الموضوع: كن جميلا
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-10-2020, 04:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي كن جميلا

كن جميلا (1)


أ. محمود توفيق حسين




[1]
عندما ينتثر منك بعض غلَّتك وحبوبك، وتهبط إليها الطيور في سلام، لا تفكِّر في كونها جشعةً متطفلة، فكِّر في أنها وثقتْ بك. وعندما تنخرط في التقاطها منشغلةً عنك تمامًا، كأنها لا تراك، فلا تسخط عليها وتطردها، فربما تكون حفاوتها بعطائك هي طريقتها التي تجيدها في التعبير عن الامتنان والشكْر، وتأمل في حالها حالَك، فانشغالك عن مولاك بنعمِه أشد من انشغالها.

[2]

عندما يرجوك الرجل الذي يحمل طاولةً كبيرةً من الخبز فوق رأسه ويمضي راكبًا دراجته، أن تلتقط له بعض الخبز الذي سقط منه على الأرض، وأنت في كامل أناقتك بالبذلة والنظارة الشمسية، لا تفكر في كونه لا يعرف قدرك، وأنه يفتقد للذوق، وأن غيرك من البسطاء العابرين بالقرب منكما هم أولى بأداء هذه المهمة البسيطة، بل فكِّر في كونه توسم فيك اللطف والتعاطف، فكِّر في كون هذه البذلة وتلك النظارة لا تغنيانك عن عمل المعروف.


[3]

عندما يفاجئك أحدهم بأن هذه المرأة المحزونة التي خمشت كبدك بحديثها المروِّع عن طفلها الذي يتقلَّب في آلامه بالمستشفى وبحاجة للتبرعات؛ حتى يمكنه إجراء جراحة خطرة غالية، والتي تبرعت لها بمائة جنيه كانت هي كل ما في جيبك، ومضت منحنية تدعو لك حتى دمعت عيناك من صوتها الجريح، هي مجرد نصابة محترفة تتعيش من هذه الأكذوبة منذ سنوات، لا تفكِّر في كون هذا أسوأ خبر سمعته خلال الأسبوع، بل فكِّر في كون هذا أسعد خبر، نعم، أسعد الأخبار كلها ذلك الخبر الذي زفَّه لك بأنه لا يوجد طفل يتلوَّى من الألم الآن في انتظار رحمة الناس.


[4]

عندما تفوز دونًا عن زميلك بالمنصب الذي كنتما تطمحان إليه، لا تفكِّر في كونه الرجل الذي سيسبب لك الكثير من المتاعب في الفترة القادمة إن لم تجبره من البدء على الإذعان للوضع الجديد، بل فكِّر في كونه الرجل الكفء الذي ستستطيع تأليفه للعمل معًا، فكِّر في أن بعض الضيق الذي يشعر به كنت ستشعر به لو كنت مكانه، ولا يليق بك إثارة غيظه أو تنفيره من المكان، بل عليك مسؤولية أخلاقية ومهنية أكيدة كرجل وكمدير ناضج، لجعله ينظر بسرعة إلى النصف الممتلئ من الكوب.


[5]

عندما تجد نفسك أمام رجل محترق اليد يمضي في طريقه، لا تفكر في كونه خرج ليؤذي أبصار الناس بتشوهه، وأنه كان أفضل له أن يقر في بيته حتى لا يخدش جمال المدينة والذوق العام، فكِّر في كونه ربما ضحى بها لإنقاذ جيرانه من حريق، وأنه سيقف راضيًا عنها وممتنًا لها بين يدي الله، ليس كهذه الأيادي السليمة الوافرة الجمال التي تمضي مع أصحابها بلين، وفيها ما سينطقها الله شهادةً يوم القيامة على البطش والنهب والتحرش والبذاء. فكِّر في أن أيادي هؤلاء المجرمين والمنحطين هي ما يفسد جمال المدينة ويخرب ذوقها، لا أيادي أصحاب العاهات.


[6]

عندما يكون لديك ضيف في بيتك، وانشرخ كوب الشاي أثناء تقديمه له، لا تفكِّر في أن عينه الحاسدة جاءت في الزجاج، وتتبادل النظرات التحتية المتهمة له مع أفراد أسرتك، بل فكِّر في كونكم لا تجيدون صب المشروبات الساخنة في الأكواب الزجاجية، أو أنكم تقدمون الشاي في أكواب سيئة الخامة، فهو يقاسمك المعرفة الثقافية، ولذا سيكون في وضع حرج، وسيلحظ نظراتكم المتبادلة، وسيشعر بإساءة بالغة. صحيح أن الحسد مذكور في القرآن، ولكن من المذكور أيضًا فيه أن بعض الظن إثم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.92 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.58%)]