عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 15-02-2021, 04:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي الوصايا الذهبية للمشاكل الزوجية

الوصايا الذهبية للمشاكل الزوجية





سيد مبارك






إنَّ الحمد لله نحمده ونستعِينُه، ونستَغفِره ونستَهدِيه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا، ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلواتُ ربي وسلامُه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.

















أمَّا بعد:




يقولون: الوقاية خيرٌ من العلاج، وهذا صحيح.









ومن ثَمَّ فما نطرَحُه هنا من وَصايا ذهبية هو خُلاصة ما لمسناه واستنبَطْناه من مشاكل كثيرةٍ عُرِضتْ علينا، وقدَّمنا فيها النصيحة الطيِّبة لأصحابها؛ فكانتْ لها ثمارٌ إيجابيَّة على المدى القصير والطويل، ولله الحمد والمنَّة.









الوصيَّة الأولي: عدم الإسراف في المال:




لو كتَبْنا هنا عن المشاكل التي تنشَأ ببين الأزواج بسبب المال لاحتَجْنا لكتابٍ منفصل!









المال نعمةٌ كما هو نقمة؛ ولذلك دلَّنا الله - تعالى - على كيفيَّة التصرُّف فيه، وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الإسراف وما في معناه من التبذير والترَف من الأمراض الاجتماعيَّة التي تُهدِّد الحياة الزوجيَّة؛ لأنَّ الترف والبذخ بداية النهاية.









وجاء في "أدب الدنيا والدين" (ص299): واعلَمْ أنَّ السرف والتبذير قد يفترق معناهما؛ فالسرف: هو الجهل بمقادير الحقوق، والتبذير: هو الجهل بمواقع الحقوق.









وكلاهما مذمومٌ، وذمُّ التبذير أعظم؛ لأنَّ المسرف يخطئ في الزيادة، والمبذِّر يخطئ في الجهل، اهـ.









قلت: وسَواء كان سرفًا أو تبذيرًا، فكلاهما ممقوتٌ شرعًا.









ومن صُوَرِ الإسراف من الزوج السرف في شرب وتَعاطِي الدخان وما يجري مجراه، وكان أولى بهذا المال أنْ يُكرِم به زوجته وأولاده!









ألم يقل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دِينارٌ أنفَقتَه في سبيل الله، ودِينارٌ أنفَقتَه في رقبةٍ، ودِينارٌ تصدَّقت به على مسكين، ودِينارٌ أنفَقتَه على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفَقتَه على أهلك))؛ رواه مسلم.









ثم إنَّ التدخين من المحرَّمات والخبائث؛ قال - تعالى -: ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 100].









وهو أولاً: تبذيرٌ للمال من غير طائل، وثانيًا: ضرره على الصحَّة والبدن مدمِّر على المدى القصير والطويل، فهو يُشبِه الانتحار البطيء.









نعم؛ فهو - أي: التدخين - يتسبَّب في تسوُّس الأسنان، واصفرارها، واسودادها، ويتسبَّب في التهاب اللثَةِ، وتقرُّحات الفمِ واللسانِ، والربو، وضيق النَّفَس، والسُّعال، والبصاق، وضَعْف كَفاءةِ الرئة، وسُوء الهضم، وتليُّف الكَبِد، والسكتة الدماغيَّة، والذبحة الصدريَّة، وإصابة شرايينِ المخِّ بالتصلُّب، ويُسبِّب الغثيان، والإمساكَ المزمنَ، والصُّداعَ، والأرقَ، والفشلَ الكُلويَّ، وضَعْفَ السمعِ، وفُقدانَ حاسَّةِ الشم أو إضعافَها، وضعفَ الجهاز المناعي... إلخ.









وهذه الأمراض يحتاجُ الزوج للعلاج ممَّا قد يصيبه منها لكثيرٍ من المال، ولا ريب أنَّ مثل هذا الإسراف والتبذير من الرجل أو المرأة التي ربما تُدخِّن هي أيضًا!









ضرره في الدِّين والدنيا لا يُجادِل فيه إلا جاحدٌ فاسد القلب والعقل، وهو مصيبةٌ مُتعدِّدة النواحي والمصايب، وحسبنا الله ونعم الوكيل!









وما يُقال عن الإسراف في التدخين يُقال مثلُه عن الإسراف في الطعام والشراب وشراء الملابس... وهَلُمَّ جَرًّا.









