عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-07-2019, 02:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,561
الدولة : Egypt
افتراضي إشكالية زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى / دراسة تطبيقية على السين وسوف في القر

إشكالية زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى
/ دراسة تطبيقية على السين وسوف في القرآن الكريم
د. محمد ذنون يونس فتحي



لقد شغلت قضية اللفظ والمعنى حيزا واضحا في الدراسات اللغوية والأدبية على حد سواء؛ لان اللغة هي: أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم([1])، فناقشوا جميعا العلاقة بين اللفظ والمعنى، وكيف وضعت الألفاظ؟ وانقسمت اللغة الأم إلى فصائل وشعب وعلاقة اللغة بالعقل؟، وكيف ارتبط الدال بالمدلول؟ وكيف تخصّصت الألفاظ إزاء معانيها الحقيقية والمجازية؟ وأيهما أشرف اللفظ أم المعنى؟
وهل هناك علاقة عقلية بين الألفاظ ومعانيها أم أنها مجرد رموز اعتباطية لم يلتفت الواضع إلى علاقتها بالمعاني الدالة عليها؟... والكثير من المناقشات التي جعلت الأستاذ تمام حسان يقول بان:" كل دراسة لغوية لا بد أن يكون موضوعها الأول والأخير هو المعنى، وكيفية ارتباطه بأشكال التعبير المختلفة، فالارتباط بين الشكل والوظيفة هو اللغة... وهو صلة المبنى بالمعنى"([2])، ونتيجة لضخامة هذا الموضوع وكونه يشكّل العمود الفقري لكل دراسة لغوية سنتوقف في هذا البحث على جزئية صغيرة منه إلا أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بكل هذه التساؤلات، وتحرّك جوانب هذه الموضوعات شئنا أم أبينا، ألا وهي(إشكالية زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى).
فقد شاعت في الدراسات اللغوية قديما وحديثا جمع من الأسس العامة والخاصة وضعها لغويون بحثوا المادة المستقرأة درسا وتحليلا وبناء، محاولين من ذلك كله ضبط المفردات ومدلولاتها، حاصرين لها ضمن فكرة موحدة جامعة، ومن تلك الأسس العامة المشهورة ظاهرة لغوية سميت(زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى) التي استدعتها طبيعة بحوثهم المعتقدة بوجود علاقة بين اللفظ والمعنى، والتي تذوقها اللغويون الأوائل في جمعهم لكلام العرب، وفسّرها بعض المنظرين من بعدهم بتفسيرات ما تزال - في ظني- محتاجة إلى ضبط مواردها وحصر صورها، لان كثيرا مما لا يدخل تحت هذا الأساس العام قد يعدّ وهما منها، ولذا فان الأمر محتاج إلى نظرية ترصد الصور المتعددة والمختلفة ثم تبني القواعد المتحكمة في إدخال الداخل وإخراج غيره.
ولبحث الموضوع بحثا دالا عميقا لا بدّ من تقسيمه إلى المطالب الآتية:
المطلب الأول: العلاقة بين اللفظ والمعنى
إن موضوع العلاقة بين اللفظ والمعنى قديم قدم الدراسات اللغوية؛ لأنها قضية تعود إلى فلسفة اللغة وكيفية نشأتها ودلالتها على المعاني الموضوعة لها، وهناك خلاف كبير وتقاطع عريض بين طرفي النزاع في هذه المسألة من البحث اللغوي، فجمهور اللغويين العرب القدماء وعدد لا بأس به من المحدثين يرون ارتباطا واضحا بين اللفظ والمعنى، وان الصوت اللغوي المتشكل في الكلمة والكلام يرتبط بوضوح مع المعنى الذي يدل عليه، فهذا سيبويه يذكر عددا من المصادر التي جاءت على مثال واحد حين تقاربت المعاني، كألفاظ ( النزوان والنفزان والغليان والغثيان واللمعان) والجامع بينها ما تجده فيها من اضطراب وتحرّك([3])، فالمعاني المتقاربة استدعت أوزانا متقاربة، وهذه علاقة بين اللفظ والمعنى، ويسهب ابن جني في بيان تلك العلاقة في أكثر من باب عقده في بحثه عن خصائص اللغة العربية، كقوله :" نضح الماء ونضخ، فالفعلان وان تقاربا في أصل المعنى إلا أن بينهما فرقا هو أن النضخ بالمعجمة أشدّ من النضح، فإذا قيل: إن هذه العين تنضح أدى ذلك إلى معنى خروج الماء من العين من غير معنى الغزارة والشدة الذي يفهم من قولهم: هذه العين تنضخ"([4])، وبذلك يرى أن اختلاف الحرف الواحد في اللفظتين أو الحرفين أو الثلاثة يؤدي إلى اختلاف دقيق في المعنى المراد من اللفظ ليقول في النهاية:" إن كثيرا من اللغة وجدته مضاهيا بأجراس حروفه أصوات الأفعال التي عبر بها عنها، ألا تراهم قالوا: قضم في اليابس وخضم في الرطب"([5])، فالأصوات عنده تابعة للمعاني متى قويت المعاني قويت الألفاظ ومتى ضعفت المعاني ضعفت الألفاظ.
