عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09-02-2019, 10:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (2)
ومن يتوكل على الله فهو حسبه


د.وليد خالد الربيع

القرآن الكريم كلام الله عز وجل مليء بالحكم والأحكام، والفوائد والمواعظ، والقصص والأخبار، فهو منبع كل خير ومصدر كل فضيلة، وقد تنوعت أساليبه العربية البليغة في بيان تلك النفائس وصياغة أعظم المفاهيم بأسلوب رائع وجيز الألفاظ غزير المعاني، ومن الحكم القرآنية قوله عز وجل: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} الذي يدل على قوة الإيمان بالله تعالى وشدة الثقة به عز وجل.
قال الشيخ ابن السعدي: «{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} أي: في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره، ويثق به في تسهيل ذلك {فَهُوَ حَسْبُهُ} أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه به، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء، ولكن ربما أن الحكمة الإلهية اقتضت تأخيره إلى الوقت المناسب له ؛ فلهذا قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} أي: لا بد من نفوذ قضائه وقدره، ولكنه {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} أي: وقتًا ومقدارًا، لا يتعداه ولا يقصر عنه. قال الجرجاني: «التوكل هو الثقة بما عند الله، واليأس مما في أيدي الناس»، وقال ابن رجب: «التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار في أمور الدنيا والآخرة، وكِلَة الأمور كلها إليه، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه». والتوكل على الله من أعظم واجبات التوحيد والإيمان، قال الله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}، وبحسب قوة توكل العبد على الله يقوى إيمانه، ويتم توحيده، فعن ابْن عَبَّاس أَنَّهُ رَكِبَ خَلْف رَسُول اللَّه [ يَوْمًا فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه [: « يَا غُلام إِنِّي مُعَلِّمُك كَلِمَات: احْفَظْ اللَّه يَحْفَظْك، احْفَظْ اللَّه تَجِدهُ تُجَاهك وَإِذَا سَأَلْت فَاسْأَلْ اللَّه، وَإِذَا اِسْتَعَنْت فَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّة لَوِ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَنْفَعُوك لَمْ يَنْفَعُوك إِلَّا بِشَيْءٍ كَتَبَهُ اللَّهُ لَك وَلَوِ اِجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوك لَمْ يَضُرُّوك إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّه عَلَيْك رُفِعَتِ الْأَقْلَام وَجَفَّتِ الصُّحُف». وعَنْ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه [:» مَنْ نَزَلَت بِهِ فاقة - أي حَاجَة شديدة فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ - أي عرضها عليهم وطلب منهم إزالتها - لم تسد فاقته، وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاَللَّهِ - أي اعتمد على ربه - فيوشك الله أي يسرع له بِرِزْقٍ عَاجِل أَوْ بِمَوْتٍ آجِلٍ»أخرجه أبو داود والترمذي. وصدق التوكل وحسن الثقة بالله عز وجل لا يمنع من طلب الرزق والحرص على الغنى الحلال الذي يعين الإنسان على طاعة ربه وحفظ كرامته والاستغناء عن الناس؛ فقد قال [:«لأن يأخذ أحدكم حبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيستغني بها، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه»، وقال أيضا:«ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يديه. قال: وكان داود لا يأكل الا من عمل يديه».وأخرج البيهقي بإسناده عن أبي بكر الصديق قال: «دينك لمعادك، ودرهمك لمعاشك، ولا خير في امرئ بلا درهم». وقال الفضيل بن عياض لابن المبارك: «أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان الى البلد الحرام كيف ذا وأنت بخلاف ذا ؟ فقال ابن المبارك: يا أبا علي أنا أفعل ذا لأصون بها وجهي، وأكرم بها عرضي، وأستعين بها على طاعة ربي، لا أرى لله حقا إلا سارعت إليه حتى أقوم به، فقال له الفضيل: يا بن المبارك ما أحسن ذا إن تم ذا». ولهذا قال الإمام أحمد: «ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله عز وجل، ولكن يعودون أنفسهم بالكسب، فمن قال بخلاف هذا القول، فهو قول إنسان أحمق «، وقال أيضا: «الاستغناء عن الناس بطلب العمل أعجب إلينا من الجلوس وانتظار ما في أيدي الناس». فما أعظمها من حكمة قرآنية تحمل المسلم على الثقة بالله بقلبه مع كمال السعي ببدنه وفكره ليحقق أعلى مراتب الإيمان والتوحيد، وبالله التوفيق.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.58%)]