عرض مشاركة واحدة
  #76  
قديم 20-11-2022, 01:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,464
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (76)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة أيوب -عليه السلام - حكم تأديب الزوج


قال الله -تعالى-: {وَخُـذْ بِيَدِكَ ضِغْـثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(سورة ص:44)، قال ابن كثير: «يُذكِّر -تعالى- عبده ورسوله أيوب -عليه السلام-، وما كان ابتلاه -تعالى- به من الضر في جسده وماله وولده، حتى لم يبق من جسده مغرز إبرة سليما سوى قلبه، ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه، غير أن زوجته حفظت وده لإيمانها بالله ورسوله، فكانت تخدم الناس بالأجرة وتطعمه وتخدمه نحوا من ثماني عشرة سنة».

قال ابن كثير مبينا سبب هذا التوجيه الإلهي لأيوب -عليه السلام-: «وَذَلِكَ أَنَّ أَيُّوب -عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام- كَانَ قَدْ غَضِبَ عَلَى زَوْجَته وَوَجَدَ عَلَيْهَا فِي أَمْر فَعَلَتْهُ، قِيلَ: بَاعَتْ ضَفِيرَتهَا بِخُبْزٍ فَأَطْعَمَتْهُ إِيَّاهُ فَلَامَهَا عَلَى ذَلِكَ وَحَلَفَ إِنْ شَفَاهُ اللَّه -تعالى- لَيَضْرِبَنهَا مِائَة جَلْدَة، وَقِيلَ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَاب، فَلَمَّا شَفَاهُ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- وَعَافَاهُ مَا كَانَ جَزَاؤُهَا مَعَ هَذِهِ الْخِدْمَة التَّامَّة وَالرَّحْمَة وَالشَّفَقَة وَالْإِحْسَان أَنْ تُقَابَلَ بِالضَّرْبِ، فَأَفْتَاهُ اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَأْخُذَ ضِغْثًا وَهُوَ الشِّمْرَاخ فِيهِ مِائَة قَضِيب فَيَضْرِبهَا بِهِ ضَرْبَة وَاحِدَة وَقَدْ بَرَّتْ يَمِينه، وَخَرَجَ مِنْ حِنْثه وَوَفَّى بِنَذْرِهِ، وَهَذَا مِنْ الْفَرَج وَالْمَخْرَج لِمَنْ اِتَّقَى اللَّه -تعالى- وَأَنَابَ إِلَيْهِ».
حكم ضرب الزوج لزوجته
فمعنى قوله -تعالى-: {ضِغْـثًا}: قال اِبْن عَبَّاس: حُزْمَة. وعَنْه قَال: أُمِرَ أَنْ يَأْخُذ ضِغْثًا مِنْ رُطَبَة بِقَدْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَيَضْرِب بِهِ، وقَالَ عَطَاء: عِيدَانًا رُطَبَة، وقد تضمنت الآية الكريمة مسألة فقهية هي (حكم ضرب الزوج لزوجته): قال القرطبي: «تضمنت هذه الآية جواز ضرب الرجل امرأته تأديبا؛ وذلك لأن امرأة أيوب -عليه السلام- أخطأت فحلف ليضربنها مائة».
أساس العلاقة الزوجية
قال الجصاص: «في هذه الآية دلالة على أن للزوج أن يضرب امرأته تأديبا، لولا ذلك لم يكن لأيوب ليحلف عليها ويضربها، ولما أمره الله -تعالى- بضربها بعد حلفه»، ومعلوم أن العلاقة الزوجية تقوم على المودة والرحمة والمحبة والاحترام، وقيام كل طرف بواجباته قبل المطالبة بحقوقه كما قال -تعالى-: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (الروم: 21).
اتَّقوا اللهَ في النساءِ
وعن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حجة الوداع موصيا بالنساء خيرا: «اتَّقوا اللهَ في النساءِ؛ فإنَّكم أخذتُموهنَّ بأمانةِ الله، واستحلَلْتُم فروجَهنَّ بكلمةِ الله، وإنَّ لكم عليهنَّ ألَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أحًدا تكرهونَه، فإنْ فعَلْنَ ذلك فاضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مُبَرِّحٍ، ولهنَّ عليكم رِزقُهنَّ وكِسوتُهنَّ بالمعروفِ» أخرجه مسلم.
حقوق الزوجة المادية والمعنوية
وأرشد - صلى الله عليه وسلم - إلى حقوق الزوجة المادية والمعنوية في النفقة الزوجية بالمعروف، وترك الإيذاء النفسي بالضرب والتقبيح، فلما سئل: يا رسولَ اللَّهِ نساؤنا ما نأتي منْهنَّ وما نذرُ؟ قالَ: «ائتِ حرثَكَ أنَّى شئتَ، وأطعِمْها إذا طعِمتَ، واكسُها إذا اكتسيتَ، ولا تقبِّحِ الوجْهَ ولا تضرِبْ». أخرجه أبو داود وصححه الألباني، وقال -تعالى- مبينا حق الزوج على زوجته بالقوامة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم} ثم أثنى -سبحانه- على الزوجات الصالحات بأنهن مطيعات لأزواجهن بالمعروف فقال -سبحانه-: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (النساء:34)، قال ابن عباس: (قانتات): مطيعات لأزواجهن، و(حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ) قال السدي وغيره: أي: تحفظ زوجها في غيبته في نفسها، وماله.
