عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-10-2019, 08:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,859
الدولة : Egypt
افتراضي المهارات العشر لوقاية الفكر

المهارات العشر لوقاية الفكر (1) البوابة
د. جمال يوسف الهميلي




"لم أقتنع بأهمية الخوذة العسكرية إلا بعد أن قال لنا الضابط المسؤول في الدورة: (منبطحاً.. الجميع منبطحاً) وذلك بعد انفلات القنبلة اليدوية من يد أحد المتدربين على الرمي، وبعد أن انبطحنا على الأرض انفجرت القنبلة فلم أسمع إلا صوت الشظايا وهي تطرق جميع الخوذ على رؤوسنا فلم يصب أي أحد بأذى، وحينها تخيلت لو أنَّ الجميع لم يكونوا واضعين الخوذ، فكيف ستكون النتيجة؟! طبعاً ستكون هناك إصابات قاتلة، حينها فقط أدركت أهمية الخوذة العسكرية وبالتجربة العملية[1]








وهذه ليست قضية حديثة بل قديمة جداً، وتطور استخدام الخوذة ليشمل العديد من جوانب الحياة العملية، بل أصبح إجبارياً في بعض الأعمال مثل أعمال البناء والمنشآت الكبيرة.







الهدف الرئيس للخوذة هو وقاية الرأس من أي أذى يتعرض له، لذا فإنها تصنع بطريقة علمية دقيقة تمنع وصاية الأذى إلى الرأس.







فإذا كان بناء الكونكريت يُجبر العاملين فيه على لبس الخوذة، أليس بناء الإنسان أولى، وخوذة بناء الإنسان ليس مواد تصنع، لكنها مهارات وممارسات يٌدرب عليها لوقاية فكره وعقله من أي لوثة تسقط عليه.







وكلما كانت البيئة أخطر وأكثر انفتاحاً وتعدد الثقافات أوسع والوصول لها أسهل، كانت أهمية الخوذة الفكري أعظم.







وخلال أكثر من ربع قرن بين التعليم والتدريب والتربية والتمهير يمكن القول إن الخوذة الفكرية التي يجب صناعتها وتسليمها للجيل القادم تتألف من عشر مهارات ينبغي للمربين (الوالدين + الجهات التربوية) تدريب الجيل عليها منذ الصغر، فتكون سبباً - بعد الله - في وقايته من كل ما يسقط عليه من لوثات في حياته أثناء مساهمته في بناء حضارته وتحقيق رسالته، أقول مهارة وليس معلومة وتدريب وليس تعليم وتلقين.







المهارة الأولى: البوابة



قوم لوط قصتهم معروفة ونهايتهم مشينة، تمادوا وطغوا وارتكبوا الرذيلة فاستحقوا العقوبة الأليمة، وبعدهم بسنين عديدة جاءت الرسالة المجيدة انطلقت من مكة الشريفة، فرفض القوم في البداية ، ناقشهم القرآن وبين لهم حقيقة الانسان فذكرهم ونصحهم ومما قال لهم: {﴿ وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [الصافات: 137، 138]. أي أنكم يا قريش تمرون على قرى قوم لوط في رحلاتكم المتكررة من مكة إلى الشام وبالعكس، أفلا تعقلون أي افلا تلاحظون وتتأملون ما حصل من قوم لوط وكيف كانت نهايتهم لرفضهم دعوة نبيهم، يقول صاحب تفسير التنوير والتحرير" مر عليه ومر به، وتعديته بحرف (على) تفيد تمكن المرور أشد من تعديته بالباء،... وتأكيده بحرف التوكيد وباللام ( لتمرون) تأكيد للمعنى الذي استعمل فيه"[2].







أظنك عرفت المهارة إنها مهارة الملاحظة وهي تعني المراقبة والتأمل والنظر ومراقبة المتغيرات.



الملاحظة هي بوابة الملاحظات جميعاً، وهي تشمل كل ما حولنا من ماديات ومعنويات، فالموفق مَن يجتهد في تمهير ابنه (من الجنسين) على تلك المهارة من الصغر ويجتهد في غرسها في نفسه، فمع الزمن تصبح مهارة لدى الابن فبها يستطيع ملاحظة المتغيرات المحيطة به تمهيدا لحسن التعامل معها وتوظيفها.







ومن المهم جدا التركيز على ملاحظة الذات أي التمهير على أن يلاحظ الابن نفسه من حيث التغييرات الفسيولوجية والنفسية والفكرية وكل حياته صغيرها وكبيرها، فهذا الفضيل بن عياض يقول: "إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي وامرأتي وفأر بيتي".







ومن طرق التمهير على الملاحظة الذاتية مراقبة التغييرات عليه من حيث الكلام والسلوكيات والملبس وغيرها ومناقشتها معه (ليس بالضرورة تغيرات سلبية بل احرص على تشجيعه على التغيرات الإيجابية من أجل تعزيزها وترسيخها وتقديم الدعم المعنوي له).







من تراه من سلوكيات كانت نتيجة لسلسلة بدأت من خاطرة - كما يقول ابن قيم الجوزية وغيره من العلماء -:



1- خاطرة
2- تصور
3- إرادة
4- عزيمة
5- عمل
6- عادة (سلوك)
7- قيمة.








ومعالجة الخاطرة أسهل من التصور والتصور أسهل من الإرادة والإرادة أسهل العزيمة وهكذا، لذا فمعالجة القيم صعبة جداً.



ولما كان من الصعب ملاحظة الخاطرة والتصور والإرادة، وجب ملاحظة العمل قبل انتقاله إلى عادة ثم والحوار الفاعل مع الابن حوله ومساعدته في تعزيزه - إن كان جيداً - أو في معالجته إن كان غير ذلك وهذا من أهم ثمار مهارة الملاحظة، والأهم هو تمهير الابن على ملاحظة خواطره ومعالجتها قبل استفحالها.




همسة في أذن صانعي الخوذة الفكرية: كن أول من يلبسها، فأقصر طريق للتربية التطبيق.







بقي أن ندرك أن مهارة الملاحظة ليست كافية لوحدها فهي جزء من الخوذة الفكرية وليست الكل.







[1] الخوذة العسكرية وأهميتها في المعركة (hibrpress).




[2] التحرير والتنوير لطاهر بن عاشور.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 21-09-2022 الساعة 05:57 PM.
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.04 كيلو بايت... تم توفير 0.66 كيلو بايت...بمعدل (3.35%)]