عرض مشاركة واحدة
  #104  
قديم 12-06-2019, 04:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(87)


- (باب التيمم في الحضر) إلى (باب التيمم في السفر)
يجوز التيمم في السفر وفي الحضر، وذلك عند فقد الماء، أو خشية الضرر من استعماله، وبه يرتفع الحدثان الأصغر والأكبر.
التيمم في الحضر

شرح حديث أبي جهيم في التيمم في الحضر
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب التيمم في الحضرأخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا شعيب بن الليث عن أبيه عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو جهيم: (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر الجمل، ولقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه ثم رد عليه السلام)].أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة بهذا العنوان؛ وهي باب: التيمم في الحضر، ومن المعلوم أن التيمم يكون عند فقد الماء، أو عدم القدرة على استعماله مع وجوده، وهذا يكون في الحضر والسفر، والغالب على الحضر أنه يوجد فيه الماء، لكنه قد يفقد فيه، ويكاد يخرج وقت الصلاة وهو غير موجود، فهل يتيمم له أو لا يتيمم؟ اختلف العلماء في ذلك، وقد أورد النسائي رحمه الله في هذه الترجمة حديث أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي عليه الصلاة والسلام أقبل من نحو بئر الجمل، فسلم عليه رجل، فلم يرد عليه السلام حتى جاء إلى الجدار وضرب بيديه ومسح وجهه وكفيه، ثم رد عليه السلام).ومحل الشاهد من إيراد الحديث: (كون النبي صلى الله عليه وسلم أقبل من نحو بئر الجمل)، وهو مكان قريب من المدينة، مما يدل أنه ليس في حال سفر وإنما هو في حال حضر، ومن أجل هذا أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب التيمم في الحضر، وأورد تحته حديث أبي جهيم رضي الله تعالى عنه.وقد عقد البخاري رحمه الله لهذا الحديث ترجمة؛ وهي باب: التيمم في الحضر إذا فقد الماء وأوشك أن يخرج الوقت، وأورد تحته هذا الحديث؛ حديث أبي جهيم رضي الله تعالى عنه.وإنما تيمم الرسول صلى الله عليه وسلم لرد السلام.إذاً: فيكون هذا العمل إنما هو من أجل أمر مستحب؛ وهو ذكر الله عز وجل؛ لأن السلام فيه ذكر الله، والسلام اسم من أسماء الله عز وجل، فأراد النبي عليه الصلاة والسلام أن يكون على طهارة، وهذا أمر مستحب وليس بواجب، فيمكن للإنسان أن يرد وهو ليس على طهارة، لكن الأكمل والأفضل أن الرد يكون على طهارة، ولهذا فعل ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإلا فإن رد السلام وذكر الله عز وجل يكون على طهارة وعلى غير طهارة، لكن كونه يكون على طهارة فهذا هو الأولى، وهذا هو الذي أراده رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.وهذا من جنس تجديد الوضوء؛ كون الإنسان يكون على طهارة ثم يتوضأ مجدداً؛ فإن الطهارة موجودة، فالذي يحصل عند التجديد هو أمر مستحب وليس بواجب.إذاً: فتيمم الرسول عليه الصلاة والسلام هو بمثابة تجديد الوضوء، وليس بلازم وإنما هو أمر مستحب. وكون الإنسان يكون على طهارة عندما يذكر الله عز وجل هذا أمر مستحب، وهذا هو الذي يعنيه هذا الحديث، ويدل عليه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي جهيم في التيمم في الحضر
قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].الربيع بن سليمان هذا يحتمل أن يكون: الربيع بن سليمان بن داود الجيزي المصري، ويحتمل أن يكون الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي المصري، وذاك أيضاً مرادي، وكل منهما يكنى أبا محمد، لكن يأتي أحياناً ما يدل على أحد الاثنين بكونه ينسب -كما سبق أن مر بنا- فالأول هو: ابن داود الجيزي المصري المرادي، وجاء منسوباً، يعني: بعد ما ذكر أبوه ذكر جده، وهذا الذي تميز به عن ابن عبد الجبار. لكن هنا ليس بمتميز؛ لأن في ترجمة شعيب بن الليث بن سعد قيل: روى عنه الربيع بن سليمان المرادي، وكل من الاثنين يقال له: الربيع بن سليمان المرادي، فهو يحتمل الاثنين. ولا إشكال في أي واحد منهما؛ لأن كل منهما ثقة، ومن المعلوم أن الأمر إذا دار بين ثقتين، فأي واحد منهما يكون فإن الحديث يثبت، وجهله لا يؤثر تعييناً ما دام أنه يدور على ثقتين، ولكن الذي يؤثر لو كان أحدهما ثقة والثاني ضعيفاً ولم يتميز أحدهما، فإنه يحتمل أن يكون هو الضعيف، وعلى هذا فلا يعتمد ولا يعول على الحديث الذي جاء في الإسناد؛ لأنه لا بد من الجزم والتحقق من ثقة وعدالة الرواة؛ حتى يحكم بصحة الحديث وثبوته.