عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 07-03-2021, 11:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آداب اليمين وأحكامها


الخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:
أيها المسلمون، هناك مسائل مهمة تتعلق باليمين ينبغي أن نعرفها، فمن تلك المسائل:
أولاً: أن يستحسن في اليمين المنعقدة أن يقول الحالف: إن شاء الله عقب يمينه مباشرة؛ حتى لا تلزمه اليمين ولا تجب عليه كفارة إذا حنث. فمن قال: والله إن شاء الله سأفعل كذا - ولم يكن واجبًا عليه - فلم يفعله فلا كفارة عليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه)[27].


ثانيًا: أن الحنث يُشرع في اليمين إذا كان خيراً من المضي في الحلف، فيكون الحنث مستحبًا، بل قد يكون واجبًا كمن حلف على فعل أمر محرم كعقوق والديه أو قطع رحمه. عن أبي موسى الأشعري قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من الأشعريين فوافقته وهو غضبان فاستحملناه، فحلف أن لا يحملنا، ثم قال: (والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها)[28].


ثالثًا: يستحب للمسلم أن يبر يمين أخيه المقسم إذا لم يكن في إبراره معصية لله، أو ضرر على نفسه، فلو قال لك أخوك المسلم: والله إنك ستأخذ كذا، وليس عليك ضرر في ذلك فإنه يستحب لك أن توافقه؛ لأن هذا من حق المسلم على أخيه المسلم، ففي حديث البراء رضي الله عنه في الصحيحين قال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا باتباع الجنائز وعيادة المريض، وإجابة الداعي ونصر المظلوم، وإبرار القسم ورد السلام وتشميت العاطس...). ولولا أنه عليه الصلاة والسلام ذكر في هذه السبع الخصال بعض الأشياء المستحبة باتفاق كإفشاء السلام لكان إبرار المقسم واجبًا.


رابعًا: من حلف على فعل شيء أو تركه فحنث في يمينه مكرَهًا أو ناسيًا أو نائمًا أو فاقداً للوعي؛ فليس عليه كفارة؛ لأنه لا تكليف في تلك الأحوال. قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ والنِّسيانَ، وما استُكْرِهُوا عليهِ)[29].


خامسًا: إن حلف الإنسان محرِّمًا على نفسه شيئًا حلالاً بقصد حث نفسه على الامتناع من ذلك فإن ذلك الشيء لا يصير حرامًا بتحريمه على نفسه، فإذا قال: والله لا آكل هذا الطعام أو لا أشرب هذا الشراب، ثم أكل أو شرب فعليه كفارة يمين ويبقى الطعام حلالاً. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التحريم: 1] ﴿ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [التحريم: 2]. وقد نزلت الآيتان في تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه العسل، في قصة مشهورة[30].


أيها الأحباب الكرام، من المسائل المتعلقة باليمين أيضًا: أنه يُكره كثرة اليمين الصادقة في البيع والشراء، أما اليمين الكاذبة فإنها حرام صراح وهي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم تغمسه في النار إذا مات ولم يتب منها. وقد بُلي بعض الباعة اليوم بكثرة اليمين الصادقة واليمين الكاذبة من أجل ترويج بضاعته وحصوله على ربح أكثر؛ لكن ذلك يعود عليه في عاقبة أمره بالخسارة في دينه وماله، وإن ظن أنه رابح!


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحلف مَنْفَقَةٌ للسلعة مَمْحَقَةٌ للبركة)[31]، وفي رواية: (ممحقة للربح)[32]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم وكثرة الحلف في البيع؛ فإنه يُنفِق ثم يُمحِق)[33].


