك بعض ما حضرني من الأخبار على الدلالة عليه وأنه قول المكيين ، ولا أعلم من متقدمي المدنيين أحدا قال بخلافه .

( قال الشافعي ) ووصفت لك أن أهل هذه الصدقات من آل علي وغيرهم قد ذكروا ما وصفت من أن عليا رضي الله عنه ومن تصدق لم يزل يلي صدقته وصدقاتهم فيه جارية ثم ثبتت قائمة مشهورة القسم والموضع إلى اليوم ، وهذا أقوى من خبر الخاصة ، فقال فما تقول في الرجل يتصدق على ابنه ، أو ذي رحمه ، أو أجنبي بصدقة غير محرمة ، ولا في سبيل المحرمة بالتسبيل أيكون له ما لم يقبضها المتصدق عليه أن يرجع فيها ؟ قلت : نعم ، قال وسبيلها سبيل الهبات والنحل ؟ قلت : نعم . قال فأين هذا لي ؟ قلت معنى تصدقت عليك متطوعا معنى وهبت لك ونحلتك ; لأنه إنما هو شيء من مالي لم يلزمني أن أعطيكه ، ولا غيرك أعطيتك متطوعا ، وهو يقع عليه اسم صدقة ونحل وهبة وصلة وإمتاع ومعروف وغير ذلك من أسماء العطايا وليس يحرم علي لو أعطيتكه فرددته علي أن أملكه ، ولو مت أن أرثه كما يحرم علي لو تصدقت عليك بصدقة محرمة أن أملكها عنك بميراث ، أو غيره ، وقد لزمها اسم صدقة بوجه أبدا ؟ قلت له نعم أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن عبد الله بن يزيد الأنصاري ذكر الحديث .

( قال الشافعي ) وأخبرنا الثقة ، أو سمعت مروان بن معاوية عن عبد الله بن عطاء المديني عن ابن بريدة الأسلمي عن أبيه { أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني تصدقت على أمي بعبد وإنها ماتت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجبت صدقتك ، وهو لك بميراثك } قال فلم جعلت ما تصدق به غير واجب عليه على أحد بعينه في معنى الهبات تحل لمن لا تحل له الصدقة الواجبة فهل من دليل على ما وصفت ؟ قلت : نعم أخبرني محمد بن علي بن شافع قال أخبرني عبد الله بن حسن بن حسين عن غير واحد من أهل بيته وأحسبه قال زيد بن علي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب وأن عليا رضي الله عنه تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم .

( قال الشافعي ) وأخرج إلى والي المدينة صدقة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأخبرني أنه أخذها من آل أبي رافع وأنها كانت عندهم فأمر بها فقرئت علي ، فإذا فيها تصدق بها علي رضي الله عنه على بني هاشم وبني المطلب وسمى معهم غيرهم ، قال وبنو هاشم وبنو المطلب تحرم عليهم الصدقة المفروضة ، ولم يسم علي ، ولا فاطمة منهم غنيا ، ولا فقيرا ، وفيهم غني .

( قال الشافعي ) أخبرنا إبراهيم عن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه أنه كان يشرب من سقايات كان يضعها الناس بين مكة والمدينة فقلت أو قيل له ؟ فقال : إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة .

