عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-09-2020, 03:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,671
الدولة : Egypt
افتراضي الاستفادة من الطاقات المعطلة

الاستفادة من الطاقات المعطلة


السيد مراد سلامة



عناصر الخطبة:
العنصر الأول: تعريف الطاقات.
العنصر الثاني: واقع مر.
العنصر الثالث: الأسباب التي تدعوا إلى وجوب استغلال الطاقات.
العنصر الرابع: المثال التطبيقي في تاريخ الأمة الإسلامية.
العنصر الخامس: سحائب أمطرت في غير موطنها.

الخطبة الأولى

أمة الحبيب الأعظم - محمد صلى الله عليه وسلم - حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون عن "السحائب المرسلة للاستفادة من الطاقات المعطلة".

عن سحائب مرسلة: تحفز الهمم وتوقظ الضمائر وتنشط الكسلان وتأخذ بيدي الوسنان.

سحائب الرحمة والغيث الذي تشرئب لها النفوس المؤمنة الظمئ في هاجرة الحياة العصرية.

سحائب ما هي إلا رؤية قرآنية ومحجة نبوية تقول لكل مسلم:
قد هيؤوك لأمر لو فطنت له
فأرباً بنفسك أن ترعى مع الهمل

وأنت في غفلة عما خلقت له
وأنت في ثقة من وثبة الأجل

فزك نفسك مما قد يدنسها
واختر لها ما ترى من خالص العمل

أأنت في سكرة أم أنت منتبهاً
أم غرك الأمن أم ألهيت بالأمل


سحائب مرسلة تقول:
إذَا مَا طَمَحْتُ إلِى غَايَةٍ
رَكِبْتُ الْمُنَى وَنَسِيتُ الحَذَر

وَلَمْ أَتَجَنَّبْ وُعُورَ الشِّعَابِ
وَلا كُبَّةَ اللَّهَبِ المُسْتَعِر

وَمَنْ لا يحب صُعُودَ الجِبَالِ
يَعِشْ أَبَدَ الدَّهْرِ بَيْنَ الحُفَر

فَعَجَّتْ بِقَلْبِي دِمَاءُ الشَّبَابِ
وَضَجَّتْ بِصَدْرِي رِيَاحٌ أُخَر

"أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ
وَمَنْ يَسْتَلِذُّ رُكُوبَ الخَطَر

وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَانَ
وَيَقْنَعُ بِالعَيْشِ عَيْشِ الحَجَر


العنصر الأول: تعريف الطاقات:
الطاقة: هي تلك القوة المحركة والفاعلة والمؤثرة في المادة.

ونقصد بالطاقات المعطلة هي تلك العقول المبدعة والأيدي القادرة على الإنتاج والبذل والعطاء ولكنها أهملت وعطلت.

فالطاقة قوة تحتاج منا إلى من يحركها وإلى من يستثمرها والله تعالى امر أنبيائه باستخدام تلك الطاقة وعدم تعطيلها فقال ليحيى عليه السلام ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12].

﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الأعراف: 145].

أمر بني إسرائيل فقال سبحانه ﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 171].

العنصر الثاني: واقعُ مُر:
أمة الإسلام إن الناظر إلى واقعنا في الآونة الأخيرة ليرى أن الأمم كلها تتقدم إلى الإمام وأن هناك دول ليس لها تاريخ وصنعت لنفسها مكانة بين سائر الأمم وما ذلك إلا بالاستعمال جميع طاقتها التي تمتلكها.

وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَنّي
وَلَكِن تُؤخَذُ الدُنيا غِلابا

وَما استَعصى عَلى قَومٍ مَنالٌ
إِذا الإِقدامُ كانَ لَهُمْ رِكابا


فالأمة الإسلامية بحمد الله - تعالى - تملك طاقات متعددة هائلة في شتى المجالات الفكرية والشرائح الاجتماعية، والأيدي العاملة والعقول المبدعة ولكنها لا توظفها توظيفاً مناسباً، وصدقت في حقها القاعدة الإدارية التي تقول بأن 20% من الطاقات فقط هي التي تنجز 80% من الإنجازات معطلة مهملة.

وهذا يعني: أن نسبة كبيرة جداً من الطاقات الموجودة تعد طاقات معطلة غلبت عليها البطالة، ولم تستوعبها الصحوة الإسلامية..! !

ورغم مرور 3 أعوام على ثورات الربيع العربي، فهناك 20 مليون عاطل عن العمل بالوطن الأكبر، بحسب آخر إحصائية ضمها تقرير "التعاون العربي وآفاقه لدعم التشغيل"، والصادر عن منظمة العمل العربية، والذي أكد ارتفاع نسبة البطالة بالعالم العربي إلى 17%، وأن الشباب يستحوذ على النصيب الأكبر بين صفوف العاطلين بنسبة 54 %، كما قدر نسبة الشباب المتعلم بـ27 % من العاطلين.

وبحسب إحصائية أخرى صادرة عن الجهاز المركزي المصري للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد العاطلين في مصر، بلغ 3.7 مليون شخص، أي ما يمثل نسبة 18.5% من العاطلين بالوطن العربي.

