عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-05-2019, 01:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ

يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ


الشيخ عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر



روى الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ». وقد جاء التصريح في حديث رواه الإمام أحمد في مسنده بأن هذا المنادي ملَك من ملائكة الله، وأنه يتكرر كلَّ ليلة حتى ينقضي الشهر؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «.. وَيُنَادِي فِيهِ مَلَكٌ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَبْشِرْ يَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ». ولئن كان أهل الإيمان لا يسمعون صوت هذا المنادي إلا أنهم من ندائه على يقين؛ لأن الذي أخبر بذلك الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
فلنستشعر في ليالي رمضان المباركات هذا النداء المبارك، هذا النداء العظيم، ولنفعِّل هذا النداء في حياتنا، ولنتأمل في أحوالنا وسلوكنا، ولننظر في حالنا من أي أهل النداءين؟ فإنهما نداءان وكل منهما مقصود به فئة من الناس «يا باغي الخير.. يا باغي الشر»؛ وفي هذا دلالة أن قلوب الناس على قلبين: قلب يبغي الخير ويطلبه ويبحث عنه ويتحراه، وقلب آخر - والعياذ بالله - يبحث عن الشر ويتحرك في طلبه وينبعث في البحث عنه، فليسوا سواء؛ ليس من كان قلبه قلباً صالحاً مستقيماً يطلب الخير ويتحراه كمن كان قلبه -والعياذ بالله- قلباً شريراً لئيماً يبحث عن الشر ويتحراه.
تحري الخير وطلبه
فمن كان قلبه ذلك القلب الكريم الذي يتحرى الخير ويطلبه فليغنم شهر الخيرات: بالإقبال على الله، وبالمزيد من الطاعات، وبالاستكثار من العبادات، وباغتنام موسم الخيرات بالإكثار من الرغائب والمستحبات، وفي الحديث القدسي يقول الله -جل وعلا-: «وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» ؛ فالمقبِل على الخيرات يجتهد في الفرائض أولاً تبكيراً إليها ومزيد اهتمامٍ بها وسعياً في تتميمها وتكميلها، ثم بعد ذلك يوسع في باب الرغائب والمستحبات اغتناماً واستكثارا.
النداء العظيم
وما من شك أن هذا النداء العظيم المتكرر كلَّ ليلة من ليالي رمضان يُعَدُّ حافزاً عظيماً للهمم والعزائم في شهر الخيرات؛ ينادي المقبلين على الخيرات تحفيزاً لهم وشحذاً لهممهم لاستباق الخيرات؛ سواء كانت متعلقة بالنفس كالمحافظة على الواجبات وأداء الصلاة والصيام وغيرها من الواجبات على أتم الوجوه وأفضلها والمنافسة في أداء النوافل والسنن واجتناب المحرمات والمكروهات، أو كانت متعلقة بالآخرين كبذل النصيحة لهم وبر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران وسائر الناس، وكالإنفاق في سبيل الله ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وكفّ الأذى عن الناس ومساعدتهم بالمال والبدن والجاه.
هدي النبي - صلى الله عليه وسلم
وكان هدي النبي - صلى الله عليه وسلم- في ذلك أكملَ هدي وأحسنَ هدي، يقول ابن القيم -رحمه الله- مبيِّناً هديه - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة والإحسان إلى الناس: «كان - صلى الله عليه وسلم - أعظمَ الناس صدقةً بما ملكت يدُه، وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه للهِ -تعالى- ولا يستقِلُّه، وكان لا يسأله أحدٌ شيئاً عنده إلا أعطاه قليلاً كان أو كثيراً، وكان عطاؤه عطاء مَنْ لا يخاف الفقر، وكان العطاءُ والصدقةُ أحبَّ شيءٍ إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظمَ من سرور الآخذِ بما يأخذه، وكان أجودَ الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة، وكان إذا عرض له محتاج آثره على نفسه، تارة بطعامه، وتارة بلباسه.
التنويع في العطاء
وكان - صلى الله عليه وسلم- ينوّع في أصناف عطائه وصدقته، فتارة بالهبة، وتارة بالصدقة، وتارة بالهدية، وتارة بشراء الشيء ثم يعطي البائع الثمنَ والسلعة جميعاً كما فعل ببعير جابر، وتارة كان يقترض الشيء فيرد أكثر منه وأفضل وأكبر، ويشتري الشيء فيعطي أكثر من ثمنه، ويقبل الهدية ويكافئ عليها بأكثر منها أو بأضعافها، تلطُّفاً وتنوُّعاً في ضروب الصدقة والإحسان بكل ممكن، وكانت صدقته وإحسانه بما يملكه وبحاله وبقوله، فيُخْرِجُ ما عنده، ويأمُرُ بالصدقة ويحضُّ عليها ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البخيل الشحيح دعاه حاله إلى البذل والعطاء، وكان مَنْ خالطَه وصحِبَه ورأى هديَه لا يملك نفسه من السماحة والندى، وكان هديه - صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى الإحسان والصدقةِ والمعروفِ، ولذلك كان - صلى الله عليه وسلم- أشرحَ الناس صدراً، وأطيبَهم نفساً، وأنعَمهم قلباً، فإن للصدقة وفعلِ المعروفِ تأثيراً عجيباً في شرح الصدر»اهـ.
ومن شواهد ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ».
من أبواب الخير
ومن أبواب الخير التي رغب فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم - تفطير الصائم وتجهيز الغازي في سبيل الله «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا أَوْ جَهَّزَ غَازِيًا فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ»، وحث على الاعتمار في رمضان روى البخاري عن جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً معي»، وروى ابن ماجة عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً».
أبواب الخير واسعة
فالثواب في هذا الشهر عظيم، والأجر كبير، وأبواب الخير واسعة؛ فليضرب كل بسهم فيها والله تعالى يقول: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (البقرة:148)، وإذا فعل ذلك فليخلص لله النية ولْيَحتسب الأجر عنده ولْيُداوم على ذلك ما استطاع، وليحرص على اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - وموافقة هديه في كل أمر، وليطلب العون من الله وحده على فعل الخيرات والمسابقة في أداء الطاعات والإكثار من الحسنات، ومن الدعوات العظيمة التي علَّمها النبي - صلى الله عليه وسلم- أصحابه ولها نفع عظيم في هذا الباب ما رواه ابن ماجه عن عائشة -رضي الله عنها- «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- عَلَّمَهَا هَذَا الدُّعَاءَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ مَا عَلِمْتُ مِنْهُ وَمَا لَمْ أَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَاذَ بِهِ عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَأَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِي خَيْرًا».
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.97%)]