ويستمر هذا النهج في البحث اللغوي القديم حتى بدء الدراسات اللغوية الحديثة ليشيع الرأي المتقاطع معه والمعتقد بان لا علاقة بين اللفظ والمعنى، وان الأصوات مجرّد رموز اعتباطية دلت على معانيها بالوضع من دون الارتباط بالمعاني الدالة عليها، فالاتجاه السائد هو إنكار هذه الصلة في ألفاظ اللغة عامّة مع إعطاء اليد بوجود عدد ضئيل من الكلمات تظهر فيها هذه المناسبة بشكل أو بآخر([6]).
والذي أريد التوقف عنده بين هذين المذهبين المتباعدين بأشد ما يكون فيه التباعد، خاصة أننا ندرّس طلبتنا كتبا لغوية قديمة تعطي الاهتمام للمذهب الأول ونتناقض مع أنفسنا عندما نلقي عليهم محاضرات في علم اللغة الحديث تؤيد المذهب الثاني، بالقول:
1- إن هناك فرقا دقيقا بين الاعتقاد بوجود علاقة ومناسبة وضعية بين اللفظ والمعنى والاعتقاد بالمناسبة الطبيعية بين اللفظ والمعنى، واغلب من درس هذه القضية لم يتوقف عند هذه التفرقة نتيجة عدم اطلاعه على مباحث(علم الوضع) الذي كان منهجا مقررا في الدرس اللغوي القديم، والفرق بينهما أن العلاقة بين اللفظ والمعنى إن كانت وضعية فلا باس من القول بها، أي أن الواضع( الله أو المجتمع) عندما وضع الألفاظ لتدلّ على المعاني لاحظ مناسبة بين المعنى القوي والأصوات القوية والمعنى الضعيف والأصوات الضعيفة، وهي أشبه ما تكون بعملية وضع المصطلحات اليوم، فإننا ننتخب من المعجم اللفظ الذي نرى وزنه وصيغته وأصواته ومعناه أكثر مناسبة من غيره ليكون لفظا دالا إزاء المعنى الاصطلاحي، والفرق بين العمليتين أن في عملية الوضع الاصطلاحي تكون اللفظة المنتقاة لها معنى أصلي في حين تكون اللفظة في عملية الوضع الأولى خالية من المعنى قبل عملية الوضع، ثم يضع الواضع اللفظة التي يراها تتناغم موسيقيا مع المعنى المدلول عليه، وبما أن الله تعالى حكيم على القول بأنه واضع اللغة ، والمجتمع الإنساني عاقل فلا يبعد انه قد راعى وجود علاقة بين المعاني والدوال عليها، وإنما تغيب هذه العلاقة أحيانا نتيجة عوامل الزمن البعيدة بين الوضع والدرس اللغوي أو نتيجة ضعف الدارس في استكناه العلاقة بين الدال والمدلول، وهذا الاعتقاد بوجود المناسبة الوضعية ذكره ابن جني ودافع عنه بأن:" يكون الأول الحاضر شاهدَ الحال فعرف السبب الذي له ومن اجله ما وقعت عليه التسمية، والآخر لبعده عن الحال لم يعرف السبب للتسمية"([7])
وأما الاعتقاد بوجود علاقة ومناسبة طبيعية غير متوقفة على ملاحظة الواضع للفظ والمعنى، أي أن الأصوات تدل على المعاني بذواتها دون وضع الواضع، فهذا هو الذي اتفق الجمهور على فساده([8])، دون الاعتقاد الأول؛ لان الألفاظ لو دلّت على المعاني بأنفسها دون عملية الوضع يلزم منه أن نفهم منه معاني جميع لغات العالم بمجرد سماع أصواتها، لكن النتيجة باطلة فالمقدم مثله([9])، والعجب كل العجب من نسبة القول بالمناسبة الطبيعية للعالم اللغوي ابن جني، مع انه قد نصّ على أن اختيار الألفاظ لأداء المعاني مثل اختيار صاحب المال لإنفاق بعض ماله دون بعض:" وهو يرى انه لو أخذ ما ترك مكان أخذ ما أخذ لأغنى عن صاحبه ولأدى في الحاجة إليه تأديته، ألا ترى أنهم لو استعملوا(لجع) مكان(نجع) لقام مقامه وأغنى مغناه"([10])
