عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-06-2019, 08:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي بنيتي.. رسائل محبة وشفقة

بنيتي..
رسائل محبة وشفقة (1)
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ



إلى بُنيَّتي وفلذة كبدي، إلى مُهجة عيني وقُرَّة فؤادي، إلى من أعزَّها الله بالإسلام، وكانت من قبله من سَقَطِ المتاع، إلى من عدَّ الإسلام تربيتها والصبر عليها من أسباب دخول الجنان، والنجاة من النيران، إلى من جعل الإسلام من قُتِلَ دِفاعًا عنها من الشهداء، إلى من يتنافس من ينتسبون للإسلام لحِفْظِها من كيد الفجَّار وشرِّ الأشرار، إلى عقيلة النساء، وجالبة الأصهار، وحاضنة الأبناء، ومربية الأجيال.



إلى بُنيَّتي التي أدعو لها دائمًا بالحفظ والصلاح والستر والعفاف، أبدأ رسالتي إليك بأن أُحيِّيكِ بتحية الإسلام، بتحية أهل الجنة: فالسلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، أما بعد:



فأسأل الله الرحمن الرحيم، الجَوَاد الكريم، كما جمعنا في هذه الحياة الدنيا أن يجمعَنا ووالدينا وأحبابنا في أعلى جنات النعيم، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء والصالحين، وبعد: فهذه رسائل إليكِ ملؤها المحبَّة والشفقة، أسأل الله الكريم فيها الإعانة والتوفيق والسداد لقول الحق، فأبدأُ مُستعينًا بالله:

لقد وضع الله جلَّ جلالُه في قلب الوالدين وخصوصًا الأمهات الرحمة بالأبناء؛ فقلوبهن تمتلئ شفقةً وحنانًا على أبنائهن، فهذه أمُّ إسماعيل زوج أبينا إبراهيم عليهما السلام، يضعها إبراهيم مع ابنها إسماعيل عند البيت فوق زمزم، ويضع عندها جرابًا فيه تمْرٌ، وسِقاءً فيه ماء، حتى إذا نفد ما في السِّقاء عطِشَتْ وعطِشَ ابنُها، وجعلت تنظُر إليه يتلوَّى، فانطلقت تسعى بين الصفا والمروة كراهية أن تنظر إليه وهو يتلوَّى من العطش.



وها هي أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما تقول: دخلتْ عليَّ امرأةٌ معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئًا غير تمرة، فأعطيتُها إيَّاها، فقسمتْها بين ابنتيها، ولم تأكُل منها، ثم قامتْ وخرجتْ، قال أهل العلم: هذا الحديث فيه عجائب، منها: الرحمة العظيمة في هذه المرأة؛ فإنها إن قسمت التمرة أثْلاثًا ضعُف نصيبُ كل واحدة، وإن أعطتْها واحدةً دون الأخرى صار في ذلك جُور، فما بقي إلا أن تُؤثِرَ ابنتيها على نفسها، وتشُقُّ التمرة بينهما نصفين.



وهذا أبو هريرة رضي الله عنه، يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال واصفًا نساء قريش أنهن: ((خيرُ نساء ركبْنَ الإبل: صالحُ نساء قريش، أحْناه على ولدٍ في صِغَرِه)).



وقد ذكر أهل التفسير: أن امرأة لها صبيٌّ صغيرٌ من قوم نوح لم تؤمِنْ به، فلما جاء الطوفان الذي أغرق أهل الأرض جميعًا، ونبَع الماء، وصار في السكك، خشيتْ أمُّ الصبي على صبيِّها، وكانت تحبُّه حبًّا شديدًا، فخرجتْ إلى الجبل حتى بلغَت ثُلُثَه، فلما بلغها الماءُ ارتفعتْ حتى بلغت ثُلُثيه، فلما بلغها الماء، خرجت به حتى استوت على الجبال، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها، لكنهما غرقا جميعًا.



