الموضوع: اليقين ضد الشك
عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 22-01-2020, 03:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,484
الدولة : Egypt
افتراضي رد: اليقين ضد الشك

اليقين ضد الشك (7)


عبدالفتاح آدم المقدشي







بسم الله، والحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسَلين، وآله وصَحْبه وأتباعه إلى يوم الدِّين.










اعلم أنَّ الملائكة أجسامٌ نورانيَّة، مخلوقةٌ لِمَا أراد الله لهم من أعمال ملكوت السموات والأرض، وليعبدوه بعبادةٍ غيرِ منقطعةٍ، ويطيعوه بطاعةٍ لا يشوبها عِصيان، كما خلَقَها الله أيضًا للقيام بأعمال العباد في الدنيا والآخرة.





فعن عائشة - رضي الله عنها -: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((خُلِقتِ الملائكة من نور، وخُلِق الجانُّ من مارج من نار، وخُلِق آدم ممَّا وُصِف لكم))؛ أي: من طين؛ رواه مسلم.



أمَّا خِلقتهم من حيثُ الأشكال، فنعلم منها أنَّ لها أجنحةً متفاوتة في العَدد، تسبح بها في ملكوت السموات والأرض بقدرة الله وبمشيئته، كما وردَ في القرآن؛ قال - تعالى -: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [فاطر: 1]، وقال - تعالى -: ï´؟ وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا ï´¾ [النازعات: 3].






وأيضًا قد ورد في السُّنة: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى جبريل وله سِتُّمائة أجنحة قد سَدَّ الأفق.





وهذا ما يدلُّ على القوَّة العظيمة التي خَلَقها الله في هؤلاء الملائكة، كما تدلُّ على عظمة خَلْق الله وملكوته في هذه الأكوان العظيمة؛ ï´؟ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ï´¾ [يس: 83].





وأيضًا قد ورد في السُّنَّة أنَّها تحضر بمجالس الذِّكر والإيمان؛ لتستمعَ إليه، وأنها تتشكَّل وتتمثَّل بصور الناس، كما قال - تعالى -: ï´؟ فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا ï´¾ [مريم: 17].


وهكذا كان جبريل - عليه السلام - يأتي إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بصورة دِحْيَة بن خليفة الكلبي.





وأيضًا قد جاء جبريل - عليه السلام - إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بصورة رجلٍ شديدِ بياضِ الثِّياب، شديد سواد الشعر - كما في حديث جبريل.





وأيضًا كانتِ الملائكة تشارك في الحروب وهي لابسةٌ لباسًا أبيض، وسمعها أحدُ الصحابة وهم يقولون: أقْدِمْ حيزوم، وهو اسم مَلَك.





فمِن المعلوم: أنَّ الإيمان بالملائكة مِن الإيمان بالغَيْب، ولكنَّنا قد نحسُّ بآثارها؛ ليرتفعَ إيماننا إلى أعلى درجات اليقين، كنصرها لعباد الله في ميادين الجِهاد، وكتحيتها بعضَ أولياء الله كعمران بن حصين في مرَضِه، فلمَّا برأ انقطع عنه السلام، والقِصَّة في صحيح البخاري.





واعلم أيضًا أنَّ هذا الإحساسَ ممَّا يُقوِّي فطرةَ الله في وجوده وتدبيره في خَلْقه، خالق السموات والأرض، وخالق كل شيء.





ومِن ذلك أيضًا: إحساسُنا بوجود الجِنِّ، كتلبُّسه بالإنسي، ونطقه على لسانه وهو يرانا مِن حيث لا نراه، ولكنَّ الله يراه مِن حيث لا يراه، ولذلك يكفينا أن نستعيذَ بالله من شرِّه.





وهكذا تقوم الملائكةُ بتحية الطيِّبين من المؤمنين عندَ قبض أرواحهم، كما يُبشِّرونهم بالجنة؛ قال – تعالى -: ï´؟ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ï´¾ [النحل: 32].