2- لو تأملت النقطة الأولى لوجدت أن الدرس اللغوي الحديث ينفي(المناسبة الطبيعية) بين اللفظ والمعنى وليس( المناسبة الوضعية) بين اللفظ والمعنى([11])، وهو ما نفاه الجمهور من اللغويين العرب القدماء أيضا، لكن نتيجة عدم اهتمام الدرس اللغوي الغربي الحديث بفكرة(الوضع اللغوي) نتيجة توهمه أن هذه القضية مرتبطة بموضوع(نشأة اللغة) وما تجره من آراء يصعب إثباتها لم يناقش (المناسبة الوضعية) في دراساته اللغوية، مع أن التفكير السهل يجرّنا إلى القول بان المجتمع الإنساني عندما يتواضع على إطلاق لفظ إزاء معنى قد يلاحظ ويختار اصواتا معينة دون غيرها يجدها ذات قيمة تعبيرية وجمالية مقصودة، فكيف إن كان الواضع هو الله تعالى سواء وضع البعض واستلهم المجتمع طبيعة العملية الوضعية فأكملوا ما بدأ به بنفسه حسب احتياجاتهم وطبيعة أفكارهم وأحوال بيئاتهم وأشكال تضاريسهم....الخ.
والنتيجة من هذا المطلب أن هناك علاقة بين اللفظ والمعنى تظهر في بعض الألفاظ قد قصدها الواضع ولاحظها عند وضعه لألفاظ اللغة؛ سواء كان الواضع هو الله تعالى أم المجتمع؛ لان اكتشاف اللغة كنظام إشاري عمل عقلي جبار، فلماذا لا يستطيع هذا المستكشف ونوابغه من انتخاب الأصوات المناسبة إزاء معانيها المراد التعبير عنها؟، ومما يوضح دور الواضع العقلي واهتمامه بالمناسبات ظواهر الإعراب والاشتقاق والحذف والتضعيف والإبدال...الخ، التي تجري على سنن واحد وقانون مطرد، مما يدل على وجود التفكير العقلي المنظم في عملية الوضع اللغوي.
المطلب الثاني: زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى- تأسيس ومفهوم
يقوم هذا الأساس اللغوي على فكرة مفادها : انه كلما زاد اللفظ زاد المعنى، وبعبارة أخرى: كلما طرأت زيادة على عدد الحروف الأصلية المؤدية لأصل المعنى ازداد المعنى ودلّ على تفريعات جديدة في مفهومه لم يدلّ عليها اللفظ في جذره الأصلي، ويوضح ذلك ابن جني عندما يجعل:" الأصوات تابعة للمعاني ، فمتى قويت قويت ومتى ضعفت ضعفت، ويكفيك من ذلك قولهم: قطع وقطّع وكسر وكسّر زادوا في الصوت لزيادة المعنى واقتصدوا فيه لاقتصادهم فيه"([12])، وهنا يلفت ابن جني انتباهنا إلى مسالة مهمة في فهم هذه الظاهرة، وهي أن المعنى هو العنصر المتحكم في البنية اللفظية وليس العكس كما يدل عليه الظاهر من قولهم(زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى)، فالمعنى هو الذي يستدعي اللفظ ويقتضيه، وكلما ازداد المعنى وتفرّع وتخصص وتكثر وتقوى استدعى تغييرا في اللفظ الأصلي لينسجم مع هذا التغير الجديد الحاصل، ولا يدلّ كلامه – كما ظن البعض- على إيمانه بالمناسبة الطبيعية بين الألفاظ والمعاني، فهو لا يقول: إن معنى (الضرب) استدعت حروف ( ض ر ب)، وإنما هو يقارن بين بنى متقاربة الأصوات مبينا أن المعاني قد استدعت الاختلاف بينها ولم تستدع أصواتها، فهناك فرق بين استدعاء أصوات الكلمات واستدعاء التخالف بين الكلمات لكمال حكمة الواضع، إذ موقف (شرب الماء) غير موقف(شرب الدواء)، فاستدعى المعنى الأول لاختلافه عن المعنى الثاني التخالف بين الصيغتين ولم يستدع أصواتهما، فقالوا: جرع الماء