عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-07-2019, 05:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي الطلاق وأحكامه في الإسلام

الطلاق وأحكامه في الإسلام



الشيخ صلاح نجيب الدق


الحمد لله الذي نزَّل الفرقان على عبده؛ ليكون للعالمين نذيرًا، الذي له ملك السماوات والأرض، ولم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء، فقدَّره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
أما بعد:
فإن الطلاق من الأمور المهمة في الشريعة الإسلامية المباركة، وله أحكام فقهية، يجب على طلاب العلم معرفتها، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
معنى الطلاق:
الطلاق في اللغة:
هو: حل الوثاق، وهو مشتق من الإطلاق؛ وهو الإرسال والترك، فيُقال: أطلقت الأسير: إذا حللت قيده وأرسلته، ويُقال: فلان طلق اليد بالخير؛ أي: كثير البذل والعطاء، ويُقال: طلق البلاد إذا تركها، ويُقال للإنسان إذا عتق طليق؛ أي: صار حرًّا؛ (لسان العرب لابن منظور جـ4 صـ2693).


الطلاق في الشرع:
حل رابطة الزواج، وإنهاء العلاقة الزوجية.
جاء لفظ الطلاق بمشتقاته المختلفة في القرآن الكريم أربع عشرة مرة؛ (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن، صـ427: صـ428).


مشروعية الطلاق:
الطلاق مشروع في الإسلام بالكتاب والسنة والإجماع؛ أما القرآن فيقول الله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة: 229]، وقال سبحانه أيضًا: ﴿ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة: 236]، وقال جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق: 1].


وأما الدليل من السنة:
روى الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنه طلَّق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمرُ بن الخطاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مُرْهُ فليُراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلَّق قبل أن يمس، فتلك العِدَّة التي أمر الله أن تُطلَّق لها النساء))؛ (البخاري، حديث 5251، مسلم، حديث1471).


وأما الإجماع: فقد أجمع المسلمون قاطبةً على جواز الطلاق.


الحكمة من مشروعية الطلاق:
قال الإمام ابن قدامة (رحمه الله): والعبرة دالة على جواز الطلاق، فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدةً محضةً، وضررًا مجردًا بإلزام الزوج النفقة والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شَرْع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه؛ (المغني؛ لابن قدامة، جـ10، صـ323).


أركان الطلاق:
إن للطلاق أربعة أركان، وهي كما يلي:
(1) الزوج: فلا يقع طلاق الرجل الأجنبي الذي لا يملك عقدة النكاح، فلو قال رجل: إن فلانة طالق إنْ تزوجتُها، ثم تزوجها بعد ذلك، فلا يقع طلاقُه الذي قاله قبل العقد عليها.


(2) الزوجة: لا يقع طلاق الرجل على المرأة الأجنبية التي لا يعقد عليها وكذلك المرأة الموطوءة بملك اليمين، فلو طلق الرجل جاريته لا يقع طلاقُه؛ لأنها ليست زوجة.


(3) صيغة الطلاق: وهي اللفظ الدال على حل عقدة النكاح صريحًا كان أو كناية.


(4) القصد: بأن يقصد النطق بلفظ الطلاق، فإذا أراد رجل أن يُنادي زوجته باسمها طاهرة، فقال لها خطأً: طالقة، فإن طلاقه لا يقع؛ (الفقه على المذاهب الأربعة، جـ3، صـ276).


طلاق السنة وطلاق البدعة:
يجب على المسلم أن يعرف الفرق بين طلاق السنة وطلاق البدعة:
طلاق السنة:
هو أن يطلق الرجل امرأته في طُهْر لم يمسَّها فيه، فإذا أراد المسلم أن يُطلِّق امرأته لضرر لحق بأحدهما، وكان لا يُدفَع إلا بالطلاق، انتظرها حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت لم يمسَّها، ثم يطلقها طلقة واحدة، كأن يقول مثلًا: إنك طالق، وذلك لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق: 1].


طلاق البدعة:
هو أن يطلق الرجل امرأته وهي حائض أو نُفَساء أو يُطلِّقها في طُهْر قد مسَّها فيه، أو يُطلِّقها ثلاثًا في كلمة واحدة، أو ثلاث كلمات في الحال؛ كأن يقول لزوجته: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.
ذهب جمهور العلماء إلى وقوع الطلاق البدعي ويأثم صاحبُه؛ (المغني؛ لابن قدامة، جـ10، صـ327).


