عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 18-03-2019, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ومضات تربوية وسلوكية

ومضات تربوية وسلوكية(3)
د. خالد النجار





تَزْخَرُ بطونُ الكتب بالعديد من الأفكار الذهبيَّة، والعبارات المحوريَّة الجديرة برصدها وتدوينها؛ للوقوف على كنوزِ مُفكِّرينا وكُتَّابنا العِظام، وللانتفاع بالفائدةِ المرجوَّة منها؛ ولذلك حَرَصْتُ خلالَ جولتي بينَ دُفُوفِ الكتبِ أن أَرصُدَ هذه الثَّروات الفكريَّة والتربويَّة والتحليليَّة، وأنقُلَها بنصِّها كما وردت فيها أو باختصار طفيفٍ في بعض الأحيان؛ هذا كي يستفيدَ منها القاصي والدَّاني، سائلًا المولى عزَّ وجل أن يَنْفَع بها الكبير والصغير، وأن يكتب لكاتبها وجامعها وقارئها الأجرَ والمثوبةَ، إنه نعم المولى ونعْم النَّصيرُ.


(الجمود)
أشار سلمانُ الفارسيُّ رضي الله عنه بحفر الخندق، وكان هذا نتيجةَ استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين في مثل هذه الأمور من السياسات العامة والسلم والحرب، والاستشارةُ هي التي تَستَخرِج أفضلَ الآراء، وتَشْحَذُ القرائح، وتشجعُ على التفكير السليم، ويَأنسُ الجنود بقائدهم.

إنَّ استجابةَ الرسول صلى الله عليه وسلم لرأي سلمان، وحفْرَ الخندق على غيرِ ما عَهِدَ العرب - يُعَدُّ تجديدًا في الوسائل العسكرية، وتجديدًا في كل شيء من أمور الدنيا التي لا تَتَعارض مع مقاصد الشريعة، وتجديدًا في الأساليب الإدارية، ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذه الأمور لا نعرفها ولا ندري عنها، أو لا تعرفها العرب".

إنَّ الجمودَ على فكرةٍ معيَّنة ووسيلةٍ واحدة، لا أقول: يُضْعِفُ العمل، بل هو قاتلٌ للعمل، وجدير بالمسلم أن يَمْلِكَ هذه العقلية التي تستجيب للمستجدات وما يَطْرَأُ على الساحة، وتكون عنده المرونة لِأَنْ يأخذَ بأحسن ما يتقدمُ به أهل العقول الراجحة. [وقفات تربوية في فقه السيرة؛ د. محمد العبدة، دار الصفوة، القاهرة ص 148].

(السرية والعلنية في الدعوة)
إن الدعوة في بداية أمرها كالنَّبْتَةِ التي تحتاج لحماية ودفءٍ حتى تنموَ وتكبرَ ويشتدَّ عودها ﴿ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾ [الفتح: 29]، ويتمنى أعداءُ الإسلام استئصالَ هذه النَّبتة قبل أن تَقْوَى وتستعصيَ على الكسر أو الاقتلاع، فمِنَ الحرص على حماية الدعوة أنَّها تلجأُ في الظروف الصعبة إلى السِّرية؛ حتى يجتمع لها العدد، ويطمئنَّ صاحبُ الدعوة إلى قوتها وأنها تجاوزت مرحلة الخطر، فإنَّ القِلة مدعاةٌ للخوف على الدعوة حتى لو كانت في مرحلة العلنية، وهذا ما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم خائفًا على أهل بدر؛ لقِلَّتهم ولأنهم قاعدة الإسلام الأولى، ومن الواجب على المسلمين في كل وقت تفويتُ هذه الفرصة على أعداء الله، وتبقى هناك أمور سرية تَعْلَمُها القيادة.

وقد أسلم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه في الفترة العلنية حسَب قول ابن حجر، ولكنَّ طريقةَ رؤيتِه للرسول صلى الله عليه وسلم كانت سرية، وقد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورُنا، فأقبِل))؛ [البخاري 3261]، وكانت الهجرة إلى الحبشة سِرًّا، وكانت بيعتَا العقبة الأولى والثانية سرًّا، وقد كَتم الحجاج بن علاء السلمي إيمانه بعد فتح خيبر حتى دخل مكة وجَمَعَ أمواله.