وتجرّع الدواء، ولذا لا نجده يتكلم على هذه الظاهرة إلا عند المقارنة بين الألفاظ، ولا يتحدث عن الألفاظ كلا على حدة([13]) ونتيجة لهذا الفهم فلا بد من وجود معنيين متقاربين يزيد احدهما على الآخر قوة وعمقا وتفرعا وتخصيصا ثم نقارن بين اللفظين المعبر بهما عنهما لنتلمس هذه الظاهرة وجودا وعدما، ويجعل ابن جني هذه الفكرة ذات طبيعة منطقية عندما يقول:" فإذا كانت الألفاظ أدلة المعاني ثم زيد فيها شيء أوجبت القسمة له زيادة المعنى به"([14])، وتلقف الصرفيون هذه الفكرة واخذوا يطبقونها على(معاني أبواب الزيادة) فيجدون آثارها واضحة عند بيانهم الفرق بين المجرد ومعناه والمزيد فيه ومعناه، كأبحاثهم المشهورة في المزيد على الثلاثي المجرد بحرف وحرفين وثلاثة أحرف، فقرروا أن المعنى في(اكتسب) أزيد من المعنى في(كسب)وان معنى(اعشوشب) أزيد من معنى(عشب) وان معنى(قطّع) أقوى من معنى(قطع)...الخ([15])، ويلخّص الرضي ذلك بقوله:" اعلم أن المزيد فيه لغير الإلحاق لا بد لزيادته من معنى؛ لأنها إذا لم تكن لغرض لفظي كما كانت في الإلحاق ولا لمعنى كانت عبثا، فإذا قيل مثلا: إن (أقال) بمعنى (قال) فذلك منهم تسامح في العبارة، وذلك على نحو ما يقال: إن (الباء) في (كفى بالله) و(من) في (وما من اله) زائدتان لما لم تفيدا فائدة زائدة في الكلام سوى تقرير المعنى الحاصل وتأكيده، فكان لا بد في الهمزة في(أقالني) من التأكيد والمبالغة"([16]) كما انتقلت هذه الفكرة اللغوية لتجد لها مكانا خصبا في حقل لغوي آخر هو علم النحو، فتوقف النحويون عند(حروف الزيادة) وأكدوا أنها تفيد معنى(التوكيد والتقوية والمبالغة)؛ لان زيادة المبنى دالة على زيادة المعنى، كما في قولنا: ما جاءني من احد، فحصروا حروف الزيادة في(إن وأن وما ولا ومن والباء) وذكروا أن دخولها لزيادة المعنى وتقويته وإلا كان ذلك عبثا من المتكلم([17])، فقد قرّر النحويون أن المقصود بالزيادة هنا الزيادة في العمل النحوي وليست الزيادة في المعنى([18])، ولذا ذكروا أن دخول هذه الزوائد في التراكيب السابقة أفاد التوكيد والتقوية لمضمون الكلام، وقد يتوهم البعض بأن الزائد يمكن حذفه ولا يؤثر في المعنى وهو غير مقصود لهم، وقد نشأ هذا الوهم من عدم اطلاع على دلالة مصطلح(الزيادة) ومفهومه عندهم، كما ظهرت هذه الفكرة عند النحويين في مباحث(اسم الإشارة) عندما عللوا الفرق بين(ذا وذاك وذلك) حيث ذكر ابن يعيش أن(ذا) إشارة للقريب، فإذا أرادوا الإشارة إلى متنح متباعد زادوا كاف الخطاب فقالوا: ذاك، فان زاد بعد المشار إليه أتوا باللام مع الكاف فقالوا: ذلك، واستفيد باجتماعهما زيادة في التباعد لان قوة اللفظ مشعرة بقوة المعنى([19]) وكل من الدراسات الصرفية والنحوية متفقة على أن الزيادة الطارئة على المبنى تصاحبها زيادة في المعنى، ولذا لا نراهم يتكلمون إلا على بنيتين أو تركيبين ثم يعقدون مقارنات بينهما لتتبين الزيادة الحاصلة في المعنى والمؤثرة في اللفظ، ويذكرنا هذا بالمقارنات التي عقدها المبرد للكندي عندما سأله عن الفرق بين: عبد الله قائم، وإن عبد الله قائم، ووالله إن عبد الله لقائم، حيث وضّح له بأن المعاني مختلفة فالأسلوب الأول