ومِن الأدلَّة التي تدلُّ على إمكانية وقوع رؤية آثار الملائكة: قوله - تعالى - في كتابه العزيز في قصَّة موسى وأصحابه: ï´؟ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ * قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ï´¾ [طه: 95 - 96]؛ أي: مِن أثر جبريل.





وأيضًا كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - يدعو لحسَّان بن ثابت لدِفاعه عن هذا الدِّين بلسانه بقوله - بأبي هو وأمِّي -: ((اللهمَّ أيدْهُ برُوح القدس)).





اعلم أنَّ أفضلَ الملائكة جبريلُ - عليه السلام - حيث مدَحَه الله - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز في عِدَّة مواضعَ منه؛ قال - تعالى -: ï´؟ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ï´¾ [الشعراء: 193 - 194]، ومنه قوله - تعالى -: ï´؟ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ ï´¾ [التكوير: 19 - 21].





وأيضًا ممَّا يدلُّ على فضْل جبريل - عليه السلام - عليهم: أنَّه كان يُبلِّغ كلام الله لسائر الملائكة، كما ثَبَت في صحيح البخاري: ((إنَّ الله إذا أحبَّ فلانًا نادَى جبريل، فقال له: إنِّي أحببتُ فلانًا فأحبَّه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريلُ في السماء: إنَّ الله أحبَّ فلانًا فأحبُّوه، فيحبه أهلُ السماء، ثم يُوضَع له القَبول في الأرض)).





وأيضًا كان جبريل - عليه السلام - مِن رسل الملائكة، كما جعل الله للإنس والجنِّ رسلاً مِن بني آدم؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ï´¾ [الحج: 75].





ثم يليه في الفضْل: ميكائيل، الموكَّل بالقَطْر من السماء، ثم إسرافيل، الموكَّل بنَفْخ الصُّور، قال الشيخ صالح الفوزان في كتابه "صفات الملائكة": "هؤلاء الملائكة الثلاثة موكَّلون بالحياة: فجبريل موكَّل بالوحي الذي به حياةُ القلوب، وميكائيل موكَّل بالقَطْر الذي به حياةُ الأرض بعدَ موتها، وإسرافيل موكَّل بالنفْخ في الصُّور الذي به حياةُ الأجساد؛ ولهذا كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول في الاستفتاح إذا قام مِن اللَّيْل بعد أن يُكبِّر تكبيرةَ الإحرام: ((اللهمَّ ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطرَ السماوات والأرض...)) إلخ الدعاء.





وهنا سؤال يطرح نفسَه، وهو: أيهما أفضل يا ترى، محمَّد رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أم جبريل؟


الجواب: نجد هذا الجوابَ في القرآن، وهو قوله - تعالى -: ï´؟ وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ï´¾ [الصافات: 164].





فنبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - جاوز مقامًا توقَّف عنه جبريل، معتذرًا بقوله: ï´؟ وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ ï´¾ [الصافات: 164] حتى وَصَل إلى سِدرة المنتهى، التي كان يغْشاها ألوان لا يعلمها إلا الله، وهذا دليلٌ على ارتفاع درجة نبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - على درجة جبريل - عليه السلام - والله أعلم.





وأيضًا هناك سؤال آخَرُ يطرح نفسه، وهو: هل جِنس المؤمنين أفضلُ مِن جنس الملائكة، أو العكس صحيح؟


الجواب: جنس المؤمنين أفضلُ مِن جنس الملائكة؛ للأدلَّة الآتية:


أولاً: بيَّن الله في كتابه العزيز أنَّ خير ما خَلَقه الله هم المؤمنون[1]؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّة ï´¾ [البينة: 7]؛ وذلك لأنَّ الله ابتلَى المؤمنين بترْك الشهوات، مع شدَّة تمكُّنهم واشتياقهم إليها، فيصبرون ويُخلِصون لله العبادةَ، بينما الملائكة مجبولون ومسخَّرون للعبادة، ولترْك الشهوات؛ ولذلك صارتْ درجة المؤمنين أعظمَ وأكبرَ بقدر ما بذلوا من الجهْد العظيم، والمثابرة في سبيل الله، مع مراقبتهم الله، وعبادتهم حقَّ عبادته، كأنَّهم يرون الله، فإنْ لم يكونوا يرونَه فقدْ راقبوه وتيقَّنوا أنَّه - جلَّ جلالُه - يراهم، والله أعلم.





