عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 30-09-2020, 04:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب الأم للإمام الشافعي - الفقه الكامل ---متجدد إن شاء الله



كتاب الأم للشافعي - الفقه الكامل
محمد ابن إدريس بن العباس الشافعي
المجلد الأول -كتاب الطهارة
الحلقة (11)
صــــــــــ 82 الى صـــــــــــ89

[الرد على من قال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -)
:
وخالفنا بعض الناس في شيء من المحيض والمستحاضة وقال لا يكون الحيض أقل من ثلاثة أيام فإن امرأة رأت الدم يوما، أو يومين، أو بعض يوم ثالث ولم تستكمله فليس هذا بحيض وهي طاهر تقضي الصلاة فيه ولا يكون الحيض أكثر من عشرة أيام فما جاوز العشرة بيوم، أو أقل، أو أكثر فهو استحاضة ولا يكون بين حيضتين أقل من خمسة عشر
(قال الشافعي) :
فقيل لبعض من يقول هذا القول: أرأيت إذا قلت لا يكون شيء وقد أحاط العلم أنه يكون أتجد قولك لا يكون إلا خطأ عمدته فيجب أن تأثم به، أو تكون غباوتك شديدة ولا يكون لك أن تقول في العلم.
(قال) :
لا يجوز إلا ما قلت إن لم تكن فيه حجة، أو تكون
(قلت)
قد رأيت امرأة أثبت لي عنها أنها لم تزل تحيض يوما ولا تزيد عليه وأثبت لي عن نساء أنهن ولم يزلن يحضن أقل من ثلاث وعن نساء أنهن لم يزلن يحضن خمسة عشر يوما وعن امرأة، أو أكثر أنها لم تزل تحيض ثلاث عشرة فكيف زعمت أنه لا يكون ما قد علمنا أنه يكون؟ ،
(قال الشافعي) :
فقال إنما قلته لشيء قد رويته عن أنس بن مالك فقلت له أليس حديث الجلد بن أيوب فقال بلى فقلت فقد أخبرني ابن علية عن الجلد بن أيوب عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك أنه قال قرء المرأة، أو قرء حيض المرأة ثلاث أو أربع حتى انتهى إلى عشر فقال لي ابن علية الجلد بن أيوب أعرابي لا يعرف الحديث، وقال لي قد استحيضت امرأة من آل أنس فسئل ابن عباس عنها فأفتى فيها وأنس حي فكيف يكون عند أنس ما قلت من علم الحيض ويحتاجون إلى مسألة غيره فيما عنده فيه علم ونحن وأنت لا نثبت حديثا عن الجلد ويستدل على غلط من هو أحفظ منه بأقل من هذا وأنت تترك الرواية الثابتة عن أنس فإنه قال: إذا تزوج الرجل المرأة وعنده نساء فللبكر المتزوجة سبع وللثيب ثلاث وهو يوافق سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - فتدع السنة وقول أنس وتزعم أنك قبلت قول ابن عباس على ما يعرف خلافه، قال أفيثبت عندك عن أنس؟ قلت: لا ولا عند أحد من أهل العلم بالحديث ولكني أحببت أن تعلم أني أعلم أنك إنما تتستر بالشيء ليست لك فيه حجة قال فلو كان ثابتا عن أنس بن مالك.