( قال الشافعي ) فقال أفتجيز أن يتصدق الرجل على الهاشمي والمطلبي والغني منهم ومن غيرهم متطوعا ؟ فقلت : نعم استدلالا بما وصفت وأن الصدقة تطوعا إنما هي عطاء ، ولا بأس أن يعطى الغني تطوعا قال : فهل تجد أنه يجوز أن يعطى الغني ؟ فقلت : ما للمسألة من هذا موضع ، ولا بأس أن يعطى الغني قال : فاذكر فيه حجة قلت أخبرنا سفيان عن معمر عن الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : استعملني ، قال : فهل تحرم الصدقة [ ص: 59 ] تطوعا على أحد ؟ فقلت : لا إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأخذها ويأخذ الهدية ، وقد يجوز تركه إياها على ما رفعه الله به وأبانه من خلقه تحريما ويجوز لغير ذلك ; لأن معنى الصدقات من العطايا هبة لا يراد ثوابها ومعنى الهدية يراد ثوابها قال : أفتجد دليلا على قبوله الهدية ؟ فقلت : نعم ، أخبرنيه مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد عن عائشة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت فقال ألم أر برمة لحم فقالوا ذلك شيء تصدق به على بريرة فقال هو لها صدقة ، وهو لنا هدية } فقال : ما الذي يجوز أن يكون صدقة محرمة ؟ قلت : كل ما كان الشهود يسمونه بحدود من الأرضين والدور معمورها وغير معمورها والرقيق فقال أما الأرضون والدور فهي صدقات من مضى فكيف أجزت الرقيق وأصحابنا لا يجيزون الصدقة بالرقيق إلا أن يكونوا في الأرض المتصدق بها فقلت له تصدق السلف بالدور والنخل ولعل في النخل زرعا أفرأيت إن قال قائل لا أجيز الصدقة بحمام ، ولا مقبرة ; لأنهما مخالفان للدور وأراضي النخل والزرع هل الحجة عليه إلا أن يقال إذا كان السلف تصدقوا بدور وأراضي نخل وزرع فكان ذلك إنما يعرف بالحدود وقد تتغير ، وكذلك الحمام والمقبرة يعرفان بحد ، وإن تغيرا قال هذه حجة عليه قال ، فإذا كانوا يعرفون العبيد بأعيانهم أتجدهم في معرفة الشهود بهم في معنى الأرضين والنخل ، أو أكثر بأنهم إذا عرفوا بأعيانهم كانوا كأرض تعرف حدودها ؟ قال إنهم لقريب مما وصفت قلت فكيف أبطلت الصدقة المحرمة فيهم ؟ قال قد يهلكون ويأبقون وتنقطع منفعتهم قلت فكل هذا يدخل الأرض والشجر قد تخرب الأرض بذهاب الماء ويأتي عليها السيل فيذهب بها وتنهدم الدار ويذهب بها السيل فما كانت قائمة فهي موقوفة ، ولا جناية لنا فيما أتى عليها من قضاء الله عز وجل قلت : وكذلك العبد لا جناية لنا في ذهابه ، ولا نقصه .

( قال الشافعي ) وكل ما عرف بعينه وقطع عليه الشهود مثل الإبل والبقر والغنم أنه صدقة محرمة جازت الصدقة في الماشية قال وتتم الصدقات المحرمات أن يتصدق بها مالكها على قوم معروفين بأعيانهم وأنسابهم وصفاتهم ويجمع في ذلك أن يقول المتصدق بها تصدقت بداري هذه على قوم ، أو رجل معروف بعينه يوم تصدق بها ، أو صفته أو نسبه حتى يكون إنما أخرجها من ملكه لمالك ملكه منفعتها يوم أخرجها ويكون مع ذلك أن يقول : صدقة لا تباع ، ولا توهب ، أو يقول : لا تورث ، أو يقول : غير موروثة أو يقول : صدقة محرمة ، أو يقول : صدقة مؤبدة ، فإذا كان واحد من هذا ، فقد حرمت الصدقة فلا تعود ميراثا أبدا ، وإن قال : صدقة محرمة على من لم يكن بعدي بعينه ولا نسبه ثم على بني فلان ، أو قال : صدقة محرمة على من كان بعدي بعينه فالصدقة منفسخة ، ولا يجوز أن يخرجها من ملكه إلا إلى مالك منفعة له فيها يوم يخرجها إليه ، وإذا انفسخت عادت في ملك صاحبها كما كانت قبل أن يتصدق بها .