ولَقدْ أثْنى الله على عبدِه يحيى بأنه حَصُور، وهو مَن منع نفسه مِن الانجرار إلى الشهوات، مع القُدرة عليها؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ï´¾ [آل عمران: 39].





وأثْنى الله على يوسف - عليه السلام - بالامتناع عن الشَّهوة المحرَّمة لله، مع أنه كان شابًّا غريبًا، مأسورًا في غرفة امرأةٍ جميلةٍ؛ قال - تعالى -: ï´؟ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ï´¾ [يوسف: 24].





ثانيًا: أمر الله للملائكة بالسُّجود لآدم؛ إظهارًا لفضْله عليهم، قال - تعالى -: ï´؟ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ï´¾ [البقرة: 34].





ثالثًا: تعليم اللهِ آدمَ - عليه السلام - علمًا لم يعلِّمه الملائكةَ؛ إظهارًا لفضله عليهم؛ قال - تعالى -: ï´؟ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ï´¾ [البقرة: 31].





رابعًا: جَعْله آدمَ – وذريته - خليفةً في الأرْض، كيف ذلك؟!؛ لقوله - تعالى -: ï´؟ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ï´¾ [البقرة: 30].





واجبنا اتجاه الملائكة:


1- الإيمان بهم إيمانًا يقينيًّا جازمًا؛ لأنَّ الإيمان بالملائكة رُكْن مِن أركان الإيمان، فمَن أنكرهم، أو استهزأ بهم، أو سبَّهم، أو نسب إليهم الخيانة - فقدْ كَفَر، وقد ذَكَر الله لنا في كتابه العزيز مِرارًا أنَّهم أُمناء، وأنهم كِرام بَرَرة.





2- أنْ نحبَّهم، ولا نعاديهم ولا نشتمهم، فكيف لا نحبُّ الملائكة وهي تحبنا هذا الحبَّ الكبير، وتدعو لنا بهذه الأدعية العظيمة، مع توسُّلِها بأسماء الله الحسنى، وصفاته العُلى؛ لننجو مِن عذاب الجحيم، والخزي الرهيب في يومٍ أعظمُ فائزٍ فيه - على الإطلاق - مَن يُزحزح عن النار؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ï´¾ [آل عمران: 185].





وقد قال - تعالى - حاكيًا عن دعائهم لنا: ï´؟ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ï´¾ [غافر: 7 - 9].





فمَن صار عدوًّا لهؤلاء الملائكة الكِرام البَرَرة، فقد كفر أولاً، ثم صار عدوًّا لله كاليهود مثلاً، أو كالرافضة الذين اتهموا جبريل بخِيانة الرسالة - والعياذ بالله - قال - تعالى -: ï´؟ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ï´¾ [البقرة: 98].





وقد ختم الله الآية بقوله ï´؟ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ ï´¾، وهذا أيضًا دليلٌ على كُفْر مَن يعاديهم - كما أسلفْنا.





3- أن نستحيي منهم أن نفعل أمامَهم المحرَّمات، حتى لقد عَدَّ بعض العلماء مِن آداب الجماع التستُّر؛ أي: أن يوضع لحاف فوقَ الأجسام؛ استحياءً من الملائكة، فكيف بمَن يُجاهرهم بالحرام؟!





وكان سيِّدنا عثمانُ - رضي الله عنه - حييًّا، حتى كان لا يغتسل قائمًا منتصبًا، بل كان يغتسل راكعًا، فاستحيتْ منه الملائكة، واستحَى منه أيضًا رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأنِ امتنع عن كشْف فخذه أمامَه، بينما كان لا يفعل مِثل ذلك مع أبي بكر وعمر، والقصة في ذلك مشهورة، والجزاء مِن جنس العمل.