(قلت)
ليس بثابت فتسأل عنه قال فأجب على أنه ثابت. وليس فيه لو كان ثابتا حرف مما قلت قال: وكيف؟ قلت: لو كان إنما أخبر أنه قد رأى من تحيض ثلاثا وما بين ثلاث وعشر كان إنما أراد - إن شاء الله تعالى - أن حيض المرأة كما تحيض لا تنتقل التي تحيض ثلاثا إلى عشر ولا تنتقل التي تحيض عشرا إلى ثلاث، وأن الحيض كلما رأت الدم ولم يقل لا يكون الحيض أقل من ثلاث، ولا أكثر من عشر وهو - إن شاء الله كان أعلم - ممن يقول لا يكون خلق من خلق الله لا يدري لعله كان أو يكون (قال الشافعي) : ثم زاد الذي يقول هذا القول الذي لا أصل له وهو يزعم أنه لا يجوز أن يقول قائل في حلال، أو حرام إلا من كتاب، أو سنة، أو إجماع، أو قياس على واحد من هذا فقال أحدهم لو: كان حيض امرأة عشرة معروفة لها ذلك فانتقل حيضها فرأت الدم يوما، ثم ارتفع عنها أياما، ثم رأته اليوم العاشر من مبتدأ حيضها كانت حائضا في اليوم الأول والثمان التي رأت فيها الطهر واليوم العاشر الذي رأت فيه الدم.
(قال الشافعي) :
ثم زاد فقال لو كانت المسألة بحالها إلا أنها رأت الحيض بعد اليوم العاشر خمسا، أو عشرا كانت في اليوم الأول والثمانية بعده حائضا ولا أدري أقال اليوم العاشر وفيما بعده مستحاضة طاهر، أو قال فيما بعد العاشر مستحاضة طاهر فعاب صاحبه قوله عليه فسمعته يقول: سبحان الله، ما يحل لأحد أخطأ بمثل هذا أن يفتي أبدا فجعلها في أيام ترى الدم طاهرا وأيام ترى الطهر حائضا وخالفه في المسألتين فزعم في الأولى أنها طاهر في اليوم الأول والثمانية واليوم العاشر وزعم في الثانية أنها طاهر في اليوم الأول والثمانية بعده حائض في اليوم العاشر وما بعده إلى أن تكمل عشرة أيام.ثم زعم أنها لو حاضت ثلاثا أولا ورأت الطهر أربعا، أو خمسا، ثم حاضت ثلاثا، أو يومين كانت حائضا أيام رأت الدم وأيام رأت الطهر، وقال إنما يكون الطهر الذي بين الحيضتين حيضا إذا كانت الحيضتان أكثر منه، أو مثله فإذا كان الطهر أكثر منهما فليس بحيض
(قال الشافعي) :
فقلت له لقد عبت معيبا وما أراك إلا قد دخلت في قريب مما عبت ولا يجوز أن تعيب شيئا، ثم تقول به (قال) :
إنما قلت إذا كان الدمان اللذان بينهما الطهر أكثر، أو مثل الطهر.
(قال الشافعي) :
فقلت له: فمن قال لك هذا
(قال) :
فبقول ماذا قلت لا يكون الطهر حيضا فإن قلته أنت قلت فمحال لا يشكل أفقلته بخبر قال لا قلت أفبقياس قال لا قلت فمعقول قال نعم إن المرأة لا تكون ترى الدم أبدا ولكنها تراه مرة وينقطع عنها أخرى
(قلت)
فهي في الحال التي تصفه منقطعا استدخلت
(قلت)
إذا استثفرت شيئا فوجدت دما وإن لم يكن يثج وأقل ذلك أن يكون حمرة، أو كدرة فإذا رأت الطهر لم تجد من ذلك شيئا لم يخرج مما استدخلت من ذلك إلا البياض
(قال) :
فلو رأت ما تقول من القصة البيضاء يوما، أو يومين ثم عاودها الدم في أيام حيضها
(قلت)