الوصية الثانية: الرضا والقناعة:




القناعة والرضا أفضل علاج للإسراف والتبذير الذي ذكرناه أنفًا، ولكنَّ الصبر عليهما من الزوجين يحتاجُ لمشقَّة وجهد، ومَن يلتزم منهما بذلك فهو دليلٌ على حبِّه ومُراقبته لله - تعالى - وابتغاء مرضاته، والتزامه بالمنهج الشرعي الذي يأمُره بالزهد والتقشُّف، ولا يُحرِّم عليه التمتُّع بالطيِّبات من الرزق، ما دام لا يخرج به عن حدِّ الاعتدال غير المرغوب فيه.









كما قال - تعالى -: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].









قال ابن كثيرٍ في تفسيره: "أي: استعمل ما وهبَكَ الله من هذا المال الجزيل والنِّعمة الطائلة، في طاعة ربِّك والتقرُّب إليه بأنواع القُربات، التي يحصل لك بها الثواب في الدار الآخِرة، ﴿ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾؛ أي: ممَّا أباح الله فيها من المآكِل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح؛ فإنَّ لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، ولزوجك عليك حقًّا، فآتِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه"؛ انظر: تفسير ابن كثير (6/253).









وقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قد أفلَحَ مَن أسلَمَ، ورُزِق كفافًا، وقنَّعَه الله بما آتاه))؛ انظر: السلسلة الصحيحة؛ للألباني (1/129).









ولا ريب من واقع ما سمعتُ من الناس أنَّ أهمَّ الأسباب المؤدِّية للهموم والغموم التي تُصِيب كثيرًا من بيوت المسلمين هو عدمُ القناعة بما أعطاهم الله، والتفاخُر بينهم في الإنفاق بسَفهٍ؛ بغرَض التنافُس الممقوت والإسراف في المظاهر، واللجوء إلى الاستِدانة رغم قلَّة الإمكانيَّات الماليَّة عند البعض منهم؛ ممَّا يُؤدِّي إلى تَراكُم الديون التي تُثقِل كاهلهم، وتفسد أخلاقهم، وتدفَعهم إلى طريق الحرام دفعًا، أو على الأقلِّ التقصير في حقِّ الله - تعالى - ومعصيته، وكفى بهذا جهلاً وسفهًا.









ولو تأمَّلنا الواقع على مستوى الإنفاق المذموم لأفراد الأسرة متوسِّطة الدخل لتعجَّبْنا من كثْرة الاحتِفالات والولائم؛ سَواء في إقامة حَفلات الزواج لأبنائها في النوادي، أو احتفالاً بأعياد الميلاد، أو ما أشبه ذلك، وكلُّ ذلك يحتاجُ لِمَبالغ طائلة من أجل مَظاهر كاذبة ليستْ من الدِّين في شيءٍ.









الوصية الثالثة: مراقبة الله - تعالى:




يُخطِئ كلٌّ من الزوج وزوجه إنْ ظنَّ أحدهما قُدرته على خِداع الطرف الآخَر، لسببٍ من الأسباب التي تدفعه إلى ذلك؛ لأنَّه دومًا ما ينكشف الأمر ولو بعدَ حين، وهنا يترتَّب على آثار هذا الانكشافِ حاجزٌ نفسي يَصعُب هدمُه على المدى الطويل.









ومن ثَمَّ كانتْ هذه الوصيَّة بِمُراقبة الله لكلٍّ من الزوج وزوجِه أمرًا في غاية الأهميَّة، وإهمالها سيُؤدِّي قطعًا لمشاكل جمَّة.









وكثيرٌ منها - أي: المشاكل التي تنشَأ من انعِدام الثقة بالطرَف الآخَر - سببها عدم الخوف من الله ومُراقبته.









قال - تعالى -: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19].









قال ابن كثيرٍ في تفسيره 4/ 96: "قوله - تعالى -: ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ [غافر: 19]، يُخبِر - عزَّ وجلَّ - عن علمه التامِّ المحيط بجميع الأشياء؛ جليلها وحقيرها، صغيرها وكبيرها، دقيقها ولطيفها؛ ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله - تعالى - حقَّ الحياء، ويتَّقوه حقَّ تَقواه، ويُراقِبوه مراقبةَ مَن يعلم أنَّه يَراه، فإنَّه - عزَّ وجلَّ - يعلَم العين الخائنة وإنْ أبدتْ أمانة، ويعلم ما تنطَوِي عليه خَبايا الصدور من الضمائر والسرائر"، اهـ.









