عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-11-2020, 09:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,252
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أساليب الخطاب القرآني

من أساليب الخطاب القرآني (2)


د. عبدالسميع الأنيس




نَبَأُ هذا الكتابِ عظيمٌ، ومن مظاهر خبره:
أنه يتعسَّر إحصاءُ عدد المؤمنين به، وحفَّاظِه، والتفاسير التي كُتبتْ عنه، وعدد مخطوطاتِه وطبعاته، وما أحدَثَه في العالم من علومٍ وأفكار ومعارفَ، وتغيير جذري في أنماط الحياة، وتقدُّم العلوم بكل أصنافها.
وصدق الله القائل: ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ ﴾ [ص: 87، 88].
‏ثم يدَّعي أحدُ ملاحدةِ هذا العصر ممَّن يتزيَّا بزيِّ العلماء، ويعُدُّ نفسَه من الحكماء، بأنه من تأليف البشر!
ويعقِد المجالسَ لنقده؛ خاب وخسر، وجاء ببهتانٍ عظيم!

وقد أكرَمَني اللهُ سبحانه ببعض الخواطر حول أساليبِ الخطاب القرآني عند سماع القرآنِ الكريم في ليالي رمضان المبارك لهذا العام (1438)، وهي تُبيِّن استحالةَ أن يكون القرآنُ من كلام البشر، دوَّنْتُها في حينها، وهي:
1- إن أسلوب الخِطاب القرآني يتميَّز بالفخامة والكبرياء، والعزة والهيمنة.
وهذا لا يمكن لبشرٍ مهما أُوتِي من قوةِ البيان أن يأتيَ بمثله.

2- إن آثارَ أسماء الله الحسنى تتجلَّى في كلِّ آياتِ القرآن الكريم، والقارئُ ما لم يستحضر هذه المعانيَ في قراءته لا يفهم القرآنَ حقيقةَ الفَهم.
هذه اﻹحاطة الشاملةُ تُثبتُ أن مصدرَ هذا الكتابِ هو خالقُ الكون.

3- من أساليب الخِطاب القرآنيِّ أنه يَفْصِل في اﻷمور الكبرى التي اختُلف فيها، وصدق الله القائل: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾ [النمل: 76].

4- من أساليب الخطاب القرآني أنه يسوق اﻷحداثَ التاريخية مساق الحقائق اليقينيَّة؛ مما يدلُّ على أنه كلامُ الله سبحانه.
ومن قرأ كتب التاريخ، هاله ما فيها من اختلاف.

5-‏ ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾ [الطارق: 13]:
من أساليب الخطاب القرآني أنه يفصل في قضايا الكون الكبرى: مَن الخالق، المالك الحقيقي، العالِم بكلِّ شيء، القادر على كل شيء، المحيي، المميت، الحي، القيوم؟
إنه الله سبحانه.

6- من جماليات أسلوب الخطاب القرآني:
تأثيره اﻷخَّاذ في النفوس، ومن أسباب ذلك: الوزن الدقيق لصوت حروفه، والغُنَّات، والمُدود، وغير ذلك مما جاء ضبطُه في علم التجويد.
وهذا التأثير وجهٌ من وجوهِ إعجازه.
وقد لاحظتُ في تلاوةِ عددٍ ممن يؤمُّ الناسَ الخروجَ قليلًا عن هذه القوانين الصوتية التي تحفظ للقرآن تأثيرَه.

7- قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 116].
هذه اﻵية من أمثلة طيِّ الزمن في القرآن؛ فهي تتحدث عن مشهدٍ من مشاهد القيامة وكأنه حدَثٌ واقِع.

تفكرت كثيرًا في هذا اﻷمر، وقلت في نفسي:
كيف يتحدث الحقُّ سبحانه عن مشهدٍ سيقع يوم القيامة وكأنه واقع؟!
هذا يدلُّ على شمول علمِ الله تعالى، وإحاطته المطلقة باﻷزمنة واﻷمكنة، واﻷشخاص واﻷحوال.
ويدلُّ على أن هذا القرآنَ كتابُه لا محالة؛ ﻷنه لا يمكن لبشرٍ مهما أُوتِيَ من علمٍ أن يملك مثلَ هذه اﻹحاطة الشاملة.

8- من أعظم ما في القرآن أنه يُطلعُنا على العَلاقة بين الإرادة البشرية، والأقدار الإلهية.
ويُوقِفنا على هذا الترابط العجيب بين عالَم الغيب، وعالَم الشهادة.

9- قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴾ [الرحمن: 1 - 3].
أعظم نعمة أكرَمَنا الله سبحانه بها: هذا القرآن.
فالحمد لله على هذا اﻹكرام العظيم.
كنت أقول في نفسي اليوم وأنا أستمع إلى تلاوته في صلاة التراويح:
كيف سيكون لونُ الحياة لولاه؟
حقًّا إنه نورُ الحياة، وراحةُ القلوب واﻷرواح.

10- من أساليب الخطاب القرآني تَكرار "أو":
وهي من الأساليب الجميلة، وقد لاحظتُ أنها تكررت في سورة النساء ثمانيَ وعشرين مرَّة.
ولها عند النحاة معانٍ متعددة؛ فهي تأتي للتخيير بين أحد شيئين.
وإن تقدَّمها خبرٌ، كانت لأَحد المعاني الآتية: للشكِّ، أو للإِبهام، أو للإِضراب، أو للتقسيم، أو للتفصيل.

وليت باحثًا نابهًا جمَعَها ودرسها دراسةً معمَّقة يفصحُ عن معانيها في هذه اﻵيات.

ومن اﻷمثلة على ذلك:
﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 110].
﴿ وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 112].



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]