إذا تكون طاهرا حين رأت القصة البيضاء إلى أن ترى الدم ولو ساعة قال فمن قال هذا قلت ابن عباس قال إنه ليروى عن ابن عباس قلت نعم ثابتا عنه وهو معنى القرآن والمعقول قال وأين؟ .قلت أرأيت إذ أمر الله عز وجل باعتزال النساء في المحيض وأذن بإتيانهن إذا تطهرن عرفت، أو نحن المحيض إلا بالدم والطهر إلا بارتفاعه ورؤية القصة البيضاء. قال: لا قلت أرأيت امرأة كان حيضها عشرة كل شهر، ثم انتقل فصار كل شهرين، أو كل سنة، أو بعد عشر سنين، أو صار بعد عشر سنين حيضها ثلاثة أيام فقالت أدع الصلاة في وقت حيضي وذلك عشر في كل شهر قال ليس ذلك لها قلت والقرآن يدل على أنها حائض إذا رأت الدم وغير حائض إذا لم تره. قال: نعم قلت: وكذلك المعقول قال: نعم قلت: فلم لا تقول بقولنا تكون قد وافقت القرآن والمعقول؟ فقال بعض من حضره: بقيت خصلة هي التي تدخل عليكم قلت وما هي قال أرأيت إذا حاضت يوما وطهرت يوما عشرة أيام أتجعل هذا حيضا واحدا، أو حيضا إذا رأت الدم وطهرا إذا رأت الطهر قلت بل حيضا إذا رأت الدم وطهرا إذا رأت الطهر قال وإن كانت مطلقة فقد انقضت عدتها في ستة أيام
(قال الشافعي) :
فقلت لقائل هذا القول: ما أدري أنت في قولك الأول أضعف حجة أم في هذا القول قال وما في هذا القول من الضعف؟ قلت: احتجاجك بأن جعلتها مصلية يوما وتاركة للصلاة يوما بالعدة وبين هذا فرق.قال فما تقول؟ قلت: لا ولا للصلاة من العدة سبيل قال فكيف ذلك؟ .قلت: أرأيت المؤيسة من الحيض التي لم تحض والحامل أليس يعتددن ولا يدعن الصلاة حتى تنقضي عدتهن أم لا تخلو عددهن حتى يدعن الصلاة في بعضها أياما كما تدعها الحائض قال بل يعتددن ولا يدعن الصلاة قلت: فالمرأة تطلق فيغمى عليها أو تجن، أو يذهب عقلها أليس تنقضي عدتها ولم تصل صلاة واحدة قال بلى قلت فكيف زعمت أن عدتها تنقضي ولم تصل أياما وتدع الصلاة أياما؟ قال من ذهاب عقلها وأن العدة ليست من الصلاة قلت أفرأيت المرأة التي تحيض حيض النساء وتطهر طهرهن إن اعتدت ثلاث حيض، ثم ارتابت في نفسها قال فلا تنكح حتى تستبرئ قلت: فتكون معتدة لا بحيض ولا بشهور ولكن باستبراء قال نعم إذا آنست شيئا تخاف أن يكون حملا. قلت: وكذلك التي تعتد بالشهور وإن ارتابت كفت عن النكاح قال نعم قلت؛ لأن البريئة إذا كانت مخالفة غير البريئة قال نعم والمرأة تحيض يوما وتطهر يوما أولى أن تكون مرتابة وغير بريئة من الحمل ممن سميت وقد عقلنا عن الله عز وجل أن في العدة معنيين: براءة وزيادة تعبد بأنه جعل عدة الطلاق ثلاثة أشهر، أو ثلاثة قروء وجعل عدة الحامل وضع الحمل وذلك غاية البراءة وفي ثلاثة قروء براءة وتعبد؛ لأن حيضتهن مستقيمة تبرئ فعقلنا أن لا عدة إلا وفيها براءة، أو براءة وزيادة؛ لأن العدة لم تكن أقل من ثلاثة أشهر، أو ثلاثة قروء، أو أربعة أشهر وعشر، أو وضع حمل والحائض يوما وطاهر يوما ليست في معنى براءة وقد لزمك بأن أبطلت عدة الحيض والشهور وباينت بها إلى البراءة إذا ارتابت كما زعمت أنه يلزمنا في التي تحيض يوما وتدع يوما.
