عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 27-07-2009, 09:24 PM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أشكُو إليكَ زَوْجي

فصل
مسألة مهمة:
اختلف أهل العلم في تصرف المرأة في مالها: فمنهم من منع المرأة من التصرف في مالها إلا بإذن زوجها لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها))([1]). وفي لفظ آخر: ((لا يجوز لامرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها))([2]).
ومنهم من أجاز لها التصرف في مالها دون إذن زوجها؛ واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم)) ([3]). وجعلن يتصدقن من حليهن، فكان هذا تصرفًا بغير إذن أزواجهن.
قال الشوكاني رحمه الله: "وقد استدل بهذا الحديث ((لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها)) على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي عطية من مالها بغير إذن زوجها ولو كانت رشيدة. وقد اختلف في ذلك؛ فقال الليث: لا يجوز لها مطلقًا لا في الثلث ولا فيما دونه إلا الشيء التافه. وقال طاووس ومالك: إنه يجوز لها أن تعطي مالها بغير إذنه في الثلث لا فيما فوقه، فلا يجوز إلا بإذنه. وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقًا من غير إذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة، فإن كانت سفيهة لم يجز"([4]).
وبالجملة فالمقصود هو أن أكل مال الزوجة بالباطل حرام، وأن الضغط عليها لأخذه بغير رضاها وطيب نفسها حرام. لكن لا يعني ذلك ألا تقف الزوجة بجانب زوجها إن ضاق به الحال، بل تسارع بمساعدته، ولا تنتظر حتى يطلب منها، فربما الحياء يمنعه من ذلك.
وليس معنى جواز بعض أهل العلم تصدق المرأة من مالها بغير إذن زوجها ألا تستشيره، ولا تأخذ برأيه، بل من الأدب مع الزوج إعظامًا لحقه ولمكانته، ألا تتصرف في مالها إلا بعد استئذانه والاستنارة برأيه، فذلك مما ينمي علاقة المحبة والمودة والألفة بينهما، ويزيد من دعائم السعادة داخل البيت.
قال الألباني رحمه الله: (وهذا الحديث ((ليس للمرأة أن تنتهك شيئًا من مالها إلا بإذن زوجها))، وما أشرنا إليه مما في معناه يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تتصرف في مالها الخاص إلا بإذن زوجها، وذلك من تمام القوامة التي جعلها ربنا تبارك وتعالى له عليها، ولكن لا ينبغي للزوج ـ إذا كان مسلمًا صادقًا ـ أن يستغل هذا الحكم فيتجبر على زوجته، ويمنعها من التصرف في مالها فيما لا ضير عليهما منه، وما أشبه هذا الحق بحق ولي البنت التي لا يجوز لها أن تزوج نفسها بدون إذن وليها، فإذا أعضلها رفعت الأمر إلى القاضي الشرعي لينصفها، وكذلك الحكم في مال المرأة، إذا جار عليها زوجها، فمنعها من التصرف المشروع في مالها، فالقاضي ينصفها أيضًا، فلا إشكال على الحكم نفسه، وإنما الإشكال في سوء التصرف به فتأمل)([5]).
وقال الشوكاني رحمه الله بعدما رجح: (والأولى أن يقال: يتعين الأخذ بعموم حديث عبد الله بن عمرو ((لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها))، وما ورد من الواقعات المخالفة له تكون مقصورة على مواردها، أو مخصصة لمثل من وقعت له من هذا العموم وأما مجرد الاحتمالات فليست مما تقوم به الحجة)([6]).
إن تجاهل الزوجة لزوجها تمامًا بحجة أن بعض أهل العلم أجاز للمرأة التصرف في مالها دون زوجها من الخطأ، لاسيما إن ترتب على ذلك مفاسد تغلب المصلحة العامة داخل البيت المسلم.
والمرأة العاقلة عندما تجد زوجها زاهدًا في مالها، وحريصًا عليه، وليس طامعًا فيه، فإن ذلك يزيدها ثقة فيه، واحترامًا له، فتبذل له مالها عن طيب خاطر إن كان في حاجة إليه، أو على الأقل ستستشيره إن أرادت التصرف فيه أو في جزء منه.
5ـ ضرب الزوجة بدون سبب شرعي: من النساء من يصل بها الحال لعلاج نشوزها وتمردها على زوجها إلى الضرب، وذلك بالطبع بعد البداءة بالوعظ ثم الهجر، فإن فشل الرجل بعد هاتين الوسيلتين، فمعنى ذلك أن المرأة امرأة غير جديرة بالاحترام والتقدير ولذلك كان لابد أن يكون العقاب لها عقابًا يطعن في كبريائها وعنادها. ومن النساء من تهتدي بمجرد الوعظ، ومنهن من تهتدي بالهجر، قال تعالى: ﴿وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ [النساء: 34].
ولنا أن نتدبر حال امرأة لم ينفع معها علاج الوعظ ثم علاج الهجر، فما العمل بعد ذلك؟! كان لابد من وسيلة ثالثة تكون أنجع، لاسيما إذا كان الله تعالى ـ خالق النفس والعالم بما يصلحها ويهديها ـ هو الذي شرع هذه الوسيلة، وهي الضرب.
ولكن أن يكون الضرب بشروطه؛ لأن الغرض منه هو التأديب والإصلاح، ومن هذه الشروط:
1ـ تناسب العقاب مع نوع التقصير، فلا يلجأ إلى الضرب إلا بعد فشل وسيلتي الوعظ والهجر.
2ـ تقوى الله تعالى، فلا يضرب رأسًا أو بطنًا أو وجهًا، ولا يكسر عظمًا، أو يشين موضعًا؛ لأن الغرض من الضرب العلاج والزجر وليس التعجيز والإذلال.
3ـ عدم التمادي إن ارتدعت الزوجة، وثابت إلى رشدها.
إن الزوج الذي قد قسا قلبه، وغلظ طبعه، وساء فهم النصوص الشرعية في معاملته الزوجية، فيضرب ضرب الحيوانات، وعند أتفه الأسباب، قد أخطأ الطريق في علاج مشاكله داخل البيت، وحاد عن الطريق الصحيح لتفادي الأخطار.
إن المرأة ليست هملاً مضاعًا، أو حيوانًا داخل البيت، أو إنسان بلا كيان أو روح أو إحساس، حتى يكون الضرب هو أول العلاجات وبطريقة تخالف الشرع. قال صلى الله عليه وسلم: ((إني أُحرجُ عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة))([7]). وقال أيضًا: ((لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يضاجعها))([8]).
عدم التماس المعاذير للزوجة: فنحن بشر نخطئ ونصيب، وليس من حسن عشرة الرجل لزوجته المسارعة في مؤاخذتها إذا أخطأت، بل يتروى قبل أن يحكم عليها، ويلتمس لها الأعذار ويراعي الظروف والأحوال التي صدرت فيها الأخطاء ـ وما أمكن ـ حتى لا تكبر المشاكل ويعظم الضرر.
ومن هذه الأعذار التي ينبغي للزوج مراعاتها:

( أ ) غيرة النساء:
عن أنس رضي الله عنه قال: أهدى بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم له قصعة فيها ثريد وهو في بيت بعض نسائه فضربت عائشة يد الخادم، فانكسرت القصعة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ الثريد، ويرده في فلق القصعة ويقول: ((كلوا غارت أمكم))، ثم حبس الخادم حتى أتى بقصعة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصفحة إلى التي كسرت صفحتها))([9]).
فهكذا كان تصرفه صلى الله عليه وسلم بهدوء وحكمة، والتماس بعض القدر لما صدر من زوجته من خطأ نتيجة الغيرة، ما دام الخطأ ليس فيها انتهاك لحرمة من حرمات الله تعالى.
(ب) التوتر وضيق الخلق أثناء الحيض:
إن أخلاق المرأة ونفسيتها في فترة الحيض، تختلف عنها في فترة الطهر، فضلاً عما يصيب البعض منهن أو الكثيرات من الصداع والتعب وألم العظام وغير ذلك مما يؤثر على نفسية الزوجة وعلاقتها داخل البيت بأفراد الأسرة. لذا فإنه على الزوج أن يتحمل ما يصدر عن زوجته في هذه الفترة من هفوات، ويلتمس لها الأعذار إذا تكاسلت أو فترت أو لم تقم بواجباتها على خير قيام.
(جـ) مراعاة حداثة الالتزام:
(قد يتزوج الأخ المسلم أختًا مسلمة، طيبة الاستعداد للالتزام الطيب بدينها وآدابه الشاملة في مختلف المجالات، لكنها مع هذا الاستعداد لم تجد البيئة التي تحتضنه وتنميه، فضعف التزامها نتيجة الجهالة، فعلى الأخ الزوج المسلم أن يراعي آثار الركام السابق، أثناء ترقيه بها، وأخذه بيدها في سلم الالتزام، كما عليه أن يراعي التدرج في الخطوات، والترتيب في الأولويات، فهناك أصول وهناك فروع والكل مطلوب، وليس هناك فاصل بينهما، نعم، لا نريد أن نهمل الفروع حتى ترسخ الأصول فالكل مترابط، وليست قضية الأصول والفروع كأجزاء آلة مادية يمكن فصلها قطعة قطعة باستقلال... إنما نريد أن يكون الجهد الأكبر موجهًا نحو الأصول والكليات، مع مراعاة جانب الفروع والجزئيات بقدره، واغتنام الظروف والمناسبات لغرس هذا أو ذلك، فنحن نتعامل مع نفس بشرية، لا آلة ميكانيكية.
كما ينبغي أن لا يستفزنا التقصير والأخطاء في تلك الجوانب قبل أن نعطهيا القدر الكافي في الجهد الحكيم المنظم المدروس.
فما دام الاستعداد طيبًا، فالوصول قريب لكن بشيء من الحلم والتروي، والصبر على الحلم والتروي، والتيسير والتبشير لا التعسير والتنفير... فينبغي للأزواج أن يراعوا تلك التوجيهات النبوية: ((بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا)).
فما دام النمو في ازدياد، فأبشر بالنضج في الميعاد، وإياك وعواصف الغضب، فإنها تقتلع النبتة، وتورث الندامة والحسرة. وعليك بالحلم فإنه سياج حامي من الأعاصير الهوجاء، حتى تبلغ النبتة أشدها، وتقوى وتعمق جذورها، وتورف بالظلال فروعها، فحينئذ تقطف أطيب الثمار)([10]).

([1]) رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (7502).

([2]) رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما، وصححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (7501).

([3]) رواه البخاري ومسلم.

([4]) نيل الأوطار (5/419)، وهو ما رجحه ابن حزم في المحلى (30918). انظر: أحكام النساء لعدوي (2/120ـ 135)، النووي على شرط مسلم (2/535).

([5]) السلسلة الصحيحة (2/420)، حديث رقم (775).

([6]) نيل الأوطار (6/22)

([7]) أخرجه أحمد وابن ماجه وغيرهما، وحسنه الألباني في "الصحيحة" برقم (1015).

([8]) رواه البخاري ومسلم.

([9]) رواه البخاري. والصفحة: الإناء.

([10]) كيف تسعد زوجتك ص137، 138.


رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]