حكم الطلاق:
يختلف حكم الطلاق بتغيُّر أحواله، وذلك كما يلي:
(1) الطلاق الواجب: مثل طلاق الحكَمَينِ في الشقاق بين الزوجين إذا رأيا ذلك، ومثل طلاق المولي بعد التربُّص أربعة أشهر إذا رفض أن يأتي زوجته.


(2) الطلاق الحرام: هو طلاق المرأة أثناء فترة الحيض أو في طهر أتى الرجل فيه زوجته.


(3) الطلاق المكروه: هو طلاق من غير سبب.


(4) الطلاق المندوب (المستحب): مثل أن تكون الزوجة بذيئة اللسان، ويخاف منها الوقوع في الحرام لو استمرت عنده.


(5) الطلاق المباح (الجائز): مثل الزوج الذي لا يريد زوجته، ولا تطيب نفسُه أن يتحمَّل نفقاتها من غير حصول غرض الاستمتاع بها؛ (المغني؛ لابن قدامة، جـ10، صـ323) (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ9، صـ258).


تحريم طلب الطلاق بدون عذر شرعي:
يحرم على المرأة أن تطلب الطلاق من زوجها بدون عذر شرعي؛ روى أبو داود عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا في غير ما بأس، فحرامٌ عليها رائحة الجنة))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود؛ للألباني، حديث 1947).


ألفاظ الطلاق:
تنقسم ألفاظ الطلاق إلى قسمين: صريحة أو كناية.
ألفاظ الطلاق الصريحة:
لفظ الطلاق الصريح هو اللفظ الذي يفهم من معنى الكلام عند النطق به، ولا يحتمل غير الطلاق، وذلك مثل: أنت طالق، طلقتك، أنت مطلقة، وكل ما اشتُقَّ من لفظ الطلاق، وهذا يقع به الطلاق عند كثير من العلماء؛ وذلك لما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة))؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود؛ للألباني، حديث 1920).


كنايات الطلاق:
وهي الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره؛ مثل: الحقي بأهلك، اخرجي من الدار، أمرك بيدك، أنت حرة، سرحتك، فارقتك، اذهبي فتزوجي، حبلك على غاربك، أنت خلية (أي: خليتك من ذمتي وعقد زواجي) أنت برية (أي: بريئة من ذمتي وعقد زواجي) أنت على حرج (أي: ممنوعة مني)، فهذه الألفاظ وما شابهها لا يقع بها الطلاق إلا بالنية، فإن نوى الزوج الطلاق وقع طلاقًا، وإن لم يَنْوِ الطلاق، فإنه لا يقع، وهذا ظاهر اختيار الإمام البخاري؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ9 صـ282).


قال الشيخ: عمرو عبدالمنعم سليم (رحمه الله): والعبرة في ذلك بعرف الزمان والمكان، فقد تكون بعض الكنايات من الألفاظ الصريحة التي يُراد بها الطلاق عند البعض، من أهل زمان أو مكان معين، غير صريحة عند غيرهم؛ (الجامع في أحكام الطلاق؛ لعمرو عبدالمنعم سليم، صـ50).


روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودنا منها، قالت: أعوذ بالله منك، فقال لها: ((لقد عُذْتِ بعظيم، الحقي بأهلك))؛ (البخاري، حديث 5254).


روى الشيخان عن كعب بن مالك "حين هجره النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه؛ لتخلُّفهم عن الخروج معه إلى غزوة تبوك"، قال: حتى إذا مضت أربعون ليلةً من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا؛ بل اعتزلها، ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر؛ (البخاري، حديث 4418/ مسلم حديث 2769).


بالنظر إلى الحديثين السابقين نجد لفظة: "الحقي بأهلك" في الحديث الأول قد نوى بها النبي صلى الله عليه وسلم الطلاق فكانت طلاقًا، وأما "الحقي بأهلك" في الحديث الثاني؛ وهو حديث كعب بن مالك، حين قال لامرأته: "الحقي بأهلك" فلم يقصد طلاقًا؛ ولذا لم يعد عليه هذا طلاقًا.


روى عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في رجل قال لامرأته: أنت حرة، قال: إن نوى طلاقًا، فهو طلاق؛ (إسناده صحيح) (مصنف عبدالرزاق، جـ6، رقم 11199).


