عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-02-2020, 04:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي الطلاق بالكناية

الطلاق بالكناية


الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك





قوله: "وكناياته نوعان ظاهرة وخفية..." إلى قوله: "ويقع مع النية بالكناية الظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة وبالخفية ما نواه"[1].
قال في "المقنع": "والكنايات نوعان:
ظاهرة: وهي سبع: أنت خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وأنت حُرة، وأنت الحرج.
وخفية نحو: اخرجي، واذهبي، وذوقي، وتجرَّعي، وخليتك، وأنت مخلاة، وأنت واحدةٌ، ولست لي بامرأة، واعتدي، واستبرئي، واعتزلي، وما أشبهه.

واختلف في قوله: الحقي بأهلك، وحبلُك على غاربك، وتزوجي من شئت، وحللت للأزواج، ولا سبيل لي عليك، ولا سلطان لي عليك، هل هي ظاهرة أو خفية؟ على روايتين[2].

ومن شرط وقوع الطلاق أن ينوي بها الطلاق إلا أن يأتي بها في حال الخصومة والغضب فعلى روايتين[3]، وإن جاءت جوابًا لسؤالها الطلاق، فقال أصحابنا[4] يقع الطلاق.

والأولى في الألفاظ التي كثر استعمالها بغير الطلاق نحو: اخرجي واذهبي وروحي: أنه لا يقع بها طلاق حتى ينويه.
ومتى نوى بالكناية الطلاق وقع بالظاهرة ثلاث وإن نوى واحدة، وعنه[5]: يقع ما نواه، وعنه[6]: ما يدل على أنه يقع بها واحدة بائنة، ويقع بالخفية ما نواه، فإن لم ينو عددًا وقع واحدة.

وأما ما لا يدلُّ على الطلاق نحو: كُلي، واشربي، واقعدي، واقربي، وبارك الله عليك، وأنت مليحةٌ، أو قبيحةٌ، فلا يقع بها طلاق وإن نوى.

وكذا قوله: أنا طالق، فإن قال: أنا منك طالق، فكذلك، ويحتمل أنه كناية. وإن قال: أنا منك بائن أو حرام فهل هو كناية أولا؟ على وجهين[7]"[8].

قال في "الحاشية": "قوله: "وهي سبع..." إلى آخره.
ومثلها: أعتقتك، وقيل: أبنتك كـ أنت بائنٌ، وهو ظاهر كلامه في "المستوعب"، وجعل أبو بكر: لا حاجة لي فيك، وباب الدار لك مفتوحٌ، كـ أنت بائن، وجعل الشريف أبو جعفر: أنت مخلاة كـ أنت خلية.
وقال في "المستوعب": فإن قيل (مُخلاة) و(خليتك) و(خلية) بمعنى واحد فلم ألحقتموها بالخلية؟ قلنا: قد كان القياس يقتضي ذلك مثل مطلقة، وطلقتك، وطالق، ولكن تركناه للتوفيق الذي تقدم ذكره.

وقال ابن عقيل: من الكنايات الظاهرة: أنت طالق، لا رجعة لي عليك.
وقيل: هي صريحة في طلقة كناية ظاهرة فيما أراد، اختاره الشيخ تقي الدين، وقال: هذه اللفظة صريحة في الإيقاع كناية في العدد، فهي مُركبة من صريح وكناية.

قوله: واعتزلي وما أشبهه كـ: لا حاجة لي فيك، وما بقي شيء، وأغناك الله، والله قد أراحكم مني، وجرى القلم، ونحوه، وهذا المذهب[9].
وقال ابن عقيل: إذا قالت له: طلقني، فقال: إن الله قد طلقك، هذا كناية خفية أُسندت إلى دلالتي الحال، وهي ذكر الطلاق وسؤالها إياه.

وقال ابن القيم[10]: الصواب: أنه إن نوى وقع، وإلا لم يقع.
ونقل أبو داود: إذا قال: فرَّق الله بيني وبينك في الدنيا والآخرة؟ قال: إن كان دعاء يدعو به فأرجو أنه ليس بشيءٍ.
وقال الشيخ تقي الدين[11] في: إن أبرأتني فأنت طالق، فقالت: أبرأك الله مما يدعي النساء على الرجال، فظن أنه يبرأ فطلَّق: يبرأ.