فإذا كان والداك هما أكثر الناس شفقةً عليكِ، فأرعي سمعَكِ جيدًا لما يقولان لكِ، فهما لا يأمُران إلا بخيرٍ، ولا ينهيان إلا عن شرٍّ:

بُنيَّتي: الدنيا تتغيَّر وتتبدَّل سريعًا، وقد أشار إلى هذا رسولُنا صلى الله عليه وسلم عندما وعظ أصحابه رضي الله عنهم موعظةً بليغةً وجِلَتْ منها قلوبُهم، وذرفَتْ منها دموعُهم، فقالوا: يا رسول الله كأنها موعظة مودِّع فأوصِنا، فقال عليه الصلاة والسلام: ((أوصيكم بتقوى الله، والسَّمْع والطاعة، وإنْ تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌّ؛ فإنه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا))؛ قال أهل العلم: فيه من معجزاته صلى الله عليه وسلم: الإخبار بما يقع بعده من كثرة الاختلاف وغلبة المنكر.



ولقد تغيَّرت الدنيا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم في كلِّ شيءٍ، في الاعتقادات، والأعمال، والأقوال، ولقد اختلفت أحوالُ الناس، وتغيَّرت فتبَدَّلت أحوالهم تبدُّلًا كاملًا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بمدد متفاوتة.



وممَّا تغيَّر بعده حال النساء، فقد قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المساجد"، قال أهل العلم: قولها: "ما أحدثَ النساء" من الزينة والطيب وحُسْن الثياب؛ ولهذا عندما حدَّث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: ((لا تمنعُوا نساءكم المساجدَ إذا استأذَنَّكم إليها))، قال بلال بن عبدالله رضي الله عنهما: "والله لَنَمْنَعهُنَّ" قال أهل العلم: ليس قصْدُه ردَّ الحديث، لكن قصده أن الأمر تغيَّر، وأن النساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يخرجْنَ بلباس الحشمة، بعيدات عن التبرُّج والطيب، وأن الوقت قد تغيَّر.



وإذا كان هذا حدث بعد سنوات من وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد تغيَّرتْ أحوال النساء الآن تغيُّرًا كبيرًا، فالثبات الثبات يا بُنية على تعاليم الإسلام وأحكامه وآدابه، ففيها النجاة والسلامة في الدنيا والآخرة، وأبدأ برسائلي إليكِ:



الرسالة الأولى:

طاعتُكِ لله ولرسوله خيرٌ لكِ في دُنياكِ، وسعادةٌ لكِ في آخِرتِكِ

بُنيَّتي: اجعلي طاعة الله ورسوله نُصْبَ عينيكِ؛ فأنتِ إن فعلتِ ذلك فستنالين الخيرات والبركات في الدنيا والآخرة، فمن أطاع الله ورسوله فهو في أعلى درجات الجنة، مع أولياء الله الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصدِّيقين، والشهداء، والصالحين - جعلنا الله منهم - قال ربُّنا عز وجل: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾ [النساء: 69]، وطاعة الله والرسول عليه الصلاة والسلام يجني الإنسانُ ثمارَها في الدنيا قبل الآخرة، فإن أردتِ دليلًا لهذا، فاستمعي لما تقوله واحدةٌ من بنات جنسك، وهي الصحابية فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، فقد ذكرت أن زوجها طلَّقها ثلاثًا، وأنه خطبها معاوية، وأبو جهم، وأسامة بن زيد، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما معاوية فرجُلٌ ترِبٌ، وأما أبو جهم فرجُلٌ ضرَّاب للنساء، ولكن أسامة بن زيد))، فقالت: بيدها أسامة! أسامة! فقال لها رسول الله عليه الصلاة والسلام: ((طاعةُ الله وطاعةُ رسوله خيرٌ لَكِ)) قالت: فتزوَّجْتُهُ، فاغتبَطَتْ به.



لقد جنَتْ رضي الله عنها ثمارَ طاعتِها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم في الدنيا قبل الآخرة، حيث قالت: تزوجتُه، فاغتبطْتُ به، وسعِدْتُ معه.