[باب دم الحيض]

(قال الشافعي)
- رحمه الله تعالى
- أخبرنا سفيان عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر قالت «سمعت أسماء تقول سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن دم الحيض يصيب الثوب فقال حتيه، ثم اقرصيه بالماء وانضحيه وصلي فيه» أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء مثل معناه إلا أنه قال تقرصه ولم يقل تقرصه بالماء
(قال الشافعي) :
وبحديث سفيان عن هشام بن عروة نأخذ وهو يحفظ فيه الماء ولم يحفظ ذلك وكذلك روى غيره عن هشام
(قال الشافعي) :
وفي هذا دليل على أن دم الحيض نجس وكذا كل دم غيره
(قال الشافعي) :
وقرصه فركه وقوله بالماء غسل بالماء وأمره بالنضح لما حوله
(قال الشافعي) :
فأما النجاسة فلا يطهرها إلا الغسل والنضح والله تعالى أعلم - اختيار أخبرنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا إبراهيم بن محمد قال أخبرني ابن عجلان عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الثوب يصيبه دم الحيض قال تحته، ثم تقرصه بالماء، ثم تصلي فيه» .
(قال الشافعي) :
وهذا مثل حديث أسماء بنت أبي بكر وبه نأخذ وفيه دلالة على ما قلنا من أن النضح اختيار؛ لأنه لم يأمر بالنضح في حديث أم سلمة وقد أمر بالماء في حديثها وحديث أسماء
(قال الربيع)
قال الشافعي وهو الذي نقول به قال الربيع وهو آخر قوليه يعني الشافعي إن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر وأقل الطهر خمسة عشر فلو أن امرأة أول ما حاضت طبق الدم عليها أمرناها أن تدع الصلاة إلى خمسة عشر فإن انقطع الدم في خمسة عشرة كان ذلك كله حيضا وإن زاد على خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة وأمرناها أن تدع الصلاة أول يوم وليلة وتعيد أربع عشرة؛ لأنه يحتمل أن يكون حيضها يوما وليلة ويحتمل أكثر فلما احتمل ذلك وكانت الصلاة عليها فرضا لم نأمرها بأن تدع الصلاة إلا بحيض يقين ولم تحسب طاهرة الأربعة عشر يوما في صيامها لو صامت؛ لأن فرض الصيام عليها بيقين أنها طاهرة فلما أشكل عليها أن تكون قد قضت فرض الصوم وهي طاهرة، أو لم تقضه لم أحسب لها الصوم إلا بيقين أنها طاهرة وكذلك طوافها بالبيت لست أحسبه لها إلا بأن يمضي لها خمسة عشر يوما؛ لأن أكثر ما حاضت له امرأة قط علمناه، ثم تطوف بعد ذلك؛ لأن العلم يحيط أنها من بعد خمسة عشر يوما طاهرة.وإن كانت تحيض يوما وتطهر يوما أمرناها أن تصلي في يوم الطهر بعد الغسل؛ لأنه يحتمل أن يكون طهرا فلا تدع الصلاة فإن جاءها الدم في اليوم الثالث علمنا أن اليوم الذي قبله الذي رأت فيه الطهر كان حيضا؛ لأنه يستحيل أن يكون الطهر يوما؛ لأن أقل الطهر خمسة عشر وكلما رأت الطهر أمرناها أن تغتسل وتصلي؛ لأنه يمكن أن يكون طهرا صحيحا وإذا جاءها الدم بعده من الغد علمنا أنه غير طهر حتى يبلغ خمس عشرة فإن انقطع بخمس عشرة فهو حيض كله وإن زاد على خمسة عشر علمنا أنها مستحاضة فقلنا لها: أعيدي كل يوم تركت فيه الصلاة إلا أول يوم وليلة؛ لأنه يحتمل أن لا يكون حيضها إلا يوما وليلة فلا تدع الصلاة إلا بيقين الحيض وهذا للتي لا يعرف لها أيام وكانت أول ما يبتدئ بها الحيض مستحاضة فأما التي تعرف أيامها، ثم طبق عليها الدم فتنظر عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر فتدع الصلاة