وعن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت» أخرجه ابن حبان وصححه الألباني. والأدلة كثيرة في بيان حقوق الزوجين وواجباتهما.
سبل علاج سوء خلق الزوجة
وبيّن القرآن الكريم أن بعض المؤمنات قد تتعالى على زوجها وتسوء أخلاقها معه فأرشد إلى سبل العلاج في قوله -تعالى-: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء:34)، قال ابن عباس: «تلك المرأة تنشز وتستخف بحق زوجها ولا تطيع أمره».
وقد اتفق الفقهاء على أن للزوج تأديب زوجته إذا نشزت، وهذا التأديب على الترتيب كما قال القرطبي: «أَمَرَ اللَّه أَنْ يَبْدَأ النِّسَاء بِالْمَوْعِظَةِ أَوَّلًا ثُمَّ بِالْهِجْرَانِ، فَإِنْ لَمْ يَنْجَعَا فَالضَّرْب، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُصْلِحُهَا لَهُ وَيَحْمِلهَا عَلَى تَوْفِيَة حَقّه».
قال ابن عباس مبينا الخطوة الأولى: «عظوهن بكتاب الله. قال: أمره الله إذا نشزت أن يعظها ويذكرها الله ويعظم حقه عليها».
وقال عن الخطوة الثانية إذا لم تنفع الأولى: «الهجران أن يكون الرجل وامرأته على فراش واحد لا يجامعها».
وقال عن الخطوة الثالثة: «تهجرها في المضجع فإن أقبلت وإلا فقد أذن الله لك أن تضربها ضربا غير مبرح، ولا تكسر لها عظما».
تجنب الضرب أفضل
ومع أن الضرب وسيلة علاجية مشروعة إلا أن تجنبه أفضل قدر الإمكان، قال الشافعي: «الضرب مباح وتركه أفضل» قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَضْرِبُوا إِمَاء اللَّه» فَجَاءَ عُمَر إِلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: ذَئِرَتْ النِّسَاء عَلَى أَزْوَاجهنَّ فَرَخَّصَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فِي ضَرْبهنَّ فَأَطَافَ بِآلِ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - نِسَاء كَثِير يَشْتَكِينَ أَزْوَاجهنَّ فَقَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ أَطَافَ بِآلِ مُحَمَّد نِسَاء كَثِير يَشْتَكِينَ مِنْ أَزْوَاجهنَّ لَيْسَ أُولَئِكَ بِخِيَارِكُمْ». أخرجه أَبُو دَاوُد وحسنه الألباني.
الضرب مقيد كما وكيفًا
وقد ذكر الفقهاء أن هذا الضرب مقيد من حيث الكيفية والكمية:
قال القرطبي: «فَالضَّرْب فِي هَذِهِ الْآيَة هُوَ ضَرْب الْأَدَب غَيْر الْمُبَرِّح، وَهُوَ الَّذِي لَا يَكْسِر عَظْمًا، وَلَا يَشِين جَارِحَة كَاللَّكْزَةِ وَنَحْوهَا؛ فَإِنَّ الْمَقْصُود مِنْهُ الصَّلَاح لَا غَيْر، فَلَا جَرَمَ إِذَا أَدَّى إِلَى الْهَلَاك وَجَبَ الضَّمَان، كما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْر مُبَرِّح»، قَالَ عَطَاء: قُلْت لِابْنِ عَبَّاس: مَا الضَّرْب غَيْر الْمُبَرِّح؟ قَالَ بِالسِّوَاكِ وَنَحْوه».
وقال الخلال: سألت أحمد قال: «غير الشديد».
وعلى الزوج أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تضرب الوجه ولا تقبح».
وأما الكمية فلا يزيد على عشر ضربات لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله». أخرجه مسلم.
التحذير من ظلم الزوجات
وقد حذرنا الله -تعالى- من الظلم للزوجات أو التعسف في استعمال هذا الحق فختم الآية بقوله: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (النساء:34)، قال القرطبي مبينا مناسبة ختام الآية أن فيها «إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب، أي: إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله؛ فيده بالقدرة فوق كل يد. فلا يستعلي أحد على امرأته؛ فالله بالمرصاد».


د.وليد خالد الربيع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]