قال في "الفروع": فهذه المسائل الثلاث الحكم فيها سواء.
وظهر أن في كل مسألة قولين: هل يعمل بالإطلاق للقرينة، وهي تدل على النية، أم تعتبر النية؟
قوله: (الحقي بأهلك) خفية على الأصح[12]، وقيل: كناية ظاهرة، وعليه الأكثر، وأما الخمسة الباقية فإحدى الروايتين[13]: أنها من الكنايات الظاهرة، جزم به في "الوجيز" و"الإقناع" وغيرهما.
والثانية: هي خفية، جزم به في "المنور".

فائدة: وكذا الحكم خلافًا[14] ومذهبًا[15] في قوله: غطي شعرك وتقنعي.
وجزم في "الإقناع" بأنها من الكنايات الظاهرة.
قوله: "ومن شرط وقوع الطلاق أن ينوي بها الطلاق"، هذا المذهب[16] مُطلقًا، فإن لم ينو شيئًا ولا دلت عليه قرينة لم يقع؛ لأنه ظاهر في غير الطلاق فلم ينصرف إليه عند الإطلاق كما لا ينصرف الصريح إلى غيره، وعنه[17]: يقع الطلاق بالظاهرة من غير نية، اختاره أبو بكر، فعلى المذهب: يشترط أن تكون النية مقارنة للفظ على الصحيح.

قوله: "إلا أن يأتي في حال الخصومة والغضب" فعلى روايتين:
إحداهما[18]: يقع وإن لم يأت بالنية، وهو المذهب.
والثانية[19]: لا يقع إلا بالنية، صححه في "التصحيح" و"الخلاصة"، وبه قال أبو حنيفة[20] والشافعي[21] إلا أن أبا حنيفة[22] يقول في: اعتدي واختاري وأمرك بيدك، كقولنا في الوقوع.
واحتجا بأن هذا ليس بصريحٍ في الطلاق، ولم ينوه، فلم يقع به الطلاق كحال الرضا.

قال الشارح: ويحتمل أن ما كان من الكنايات لا يستعمل في غير الفرقة إلا نادرًا، نحو قوله: أنت حُرةٌ لوجه الله، واعتدي، واستبرئي برحمك، وحبلك على غاربك، وأنت بائن، وأشباه ذلك: أنه يقع في حال الغضب، وجواب السؤال في غير نية، وما كثر استعماله لغير ذلك نحو: اخرجي، واذهبي، وروحي، وتقنعي، لا يقع الطلاق به إلا بنية، وهذا مأخوذ من اختيار شيخه في المسألة الآتية.

قوله: (وإن جاءت جوابًا لسؤالها...) إلى آخره، هذا المذهب[23] مُطلقًا؛ لدلالة الحال عليه، وعنه[24]: لا يقع إلا بنية لما تقدم.
واختار المصنف هنا من التفصيل نحو ما تقدم في المسألة قبلها عن الشارح، ومال إليه الشارح.

قوله: "ومتى نوى بالكناية الطلاق وقع بالظاهرة ثلاث، وإن نوى واحدة"، هذا المذهب[25] بلا ريب، وهو من المفردات، رُوي ذلك عن علي وابن عمر في الخلية والبرية والبتة.
وعن ابن عباس وأبي هريرة وعائشة وابن الزبير وعاصم في من طلَّق البتة، وهذه أقوال علماء الصحابة في عصرهم، ولم يُعرف لهم مُخالف فيكون إجماعًا.

وعنه[26]: يقع ما نواه، واختارها الخرقي وأبو الخطاب، وهو مذهب الشافعي[27]، قال: يرجع إلى ما نواه، فإن لم ينو شيئًا وقعت واحدة، ونحوه قول النخعي، إلا أنه يقع طلقة بائنة؛ لحديث: أن رُكانة طلق امرأته سهيمة البتة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله ما أردت إلا واحدة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أردت إلا واحدة؟" فقال: والله ما أردت إلا واحدة، فردها إليه. رواه أحمد وابن منيع وأبو يعلى وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم[28] وفيه الزبير بن سعيد الهاشمي مُختلف فيه.