إن من المسائل الخطيرة في باب اليمين - عباد الله-: تساهلَ بعضِ الناس بالحلف بالطلاق، كأن يقول: عليه الحرام والطلاق، وما أشبهها من العبارات التي يقصد بها الزوج الحث أو المنع أو التصديق، فعلى المسلمين" أن يتجنبوا مثل هذه الكلمات، وأن لا يتساهلوا في إطلاق الطلاق؛ لأن الأمر خطير عظيم، وإذا أرادوا أن يحلفوا فليحلفوا بالله عز وجل أو ليصمتوا، والحلف بالطلاق سواء كان على الزوجة أم على غيرها اختلف في شأنه أهل العلم؛ فأكثرهم يرون أنه طلاق وليس بيمين، وأن الإنسان إذا حنث فيه وقع الطلاق على امرأته، ويرى آخرون أن الحلف بالطلاق إن قصد به اليمين فهو يمين وإن قصد به الطلاق فهو طلاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى)"[34]. وهذا القول هو الراجح[35].


ومن مسائل اليمين بين الزوجين: قول بعض الأزواج: إن زوجته عليه حرام، أو يقول لزوجته: أنت علي حرام، ولم يضفها إلى أمه أو إحدى محارمه؛ مثل: كظهر أمي أو مثل أختي، ونحو ذلك، فإذا قال الزوج: إن زوجته عليه حرام فله أربع حالات: إن نوى بهذه الجملة الظهار فهو ظهار، وإن نوى بها الطلاق فهو طلاق، وإن نوى بها اليمين فهي يمين، وإن لم يحدد في نيته إحدى تلك الأمور فهي يمين.


فاتقوا الله - عباد الله - واعرفوا ما شُرع لكم في الأيمان فافعلوه، وما نُهيتم عنه فتجنبوه، واعلموا أن الخير كل الخير في امتثال أوامر الشريعة، وتجنب مناهيها، فطوبى لمن علمَ فعمل، ولم يتجاوز حدود ما شرع الله ورسوله له.
هذا وصلوا على خير البشر...


[1] ألقيت في مسجد ابن الأمير الصنعاني في 22/ 10/ 1439هـ، 6/ 7/ 2018م.

[2] ينظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 245).

[3] متفق عليه.

[4] متفق عليه.

[5] ينظر: زاد المستقنع (15/ 117).

[6] ينظر: الفقه الإسلامي وأدلته (4/ 10).

[7] تفسير النيسابوري (3/ 205).

[8] تفسير المنار (7/ 34).

[9]متفق عليه.

[10] رواه البخاري.

[11] متفق عليه.

[12] رواه الترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: صحيح على شرطهما.

[13] رواه أحمد وابن حبان وأبو داود، وهو صحيح.

[14] شرح النووي على مسلم (2/ 50).

[15] متفق عليه.

[16] رواه الحاكم وأبو يعلى، وهو صحيح.

[17] فتاوى أركان الإسلام، لابن عثيمين (2/ 121).

[18] الفقه الإسلامي وأدلته (4/ 39)، إكمال المعلم شرح صحيح مسلم (5/ 208)، الفقه على المذاهب الأربعة (2/ 72).

[19] متفق عليه.

[20] شرح صحيح البخاري - لابن بطال (6/ 99).

[21] ينظر: الفقه الإسلامي وأدلته (4/ 11)، الموسوعة الفقهية الكويتية (7/ 246).

[22] رواه الحاكم، وهو صحيح.

[23] رواه البخاري والترمذي والنسائي.

[24] رواه الترمذي، وهو حسن صحيح.

[25] رواه البيهقي، وهو حسن.

[26] ينظر: تفسير أبي السعود (3/ 74)، التفسير الميسر (2/ 263).

[27] رواه الترمذي وابن ماجه، وهو صحيح.

[28] متفق عليه.

[29] رواه ابن ماجه والبيهقي، وهو صحيح.

[30] متفق عليه.

[31] متفق عليه.

[32] رواه مسلم.

[33] متفق عليه.

[34] فتاوى نور على الدرب، ابن عثيمين (11/ 230).

[35] فتاوى نور على الدرب (11/ 443).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.13%)]