عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 31-10-2020, 03:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أدباء عصر سلاطين الشراكسة: ابن إياس






أدباء عصر سلاطين الشراكسة:











ابن إياس (3)




د. إيمان بقاعي










مواقف شعرية:



لم يسكت ابن إياس عن الخطأ، بل تحدث عنه وبيّنه وفضحه وشمت بفاعله.







يقول في السّلطان العادل طومان باي الّذي "لما ولي السّلطنة ظهر منه أمور فاحشة وأغرق في سفك الدّماء وقتل الأمراء":






العادل السّلطان لا تعجبْ له

فيما جرى منه بتغيير الدُّول




أعمالُه ردت عليه بما جنى

والدَّهرُ قد جازاه مِن جنسِ العمل[1]












وكان قد قُتل بعد اختفائه[2]. ويظل ابن إياس يراقبُ عقاب الدَّهر لمَن عاقبوا طويلاً وظلموا طويلاً، فها هوذا يتحدث عن موت الأمير طراباي الشّريفي الّذي رجَّت لموته القاهرة وفرح بذلك غالب النّاس، ولا عجب، فقد كان صارمًا عسوفًا شديد البأس زائد القسوة"[3]:






ولما طغى ظلمًا وزادَ تجبُّرا

فعجلَ عزرائيلُ للرُّوح بالقبضِ




وأسكنَه ضيقَ اللُّحودِ معذّبًا

وأخلى المنازلَ منه في طُرفةِ الغمضِ




وقد جاء يسعى للجحيمِ برجلِهِ

وأجزمَ بعدَ الرَّفعِ بالنَّصبِ والخفْضِ












فالشّاعر - بروحه المرحة وخياله الواسع - يتخيل مصير الأمير ويؤكد أنه الجحيم، فإنَّ مَن يظلم النّاس لا بد وأن ينال عقابًا قاسيًا إن لم يكن آجلاً، فبالتأكيد سيكون العقاب عند الموت.







ومن الأمراء إلى الوزراء، نراه يلاحق أحد الوزراء القُساة إلى القبر داعيًا الله تعالى إلى محاسبته على أعماله السَّيئة وعدم مسامحته، بل يطلب من الله أن يودع هذا الوزير في الأغلال ويسوقه ليحاكَم ما دام لم يحاكَم في الحياة الدُّنيا أو ما دام لم يجرؤ أحدٌ على محاكمته أثناء حياته لبطشه وقسوته:






فيا رب قابلْه بما يستحقُّه

وأودعْهُ في الأغلال للبعثِ والعرضِ[4]












ولا يكتفي الشّاعر الدَّقيق الملاحظة الفكِهُ بأن يُشيِّع القساة إلى القبو، ويوصي بهم وصاياه الّتي يستحقونها، بل يلاحق كذلك الوزراء السّوقة في حياتهم، فلا يسلم واحدُهم مِن لسانه السّليط، كالوزير "البباري" الّذي انحطّ منصب الوزارة مذ تولاه، فيصفه بأنه أمُّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ويسخر ابن إياس قائلاً: لكن الله وعده بذلك منذ القدم ويقول فيه:






ومِن أعظمِ البلوى كريم أصابَه

قضاءٌ وأضحى تحتَ ذل لئيم[5]












ويتناول ابن إياس بالهجاء سوقيًّا آخر صار مِن جملة رؤساء مصر وكان أصله مِن الصَّليبية وهو: علي ابن أبي الجود الّذي خلع عليه السّلطان قانصوه الغوري سنة (908ه) وقرره في وكالة بيت المال ونظر الأوقاف وديوان الوزارة وديوان الخاص وغير ذلك مِن الوظائف.







وكان أبوه أصله نجار يقال له: المعلم حسن، ثم تعلق على صنعة الحلوى وسمى نفسه أبا الجود[6].







أما النَّظرة السّاخرة إلى وصول هؤلاء إلى كبرى المناصب فمتأتية مِن أصل شاعرنا الأرستقراطي المنتمي إلى الطّبقة الحاكمة والّتي ترى شذوذًا وغرابة وصول هؤلاء إلى الحكم عن غير كفاءة عِرْقية، فهم لا ينتمون إلى المماليك أصحاب النّفوذ والسّلطان، وكذلك عن غير كفاءة سياسيّة أو فنية، فهم مجرّد طفيليات باعت نفسها للسّلطان والشَّيطان معًا[7].







ويرى ابن إياس أنَّ مصيبة كبرى حلت بوصول ابن أبي الجود إلى منصب عال فلا يتركه يهنأ ويسعد، بل هو يذكره بأصله السّوقي، وبأن ما وصل إليه اليوم إنما هو طارئ وجديد وغريب ومُستهجن وغير مقبول:










بالّذي أركبكَ البغلةَ بعد المشيِ حافي

وكسا جسمَك - بعد العري - خزًّا ونصافي




لا يكنْ خلقَك يومًا يا علاء الدّين جافي[8]











ولا يستثني ابن إياس القضاة[9]، فيقول في "مداعبة لطيفة" لابن النّقيب قاضي القضاة إذ يموت في حادث رفسه به فرس فوقع على فخذه فانكسر فحملوه فمات، وكان قد سعى في حياته إلى عزل قضاة كثر ليتولى المنصب بدلاً منهم:







منصب الحكم في القضا قال لما

كشفَ الله ُما به مِن الهموم




زالَ عني ابنُ النَّقيبِ وإني

كنت معه في قبضة التَّرسيم[10]








يتبع







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.53 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.83%)]