فيهن فإذا ذهب وقتهن اغتسلت وصلت وتوضأت لكل صلاة فيما تستقبل بقية شهرها فإذا جاءها ذلك الوقت من حيضها من الشهر الثاني تركت أيضا الصلاة أيام حيضها، ثم اغتسلت بعد وتوضأت لكل صلاة فهذا حكمها ما دامت مستحاضة وإن كانت لها أيام تعرفها فنسيت فلم تدر في أول الشهر، أو بعده بيومين، أو أقل، أو أكثر اغتسلت عند كل صلاة وصلت ولا يجزيها أن تصلي صلاة بغير غسل؛ لأنه يحتمل أن تكون في حين ما قامت تصلي الصبح أن يكون هذا وقت طهرها فعليها أن تغتسل فإذا جاءت الظهر احتمل هذا أيضا أن يكون حين طهرها فعليها أن تغتسل وهكذا في كل وقت تريد أن تصلي فيه فريضة يحتمل أن يكون هو وقت طهرها فلا يجزيها إلا الغسل ولما كانت الصلاة فرضا عليها احتمل إذا قامت لها أن يكون يجزيها فيه الوضوء.ويحتمل أن لا يجزيها فيه إلا الغسل فلما لم يكن لها أن تصلي إلا بطهارة بيقين لم يجزئها إلا الغسل؛ لأنه اليقين والشك في الوضوء ولا يجزيها أن تصلي بالشك ولا يجزئها إلا اليقين وهو الغسل فتغتسل لكل صلاة.
[كتاب الصلاة]
[باب أصل فرض الصلاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
قال الله تبارك وتعالى {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} [النساء: 103] وقال {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5] الآية مع عدد أي فيه ذكر فرض الصلاة
(قال) :
«وسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الإسلام فقال خمس صلوات في اليوم والليلة فقال السائل: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع» .أول ما فرضت الصلاة
(قال الشافعي) - رحمه الله تعالى
- سمعت من أثق بخبره وعلمه يذكر أن الله أنزل فرضا في الصلاة، ثم نسخه بفرض غيره، ثم نسخ الثاني بالفرض في الصلوات الخمس
(قال) :
كأنه يعني قول الله عز وجل {يا أيها المزمل - قم الليل إلا قليلا - نصفه أو انقص منه قليلا} [المزمل: 1 - 3] الآية ثم نسخها في السورة معه بقول الله جل ثناؤه {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه} [المزمل: 20] إلى قوله {فاقرءوا ما تيسر من القرآن} [المزمل: 20] فنسخ قيام الليل أو نصفه، أو أقل، أو أكثر بما تيسر وما أشبه ما قال بما قال وإن كنت أحب أن لا يدع أحد أن يقرأ ما تيسر عليه من ليلته ويقال: نسخت ما وصفت من المزمل بقول الله عز وجل {أقم الصلاة لدلوك الشمس} [الإسراء: 78] ودلوكها زوالها {إلى غسق الليل} [الإسراء: 78] العتمة {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا} [الإسراء: 78] الصبح {ومن الليل فتهجد به نافلة لك} [الإسراء: 79] فأعلمه أن صلاة الليل نافلة لا فريضة وأن الفرائض فيما ذكر من ليل، أو نهار ويقال في قول الله عز وجل {فسبحان الله حين تمسون} [الروم: 17] المغرب والعشاء {وحين تصبحون} [الروم: 17] الصبح {وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا} [الروم: 18] العصر {وحين تظهرون} [الروم: 18] الظهر وما أشبه ما قيل: من هذا بما قيل: والله تعالى أعلم
(قال) :
وبيان ما وصفت في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس صلوات في اليوم والليلة فقال هل علي غيرها فقال لا إلا أن تطوع»
(قال الشافعي) :