وحتى بعد قيام الدولة الإسلامية في المدينة، بقيت جوانبُ سِرية لا يطَّلع عليها إلا خواصُّ المسلمين الذين حول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا بُدَّ من السرية في قتال العدو وأمور الأمن والخوف، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوةً إلا وَرَّى بغيرها، وهكذا كانت سَرِيَّةُ عبدِالله بن جحش، وما فعله نُعَيْمُ بنُ مسعود في الخندق، كُلُّ هذا يدل على بقاء السرية ولكن في نطاق محدود، وعن زيد بن ثابت قال: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه تأتيني كتب من أناس لا أحب أنْ يقرأَها كل أحد، فهل تستطيع أن تتعلم كتاب العبرانية أو السريانية؟))، قلتُ: نعم"؛ [الطبقات؛ لابن سعد].

وقد جاء في القرآن قصة مؤمن آل فرعون وأنه كان يكتم إيمانه، وقولُ أصحاب الكهف: ﴿ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ﴾ [الكهف:19]، وفي تفسير قوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ [آل عمران:28]؛ أي: من خاف في بعض البلدان والأوقات، فله أن يَتَّقِيَهم بظاهرِه لا بباطنِه، والتَّقِيَّةُ لا تُحمَلُ إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم.

يقول ابن تيمية: "فمن كان من المؤمنين بأرضٍ هو فيها مستضعَف، فليعمل بآيةِ الصبرِ والصفحِ والعفوِ عمن يؤذي اللهَ ورسولَه من الذين أوتوا الكتاب والمشركين، وأما أهلُ القوةِ، فإنما يعملون بآيةِ قتالِ أئمة الكفر"؛ [الصارم المسلول 221].

العلنية هي الأصل
لم يَعُدْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى السرية في الدعوة بعد أن جهَر بها، إلَّا في أمور معينة، ولأسباب مهمة؛ لأن استمرار السرية في الدعوة يعيق انتشارها، ولا يَؤُوبُ إلى الإسلام إلا النفرُ القليل، والإسلام ليس حزبًا سياسيًّا له أهدافٌ دنيوية، بل هو دعوةٌ عامةٌ للناس لإنقاذهم من النار؛ فلا بد أن تنتشرَ الدعوة ويقالَ للناس: "هذا هو الدين الذي جاء ليُحرِّرَ الإنسانَ من عبادة غير الله"، وكلما قَوِيَتْ شوكةُ الدعوة، اختفت السرية لِتكون في أضيق نطاق. [وقفات تربوية في فقه السيرة؛ د. محمد العبدة، دار الصفوة، القاهرة ص 33 - 35].

(الثقافة)
هناك عامل آخرُ غيرُ عامل البيئة له أثر كبير في تكوين الأديب، وقد يَغْلِبُ في كثير من الأحيان على عامل البيئة، وقد يقضي عليه ويمحو آثارَه، ذلك هو عامل الثقافة، وفي كل إنسان - كما يقول جوستاف لوبون - شخصانِ مختلفانِ، يتصارعان على الاستئثارِ بنفسه والغلبةِ عليها، أَوَّلُهما: هذا الذي كونته البيئة، وثانيهما: هذا الذي كونته الثقافة، وليس في هذا القول شيء من الغلو، بل هو الحقيقة بعينها نراها في حياتنا اليومية في الكثير من الشباب الناشئين في بيئة عربية إسلامية؛ إذْ تُخالطُ قلبَهم الثقافةُ الغربيةُ المشوهةُ، فلا تَلبثُ حتى تجعلَ منهم شُبَّانًا ملحدين، يُعادُون العربية ويؤذون الإسلام. [فكر ومباحث؛ علي الطنطاوي، دار المنارة ص 59 - 60].


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.92 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.36%)]