عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-12-2019, 05:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي طرق انتهاء ولاية القاضي في الفقه الإسلامي

طرق انتهاء ولاية القاضي في الفقه الإسلامي
رجاء بنت صالح باسودان*

المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . خير من حكم فعدل ، فكان الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة للإنسانية جمعاء ، عليه وعلى آله ومن والاه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، ورضي الله عن صحابته أجمعين ، ومن دعا بدعوته ، واستن بسنته ، وسار على نهجه إلى يوم الدين .
وبعد ، فقد عنى الإسلام عناية فائقة بالقضاء ومن يتولاه ، وذلك لأن العدل في الإسلام هو الأساس في صلاح هذا الكون ، ولا يتحقق ذلك إلا بتطبيق النظام القضائي الشرعي ؛ لذا اهتمت الشريعة الإسلامية بتنظيم القضاء ، وبإعداد القضاة ، بل وبالإجراءات التفصيلية التي تعين القضاة على إحقاق الحقوق ، العامة منها والخاصة .
وحيث أن القاضي قد يتعرض لأمور ذاتية أو خارجية ، طروءاً أو عدماً ، تفرض عليه انتهاء ولايته ، وبذلك لا يعد مؤهلاً للقضاء ، ولا يكون لحكمه اعتباراً ، لذا فقد وجب البحث في هذه الأمور والتعرف عليها ، لأهمية معرفة الطرق التي تؤدي إلى انتهاء ولاية القاضي .
وقد كان منهجي في البحث : عرض آراء الفقهاء واختلافهم ، والترجيح ما أمكن ، وذكر بعض المسائل إن وجدت .
لقد تم تقسيم البحث - بعد المقدمة - إلى فصلين وخاتمة ، كالتالي :
الفصل الأول : القضاء، تعريفه ، مشروعيته ، حكمه ، وفيه ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : تعريف القضاء
المبحث الثاني : مشروعية القضاء
المبحث الثالث : حكم القضاء
الفصل الثاني : طرق انتهاء ولاية القاضي ، وفيه أحد عشر مبحثاُ :
المبحث الأول : عزل القاضي
المبحث الثاني : فسق القاضي
المبحث الثالث : فقدان أهلية التكليف
المبحث الرابع : فقدان السمع أو البصر أو النطق
المبحث الخامس : ردة القاضي
المبحث السادس : المرض المعجز
المبحث السابع : انتهاء مدة ولاية القاضي
المبحث الثامن : استقالة القاضي
المبحث التاسع : موت القاضي
المبحث العاشر : تحول القاضي إلى أنثى أو خنثى
المبحث الحادي عشر : وقوع القاضي في الأسر
الخاتمة : وفيها أهم ما توصل إليه البحث من نتائج .
آمل أن أكون قد وفقت في إعداد البحث، وأسأل الله العلي القدير علماً نافعاً وإخلاصاً لوجهه الكريم ، إنه وليّ ذلك والقادر عليه . وسبحان ربك رب العزة عمّا يصفون والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
القضاء – تعريفه – مشروعيته – حكمه
المبحث الأول : تعريف القضاء

المطلب الأول : تعريفه لغة : يطلق لفظ القضاء في اللغة على معانٍ ، منها :
1- الحكم : بمعنى المنع ، ومنه سمي القاضي حاكماً لمنعه الظالم من ظلمه ، ومنه : قوله تعالى : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا...}(الإسرى:23)، أي : حكم وأوجب .
2- الأداء : كما في قوله تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ...} (البقرة: 200)، أي : أديتم .

3 - الإنهاء والتبليغ : كما في قوله تعالى : { وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ...} (الإسرى:4)، وقوله تعالى :{وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ...}(الحجر: 66)، أي : أنهيناه إليه وبلغناه إياه .
4 - الهلاك والفراغ : كما في قوله تعالى :{...فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ...} (القصص: 15)، وقوله : {...فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ...} (الأحزاب: 23)، أي : هلك . وقضى حاجته ، أي : فرغ منها . ومنه قوله تعالى : {...فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا...} (الأحزاب: 37).
5- المضي : كما في قوله تعالى : {...ثُمَّ اقْضُواْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ} (يونس: 71)، أي : امضوا .
6 - الصنع والتقدير: يقال: قضاه، أي: صنعه وقدره، ومنه قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ...} (فصلت: 12)، أي: صنعهن وقدرهن وخلقهن، ومنه: القضاء والقدر.
وأصل هذا اللفظ : قضاي ، لأنه من قضيت ، فلما جاءت الياء ، الألف الأخيرة قلبت همزة ، والجمع أقضية ، والقاضي في اللغة : القاطع للأمور ، واستقضى فلان : جعل قاضياً.
والواقع أن معاني القضاء في اللغة ترجع كلها إلى معنى واحد : هو إمضاء الشيء وإحكامه ، أو إتمام الشيء والفراغ منه قولاً أو فعلاً [2] .
7 - تعجيل العقوبة: قال تعالى : {...وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ...} (الشورى: 21)، ومعنى لقضي بينهم أي : عوجل لهم بالعذاب في الحياة الدنيا .
8 - المجازاة من خير أو غير ذلك: قال تعالى : {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ...} (غافر: 20)، أي : إثبات الحكم بالجزاء خيراً أو غير ذلك وفقاً للعمل الذي عمله الإنسان [3].
المطلب الثاني : تعريفه اصطلاحاً :
تتفق التعاريف الاصطلاحية للفظ القضاء عند العلماء في كونه إلزاماً بحكم الله تبارك وتعالى ، أو إظهار الحكم في الواقعة ، أو فصلاً بين الخصومات ، أو حكماً بين الناس بالحق والعدل [4] .
فقد جاء في الحنابلة للقضاء: "أنه النظر بين المترافعين له للإلزام وفصل الخصومات"[5] .