ولو تصدق بداره صدقة محرمة على رجل بعينه ، أو قوم بأعيانهم ، ولم يسلبها على من بعدهم كانت محرمة أبدا ، فإذا انقرض الرجل المتصدق بها عليه ، أو القوم المتصدق بها عليهم كانت هذه صدقة محرمة بحالها أبدا ورددناها على أقرب الناس بالرجل الذي تصدق بها يوم ترجع الصدقة إنما تصير غير راجعة موروثة بواحد مما وصفنا أو ما كان في معناه ، وإنما فسخناها إذا تصدق بها فكانت حين عقدت صدقة لا مالك لمنفعتها ; لأنه لا يجوز أن تخرج من مالك إلى غير مالك منفعة ; لأنها لا تملك منفعة نفسها كما يملك العبد منفعة نفسه بالعتق ، ولا يزول عنها الملك إلا إلى مالك منفعة فيها فأما إذا لم يقل في صدقته محرمة ، أو بعض ما قلنا مما هو في معنى تحريمها من شرط المتصدق فالصدقة كالهبات تملك بما تملك به الأموال غير المحرمات وكالعمرى ، أو غيرها من العطايا . وسواء في الصدقات المحرمات يوم يتصدق بها إلى مالك يملك منفعتها سبلت بعده ، أو لم تسبل [ ص: 60 ] أو دفعت إليه ، أو إلى غير المتصدق أو لم تدفع كل ذلك يحرم بيعها بكل حال وسواء في الصدقات كل ما جازت فيه الصدقات المحرمات من أرض ودار وغيرهما وعلى ما شرط المتصدق لمن تصدق بها عليه من منفعتها فإن شرط أن لبعضهم على بعض الأثرة بالتقدمة ، أو الزيادة من المنفعة فذلك على ما اشترط فإن شرطها عليهم بأسمائهم وأنسابهم فسواء كانوا أغنياء ، أو فقراء فإن قال الأحوج منهم فالأحوج كانت على ما شرط لا يعدى بها شرطه ، وإن شرطها على جماعة رجال ونساء تخرج النساء منها إذا تزوجن ويرجعن إليها بالفراق وموت الأزواج كانت على ما شرط ، وكذلك إن شرط بأن يخرج الرجال منها بالغين ويدخلوا صغارا ، أو يخرجوا أغنياء ويدخلوا فقراء ، أو يخرجوا غيبا عن البلد الذي به الصدقة ويدخلوا حضورا كيفما شرط أن يكون ذلك كان إذا بقي لمنفعتها مالك سوى من أخرجه منها .
الخلاف في الحبس وهي الصدقات الموقوفات

( قال الشافعي ) رحمه الله : وخالفنا بعض الناس في الصدقات الموقوفات فقال لا تجوز بحال قال وقال شريح جاء محمد صلى الله عليه وسلم بإطلاق الحبس قال وقال شريح لا حبس عن فرائض الله تعالى .

( قال الشافعي ) والحبس التي جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم ما وصفنا من البحيرة والوصيلة والحام والسائبة إن كانت من البهائم فإن قال قائل ما دل على ما وصفت ؟ قيل ما علمنا جاهليا حبس دارا على ولد ، ولا في سبيل الله ، ولا على مساكين وحبسهم كانت ما وصفنا من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقها والله أعلم وكان بينا في كتاب الله عز وجل إطلاقها ، فإن قال قائل : فهو يحتمل ما وصفت ويحتمل إطلاق كل حبس فهل من خبر يدل على أن هذا الحبس في الدور والأموال خارجة من الحبس المطلقة ؟ قيل : نعم أخبرنا سفيان عن عبد الله بن عمر عن ابن عمر قال { جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أصبت مالا لم أصب مثله قط ، وقد أردت أن أتقرب به إلى الله عز وجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس أصله وسبل ثمرته } .

( قال الشافعي ) وحجة الذي أبطل الصدقات الموقوفات أن شريحا قال : لا حبس عن فرائض الله تعالى لا حجة فيها عندنا ، ولا عنده ; لأنه يقول قول شريح على الانفراد لا يكون حجة ، ولو كان حجة لم يكن في هذا حبس عن فرائض الله عز وجل فإن قال : وكيف ؟ قيل : إنما أجزنا الصدقات الموقوفات إذا كان المتصدق بها صحيحا فارغة من المال فإن كان مريضا لم نجزها إلا من الثلث إذا مات من مرضه ذلك وليس في واحدة من الحالين حبس عن فرائض الله تعالى فإن قال قائل : وإذا حبسها صحيحا ثم مات لم تورث عنه قيل : فهو أخرجها ، وهو مالك لجميع ماله يصنع فيه ما يشاء ويجوز له أن يخرجها لأكثر من هذا عندنا ، وعندك أرأيت لو وهبها لأجنبي ، أو باعه إياها فحاباه أيجوز ؟ فإن قال : نعم ، قال : فإذا فعل ثم مات أتورث عنه ؟ فإن قال : لا ، قيل : فهذا قرار من فرائض الله تعالى فإن قال : لا ; لأنه أعطى ، وهو يملك وقبل وقوع فرائض الله تعالى قيل : وهكذا الصدقة تصدق بها صحيحا قبل وقوع [ ص: 61 ] فرائض الله تعالى ، وقولك : لا حبس عن فرائض الله تعالى محال ; لأنه فعله قبل أن تكون فرائض الله في الميراث ; لأن الفرائض إنما تكون بعد موت المالك ، وفي المرض .