وقال ربيعة ومالك[29]: يقع بها الثلاث، وإن لم ينو، إلا في خُلع، أو قبل الدخول.
قوله: "وعنه[30]: ما يدل على أنه يقع بها واحدة بائنة"؛ لأن لفظة اقتضى البينونة دون العدد فوقعت واحدة بائنة كالخلع.
وقال الثوري وأصحاب الرأي[31]: إن نوى اثنتين أو واحدة وقعت واحدة، ولا يقع اثنتان؛ لأن الكناية تقتضي البينونة دون العدد، والبينونة بينونتان: صغرى وكبرى، فالصغرى بالواحدة، والكبرى بالثلاث، ولو أوقعنا اثنتين كان موجبه العدد، وهي لا تقتضي العدد.

فوائد:
[الأولى]: وكذا الروايات الثلاث في قوله: أنت طالقٌ بائن، أو طالق البتة، أو أنت طالق بلا رجعة، قاله في "المحرر".
الثانية: لو قال: أنت طالق واحدة بائنة، أو واحدة بتة، وقع رجعيًا على الصحيح من المذهب[32]، وعنه: بائنًا، وعنه: ثلاثًا[33].
الثالثة: لو قال: أنت طالق واحدة ثلاثًا، وقع ثلاث على الصحيح من المذهب[34].

وقال في "الفصول" عن أبي بكر في قوله: أنت طالق ثلاثًا واحدة: يقع واحدة؛ لأنه وصف الواحدة بالثلاث.
قال في "الفروع"[35]: وليس بصحيح؛ لأنه إنما وصف الثلاث بالواحدة فوقعت الثلاث، ولغا الوصف، وهو أصح.
قوله: "ويقع بالخفية ما نواه"، هذا المذهب[36]؛ لأن اللفظ لا دلالة له على العدد، والخفية ليست في معنى الظاهرة، ويجب اعتبار النية، ويكون الواقع رجعيًا فيما إذا نواها، وإن نوى أكثر في غير: أنت واحدة -قاله القاضي والمؤلف- وقع.

قوله: "فإن لم ينو عددًا وقع واحدة"، يعني: رجعية إن كان مدخولًا بها، وإلا بائنة.
قوله: "وأما ما لا يدل على الطلاق نحو: كُلي، واشربي، فلا يقع بها طلاق وإن نوى"؛ لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فيه، فلو وقع به الطلاق وقع بمجرد النية.

قوله: "وكذا قوله: أنا طالق"؛ لأن الزوج ليس محلًا للطلاق.
قوله: "فإن قال: أنا منك..." إلى آخره.
وهذا المذهب[37] أيضًا، نصَّ عليه في رجل جعل أمر امرأته بيدها فقالت: أنت طالق، وهو قول ابن عباس والثوري وأبي عبيد وأصحاب الرأي[38] وابن المنذر، ورُوي ذلك عن عثمان، ويحتمل أنه كناية تطلق به إذا نوى، وهو قول مالك[39] والشافعي[40].

ورُوي ذلك عن عمر وابن مسعود وعطاء والنخعي والقاسم وإسحاق؛ لأن الطلاق إزالة للنكاح، وهو مشترك بينهما، فإذا صحَّ في أحدهما صح في الآخر.
ولنا: أنه محلٌّ لا يقع به الطلاق إذا أضافه من غير نية، فلم يقع وإن نوى كالأجنبي، ولأنه لو قال: أنا طالق، ولم يقل: منك، لم يقع، ولو كان محلًا للطلاق لوقع، وجاء رجلٌ إلى ابن عباس فقال: ملكت امرأتي أمرها وطلقتني ثلاثًا، فقال ابن عباس: "خطَّأ الله نوأها[41]، إن الطلاق لك، وليس لها عليك"، رواه أبو عبيد والأثرم، واحتج به أحمد[42].

