عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 30-09-2021, 02:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,807
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام


فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ
المجلد الثانى
الحلقة (15)

من صــ 339 الى صــ 345



وإذا كان العباد يحمدونه ويثنون عليه ويحبونه، فهو سبحانه أحق بحمد نفسه والثناء على نفسه والمحبة لنفسه، كما قال أفضل الخلق:
" «لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» "فلا ثناء من مثن أعظم من ثناء الرب على نفسه، ولا ثناء إلا بحب، ولا حب من محبوب لمحبوب أعظم من محبة الرب لنفسه، وكل ما يحبه من عباده فهو تابع لحبه لنفسه، فهو يحب المقسطين والمحسنين، والصابرين والمؤمنين، ويحب التوابين، ويحب المتطهرين، ويفرح بتوبة التائبين، كل ذلك تبعا لمحبته لنفسه ; فإن المؤمن إذا كان يحب ما يحبه من المخلوقات لله ; فيكون حبه للرسول والصالحين تبعا لحبه لله، فكيف الرب تعالى فيما يحبه من مخلوقاته؟!.
إنما يحبه تبعا لحبه لنفسه، وخلق المخلوقات لحكمته التي يحبها.
فما خلق شيئا إلا لحكمة، وهو سبحانه قد قال: {أحسن كل شيء خلقه} [سورة السجدة: 7]، وقال: {صنع الله الذي أتقن كل شيء} [سورة النمل: 88].
وليس في أسمائه الحسنى إلا اسم يمدح به ; ولهذا كانت كلها حسنى، والحسنى بخلاف السوأى، فكلها حسنة، والحسن محبوب ممدوح.
فالمقصود بالخلق ما يحبه ويرضاه، وذلك أمر ممدوح، ولكن قد يكون من لوازم ذلك ما يريده ; لأنه من لوازم ما يحبه ووسائله، فإن وجود الملزوم بدون اللازم ممتنع، كما يمتنع وجود العلم والإرادة بلا حياة، ويمتنع وجود المولود -مع كونه مولودا - بلا ولادة.
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح، حديث الاستفتاح:
" «والخير كله بيديك، والشر ليس إليك» " وقد قيل: في تفسيره لا يتقرب به إليك بناء على أنه الأعمال المنهي عنها، وقد قيل:
لا يضاف إليك بناء على أنه المخلوق.
وقال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
والحمد مفتاح كل أمر ذي بال: من مناجاة الرب ومخاطبة العباد بعضهم بعضا والشهادة مقرونة بالحمد وبالتكبير فهي في الأذان وفي الخطب خاتمة الثناء فتذكر بعد التكبير ثم يخاطب الناس بقول المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح وتذكر في الخطب ثم يخاطب الناس بقول: أما بعد وتذكر في التشهد ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فالحمد والتوحيد مقدم في خطاب الخلق للخالق والحمد له الابتداء.

فإن الله لما خلق آدم عليه السلام أول ما أنطقه بالحمد فإنه عطس وقال: الحمد لله رب العالمين فقال الله: يرحمك ربك وكان أول ما نطق به الحمد وأول ما سمع من الله الرحمة وبه افتتح الله أم القرآن والتشهد هو الخاتمة.
فأول الفاتحة {الحمد لله} وآخر ما للرب {إياك نعبد}. وكذلك التشهد. والخطب فيها التشهد بعد الفاتحة. فأن يتضمن إلهية الرب وهو أن يكون الرب هو المعبود هذا هو الغاية التي ينتهي إليها أعمال العباد و {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} لكن قدم الحمد؛ لأن الحمد يكون من الله ويكون من الخلق.
وهو باق في الجنة: فآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين بخلاف العبادة. فإن العبادة إنما تكون في الدنيا بالسجود ونحوه وتوحيده وذكره باق في الجنة يلهمه أهل الجنة كما يلهمهم النفس.
وهذه الأذكار هي من جنس الأقوال ليست من العبادات العملية كالسجود والقيام والإحرام والرب تعالى يحمد نفسه ولا يعبد نفسه فالحمد أوسع العلوم الإلهية والحمد يفتح به ويختم به. فالسنة لمن أكل وشرب أن يحمد الله وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها} وقال تعالى:
{وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} وقال تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} وقال: {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}.
وسئل:
عن " الحمد والشكر " ما حقيقتهما؟ هل هما معنى واحد أو معنيان؟ وعلى أي شيء يكون الحمد؟ وعلى أي شيء يكون الشكر؟.

فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، " الحمد " يتضمن المدح والثناء على المحمود بذكر محاسنه سواء كان الإحسان إلى الحامد أو لم يكن والشكر لا يكون إلا على إحسان المشكور إلى الشاكر فمن هذا الوجه الحمد أعم من الشكر؛ لأنه يكون على المحاسن والإحسان فإن الله تعالى يحمد على ما له من الأسماء الحسنى والمثل الأعلى وما خلقه في الآخرة والأولى؛ ولهذا قال تعالى: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} وقال: {الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة} وقال: {الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء}.
وأما " الشكر " فإنه لا يكون إلا على الإنعام فهو أخص من الحمد من هذا الوجه؛ لكنه يكون بالقلب واليد واللسان كما قيل: أفادتكم النعماء مني ثلاثة: يدي ولساني والضمير المحجبا ولهذا قال تعالى: {اعملوا آل داود شكرا}. و " الحمد " إنما يكون بالقلب واللسان فمن هذا الوجه الشكر أعم من جهة أنواعه والحمد أعم من جهة أسبابه ومن هذا الحديث {الحمد لله رأس الشكر فمن لم يحمد الله لم يشكره} وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها} والله أعلم.
تلخيص مناظرة في " الحمد والشكر "
بحث جرى بين شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وبين ابن المرحل
كان الكلام في الحمد والشكر وأن الشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح والحمد لا يكون إلا باللسان. فقال ابن المرحل: قد نقل بعض المصنفين - وسماه -: أن مذهب أهل السنة والجماعة: أن الشكر لا يكون إلا بالاعتقاد. ومذهب الخوارج: أنه يكون بالاعتقاد والقول والعمل وبنوا على هذا: أن من ترك الأعمال يكون كافرا. لأن الكفر نقيض الشكر فإذا لم يكن شاكرا كان كافرا. قال الشيخ تقي الدين: هذا المذهب المحكي عن أهل السنة خطأ والنقل عن أهل السنة خطأ.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]