ففرائض الصلوات خمس وما سواها تطوع فأوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على البعير ولم يصل مكتوبة علمناه على بعير وللتطوع وجهان صلاة جماعة وصلاة منفردة وصلاة الجماعة مؤكدة ولا أجيز تركها لمن قدر عليها بحال وهو صلاة العيدين وكسوف الشمس والقمر والاستسقاء، فأما قيام شهر رمضان فصلاة المنفرد أحب إلي منه وأوكد صلاة المنفرد وبعضه، أوكد من بعض الوتر وهو يشبه أن يكون صلاة التهجد ثم ركعتا الفجر ولا أرخص لمسلم في ترك واحد منهما وإن لم أوجبهما عليه ومن ترك صلاة واحدة منهما كان أسوأ حالا ممن ترك جميع النوافل في الليل والنهار.عدد الصلوات الخمس
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
أحكم الله تعالى فرض الصلاة في كتابه فبين على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - عددها وما على المرء أن يأتي به ويكف عنه فيها وكان نقل عدد كل واحدة منها مما نقله العامة عن العامة ولم يحتج فيه إلى خبر الخاصة وإن كانت الخاصة قد نقلتها لا تختلف هي من وجوه هي مبينة في أبوابها فنقلوا الظهر أربعا لا يجهر فيها بشيء من القراءة والعصر أربعا لا يجهر فيها بشيء من القراءة والمغرب ثلاثا يجهر في ركعتين منها بالقراءة ويخافت في الثالثة والعشاء أربعا يجهر في ركعتين منها بالقراءة ويخافت في اثنتين والصبح ركعتين يجهر فيهما معا بالقراءة
(قال) :
ونقل الخاصة ما ذكرت من عدد الصلوات وغيره مفرقا في مواضعه.
[فيمن تجب عليه الصلاة]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
ذكر الله تبارك وتعالى الاستئذان فقال في سياق الآية {وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا} [النور: 59] وقال عز وجل {وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم} [النساء: 6] ولم يذكر الرشد الذي يستوجبون به أن تدفع إليهم أموالهم إلا بعد بلوغ النكاح وفرض الله عز وجل الجهاد فأبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به على من استكمل خمس عشرة سنة بأن «أجاز ابن عمر عام الخندق ابن خمس عشرة سنة ورده عام أحد ابن أربع عشرة سنة» فإذا بلغ الغلام الحلم والجارية المحيض غير مغلوبين على عقولهما، أوجبت عليهما الصلاة والفرائض كلها وإن كانا ابني أقل من خمس عشرة سنة وجبت عليهما الصلاة وأمر كل واحد منهما بالصلاة إذا عقلها فإذا لم يعقلا لم يكونا كمن تركها بعد البلوغ وأؤدبهما على تركها أدبا خفيفا ومن غلب على عقله بعارض مرض أي مرض كان ارتفع عنه الفرض في قول الله عز وجل {واتقون يا أولي الألباب} [البقرة: 197] وقوله {إنما يتذكر أولو الألباب} [الرعد: 19] وإن كان معقولا لا يخاطب بالأمر والنهي إلا من عقلهما.
[صلاة السكران والمغلوب على عقله]
قال الله تعالى {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43]
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
يقال: نزلت قبل تحريم الخمر وأيما كان نزولها قبل تحريم الخمر، أو بعده فمن صلى سكران لم تجز صلاته لنهي الله عز وجل إياه عن الصلاة حتى يعلم ما يقول وإن معقولا أن الصلاة قول وعمل وإمساك في مواضع مختلفة ولا يؤدي هذا إلا من أمر به ممن عقله وعليه إذا صلى سكران أن يعيد إذا صحا ولو صلى شارب محرم غير سكران كان عاصيا في شربه المحرم ولم يكن عليه إعادة صلاة؛ لأنه ممن يعقل ما يقول والسكران الذي لا يعقل ما يقول، وأحب إلي لو أعاد وأقل السكر أن يكون يغلب