قوله: "وإن قال: أنا منك بائن، أو حرام، فهل هو كناية أو لا؟ على وجهين[43] -وكذا قوله: أنا منك بريء-:
أحدهم[44]: هو لغو، جزم به في "الوجيز" و"الإقناع"؛ لأن الرجل محل لا يقع بإضافة صريحة النية فلم يقع كإضافة كناية النية كالأجنبي.
والثاني[45]: هو كناية صحيحة في المذهب.

فائدة: لو أسقط لفظ: منك، فقال: أنا بائنٌ أو حرامٌ، فخرج المصنف فيها وجهين[46] هل هما كناية أو لغو؟ قال في "الإنصاف"[47]: ظاهر كلام الأصحاب أنه لغو"[48].

وقال في "الإفصاح": "واختلفوا في الكنايات الظاهرة وهي: خلية، وبرية، وبائن، وبتة، وبتلة، وحبلك على غاربك، وأنت حرةٌ، وأنت الحرج، وأمرك بيدك، واعتدي، والحقي بأهلك، هل تفتقر إلى نية أو دلالة حال؟
فقال أبو حنيفة[49] والشافعي[50] وأحمد[51]: تفتقر إلى نية أو دلالة حال، وقال مالك[52]: يقع الطلاق بمجردها.

واختلفوا في الكنايات الظاهرة إذا انضم إليها دلالة حال من ذكر الطلاق أو الغضب هل يفتقر إلى نية أم لا؟ وهل إذا أتى بها وقال: لم أرد الطلاق، يصدق أم لا؟
فقال أبو حنيفة[53]: إن كانا في ذكر الطلاق، وقال: لم أرده لم يُصدَّق في جميع الكنايات الظاهرة، وإن كانا في حال الغضب ولم يجر للطلاق ذكر لم يُصدق في ثلاثة[54] ألفاظ: اعتدي، واختاري، وأمرك بيدك، ويصدق: في خلية، وبرية، وبتة، وبائن.
وقال مالك[55]: جميع الكنايات الظاهرة مثل: خلية، وبرية، وبتة، وحرام، وبائن، وأشباه ذلك متى قالها مبتدئًا أو مُجيبًا لها عن سؤالها الطلاق كان طلاقًا، ولا يقبل منه إن قال: لم أرده.
وقال الشافعي[56]: يفتقر إلى نية وإن كانت الدلالة والغضب موجودين، وعن أحمد روايتان:
إحداهما[57]: كمذهب الشافعي.
والأخرى[58]: لا يفتقر إلى نية، ويكفي دلالة الحال من ذكر الطلاق أو الغضب، وإذا قال: لم أرد الطلاق، لم يُصدق.

واتفقوا[59] على أن: الطلاق، والفراق، والسراح، متى أوقع المكلف لفظة منها وقع بها الطلاق وإن لم ينوه، إلا أبا حنيفة[60] فإنه قال في السراح والفراق: إن لم ينوه لم يقع.

واختلفوا في الكنايات الظاهرة إذا نوى بها الطلاق ولم ينو عددًا أو كان جوابًا عن سؤالها الطلاق كم يقع بها من عدده؟
فقال أبو حنيفة[61]: تكون واحدة مبينة.
وقال مالك([62]: جميع الكنايات الظاهرة إذا كانت لمدخول بها وقع الثلاث وإن قال: أردت دون الثلاث، لم يُقبل منه إلا أن يكون في خُلع، وإن كانت غير مدخول بها فيقبل ما يدعيه مع يمينه، ويقع ما ينويه إلا في البتة، فإن قوله اختلف فيها؛ فرُوي عنه: أنه لا يُصدق في أقل من الثلاث، ورُوي عنه: أنه يُقبل قوله مع يمينه.
وقال الشافعي[63]: يُقبل منه كل ما يدعيه في ذلك من أصل الطلاق وأعداده.
وقال أحمد[64] في الكنايات الظاهرة: متى كان معها دلالة حال أو نوى الطلاق وقع الثلاث؛ سواء نواه أو نوى دونه، وسواء كانت مدخولًا بها أو غير مدخول.