4- أن نجتهدَ في استخدام الروائح الطيِّبة، خصوصًا عندَ العبادات؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلَّم - كان يفعل ذلك، ولأنَّ الملائكة تتأذَّى ممَّا يتأذَّى منه بنو آدم.





وهكذا الملائكة تدعو لِمَن جلس في المسجد متوضِّئًا بعدَ الصلاة، تقول: "اللهمَّ اغفر له، اللهمَّ ارحمه ما لم يُحْدِث" - كما جاء ذلك في الحديث الصحيح.





5- ألاَّ نطلب منهم نفعًا ولا ضرًّا، ولا وسيلة.





6- ألاَّ نصفَهم بما لم يصفْهم الله ورسلُه، كما وصفهم المشرِكون بأنَّهم بناتُ الله - والعياذ بالله.





حكمة إرسال الرسل من جنس البشرية:


1- مِن ذلك: أنَّ بني آدمَ لا يُطيقون رؤيةَ الملائكة، ولا تلقِّي الرسالة عن طريقهم.





ولقد احتج الكفَّار بهذه الحُجَّة في مختلف عصورهم؛ ليصدُّوا عن سبيل الله، ولئلاَّ يحولَ أحدٌ بينهم وبيْن شهواتهم مِن حبِّ الرِّئاسة والشَّرَف، والمال وملذَّات هذه الحياة الدنيا؛ ولذلك قاوموا ضدَّ الرُّسل بالجهْل المحض، والتعصب والحسد، والكِبْر؛ كما قال - تعالى - حكايةً عن جهْل فرعون: ï´؟ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ï´¾ [الزخرف: 53].





وقال - تعالى -: ï´؟ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ï´¾ [الفرقان: 7]، قال - تعالى - مجيبًا عن شُبهتهم في سورة الإسراء: ï´؟ قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً ï´¾ [الإسراء: 95].





وقال - تعالى -: ï´؟ وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ * وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ ï´¾ [الأنعام: 8 - 9].





2- يريد الله أن نتأسَّى بالأنبياء، ولو كانتِ الرسل مِن جنس الملائكة ما استطعْنا الاقتداءَ بهم، ولاعتذر المتعذِرون بأنَّه مَلَك.





3- ما أرسل الله رسولاً إلاَّ بلسان قومِه، وذي النَّسب فيهم، ومَن اتَّصف بأحسن الأخلاق منهم، وانظر على سبيل المثال إلى قوم ثمود، وما قالوا لنبيِّهم صالح؛ قال - تعالى -: ï´؟ قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ï´¾ [هود: 62]، وهذا يدلُّ على أنَّ صالحًا - عليه السلام - كان مِن أرجح الرِّجال عندهم، وأرجاهم للخير، حتى قبل أن ينهاهم عن الشِّرْك والظلم - كما ترى.





4- ألا يَغْلوَ الناس في رسل الملائكة، ويعتقدوا فيهم الإلهيَّة كما غلت النصارى في المسيح وأمِّه، وردَّ الله عليهم بأنَّهم كانوا يأكلون الطعام؛ أي: كان يخرج منهم فضلات - أكرمكم الله - والمعنى: هل مَن كان حاله كذلك يستحقُّ أن يكون إلهًا؟! والجواب واضح، وهو كلاَّ وألف كلاَّ، قال - تعالى -: ï´؟ مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ï´¾ [المائدة: 75].





أنواع الملائكة وأسماؤهم ووظائفهم:


1- منهم الرسل كجبريل - عليه السلام .


2- منهم ملائكة تُسمَّى "الكروبيُّون"، وهم أقوى الملائكة؛ إذ هم حملة العَرَش الذي هو أعظمُ مخلوقٍ على الإطلاق، وعددُهم أربعة، وإذا جاء يومُ القيامة سيكون عددُهم ثمانية؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ï´¾ [الحاقة: 17].