وفي السنَّة الحثُّ على مُراقبة الله؛ ففيما أخرجه مسلمٌ من حديث جبريل - عليه السلام - عن عمر بن الخطاب - رضِي الله عنه - قال: يا محمد، فأخبرني عن الإحسان، قال: ((أنْ تعبُد الله كأنَّك تراه، فإنْ لم تكن تراه فإنَّه يَراك)).









قال ابن القيِّم في مدارج السالكين (2/65) بتصرف: المراقبة دَوام عِلم العبد وتيقُّنه باطِّلاع الحقِّ - سبحانه وتعالى - على ظاهره وباطنه، فاستِدامته لهذا العلم واليقين هي المراقبة، وهي ثمرة عِلمه بأنَّ الله - سبحانه - رقيبٌ عليه، ناظرٌ إليه، سامعٌ لقوله، وهو مطَّلِعٌ على عمله كلَّ وقت وكلَّ لحظة، وكلَّ نفَس وكلَّ طرفة عين، والغافل عن هذا بمعزِلٍ عن حال أهل البِدايات، فكيف بحال المُرِيدين؟ فكيف بحال العارفين؟









وقيل: مَن راقَبَ الله في خواطره، عصَمَه في حركات جوارحه.









وقال ذو النون: علامة المراقبة إيثارُ ما أنزل الله، وتعظيم ما عظَّم الله، وتصغير ما صغَّر الله، اهـ.









ومن ثَمَّ ينبغي على الزوج وزوجه عدمُ خِداع كلٍّ منهما الآخَر؛ لأنَّ انعِدام الثقة بينهما سيترتَّب عليه هدْم عشِّ الزوجية.









الوصيَّة الرابعة: عدم التمادي في الغيرة وإظهارها:




الغيرة المعتدلة لكلٍّ من الزوجين بعضهما على بعض بلا إفراط أو تفريط أمرٌ محمود في الإسلام؛ ودليل ذلك قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله يَغار، وإنَّ المؤمن يَغار، وغيرة الله أنْ يأتي المؤمن ما حرم عليه))؛ أخرجه البخاري في النكاح ح/5223.









وعن أنسٍ قال: "كان النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمَّهات المؤمنين بصحفةٍ فيها طعامٌ، فضربت التي النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في بيتها يدَ الخادم؛ فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: ((غارت أمُّكم))، ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفةٍ من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كُسِرت صَحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت"؛ أخرجه البخاري في النكاح ح/5225.









قال الحافظ بن حجر في شرح الحديث ما خُلاصته:




قوله ((غارت أمكم)) الخطاب لِمَن حضر، والمراد بالأم هي التي كسرت الصحفة، وهي من أمَّهات المؤمنين... ثم قال: وعلى هذا حمَلَه جميع من شرح هذا الحديث، وقالوا: فيه إشارةٌ إلى عدم مُؤاخَذة الغَيْراء بما يصدُر منها؛ لأنها في تلك الحالة يكون عقلها محجوبًا بشدَّة الغضب الذي أثارَتْه الغيرة، اهـ.









وقال العلامة ابن القيِّم - رحمه الله - في الفوائد (1/141): ... والغيرة لها حدٌّ إذا جاوزَتْه صارت تهمة وظنًّا سيئًا بالبريء، وإن قصرت عنه كانت تغافُلاً ومبادئ دِياثة، وللتواضُع حدٌّ إذا جاوَزَه كان ذلاًّ ومَهانة، ومَن قصر عنه انحرَفَ إلى الكبر والفخر، وللعزِّ حدٌّ إذا جاوَزَه كان كبرًا وخلقًا مذمومًا، وإنْ قصر عنه انحرف إلى الذل والمهانة.









وضابط هذا كله العدل؛ وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط، وعليه بناء مصالح الدنيا والآخٍرة، اهـ.









ومن ثَمَّ يجب أنْ يدرك كلٌّ من الزوجين أنَّ الغيرة المعتدلة المحمودة مطلوبةٌ؛ لأنها دليل المحبة، ولو كان فيها نوع من التصرُّف المرفوض فهو مَعفِيٌّ عنه؛ لعدم القصد في الأذى، ولكن إنْ خرجت عن حدِّ الاعتدال إلى التشكيك والاتهام، وربما التجسُّس على الطرف الآخَر فهي غيرة مذمومة ومرفوضة؛ لأنها تُعكِّر صفوَ الحياة الزوجية حتمًا.
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.67 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.04 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.51%)]