واختلفوا في الكنايات الخفية إذا أتى بها وهي[65] نحو قوله: اخرجي، واذهبي، وأنت مُخلاة، وهبتك لأهلك، وما أشبه ذلك.
فقال أبو حنيفة[66]: هي كالكنايات الظاهرة، وإن لم ينو عددًا وقعت واحدة مبينة، وإن نوى الثلاث وقعت الثلاث، وإن نوى اثنتين لم يقع إلا واحدة.
وقال الشافعي[67] وأحمد[68]: إذا أتى بالكنايات الخفية ونوى بها طلقتين كانت طلقتين.

واختلفوا في قوله: اعتدي واستبرئي رحمك وينوي ثلاثًا، فقال أبو حنيفة[69]: تقع واحدة رجعية، ولا يقع بها طلاق إذا وقعت ابتداء إلا أن يكون في ذكر الطلاق أو في غضب.
وقال الشافعي[70]: لا يقع بها الطلاق إلا أن ينوي بها الطلاق فيقع ما نواه فإن نوى ثلاثًا فثلاث، وإن نوى غير ذلك فما نواه، فهو في حق المدخول بها، وأما غير المدخول بها فواحدة.

وعن أحمد روايتان:
إحداهما[71]: أنها كناية ظاهرة يقع فيها الثلاث، ورُوي عنه[72]: أنها خفية يقع بها ما نواه.
واختلفوا فيما إذا قال الرجل لزوجته: أنا منك طالق، أو ردَّ الأمر إليها فقالت: أنت مني طالق:
فقال أبو حنيفة[73] وأحمد[74]: لا يقع.
وقال مالك[75] والشافعي[76]: يقع.

واختلفوا فيما إذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق، ونوى ثلاثًا.
فقال أبو حنيفة[77] وأحمد[78] في الرواية التي اختارها الخرقي: تقع واحدة.
وقال مالك[79] والشافعي[80] وأحمد[81] في الرواية الأخرى: تقع الثلاث.

واختلفوا فيما إذا قال لها: أمرك بيدك ونوى الطلاق وطلقت نفسها ثلاثًا:
فقال أبو حنيفة[82]: إن نوى الزوج ثلاثًا وقعت وإن نوى واحدة لم يقع شيء.
وقال مالك[83]: يقع ما أوقعت من عدد الطلاق إذا أقرها عليه، فإن ناكرها حلف، وانعقد من عدد الطلاق ما قاله.
وقال الشافعي[84]: لا يقع الثلاث إلا أن ينوي بها الزوج، وإن نوى الزوج دون الثلاث وقع ما نواه.
وقال أحمد[85]: يقع الثلاث، سواء نوى الزوج الثلاث أو نوى واحدة.

واختلفوا فيما إذا قال لها: طلقي نفسك واحدة فطلقت نفسها ثلاثًا: فقال أبو حنيفة([86]) ومالك([87]): لا يقع شيء.
قال الشافعي[88] وأحمد[89]: يقع واحدة"[90].

"واتفقوا على أنه إذا قال الزوج لغير المدخول بها: أنت طالق ثلاثًا، طلقت ثلاثًا[91].
واختلفوا فيما إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، بألفاظ متتابعة:
فقال أبو حنيفة[92] والشافعي[93] وأحمد[94]: لا يقع إلا واحدة.
وقال مالك[95]: تقع الثلاث إذا لم يرد به التأكيد.

واختلفوا فيما إذا قال لغير المدخول بها: أنت طالق، وطالق، وطالق: فقال أبو حنيفة[96] والشافعي[97]: تقع واحدة.
وقال مالك[98] وأحمد[99]: تقع الثلاث.

واختلفوا فيما إذا كرَّر الطلاق للمدخول بها بأن قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، وقال: إنما أردت إفهامها بالثانية والثالثة.
فقال أبو حنيفة[100] ومالك[101]: يلزمه الثلاث.
وقال الشافعي[102] وأحمد[103]: لا يلزمه إلا واحدة"[104].

