عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 05-03-2024, 09:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,968
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأربعــون الوقفيــة




الأربعون الوقفية (20)



جرياً على نهج السلف في جمع نخبة من الأحاديث النبوية التي تخص باب علم مستقلا، وإحياء لسنة الوقف – الصدقة الجارية- فقد جمعت أربعين حديثاً نبوياً في الأعمال الوقفية، ورتبت ما جاء فيها من أحكام وفوائد من كتب السنن وشروحها، وكتب الفقه وأصوله، وأفردت شرحاً متوسطاً لكل حديث، حوى أحكاما وفوائد جمة للواقفين من المتصدقين، وللقائمين على المؤسسات والمشاريع الوقفية، ونظار الوقف، والهيئات والمؤسسات المكلفة برعاية الأصول الوقفية ونمائها. أسأل الله أن يجعل هذا العمل إحياء لسنة الوقف والصدقة الجارية, وينفع به قولاً وعملا, ويكتب لنا أجر ذلك في صحائفنا.
الحديث العشرون :
فضل الوقف في سبيل الله
عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه قال: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لك بها يوم القيامة سبعمئة ناقة كلها مخطومة».
الوقف في سبيل الله من أفضل وجوه الإنفاق، وأعظمها أجراً، وأعمها فائدة، وأدومها نفعاً، وأبقاها أثراً، وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم فضل الإنفاق والتصدق في سبيل الله، وثماره وآثاره، ومضاعفة الأجر لصاحبه.
ففي الحديث أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بناقة فيها خطام، فقال: «هذه في سبيل الله» أي صدقة في سبيل الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :» لك بها، يوم القيامة سبعمئة ناقة كلها مخطومة».
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: معنى «مخطومة» أي: فيها خطام، وهو قريب من الزمام، قيل: يحتمل أن المراد له أجر سبعمائة ناقة، ويحتمل أن يكون على ظاهره، ويكون له في الجنة بها سبعمئة كل واحدة منهن مخطومة يركبهن حيث شاء للتنزه، كما جاء في خيل الجنة ونجبها، وهذا الاحتمال أظهر.
وقد وردت في السنة أحاديث بمضاعفة الحسنة إلى سبعمئة ضعف؛ فعن عياض ابن غطيف قال: دخلنا على أبي عبيدة نعوده من شكوى أصابته – وامرأته تحيفة قاعدة عند رأسه – قلنا: كيف بات أبو عبيدة؟ قالت: والله لقد بات بأجر، قال أبو عبيدة: ما بت بأجر، وكان مقبلا بوجهه على الحائط، فأقبل على القوم بوجهه، وقال: ألا تسألوني عما قلت؟ قالوا: ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فبسبعمائة، ومن أنفق على نفسه وأهله، أو عاد مريضا أو ما زاد أذى، فالحسنة بعشرة أمثالها، والصوم جنة ما لم يخرقها، ومن ابتلاه الله، عز وجل ببلاء في جسده فهو له حطة».
واستدل العلماء من الحديث على أن الناقة من دواب الجنة، ومن وسائل التنقل فيها. وكذلك الخيل لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه ثم طار بك حيث شئت في الجنة». وفي الجنة من الطيور والدواب ما لا يعلمه إلا الله تعالى، قال تعالى فيما يناله أهل الجنة من النعيم: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّما يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ}.
وفي فضل الفرس التي حبست في سبيل الله تعالى، قال القرطبي: «حكي عن عبد الله بن المبارك: خرج إلى غزو فرأى رجلا حزينا قد مات فرسه فبقي محزونا فقال له: بعني إياه بأربعمئة درهم، ففعل الرجل ذلك أي باعه له، فرأى من ليلته في المنام كأن القيامة قد قامت وفرسه في الجنة وخلفه سبعمائة فرس، فأراد أن يأخذه، فنودي أن دعه فإنه لابن المبارك وقد كان لك بالأمس، فلما أصبح جاء إليه وطلب الإقالة فقال له: ولم؟ قال : فقص عليه القصة فقال له: اذهب فما رأيته في المنام رأيناه في اليقظة».