على عقله في بعض ما لم يكن يغلب عليه قبل الشرب ومن غلب على عقله بوسن ثقيل فصلى وهو لا يعقل أعاد الصلاة إذا عقل وذهب عنه الوسن ومن شرب شيئا ليذهب عقله كان عاصيا بالشرب ولم تجز عنه صلاته وعليه وعلى السكران إذا أفاقا قضاء كل صلاة صلياها وعقولهما ذاهبة وسواء شربا نبيذا لا يريانه يسكر، أو نبيذا يريانه يسكر فيما وصفت من الصلاة وإن افتتحا الصلاة يعقلان فلم يسلما من الصلاة حتى يغلبا على عقولهما أعادا الصلاة؛ لأن ما أفسد أولها أفسد آخرها وكذلك إن كبرا ذاهبي العقل ثم أفاقا قبل أن يفترقا فصليا جميع الصلاة إلا التكبير مفيقين كانت عليهما الإعادة؛ لأنهما دخلا الصلاة وهما لا يعقلان وأقل ذهاب العقل الذي يوجب إعادة الصلاة أن يكون مختلطا يعزب عقله في شيء وإن قل ويثوب.الغلبة على العقل في غير المعصيةأخبرنا الربيع قال
(قال الشافعي - رحمه الله تعالى -) :
وإذا غلب الرجل على عقله بعارض جن أو عته، أو مرض ما كان المرض ارتفع عنه فرض الصلاة ما كان المرض بذهاب العقل عليه قائما؛ لأنه منهي عن الصلاة حتى يعقل ما يقول وهو ممن لا يعقل ومغلوب بأمر لا ذنب له فيه بل يؤجر عليه ويكفر عنه به إن شاء الله تعالى إلا أن يفيق في وقت فيصلي صلاة الوقت وهكذا إن شرب دواء فيه بعض السموم وإلا غلب منه أن السلامة تكون منه لم يكن عاصيا بشربه؛ لأنه لم يشربه على ضر نفسه ولا إذهاب عقله وإن ذهب ولو احتاط فصلى كان أحب إلي؛ لأنه قد شرب شيئا فيه سم ولو كان مباحا ولو أكل أو شرب حلالا فخبل عقله أو وثب وثبة فانقلب دماغه، أو تدلى على شيء فانقلب دماغه فخبل عقله إذا لم يرد بشيء مما صنع ذهاب عقله لم يكن عليه إعادة صلاة صلاها لا يعقل، أو تركها بذهاب العقل فإن وثب في غير منفعة، أو تنكس ليذهب عقله فذهب كان عاصيا وكان عليه إذا ثاب عقله إعادة كل ما صلى ذاهب العقل، أو ترك من الصلاة وإذا جعلته عاصيا بما عمد من إذهاب عقله، أو إتلاف نفسه جعلت عليه إعادة ما صلى ذاهب العقل، أو ترك من الصلوات وإذا لم أجعله عاصيا بما صنع لم تكن عليه إعادة إلا أن يفيق في وقت بحال وإذا أفاق المغمى عليه وقد بقي عليه من النهار قدر ما يكبر فيه تكبيرة واحدة أعاد الظهر والعصر ولم يعد ما قبلهما لا صبحا ولا مغربا ولا عشاء وإذا أفاق وقد بقي عليه من الليل قبل أن يطلع الفجر قدر تكبيرة واحدة قضى المغرب والعشاء وإذا أفاق الرجل قبل أن تطلع الشمس بقدر تكبيرة قضى الصبح وإذا طلعت الشمس لم يقضها وإنما قلت هذا؛ لأن هذا وقت في حال عذر، جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر في السفر في وقت الظهر وبين المغرب والعشاء في وقت العشاء فلما جعل الأولى منهما وقتا للآخرة في حال والآخرة وقتا للأولى في حال كان وقت إحداهما وقتا للأخرى في حال وكان ذهاب العقل عذرا وبالإفاقة عليه أن يصلي العصر وأمرته أن يقضي؛ لأنه قد أفاق في وقت بحال وكذلك آمر الحائض والرجل يسلم كما آمر المغمى عليه من أمرته بالقضاء فلا يجزيه إلا أن يقضي أخبرنا سفيان عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا عجل في المسير جمع بين المغرب والعشاء» .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 35.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 34.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.76%)]