العنصر الثالث: الأسباب التي تدعوا إلى وجوب استغلال الطاقات:
أمة الإسلام: توجد أسباب عديدة تدفع ابنا الأمة إلى التحرك وإلى استغلال جميع الطاقات والسعي الحثيث إلى النهوض من تلك الكبوة وإليكم عباد الله أهم تلك الأسباب:
1- أن الواجب الشرعي في الدعوة والتغيير والتعمير الأمة كلها مخاطبة به:
أمة الإسلام: واعلموا أن من اهم أسباب التي تدعوا إلى الاستفادة من الطاقات المعطلة أن التغيير والتعمير واجب على كل أفراد الأمة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 9، 10].

"بل يعد الاستعمار الإيماني للأرض، والسعي في تحريكها بمنهج الله جهاداً في سبيـل الله، وجزءاً من معركة الأمة للاحتفاظ بوجودها وسيادتها وفق المفهوم العام من قوله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].

ولم يكن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم المرجعية والمرتكز الحضاري لهذه الأمة، من يميِّز بين الجهادين، جهاد الكسب وجهاد العدو، عن كعب بن عجرة قال مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فرأى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من جلده ونشاطه ما أعجبهم فقالوا يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله وإن كان خرج رياء وتفاخرا فهو في سبيل الشيطان" أخرجه الطبراني في الكبير.

بل ذهب الإمام محمد بن الحسن الشيباني إلى أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه "كان يقدم درجة الكسب على درجة الجهاد، فيقول: لأن أموت بين شعبتي رحلي أضرب في الأرض أبتغي من فضل الله أحبَّ إلي من أن أقتل مجاهداً في سبيل الله؛ لأن الله تعالى قدم الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضله على المجاهدين بقوله تعالى: وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (حاشية الدسوقي على الشرح الكبير).

لذلك كلِّه حثَّ الإسلام على العمل والسعي في طلَب الرزق؛ يقول - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

2- ضخامة الفساد والانحراف في الأمة يفرض ضرورة تكاتف جهود وطاقات الأمة:
عباد الله: الفساد من القضايا التي تنخر في قوام الدول, وتصيب مفاصلها بالشلل, وتحول بين الدول وبين النمو بكل أشكاله, سواء كان اقتصادياً, أو سياسياً, أو إدارياً...الخ؛ فهو يكرس الفشل, ويغذي التخلف, ويضيع مقدرات الأمة, كما يحقق ذلك بامتياز نوعاً من أنواع الفساد, وهو الفساد الإداري, ولهذا وقف الشارع الحكيم موقفاً حازماً من صورة من صوره الشهيرة, وهي الرشوة؛ فعدها من كبائر الذنوب, وحذّر منها أشد التحذير؛ لما تحمله من ابتزاز إداري, وضرر أخلاقي على المدى القريب والبعيد, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "لعن الله الراشي والمرتشي".

لذا واجب على أبناء الأمة أن يكرسوا جهودهم في محاربة صور الفساد التي تنخر في مجدهم وعزهم وأن يأخذوا على أيدي المفسدين والمغرضين.

عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "مثل الواقع في حدود الله والمداهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم سفل وأصاب بعضهم علو فكان الذين في السفل يستقون من العلو فيمرون عليهم فيؤذونهم فقال الذين في العلو قد آذيتمونا تصبون علينا الماء قال فأخذوا فأسا يعنى الذين في السفل فجعلوا يحفرون في السفينة فقال لهم الذين في العلو ما تصنعون فإن تركوهم وما يريدون هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعا ". أخرجه البخاري.

3- اختلاف طاقات الناس وتخصصاتهم يوجب تكاتف جميع طاقات المجتمع:
إن الله سبحانه وتعالى من حكمه في خلقه أنه نوع الطاقات والقدرات والمواهب قال الله تعالى ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].

السيد محمد نوح: (رغيف الخبز على صغر حجمه لا يصل إلى الإنسان إلا بعد عمل عشرات بل مئات من البشر تعاونت على تجهيزه وإعداده وتقديمه، ومن كان في شك من ذلك فليسأل نفسه: من حرث الأرض؟ ومن بذر الحب؟ ومن سقاه بالماء؟ ومن نظف الحشائش عنه؟ ومن حرسه؟ ومن حصده ومن نقله إلى الجرن ؟ ومن داسه؟ ومن طحنه ؟ ومن خبزه؟ ومن بالنار سواه؟ ومن إلينا حمله؟ ومن قدمه؟ ومن ؟ ومن؟ ومن؟.... هناك أسئلة كثيرة. هذا الجهد في رغيف الخبز، فكيف بالأمر في خدمة دين الله).

4- تكاتف جميع طاقات الأمة لصد مكر الأعداء وعدوانهم:
أمة الإسلام: إن الناظر إلى أحوالنا وإلى ما يضمره الأعداء للامة الإسلامية ليجد إننا بحاجة ماسة إلى التكاتف والتضامن لنصد تلك الهجمات الشرسة:
التي تريد منا أن نتخلف ولا نتقدم.
التي تريد منا أن نكون عقولا مستهلكة لا قوة منتجة.
التي تريد منا التناحر لا التآلف.
التي تريد منا الضعف والذلة لا القوة والعزة.

قال لويس التاسع ملك فرنسا الذي أسر في دار ابن لقمان بالمنصورة - في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس -: "إنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة، باتباع ما يلي:
إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدثت فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين.
عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.
إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة.
الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يضحي في سبيل مبادئه.
العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة.
العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوباً، انطاكية شمالاً، ثم تتجه شرقاً، وتمتد حتى تصل إلى الغرب.

و اسمعوا عباد الله: يقول الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلالها: يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم.. ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]