وقال ابن رُشد: "وأما المسألة الثانية فهي اختلافهم في من قال لزوجته: أنت طالق، وادعى أنه أراد بذلك أكثر من واحدة، إما اثنتين، وإما ثلاثًا.
فقال مالك[105]: هو ما نوى وقد لزمه، وبه قال الشافعي[106] إلا أن يقيد فيقول: طلقة واحدة، وهذا لقول هو المختار عند أصحابه.
وأما أبو حنيفة[107] فقال: لا يقع ثلاث بلفظ الطلاق؛ لأن العدد لا يتضمنه لفظ الإفراد، لا كناية ولا تصريحًا.

وسبب اختلافهم: هل يقع الطلاق بالنية دون اللفظ أو بالنية مع اللفظ المحتمل، فمن قال بالنية أوجب الثلاث، وكذلك من قال بالنية واللفظ المحتمل ورأى أن لفظ الطلاق يحتمل العدد، ومن رأى أنه لا يحتمل العدد، وأنه لا بد من اشتراط اللفظ في الطلاق مع النية قال: لا يجب العدد وإن نواه.
وهذه المسألة اختلفوا فيها، وهي من مسائل شروط ألفاظ الطلاق، أعني: اشتراط النية مع اللفظ، أو بانفراد أحدهما، فالمشهور عن مالك[108] أن الطلاق لا يقع إلا باللفظ والنية، وبه قال أبو حنيفة[109]، وقد رُوي عنه[110]: أنه يقع باللفظ دون النية.
وعند الشافعي[111] أن لفظ الطلاق الصريح لا يحتاج إلى نية، فمن اكتفى بالنية احتج بقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"[112]، ومن لم يعتبر النية دون اللفظ احتج بقوله عليه الصلاة والسلام: "رُفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها"[113].

والنية دون قول حديث نفس، قال: وليس يلزم من اشترط النية في العمل في الحديث المتقدم أن تكون النية كافية بنفسها، واختلف المذهب[114] هل يقع بلفظ الطلاق في المدخول بها طلاق بائن إذا قصد ذلك المطلق ولم يكن هنالك عوض؟ فقيل: يقع، وقيل: لا يقع، وهذه المسألة هي من مسائل أحكام صريح ألفاظ الطلاق.

وأما ألفاظ الطلاق التي ليست بصريح فمنها ما هي كناية ظاهرة عند مالك[115]، ومنها ما هي كناية محتملة.
ومذهب مالك[116] أنه إذا ادعى في الكناية الظاهرة: أنه لم يرد طلاقًا لم يُقبل قوله إلا أن تكون هنالك قرينة تدل على ذلك كرأيه في الصريح، وكذلك لا يُقبل عنده ما يدَّعيه من دون الثلاث في الكنايات الظاهرة، وذلك في المدخول بها إلا أن يكون قال ذلك في الخلع، وأما غير المدخول بها فيصدقه في الكناية الظاهرة فيما دون الثلاث؛ لأن طلاق غير المدخول بها بائن، وهذه هي مثل قولهم: حبلُك على غاربك، ومثل: البتة، ومثل قولهم: أنت خلية وبرية.
وأما مذهب الشافعي[117] في الكنايات الظاهرة: فإنه يرجع في ذلك إلى ما نواه، فإن كان نوى طلاقًا كان طلاقًا، وإن كان نوى ثلاثًا كان ثلاثًا، أو واحدة، كان واحدة ويُصدق في ذلك.
وقول أبي حنيفة[118] في ذلك مثل قول الشافعي؛ إلا أنه إذا نوى على أصله واحدة أو اثنتين وقع عنده طلقة واحدة بائنة، وإن اقترنت به قرينة تدل على الطلاق، وزعم أنه لم ينوه لم يُصدق، وذلك إذا كان عنده في مذاكرته الطلاق، وأبو حنيفة[119] يُطلق بالكنايات كلها إذا اقترنت بها هذه القرينة إلا أربع: حبلُك على غاربك، واعتدي، واستبرئي، وتقنعي؛ لأنها عنده من المحتملة غير الظاهرة.