قال أهل العلم: طاعة الله ورسوله كلُّها خيرٌ، والعاقبة لمن أطاع الله ورسوله، حتى وإن توهَّم في أول الأمر أنه لا يستفيد، فهذا أسامة بن زيد كرهتْهُ فاطمة بنت قيس رضي الله عنهما، وفي النهاية تقول: إنها اغتبطَتْ به، وجعل الله بينهما مودَّةً ورحمةً، فإيَّاك أن تُخالِفَ أمرَ الله ورسوله، أطِع الله ورسوله؛ فإن الخير في طاعة الله ورسوله، والعاقبة للمتَّقين.



وإن رغبْتِ دليلًا ثانيًا فاستمعي لما تقوله أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنها، فقد ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عَبْدٍ تُصيبُه مُصيبةٌ، فيقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أجرني في مُصيبتي، وأخْلِف لي خيرًا منها إلا أَجَرَهُ الله في مُصيبته، وأخْلَف له خيرًا منها))، قالت: فلما تُوفِّي أبو سلمة، قلتُ: أي المسلمين خيرٌ من أبي سلمة، أول بيتٍ هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية، قالت: فلما تُوفِّي أبو سلمة، قُلْتُ: مَنْ خيرٌ من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ عزم الله لي فقلتها كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرًا منه؛ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.



قال أهل العلم: لم يكن يخطُر ببالها أن يتزوَّجَها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن لثقتها بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام، قالَتْ ذلك.



فأنتِ يا بُنيَّتي: كوني واثقةً مطمئنةً لما يأمُر به الله جل جلاله، ورسوله عليه الصلاة والسلام، وأن في ذلك الخير في الدنيا والسعادة في الآخرة.



بُنيَّتي: ليكن هدفُكِ ومرادُكِ وغايتُك رضا الله ورسوله والدار الآخرة، كما فعلت أمَّهات المؤمنين رضي الله عنهن اللائي اخترْنَ ذلك عندما خيَّرهُنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فعن أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءها حين أمره الله أن يُخيِّرَ أزواجَه، فبدأ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((إنِّي ذاكِرٌ لَكِ أمْرًا، فلا عليكِ ألَّا تستعجلي حتى تستأمري أبويك))، وقد علم أن أبويَّ لم يكونا يأمُرانني بفِراقه، قالت: ثم قال: ((إن الله قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ ﴾ [الأحزاب: 28])) إلى تمام الآيتين، فقلت له: ففي أي هذا أستأمر أبويَّ؟ فإني أُريدُ الله ورسوله والدار الآخرة.



لقد اختارَتْ رضي الله عنها الله ورسوله والدار الآخرة، وقال: ذكر أهل العلم أن عمرها كان إذ ذاك أربعة عشر عامًا تقريبًا، فكانت صغيرة السن، شابَّةً، والشابة غالبًا تريد الحياة الدنيا وزينتها، ومع ذلك تركتها لله ولرسوله وللدار الآخرة، فما أعقلها رضي الله عنها! فلتكُن هي وبقية أمهات المؤمنين قدوةً لكِ في ذلك.



قال أهل التفسير رحمهم الله: اخترْنَ رضي الله عنهن وأرضاهن الله ورسوله والدار الآخرة، فجمع الله تعالى لهن بعد ذلك بين خير الدنيا وسعادة الآخرة.



بُنيَّتي: إن من مقتضيات الإيمان إذا قضى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام أمرًا ألا يخالف المؤمنُ أو المؤمنةُ أمرَ الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وألَّا يختار خلاف أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، فالخير كل الخير فيما قضاه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فينبغي السمع والطاعة والتسليم لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 51].




بُنيَّتي: عليكِ بالسمع والطاعة، والامتثال لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولتكن أمهات المؤمنين أفضل النساء في أفضل القرون، هنَّ قُدوتكِ في ذلك؛ عن معاذة بنت عبدالله، قالت: سألتُ عائشة، فقلتُ: ما بالُ الحائض تقضي الصومَ، ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية، ولكني أسألُ، فقالت: كان يُصِيبُنا ذلك، فنؤمَرُ بقضاء الصوم، ولا نُؤمَر بقضاء الصلاة.





واحذري من الاستماع لدُّعاة الضلال الذين يزخرفون الفساد بقوالب ناعمة سامة.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.61 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]