ما عليه العمل الآن في المحاكم المصرية:
جاء في القانون 25 لسنة 1929 في المادة الرابعة منه: كنايات الطلاق وهي ما تحتمل الطلاق وغيره، لا يقع بها الطلاق إلا بالنية؛ (فتاوى دار الإفتاء المصرية، جـ6، صـ2044: صـ2045).


أنواع الطلاق:
الطلاق نوعان: رجعي وبائن.
أولًا: الطلاق الرجعي:
هو الطلاق الذي يملك فيه الرجل حق إرجاع زوجته إليه، ولو بغير رضاها، وإذا مات أحدهما في العدة ورثه الآخر.


ثانيًا: الطلاق البائن:
البينونة: هي الفرقة.
والطلاق البائن: هو الطلاق الذي لا يملك الرجل حق إرجاع مطلقته إليه، وينقسم إلى نوعين:
الأول: الطلاق البائن بينونة صغرى: وهو الطلاق الذي لا يملك فيه الرجل إرجاع مطلقته إليه إلا بعقد ومهر جديدين.


الثاني: الطلاق البائن بينونة كبرى: وهو الطلاق الذي لا يملك فيه الرجل إرجاع مطلقته إليه إلا بعد زواجها من رجل آخر، بنية الزواج المؤبَّد ودخوله بها دخولًا حقيقيًّا، ثم مفارقته لها بموت أو طلاق، فإذا انتهت عدتها تزوَّجها زوجُها الأول بعقد ومهر جديدين؛ (فتاوى ابن تيمية، جـ32، صـ313: صـ314).


طلاق الزوجة غير المدخول بها:
الزوجة غير المدخول بها إذا طلقها زوجها طلقة واحدة، فإنها تبين منه بينونة صغرى، بمعنى أنها لا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين، وليس لها عدة؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب: 49].


طلاق الهازل:
ذهب جمهور العلماء إلى أن طلاق الهازل يقع؛ (المغني؛ لابن قدامة، جـ10، صـ372: صـ373).
روى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق والرجعة))؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود؛ للألباني، حديث 1920).


قال الإمام الخطابي (رحمه الله): اتفق عامة أهل العلم على أن صريح لفظ الطلاق إذا جرى على لسان الإنسان البالغ العاقل، فإنه مؤاخذ به، ولا ينفعه أن يقول: كنت لاعبًا، أو هازلًا، أو لم أنْوِ به طلاقًا، أو ما أشبه ذلك من الأمور، واحتجَّ بعض العلماء في ذلك بقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة: 231]، وقال: لو أطلق للناس ذلك، لتعطَّلت الأحكام ولم يشأ مطلق أو ناكح أو معتق أن يقول: كنت في قولي هازلًا، فيكون في ذلك إبطال أحكام الله تعالى، وذلك غير جائز، فكل من تكلم بشيء مما جاء ذكره في هذا الحديث، لزمه ولم يقبل منه أن يدعي خلافه، وذلك تأكيدًا لأمر الفروج واحتياطًا له؛ (معالم السنن؛ للخطابي، جـ3، كتاب: الطلاق، صـ210).
وقد رجح ذلك الرأي أيضًا: ابن القيم الجوزية؛ (زاد المعاد؛ لابن القيم، جـ5، صـ239).


والشوكاني في كتابه "نيل الأوطار" حيث قال: والحديث يدل على أن من تلفظ هازلًا بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق كما في الأحاديث التي ذكرناها، وقَعَ منه ذلك؛ (نيل الأوطار، جـ7، صـ20).


من نوى الطلاق ولم يتكلم به:
ذهب جمهور العلماء أن من نوى أن يطلق زوجته؛ ولكنه لم يتلفظ به فإن الطلاق لا يقع؛ (المغني؛ لابن قدامة، جـ8، صـ263)، (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ9، صـ306).


روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تجاوز عن أُمَّتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم))؛ (البخاري، حديث 5270).


روى عبدالرزاق عن معمر عن الحسن وقتادة قالا: من طلق امرأته في نفسه، فليس طلاقه ذلك بشيء؛ (إسناده صحيح)، (مصنف عبدالرزاق، جـ6، صـ412، رقم 11431).


روى عبدالرزاق عن معمر سأل رجل الحسن، فقال: طلقت امرأتي في نفسي، فقال: أخرج من فيك شيء؟ قال: لا، قال: فليس بشيء؛ (إسناده صحيح) (مصنف عبدالرزاق، جـ6، صـ412، رقم 11432).

يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.97 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.81%)]