إذاً: فـشعيب بن الليث ذكر في ترجمته أنه روى عنه الربيع بن سليمان المرادي، وهذا لا يزيل إشكالاً، ولا يعين أحد الاثنين؛ لأن كلاً منهما الربيع بن سليمان المرادي، وإنما يتميز أحدهما لو قيل: ابن عبد الجبار، أو ابن داود، وإلا فإن كلاً منهما يكنى بأبي محمد.إذاً: فهذا محتمل وغير متعين أحدهما، ولكن الأمر كما قلت: لا يؤثر؛ لأن الاثنين شيخان للنسائي: الربيع بن عبد الجبار، والربيع بن سليمان بن داود.وابن داود سبق أن مر بنا ذكره في بعض الأسانيد وهو ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي. والربيع بن سليمان بن عبد الجبار هو صاحب الشافعي وراوية كتبه المشهور، وهو أيضاً ثقة، خرج له أبو داود، والنسائي، وابن ماجه زيادة على ابن داود.[حدثنا شعيب بن الليث]. هو شعيب بن الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، خرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.[عن أبيه]. أبوه هو الليث بن سعد، وهو ثقة فقيه محدث، مشهور، خرج له أصحاب الكتب الستة.[عن جعفر بن ربيعة]. هو جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة الكندي المصري، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[عن عبد الرحمن بن هرمز]. هو الأعرج، يأتي ذكره أحياناً باسمه ونسبه، وأحياناً يأتي ذكره بلقبه، وكثيراً ما يأتي ذكره باللقب، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.[عن عمير مولى ابن عباس]. هو عمير بن عبد الله الهلالي المدني مولى أم الفضل، ويقال له: مولى ابن عباس، وأم الفضل هي: أم ابن عباس، فمولاها مولى لبنيها، فإذاً: إطلاق كونه مولى ابن عباس إضافة صحيحة؛ وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.[قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة].عبد الله بن يسار ليس من الرواة لهذا الحديث؛ لأن الراوي هو عمير مولى ابن عباس، وهذا إنما يحكي الحالة التي حصلت؛ وأنه أقبل هو وعبد الله بن يسار مولى ميمونة، فـعبد الله بن يسار ليس من الرواة، ولهذا ما ذكر في رجال الكتب الستة.ولكن كما سبق أن نبهت أن المزي من طريقته أنه يذكر الذين لهم ذكر في الكتب وإن لم يكن لهم رواية، لكن ابن يسار كما عرفنا له ذكر وليس له رواية، وإذاً: فلم يعدوهم من رجال الصحيحين، بالرغم من وجود والحديث في الصحيحين. وقد جاء ذكر عبد الله بن يسار في صحيح مسلم بلفظ عبد الرحمن بن يسار، وهو وهم، بل هو عبد الله بن يسار، وليس عبد الرحمن بن يسار. وسبق أن ذكرت مثالاً لهذا؛ أن في صحيح البخاري عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري قال: كنت أنا ويزيد بن أبي كبشة في سفر، فكان يزيد يصوم في السفر، فقلت له: أفطر؛ سمعت أبا موسى يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا مرض العبد أو سافر، كتب له ما كان يعمل وهو صحيح مقيم).يزيد بن أبي كبشة ليس راوياً، وإنما الراوي هو أبو بردة يروي عن أبيه أبي موسى، لكن سبب ذكر الحديث هو فعل يزيد بن أبي كبشة الذي صحبه في سفر، ومعناه: أن الإنسان إذا كان متعوداً أن يصوم في الحضر أيام معينة، وجاء السفر، فإنه إذا أفطر بسبب السفر فالله تعالى يأجره في حال سفره بما كان يأجره في حال حضره، وكذلك كان في حال صحته وعافيته يصوم أياماً، ولكنه لم يتمكن بسبب المرض، فالله تعالى يثيبه في حال مرضه بمثل ما كان يثيبه في حال صحته وعافيته.فـالمزي ذكر يزيد بن أبي كبشة ورمز له في البخاري، والحديث في البخاري، لكن ليس هو من رجال البخاري وإنما له ذكر في صحيح البخاري، ومثله عبد الله بن يسار فإنه له ذكر وليس له رواية، فكما هو واضح فالراوي هو عمير مولى ابن عباس، وهو الذي يروي عن أبي جهيم، ولكنه لما حدثه أبو جهيم كان معه عبد الله بن يسار، وهذا من الأمور التي يستدل بها على ضبط الراوي وإتقانه؛ لأنه يعرف -مع الحديث- الملابسات التي حصلت وقت التحديث بالحديث؛ فإنه أخبر بأنه أقبل هو وعبد الله بن يسار، فلقوا أبا جهيم فحدثهم بهذا الحديث، والراوي هو عمير مولى ابن عباس.ومثال ذلك: ذكر أويس القرني؛ لأن أويس القرني ليس من الرواة، وإنما له ذكر في بعض الكتب؛ في صحيح مسلم وفي غيره.[قال أبو جهيم].هو ابن الحارث بن الصمة الأنصاري رضي الله تعالى عنه، قيل في الخلاصة: له أحاديث اتفق البخاري ومسلم منها على حديثين.