إخبار عن قيامه، والثاني جواب عن سؤال سائل متشكك، والثالث جواب عن إنكار منكر([20])، فهذه التراكيب الثلاثة ليست ذات معنى واحد، وإنما هي تراكيب مختلفة الدلالة فيما بينها باختلافات دقيقة تراعي المقام وحال الخطاب، فكلما زاد المبنى داخل التركيب النحوي زاد معناه، إذ أصل المعنى وهو الإخبار عن القيام موجود في التراكيب الثلاثة لكن حدث تغيير دقيق في المعنى لتغير حالة الخطاب استدعت الزيادات التوكيدية واقتضت الإضافات الضرورية لتناسب المقام ومقتضى الحال، نستخلص من هذا العرض انه لكي تكون الأمثلة التركيبية داخلة ضمن أساس زيادة (زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى) لا بد من وجود تركيبين متشابهين حصلت على احدهما زيادة، فعندئذ ننظر إلى الفروق المعنوية الدقيقة الحاصلة نتيجة تلك الزيادة اللفظية، فان حصلت زيادة معنوية على أصل المعنى فهي داخلة في هذا الأساس اللغوي، وان لم تحصل زيادة على أصل المعنى بل اختلف المعنى كليا وتغاير مع أصله فلا يكون داخلا ضمن هذا الأساس البتة، ولذا يقارن الصبان بين نوني التوكيد الثقيلة والخفيفة الواردتين في قوله تعالى ليسجنَنَّ وليكونا من الصاغرين/ يوسف- آ:32)، حيث ذكر انه:" أكدت في الأول بالثقيلة لقوة قصدها سجنه وشدة رغبتها فيه، وفي الثاني بالخفيفة لعدم قوة قصدها تحقيره وإهانته وعدم شدة رغبتها في ذلك لما عندها من المحبة له"([21]).
وانتبه الصرفيون إلى حدود هذا الأساس اللغوي العام فاعتبروه في مباحث دون غيرها، حيث استبعدوا الزيادات الصرفية الواقعة عند تغيير الصيغ من دلالة إلى دلالة أخرى أو من فئة صرفية إلى أخرى، كتحويل الماضي إلى مضارع وأمر، أو تحويل المبني للمعلوم إلى مبني للمجهول، أو تحويل اسم الفاعل إلى اسم المفعول أو الصفة المشبهة وسائر المشتقات الأخرى، لان الزيادة الحاصلة عند التغيير ليست لزيادة المعنى الأصلي وإنما لتغييره وتبديله، فهناك فرق بين زيادة(اكتسب) على(كسب) وزيادة(يضرب) على(ضرب)، ففي الحالة الأولى تقوى المعنى وكثر وأما في الحالة الثانية فقد تبدل المعنى وتغير من دلالته الزمنية الماضوية إلى الزمن الحاضر أو المستقبل، فحروف(أنيت) المضافة إلى الماضي وقعت للتفرقة وليست لزيادة المعنى وتقويته؛ لان الماضي بمجرّد الزيادة اختفى دلاليا والحدث باق على صورته الأولى، ولا نقول بأن(ذهب) يدل على الحدث في الزمن الماضي، و(يذهب) يدل على الحدث أيضا لكن في الزمن الحاضر، فقد حصلت زيادة في المعنى على الأصل وهو(الحدث)؛ لأننا سنصطدم بالاشتقاق من المصدر(الذهاب) الدال على مجرد(الحدث)، فإن(ذهب) قد نقص مبناه وزاد معناه حينئذ عليه على القول بأصالة المصدر في الاشتقاق،فإذا أطلق البعض على(يذهب) بأن فيه معنى زائدا على الماضي أو المصدر فقد أرادوا مجرد المغايرة وليست الزيادة التي ندرسها حاليا، فهذه الزيادات وأمثالها كما في اسم الفاعل والمفعول وسائر المشتقات وتحويل المذكر إلى المؤنث... الخ (فاصلة) للصيغ بعضها عن بعض وليست محدثة معنى زائدا عليها، فاستبعدوا هذه التغيرات من فكرة ( زيادة المبنى ودلالتها على زيادة المعنى)، ومثل هذه الزيادات غير المعتبرة الزيادة الحاصلة