3- منهم ميكائيل، وهو موكَّل بالمطر.


4- منهم مَلَك الموت، الموكَّل بقبض الأرواح، وله أعوان، كما يدلُّ على ذلك قولُه - تعالى -: ï´؟ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ï´¾ [الأنعام: 61].


5- منهم إسرافيل، الموكَّل بالنفخ في الصور.


6- منهم رقيب وعتيد، الموكَّلان بتسجيل الأعمال، فالذي على اليمين يُسجِّل الأعمالَ الصالحة، والذي على الشِّمال يُسجِّل الأعمال السيِّئة.


7- منهم منكر ونكير، الموكَّلان بفِتنة المقبورين وامتحانهم، فالإنسان معروضٌ للفتن فوقَ الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، فمَن صَدَق ونَجَح في الدنيا، فما بقي فهو أيسرُ بمشيئة الله، إلاَّ في حالات الأهوال - أعاننا الله عليها.


ومِن أفضل ما يُستعان به في كشْف الكُربات في هذه المواقف: إدخالُ السرور، وكشْف الكربات عن المكروبين والمعسورين؛ كما في الحديث: ((مَن نفَّس عن مؤمنٍ كُربةً، نفَّس الله عنه كربةً مِن كُرَب يوم القيامة))، وكما قال الله - عزَّ وجلَّ - لرجلٍ مِن بني إسرائيل كان يتجاوز عن المعسِرين: ((نحن أحقُّ منك بالكَرم))؛ رواه مسلم بألفاظٍ متعدِّدة.


8- منهم الحفظة، الذين يحفظون بني آدم من كلّ الشرور.


9- منهم ملائكة موكَّلة بالجِبال والبِحار...إلخ.


10- منهم مالِك خازن النار، كما جاء اسمُه هذا مصرَّحًا في القرآن، ومنهم أيضًا الزبانية، وعددهم تسعةَ عشرَ، وهو ما يدلُّ على شدَّة قوَّة الملائكة واقتدارهم -كما أسلفْنا.


11- منهم ملائكةٌ سيَّاحون في الأرض، ويحضرون مجالسَ الذِّكر، وقد حَدَث مع أُسَيْد بن حُضَير، حين كان يقرأ بالليل، فرأى مِثل الظُّلة فيها أمثال السرج عَرجَتْ في الجو، فقال له الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((تلك الملائكةُ كانتْ تسمع لك))؛ رواه الشيخان، واللفظ لمسلم.


12- منهم ملائكةٌ تتعاقب فينا عندَ صلاة الصبح والعصر، ويرفعون أعمالَنا، فليحذرْ كل امرئٍ أن يُرفع له عملُ سوء وهو نائِم أو مشغول بالدنيا والتجارة عندَ حضور هذه الصلوات، وهما أفضلُ الصلوات على الإطلاق، حتى اختلف العلماء في أيهما يُطلق عليها الصلاة الوُسْطى، كما ناقش ذلك بإسهابٍ الإمامُ أبو عمر بن عبدالبر في "التمهيد".


14- منهم ملائكةٌ يجاهدون مع المجاهدين، ويُثبتونهم وينصرونهم؛ كما قال - تعالى -: ï´؟ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ï´¾ [الأنفال: 12].


15- منهم ملائكةٌ موكَّلة بالجنين في بطن أمِّه، كما جاء ذلك في حديث ابن مسعود المشهور.


16- منهم ملائكة عددُهم سبعون ألفًا تحضر البيت المعمور؛ لتعبدَ ربَّها، ثم لا تعود إليه أبدًا، وذلك كلَّ يوم، وأيضًا مِن كثرة عددهم لا يوجد في السَّماء قدرُ شبرٍ إلا وفيه مَلَك ساجد لربِّه، كما وردتْ بذلك الأحاديث.





والله - سبحانه وتعالى - أعْلى وأعلم.


ــــــــــــــــــــ


[1] انظر: "أضواء البيان" في تفسير هذه الآية.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.78 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 37.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.66%)]