وأما ألفاظ الطلاق المحتملة غير الظاهرة فعند مالك[120] أنه يعتبر فيها نيته كالحال عند الشافعي[121] في الكناية الظاهرة، وخالفه في ذلك جمهور العلماء فقالوا: ليس فيها شيء وإن نوى طلاقًا، فيتحصل في الكنايات الظاهرة ثلاثة أقوال:
قول: أنه يُصدق بإطلاق، وهو قول الشافعي[122].
وقول: أنه لا يُصدق بإطلاق إلا أن يكون هنالك قرينة، وهو قول مالك[123].
وقول: أنه يُصدق إلا أن يكون في مُذاكرة الطلاق، وهو قول أبي حنيفة[124].

وفي المذهب خلاف في مسائل يتردد حملها بين الظاهر والمحتمل، وبين قوتها وضعفها في الدلالة على صفة البينونة، فوقع فيها الاختلاف، وهي راجعة إلى هذه الأصول، وإنما صار مالك إلى أنه لا يُقبل قوله في الكنايات الظاهرة أنه لم يرد به طلاقًا؛ لأن العُرف اللغوي والشرعي شاهد عليه، وذلك أن هذه الألفاظ إنما تلفظ بها الناس غالبًا، والمراد بها الطلاق؛ إلا أن يكون هنالك قرينة تدل على خلاف ذلك، وإنما صار إلى أنه لا يُقبل قوله فيما يدعيه دون الثلاث؛ لأن الظاهر من هذه الألفاظ هي البينونة، والبينونة لا تقع إلا خُلعًا عنده في المشهور أو ثلاثًا، وإذا لم تقع خلعًا؛ لأنه ليس هناك عوض فبقي أن يكون ثلاثًا، وذلك في المدخول بها، وليتخرج على القول في المذهب بأن البائن تقع من دون عوض ودون عدد أن يصدق في ذلك، وتكون واحدة بائنة[125].
وحجة الشافعي: أنه إذا وقع الإجماع على أنه يُقبل قوله فيما دون الثلاث في صريح ألفاظ الطلاق كان أحرى أن يُقبل قوله في كنايته؛ لأن دلالة الصريح أقوى من دلالة الكناية، ويشبه أن تقول المالكية: إن لفظ الطلاق وإن كان صريحًا في الطلاق فليس بصريح في العدد.

ومن الحجة للشافعي: حديث ركانة وهو مذهب عمر في: حبلُك على غاربك.
وإنما صار الشافعي[126] إلى أن الطلاق في الكنايات الظاهرة إذا نوى ما دون الثلاث يكون رجعيًا؛ لحديث ركانة، وصار أبو حنيفة[127] إلى أنه يكون بائنا؛ لأن المقصود به قطع العصمة ولم يجعله ثلاثًا؛ لأن الثلاث معنى زائد على البينونة عنده.
فسبب اختلافهم: هل يُقدم عُرف اللفظ على النية، أو النية على عُرف اللفظ؟ وإذا غلبنا عُرف اللفظ فهل يقتضي البينونة فقط أو العدد؟ فمن قدم النية لم يقض عليه بعُرف اللفظ، ومن قدَّم العُرف الظاهر لم يلتفت إلى النية"[128].

وقال البخاري: "(باب إذا قال: فارقتك، أو سرحتك، أو الخلية، أو البرية، أو ما عنى به الطلاق فهو على نيته).
وقول الله عز وجل: ﴿ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49] وقال: ﴿ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28] وقال تعالى: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229] وقال: ﴿ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [الطلاق: 2].
وقالت عائشة: قد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه"[129].

