الموضوع: هل لديك حلم؟!
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 12-06-2020, 04:35 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,300
الدولة : Egypt
افتراضي رد: هل لديك حلم؟!

هل لديك حلم؟! (3)



أحلام الكبار (1)


كتبه/ عصمت السنهوري


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فتظل الحاجة إلى القدوة كبيرة وملحة، ويشتاق الناس إلى التجربة العملية التطبيقية أشد من اشتياقهم للكلمة حتى وإن كانت تطرب القلب وتلهب المشاعر، قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (يوسف:111)، وقال -تعالى-: (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (الأعراف:176).

إن الاطلاع على أحلام الكبار، وكيف بذلوا في تحقيقها؛ لهو مِن أعظم عوامل استثارة الهمم نحو اكتشاف أحلام اصحابها، فقصصهم يجعل أحلام الناس عالية فلا يرضون بالدون فيها.

قصصهم تحرك المياه في مشاعر اصحاب الأحلام، فتروى من حين إلى آخر فتنبت بإذن ربها.

ومن أعظم اصحاب المشاريع الكبار: الخليل إبراهيم -عليه السلام-، الذي كان يعيش حلم ألا يمر في الأرض مرور العابرين، بل قرر أن يعيش فيها حياتين: الحياة الأولى تلك التي يخوضها بجسده، والاخرى تلك التي يثيرها بحلمه، وهو تخليد ذكره وبقاء أثره وامتداد حياته من خلال مشروع: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) (الشعراء:84).

وجاء نبي الله -سليمان عليه السلام- ليضرب على كثيرٍ مِن الأماني والأشواق، ويتوق لحلم لم يتكرر ولم يحدث في الأرض بعد، (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (ص:35)؛ فهكذا الكبار لا يحد أحلامهم شيء، وإذا فقه الداعي معنى: (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) كان مِن حقه أن يسبح في احلامه كيف شاء!

وفي صفوف الكبار: عباد الرحمن الذين لم يكن حلمهم تحقيق التقوى التي ربما هي أقصى أحلام البعض منا، بل هم اصحاب همم عالية، واحلام كبيره تسعى لتحقيق إمامة المتقين من خلال حلم: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان:74).

وكان أبو بكر -رضي الله عنه- يضرب في كل أبواب الخير أسهمًا ليس لينال السبق في الأمة والخيرية فحسب، بل لتحقيق حلم أكبر، وهو ولوج الجنة من أبوابها الثمانية.

وأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، وابن حنبل، الأئمة الكبار رواد المشاريع، وصانعو التاريخ، وأصحاب المذاهب المشهورة التي ما زالت الأمة تتعلم منهم، وتهتدي للحق من خلال مشاريعهم، وتمضي في الطريق إلى ربها من خلال التففه على مذاهبهم.

إن كتاب الرسالة للإمام لشافعي لهو مِن أعظم المشاريع التي قُدمت للأمة عبر تاريخها، ظهرت فيه عبقريته وهو يؤسس لعلمٍ جديدٍ من المتعارف عليه أن يعتريه نقص، ويحتاج إلى تنقيح، لكن براعة الشافعي في رسالته جعل كل مَن بعدها عالة عليها! فما أحوج الأمة لعقول كالشافعي -رحمه الله-.

ولم يكن مشروع البخاري الذي تراه الأمة اليوم بهذا الحجم وليد لحظات باردة، بل كان نتاج حلم استنهض همته، وهو في سن العاشرة، وبذل فيه ما يزيد علي خمسين عامًا من عمره حتى اعترف له أصحاب الشأن ورفقاء الدرب بلقب أمير المؤمنين في الحديث حتى قال ابن خزيمة واصفًا صاحب المشروع: "ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل".

وقال أبو جعفر: سمعت يحيى بن جعفر يقول: "لو قدر لي أن أزيد في عمر البخاري من عمري لفعلت، فإن موتي موت رجل واحد، وموته ذهاب العلم!".

فما أعظم أصحاب الأحلام الكبيرة والمشاريع العظام!


وودع البخاري الدنيا وترك لنا صحيحه علامة شاهده على مشروعه وأثره، ويكفيه شرفًا وقدرًا أن أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الأمة ناطقًا في كل لحظة إلى أن يشاء الله.


وللحديث بقية -بإذن الله-.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.66 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.60%)]