وقد تنوعت عبارات السلف في بيان معنى في سبيل الله ، فقال سعيد بن جبير: «يعني في طاعة الله»، وقال مكحول: «يعني به الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك»، وقال ابن عباس: «الجهاد والحج يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمئة ضعف». وقال بعض أهل العلم بأن «في سبيل الله» تعم جميع الإنفاق في وجوه الخير، ومن أعظمها الجهاد.
وفي وقف الخيل وأشباهه من الحيوانات، يقول ابن قدامة في المغني: «الذي يجوز وقفه هو ما جاز الانتفاع به مع بقاء عينه، وكان أصلاً يبقى بقاء متصلاً، كالعقار، والحيوانات، والسلاح والأثاث، وأشباه ذلك..والفرس الحبيس إذا عطب فلم ينتفع به في الجهاد، جاز بيعه، وصرف ثمنه في مثله، ولم يجز إنفاقها على الفَرَس؛ لأنه صرف لها إلى غير جهتها».
وفي الحديث فوائد: ففيه فضيلة الوقف والإنفاق في سبيل الله، وفيه جواز وقف المنقول كالحيوان وغيره، وفيه الحث والترغيب في الإنفاق في سبيل الله، وفيه أن ثواب الله وفضله أكثر من عمل العامل؛ لأنه لو عُومل العامل بالعدل لكانت الحسنة بمثلها؛ لكن الله يعامله بالفضل، والزيادة؛ فتكون الناقة الواحدة بسبعمائة ناقة؛ بل أزيد؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيم}.
وفيه بيان لفضل الله تعالى على عباده، ومعاملته لعباده بالفضل والزيادة، فأجر الناقة الواحدة التي جعلت في سبيل الله بسبعمائة ناقة يوم القيامة، فللصدقة ثمرات يجنيها المتصدق، في مقدمتها أن الله يضاعف أجرها إلى سبعمئة ضعف يوم القيامة، بل تكون سبباً في دخول الجنة.
وفيه الإشارة إلى الإخلاص لله في العمل، وموافقة الشرع في ذلك؛ وذلك لقول الرجل «في سبيل الله»، وفيه اتساع مجالات الإنفاق في سبيل الله، وتنوع مصارفه، وتعدد أوجه البر والإحسان فيه، مما يجعله من أولى ما يتسابق إليه المحسنون، وأهم ما يتنافس فيه المتنافسون .
والوقف في سبيل الله خيرٌ يقدمه المسلم في حياته لأخراه، قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}، والوقف في سبيل الله يدفع الله عز وجل به عن العبد البلاء، حتى كان بعضُ العلماء يوصي إخوانه إذا أصابتهم الشدائد والملمات، أن يكثروا من الصدقات الجارية حتى يعافيهم الله عز وجل.
وكل صدقة جارية هي في أصلها صدقة، بل من أفضل الصدقات لأن نفعها يدوم ومن ثمراتها: أنها تدخل الجنة من باب الصدقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «ومن كان من أهلِ الصَّدقةِ دُعِي من بابِ الصَّدقةِ». ووجه سؤال للشيخ صالح بن عثيمين- رحمه الله – مفاده: هل أن الصدقة الجارية، أفضل الصدقات؟ فأجاب: «فضلها بسبب دوامهما، لكن قد تعرض بعض الأحوال تجعل غيرها أفضل منها، كوقت المسغبة» .
وكان صلى الله عليه وسلم سباقا إلى الصدقة؛ قال ابن القيم: كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس صدقة بما ملكت يده، وكان لا يستكثر شيئاً أعطاه لله تعالى ولا يستقله، وكان لا يسأله أحد شيئاً عنده إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيرا، وكان عطاؤه عطاء من لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحب شيء إليه، وكان سروره وفرحه بما يعطيه أعظم من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجود الناس بالخير، يمينه كالريح المرسلة».
وعلى هذا النهج القويم سار التابعون ومن بعدهم عبر العصور الإسلامية المتعاقبة فتوسعت الأوقاف، وشملت بنفعها كثيراً من المرافق الخيرية، والاجتماعية، والعلمية، وأسهمت إسهاما كبيراً في خدمة المجتمع الإسلامي، والنهوض برقيه وتقدمه.



اعداد: عيسى القدومي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.47 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]