قال الحافظ: "قوله: (باب إذا قال: فارقتك، أو سرحتك، أو الخلية، أو البرية، أو ما عنى به الطلاق فهو على نيته)، هكذا بتَّ المصنف الحكم في هذه المسألة، فاقتضى أن لا صريح عنده إلا لفظ الطلاق، أو ما تصرف منه، وهو قول الشافعي في القديم، ونصَّ في الجديد على أن الصريح لفظ الطلاق والفراق والسراح، لورود ذلك في القرآن بمعنى الطلاق[130].
وحجة القديم: أنه ورد في القرآن لفظ الفراق والسراح لغير الطلاق، بخلاف الطلاق فإنه لم يرد إلا للطلاق.
وقد رجَّح جماعةٌ القديم؛ كالطبري في "العدة"، والمحاملي وغيرهما، وهو قول الحنفية([131])، واختاره القاضي عبد الوهاب من المالكية.
وحكى الدارمي عن ابن خيران: [أن] من [لم] يعرف إلا الطلاق فهو صريح في حقِّه فقط، وهو تفصيل قوي، ونحوه للروياني، فإنه قال: لو قال عربي: فارقتك، ولم يعرف أنها صريحة لا يكون صريحًا في حقه.

واتفقوا على أن لفظ الطلاق وما تصرف منه صريح[132]، لكن أخرج أبو عبيد في "غريب الحديث"[133] من طريق عبدالله بن شهاب الخولاني عن عمر: أنه رُفع إليه رجل، قالت له امرأته: شبِّهني، فقال: كأنك ظبية، قالت: لا، قال: كأنك حمامة، قالت: لا أرضى حتى تقول: أنت خلية طالق، فقال لها، فقال له عمر: خذ بيدها فهي امرأتك[134].

قال أبو عبيد: قوله: خلية طالق، أي: ناقة كانت معقولة ثم أُطلقت من عقالها وخُلي عنها فتسمى خلية؛ لأنها خليت عن العقال، وطالق؛ لأنها طلقت منه، فأراد الرجل أنها تشبه الناقة، ولم يقصد الطلاق بمعنى الفراق أصلًا فأسقط عنه عمر الطلاق.

قال أبو عبيد: وهذا أصل لكلِّ من تكلم بشيء من ألفاظ الطلاق ولم يرد الفراق، بل أراد غيره، فالقول قوله فيه فيما بينه وبين الله تعالى.
قال الحافظ: وإلى هذا ذهب الجمهور[135]، لكن المُشكل من قصة عمر: كونه رُفع إليه وهو حاكم، فإن كان أجراه مجرى الفُتيا ولم يكن هناك حكم فيوافق، وإلا فهو من النوادر.
وقد نقل الخطابي[136] الإجماع على خلافه، لكن أثبت غيره الخلاف، وعزاه لداود.
وفي البويطي ما يقتضيه، وحكاه الروياني[137]، ولكن أوله الجمهور، وشرطوا قصد لفظ الطلاق لمعنى الطلاق؛ ليخرج العجمي مثلًا إذا لُقن كلمة الطلاق فقالها وهو لا يعرف معناها، أو العربي بالعكس.

وشرطوا مع النطق بلفظ الطلاق تعمد ذلك احترازًا عما يسبق به اللسان والاختيار ليخرج المُكره، لكن إن أُكره فقالها مع القصد إلى الطلاق وقع في الأصح.
قوله: وقول الله تعالى: ﴿ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49] كأنه يُشير إلى أن في هذه الآية لفظ التسريح بمعنى الإرسال لا بمعنى الطلاق؛ لأنه أمر من طلق قبل الدخول أن يُمتع ثم يُسرح، وليس المراد من الآية تطليقها بعد التطليق قطعًا.
قوله: وقال: ﴿ وَأُسَرِّحْكُنَّ ﴾ يعني: قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28] والتسريح في هذه الآية مُحتمل للتطليق والإرسال، وإذا كانت صالحة للأمرين انتفى أن تكون صريحة في الطلاق، وذلك راجع إلى الاختلاف فيما خيَّر به النبي صلى الله عليه وسلم نساءه هل كان في الطلاق والإقامة، فإذا اختارت نفسها طلقت، وإن اختارت الإقامة لم تطلق، أو كان في التخيير بين الدنيا والآخرة، فمن اختارت الدنيا طلقها ثم متعها ثم سرحها، ومن اختارت الآخرة أقرها في عصمته؟
قوله: وقال الله تعالى: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ [البقرة: 229] تقدم في الباب قبله: بيان الاختلاف في المراد بالتسريح هنا، وأن الراجح: أن المراد به التطليق.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 48.90 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.28 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]