وجاء في تعريف الحنفية : " أنه الحكم بين الناس بالحق والحكم بما أنزل الله عز وجل" [6]. وفي حاشية ابن عابدين : "الفصل بين الناس في الخصومات حسماً للتداعي ، وقطعاً للنزاع بالأحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب والسنة " [7].

وقال ابن رشد المالكي : "حقيقة القضاء: " الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام" [8].

وفي تعريف الشافعية: جاء بأنه : " فصل الخصومة بين خصمين فأكثر بحكم الله تعالى" [9].

وهكذا فالتعاريف كلها تجتمع في أن القضاء هو إلزام المتخاصمين والناس جميعاً بالحكم الشرعي وتنفيذه عليهم .
المبحث الثاني : مشروعية القضاء
يعتبر القضاء من عمل الرسل عليهم السلام ، فقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا...} (الأنبياء:78-79)، وقوله أيضاً: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (ص: 26).
وكما أن الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - مأمور بالدعوة والتبليغ ، فكذلك هو مأمور بالحكم والفصل بين الخصومات . فالقضاء مشروع في الكتاب والسنة بالإجماع
المطلب الأول : مشروعيته في الكتاب
وردت آيات كثيرة تدل على مشروعية القضاء ، منها قوله تعالى : {...فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ...} (المائدة: 48)، وقوله : {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (النساء: 65)، وقوله : {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ...} (المائدة: 49)، وقوله : {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ...} (البقرة: 213)، وقوله تعالى:}وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (النور: 56)، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...} (النساء: 59)، وقوله سبحانه تعالى : {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ...} (النساء: 105).
فالآيات القرآنية تدعو إلى :
الرجوع إلى الكتاب والسنة ومن بيده مسئولية القضاء في حالة حدوث الشقاق والمنازعة والخصوم بين الناس .
إلزام القضاة بتطبيق كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - .
تجنب الهوى والابتعاد عن اتباع ذوي البدع والضلالات والمفاسد .
الرضا بحكم الله ورسوله والاقتناع به ، وربط الإيمان وجوداً وعدماً بالرضا بحكم الكتاب والسنة المطهرة .
إن مخافة الله جل شأنه هي الشيء المهيمن على المتحاكمين وعلى القضاة أيضاً [10].
المطلب الثاني : مشروعيته في السنة

لقد ثبتت مشروعية القضاء في السنة بقوله - صلى الله عليه وسلم - وفعله ، منها:
- حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" [11] .
- حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة أما من قضى بغير الحق وهو يعلم فذاك في النار ، وقاض قضى وهو لايعلم فأهلك حقوق الناس فذاك في النار ، وقاض قضى بالحق فذاك في الجنة" [12] .
- حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" [13] .
أما في السنة الفعلية فقد تولى النبي - صلى الله عليه وسلم - القضاء وقضى بين الناس ، فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن الرسول - صلى اله عليه وسلم - قضى باليمين على المدعى عليه [14].
- وأيضاً عن ابن عباس - رضي الله عنهما - "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد" [15].
- ما رواه الإمام علي - رضي الله عنه - حيث قال : "بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن قاضياً ، فقلت : يا رسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء ؟ فقال : "إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول ، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء " ، قال : فما زلت قاضياً أو ما شككت في قضاء بعد" [16] .
هذا وقد ولى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجالاً من الصحابة على القضاء في حياته كعمر بن الخطاب ، علي بن أبي طالب ، معاذ بن جبل وعتاب بن أسيد [17].
المطلب الثالث : مشروعيته بالإجماع

أجمع المسلمون على نصب القضاء للفصل بين الناس ، ولم يخالف أحد منهم في ذلك، بل اهتموا به وتولاه كثير منهم [18]. قال الخطيب الشربيني : "والإجماع منعقد على فعله سلفاً وخلفاً" ، وقد استقضى النبي - صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدون من بعده [19].
جاء في : المبدع في شرح المقنع : "وأجمع المسلمون على نصب القضاة للفصل بين الناس" [20].
المبحث الثالث : حكم القضاء

الحكم الشرعي للقضاء فيه مسألتان :
المسألة الأولى : الحكم الشرعي للقضاء عامة .
المسألة الثانية : الحكم الشرعي لمن يتولى القضاء .
المسألة الأولى : الحكم الشرعي للقضاء أنه من فروض الكفاية وهذا ما اتفق الفقهاء عليه ، فإذا قام به من توفرت فيه شروط القضاء سقط الإثم عن باقي المسلمين ، وهو في ذلك كالإمامة العظمى وكونه على الكفاية لأنه أمر بمعروف أو نهي عن منكر وهما على الكفاية . وأما كونه فرضاً فلقوله تعالى : {..كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ...} (النساء: 135)، ولأن أمر الناس لا يستقيم بدون القضاء ، فكان واجباً عليهم كالجهاد والإمامة [21].
قال الإمام أحمد : "لابد للناس من حاكم لئلا تذهب حقوق الناس" . وقال الشيخ تقي الدين : "قد أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر ، وهو تنبيه على أنواع الاجتماع ، وإذا أجمع أهل بلد على تركه أثموا" [22]. ولأن فيه أمراً بالمعروف ونصرة المظلوم وأداء الحق إلى مستحقه وردعاً للظالم عن ظلمه ، وهذه كلها واجبات لا تتم إلا بتولي القضاء ، لذا كان تولي القضاء واجباً ، والقاعدة الفقهية تقول : "إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"[23].
جاء في بدائع الصنائع : "فنصب القاضي فرض ؛ لأنه ينصب لإقامة أمر مفروض وهو القضاء"[24].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]