( قال الشافعي ) وحجة الذي صار إليه من أبطل الصدقات أن قال : إنها في معنى البحيرة والوصيلة والحامي ; لأن سيدها أخرجها من ملكه إلى غير مالك قيل : له قد أخرجها إلى مالك يملك منفعتها بأمر جعله لله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والبحيرة والوصيلة والحامي لم تخرج رقبته ، ولا منفعته إلى مالك فهما متباينان فكيف تقيس أحدهما بالآخر ؟

( قال الشافعي ) والذي يقول هذا القول يزعم أن الرجل إذا تصدق بمسجد له جاز ذلك ، ولم يعد في ملكه وكان صدقة موقوفا على من صلى فيه ، فإذا قيل له : فهل أخرجه إلى مالك يملك منه ما كان مالكه يملك ؟ قال : لا ، ولكن ملك من صلى فيه الصلاة وجعله لله تبارك وتعالى ، فلو لم يكن عليه حجة بخلاف السنة إلا ما أجازه في المسجد مما ليس فيه سنة ورد من الدور والأرضين ، وفي الأرضين سنة كان محجوجا فإن قال قائل : أجيز الأرضين والدور ; لأن في الأرضين سنة والدور مثلها ; لأنها أرضون تغل ، وأراد المساجد كان أولى أن يكون قوله مقبولا ممن رد الدور والأرضين وأجاز المساجد ثم تجاوز في المساجد إلى أن قال : لو بنى رجل في داره مسجدا فأخرج له بابا وأذن للناس أن يصلوا فيه كان حبسا وقفا ، وهو لم يتكلم بوقفه ، ولا بحبسه وجعل إذنه بالصلاة كالكلام بحبسه ووقفه .

( قال الشافعي ) فعاب هذا القول عليه صاحباه واحتجا عليه بما ذكرنا وأكثر منه وقالا : هذا جهل ، صدقات المسلمين في القديم والحديث أشهر من أن ينبغي أن يجهلها عالم ، وأجازوا الصدقات المحرمات في الدور والأرضين على ما أجزناها عليه ثم اعتدل قول أبي يوسف فيها فقال : بأحسن قول فقال : تجوز الصدقات المحرمات إذا تكلم بها صاحبها قبضت ، أو لم تقبض وذلك أنا إنما أجزناها اتباعا لمن كان قبلنا مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما وغيرهم وهم ولوا صدقاتهم حتى ماتوا فلا يجوز أن نخالفهم في أن لا نجيزها إلا مقبوضة وهم قد أجازوها غير مقبوضة بالكلام بها فنوافقهم في إجازتها .

( قال الشافعي ) وما قال فيها أبو يوسف كما قال .

( قال الشافعي ) أخبرني غير واحد من آل عمر وآل علي أن عمر ولى صدقته حتى مات وجعلها بعده إلى حفصة وولى علي صدقته حتى مات ووليها بعده الحسن بن علي رضي الله عنهما وأن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وليت صدقتها حتى ماتت وبلغني عن غير واحد من الأنصار أنه ولي صدقته حتى مات .

( قال الشافعي ) وفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب أن يسبل ثمر أرضه ويحبس أصلها دليل على أنه رأى ما صنع جائزا فبهذا نراه بلا قبض جائزا ، ولم يأمره أن يخرجه عمر من ملكه إلى غيره إذا حبسه ولما صارت الصدقات مبدأة في الإسلام لا مثال لها قبله علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فلم يكن فيما أمره به إذا حبس أصلها وسبل ثمرتها أن يخرجها إلى أحد يحوزها دونه دلالة على أن الصدقة تتم بأن يحبس أصلها ويسبل ثمرتها دون وال يليها كما كان في أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا إسرائيل أن يصوم ويستظل ويجلس ويتكلم دلالة على أن لا كفارة عليه ، ولم يأمره في ذلك بكفارة .