عند تحويل المفرد إلى مثنى ومجموع في قولنا( زيد والزيدان والزيدون) حيث تغير معنى الصيغة من الواحد إلى غيره، والألف في المثنى والواو في الجمع لم تعمل على تقوية المعنى الأصلي للجذر الدال على(الزيادة) في لفظ (زيد) وإنما عملت على نقل المفرد إلى مثنى ومجموع، ومن هنا نلحظ مسالة بالغة الأهمية في تأسيس مفهوم(الزيادة في المعنى) أي المعنى الأصلي للجذر كما رأيناه في( كسب واكتسب وخشن واخشوشن وقدر واقتدر...) ونتيجة لهذا تكون الزيادة الدالة على زيادة المعنى هي الخالصة من أي معنى آخر غير المبالغة والكثرة، فمعنى المطاوعة في( انكسر الحاصل من كسر) وفي(اجتمع الحاصل من جمع) والوجدان والحينونة والطلب...الخ، وغيرها من معاني أبواب الزيادة لا تكون لزيادة في المعنى لأنها دالة على معنى آخر غير التوكيد والمبالغة، فليست الزيادة في البنية دالة على زيادة في المعنى في هذه الحالات السابقة.
ولكي يتأسس هذا المفهوم بشكل أكثر وضوحا نتوقف عند باب عقده ابن جني وسماه( تداخل الأصول الثلاثية والرباعية والخماسية) فقد نتسارع إلى الحكم بدخول بعض الألفاظ ضمن هذا الأساس نتيجة التداخل في المقارنة بين الصيغتين الاشتقاقيتين مع أنهما غير داخلين أصلا، فمثلا نسمع(رخو) و(رخود) ونعلم أن اللفظ الأول بمعنى(الضعف) واللفظ الثاني بمعنى(التثني) العائد إليه، فهو ضعف مع لازم من لوازمه، فنقول متعجلين: إن زيادة المبنى دلت على زيادة المعنى، فنحكم بإدخال الخارج في هذا المفهوم نتيجة إهمال الفرق بين الأصل الاشتقاقي للكلمتين السالفتين، إذ(رخو) أصلها( ر خ و) بينما (رِخْوَد) أصلها ( ر خ د)([22])، ونتيجة اتفاق التقارب الدلالي نخطأ في الحكم ونتعجل في البحث، نخلص من هذا إلى شرط أساسي آخر في هذا التأسيس المفهومي ينبغي مراعاته وهو اتفاق الكلمتين في الحروف المكونة لجذريهما حتى يمكن القول: إن زيادة المبنى دلت على زيادة المعنى.
وكما نتعجل ونحكم بإدخال الخارج فقد نتسارع إلى الحكم بإخراج الداخل بمجرد قراءة ما أورده السيوطي من نقض لهذا الأساس بباب التصغير، فانه رأى أن زيادة الحروف فيه أدت إلى قلة المعنى، باعتبار أن تصغير الشيء بمعنى تقليله، فإذا قلت: رجل وصغّرته على (رُجَيْل) فان المعنى قد قلّ مع زيادة المبنى كما هو ظاهر، ولكنه نسي أن المعنى قد زاد بالتصغير ؛ لان المراد بالزيادة ليست الزيادة في جانب الكثرة فقط، فقد تكون الزيادة في جانب القلة أيضا، كما نظّروا له في باب (أفعل الزيادة) مثل(أكرم وابخل)، فكلاهما دال على الزيادة([23])، فعندما نقول رجيل فقد حصلت زيادة في المعنى مقارنة بـ(رجل) الدال على من جاوز حد الصغر وبلغ حد الكبر، و(رجيل) دال على ذلك مع مراعاة تحقيره أو تهوين شأنه وما إلى ذلك من أغراض يؤديها التصغير، وان كنت اعتقد أن التفرقة بين اللفظ (المكبر والمصغر) لا يدخل ضمن هذا الأساس اللغوي، لان الزيادة فيه للتفرقة بين الفئات الصرفية كالزيادة بين الماضي والمضارع والأمر المؤدية إلى مجرد التغيير والتبديل للصيغة للدلالة على معنى مستحدث جديد دون ملاحظة تقوية المعنى الأصلي وتكثيره أو المبالغة فيه.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]