( قال الشافعي ) وخالفنا بعض الناس في الصدقات المحرمات فقال : لا تجوز حتى يخرجها المتصدق بها إلى من يحوزها عليه والحجة عليه ما وصفنا وغيره من افتراق الصدقات الموقوفات وغيرها مما يحتاج فيه إلى أن لا يتم إلا بقبض . [ ص: 62 ] وثيقة في الحبس

( أخبرنا الربيع بن سليمان ) قال : أخبرنا الشافعي إملاء قال : هذا كتاب كتبه فلان بن فلان الفلاني في صحة من بدنه وعقله وجواز أمره وذلك في شهر كذا من سنة كذا إني تصدقت بداري التي بالفسطاط من مصر في موضع كذا أحد حدود جماعة هذه الدار ينتهي إلى كذا والثاني والثالث والرابع تصدقت بجميع أرض هذه الدار وعمارتها من الخشب والبناء والأبواب وغير ذلك من عمارتها وطرقها ومسايل مائها وأرفاقها ومرتفقها وكل قليل وكثير هو فيها ومنها وكل حق هو لها داخل فيها وخارج منها وحبستها صدقة بتة مسبلة لوجه الله وطلب ثوابه لا مثنوية فيها ، ولا رجعة حبسا محرمة لا تباع ، ولا تورث ، ولا توهب حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، وهو خير الوارثين وأخرجتها من ملكي ودفعتها إلى فلان بن فلان يليها بنفسه وغيره ممن تصدقت بها عليه على ما شرطت وسميت في كتابي هذا وشرطي فيه أني تصدقت بها على ولدي لصلبي ذكرهم وأنثاهم من كان منهم حيا اليوم ، أو حدث بعد اليوم وجعلتهم فيها سواء ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم شرعا في سكناها وغلتها لا يقدم واحد منهم على صاحبه ما لم تتزوج بناتي ، فإذا تزوجت واحدة منهن وباتت إلى زوجها انقطع حقها ما دامت عند زوج وصار بين الباقين من أهل صدقتي كما بقي من صدقتي يكونون فيهم شرعا ما كانت عند زوج .

فإذا رجعت بموت زوج ، أو طلاق كانت على حقها من داري كما كانت عليه قبل أن تتزوج وكلما تزوجت واحدة من بناتي فهي على مثل هذا الشرط تخرج من صدقتي ناكحة ويعود حقها فيها مطلقة أو ميتا عنها لا تخرج واحدة منهن من صدقتي إلا بزوج .

وكل من مات من ولدي لصلبي ذكرهم وأنثاهم رجع حقه على الباقين معه من ولدي لصلبي ، فإذا انقرض ولدي لصلبي فلم يبق منهم واحد كانت هذه الصدقة حبسا على ولد ولدي الذكور لصلبي وليس لولد البنات من غير ولدي شيء ثم كان ولد ولدي الذكور من الإناث والذكور في صدقتي هذه على مثل ما كان عليه ولدي لصلبي الذكر والأنثى فيها سواء وتخرج المرأة منهم من صدقتي بالزوج وترد إليها بموت الزوج ، أو طلاقه وكل من حدث من ولدي الذكور من الإناث والذكور فهو داخل في صدقتي مع ولد ولدي وكل من مات منهم رجع حقه على الباقين معه حتى لا يبقى من ولد ولدي أحد .

فإذا لم يبق من ولد ولدي لصلبي أحد كانت هذه الصدقة بمثل هذا الشرط على ولد ولد ولدي للذكور الذين إلى عمود نسبهم تخرج منها المرأة بالزوج وترد إليها بموته ، أو فراقه ويدخل عليهم من حدث أبدا من ولد ولد ولدي ، ولا يدخل قرن ممن إلى عمود نسبه من ولد ولدي ما تناسلوا على القرن الذين هم أبعد إلي منهم ما بقي من ذلك القرن أحد ، ولا يدخل عليهم أحد من ولد بناتي الذين إلى عمود انتسابهم إلا أن يكون من ولد بناتي من هو من ولد ولدي الذكور الذين إلى عمود نسبه فيدخل مع القرن الذين عليهم صدقتي لولادتي إياه من قبل أبيه لا من قبل أمه ثم هكذا صدقتي أبدا على من بقي من ولد أولادي الذين إلى عمودي نسبهم ، وإن سفلوا ، أو تناسخوا حتى يكون بيني وبينهم مائة أب وأكثر ما بقي أحد إلى عمود نسبه ، فإذا انقرضوا كلهم فلم يبق منهم أحد إلى عمود نسبه فهذه الدار حبس صدقة لا تباع ، ولا توهب لوجه الله تعالى على ذوي رحمي المحتاجين من قبل [ ص: 63 ] أبي وأمي يكونون فيها شرعا سواء ذكرهم وأنثاهم والأقرب إلي منهم والأبعد مني ، فإذا انقرضوا ، ولم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس على موالي الذين أنعمت عليهم وأنعم عليهم آبائي بالعتاقة لهم وأولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا ذكرهم وأنثاهم صغيرهم وكبيرهم ومن بعد إلي وإلى آبائي نسبه بالولاء ونسبه إلى من صار مولاي بولاية سواء ، فإذا انقرضوا فلم يبق منهم أحد فهذه الدار حبس صدقة لوجه الله تعالى على من يمر بها من غزاة المسلمين وأبناء السبيل وعلى الفقراء والمساكين من جيران هذه الدار وغيرهم من أهل الفسطاط وأبناء السبيل والمارة من كانوا حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

ويلي هذه الدار ابني فلان بن فلان الذي وليته في حياتي وبعد موتي ما كان قويا على ولايتها أمينا عليها بما أوجب الله تعالى عليه من توفير غلة إن كانت لها والعدل في قسمها ، وفي إسكان من أراد السكن من أهل صدقتي بقدر حقه فإن تغيرت حال فلان بن فلان ابني يضعف عن ولايتها ، أو قلة أمانة فيها أوليها من ولدي أفضلهم دينا وأمانة على الشروط التي شرطت على ابني فلان ويليها ما قوي وأدى الأمانة ، فإذا ضعف ، أو تغيرت أمانته فلا ولاية له فيها وتنتقل الولاية عنه إلى غيره من أهل القوة والأمانة من ولدي ثم كل قرن صارت هذه الصدقة إليه وليها من ذلك القرن أفضلهم قوة وأمانة ومن تغيرت حاله ممن وليها بضعف ، أو قلة أمانة نقلت ولايتها عنه إلى أفضل من عليه صدقتي قوة وأمانة وهكذا كل قرن صارت صدقتي هذه إليه يليها منه أفضلهم دينا وأمانة على مثل ما شرطت على ولدي ما بقي منهم أحد ثم من صارت إليه هذه الدار من قرابتي ، أو موالي وليها ممن صارت إليه أفضلهم دينا ، ولا أمانة ما كان في القرن الذي تصير إليهم هذه الصدقة ذو قوة وأمانة ، وإن حدث قرن ليس فيهم ذو قوة ، ولا أمانة ولى قاضي المسلمين صدقتي هذه من يحمل ولايتها بالقوة والأمانة من أقرب الناس إلي رحما ما كان ذلك فيهم فإن لم يكن ذلك فيهم فمن موالي وموالي آبائي الذين أنعمنا عليهم فإن لم يكن ذلك فيهم فرجل يختاره الحاكم من المسلمين فإن حدث من ولدي أو من ولد ولدي ، أو من موالي رجل له قوة وأمانة نزعها الحاكم من يدي من ولاه من قبله وردها إلى من كان قويا وأمينا ممن سميت وعلى كل وال يليها أن يعمر ما وهي من هذه الدار ويصلح ما خاف فساده منها ويفتح فيها من الأبواب ويصلح منها ما فيه الصلاح لها والمسترد في غلتها وسكنها مما يجتمع من غلة هذه الدار ثم يفرق ما يبقى على من له هذه الغلة سواء بينهم ما شرطت لهم ، وليس للوالي من ولاة المسلمين أن يخرجها من يدي من وليته إياها ما كان قويا أمينا عليها ، ولا من يدي أحد من القرن الذي تصير إليهم ما كان فيهم من يستوجب ولايتها بالقوة والأمانة ، ولا يولي غيرهم ، وهو يجد فيهم من يستوجب الولاية ، شهد على إقرار فلان بن فلان ، فلان بن فلان ومن شهد .
كتاب الهبة

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 46.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 46.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.35%)]