شرح حديث عمار بن ياسر في تمعكه في التراب لما أجنب ولم يجد الماء
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن سلمة عن ذر عن ابن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه: (أن رجلاً أتى عمر فقال: إني أجنبت فلم أجد الماء؟ قال عمر: لا تصل، فقال عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية، فأجنبنا فلم نجد الماء، فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض، ثم نفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه). وسلمة شك لا يدري فيه: (إلى المرفقين أو إلى الكفين) فقال عمر: (نوليك ما توليت)].هنا أورد النسائي رحمه الله: التيمم في الحضر، وهذه ترجمة مكررة مع الترجمة السابقة، وبعض النسخ لا يوجد فيها هذه الترجمة، والمناسب لهذه الترجمة كما قال السندي: التيمم للجنابة، وهذه أيضاً سيأتي لها ترجمة؛ تيمم للجنب، ثم قال: ولعل إيراده في هذه الترجمة -وهي الترجمة في الحضر- من أجل فعل النبي عليه الصلاة والسلام إذ وصف التيمم، فإنه فعل التيمم في الحضر؛ لأنه تيمم وأراه كيف يصنع، فيكون وجه إدخاله في التيمم في الحضر من جهة فعل الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه وصف التيمم، وذكر طريقة التيمم وبينها، وذلك في حال الحضر، وإلا فإن الذي يناسب الحديث هو التيمم للجنابة.وقد أورد النسائي حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه، أنه كان عند عمر رضي الله عنه، فجاءه رجل فسأله عن الجنب، يعني: من يحصل له الجنابة ولا يجد الماء، فقال: (لا تصل)، يعني: اجتهد رضي الله عنه وأرضاه، فأفتاه بأنه لا يصلي حتى يجد الماء؛ لأن الذي ورد هو التيمم في الحدث الأصغر، فقال له: أما تذكر أني أنا وإياك كنا معاً، وكنا في سفر، أو كنا في الإبل، وأننا أجنبنا، أما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب كما يتمعك البعير، فجئنا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأخبرناه، فقال: (إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا)، ثم وصف التيمم.ثم قال: شك سلمة؛ لا يدري هل هو إلى الكفين أو إلى المرفقين. يعني: هل التيمم ينتهي عند الكفين فقط، أو أنه يصل إلى المرفقين؟ثم قال عمر رضي الله عنه: (نوليك ما توليت)؛ لأنه ما تذكر الذي حدثه به عمار بن ياسر رضي الله عنه، يعني: فأنت تتحمل مسئولية الإفتاء بهذا الشيء؛ لأنك الذي تذكره، أما أنا فلا أذكره. وهذا فيه دليل على أن التيمم الذي يكون لرفع الحدث الأكبر كالتيمم للحدث الأصغر، فعندما توجد الجنابة فإن رفع الحدث عنها يكون كما يفعل لرفع الحدث الأصغر، ويكون بالتيمم؛ لأن التيمم على طريقة واحدة، لا فرق فيه بين رفع الحدث الأصغر ورفع الحدث الأكبر، بخلاف الماء؛ فإن الحدث الأصغر يرفع بالوضوء، والحدث الأكبر يرفع بالاغتسال.وفيه: أن الذي فعله عمر رضي الله عنه وأرضاه، وفعله عمار في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو بالاجتهاد، ومعنى هذا: أن الصحابة في زمن النبوة عندما تنزل الواقعة أو تحصل نازلة كانوا يجتهدون، ولكنهم إذا جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروه واستفتوه، وأخبروه بما فعلوا، فإما أن يقرهم، وإما أن ييبن لهم الشيء الذي عليه أن يفعلوه، فـعمر رضي الله عنه وأرضاه -كما يحكي ذلك عمار- لم يصل؛ لأنه لم يجد الماء، وأما عمار فتمعك، وقاس حالة التيمم على حالة الاغتسال؛ وأن رفع الحدث الأكبر بالماء يكون بكون الماء يستوعب الجسد، فهو تمرغ في التراب كما يتمرغ البعير؛ حتى يستوعب ذلك جسده، وهذا فيه الاجتهاد في زمن النبوة، وأن الاجتهاد قد يخطئ وقد يصيب، ومن المعلوم أن كلاً منهما اجتهاده قد أخطأ: الذي ترك الصلاة حتى يجد الماء، والذي تمعك في التراب وجعل التراب يصل إلى جميع جسده قياساً على الماء.وفيه: استعمال القياس؛ لأن عماراً قاس حالة التيمم، أو حالة استعمال التراب في التيمم بحالة استعمال الماء في الاغتسال، وأنه لما كان الاغتسال هو باستيعاب الجسد؛ فإنه اجتهد وقاس حالة التيمم على حالة الاغتسال، فتمعك في التراب كما يتمعك البعير؛ يعني: تجرد وتمعك في التراب كما يتمعك البعير؛ لأنه قاس حالة التيمم على حالة الاغتسال، والرسول عليه الصلاة والسلام بين في الحديث (أنه يكفيه هكذا؛ وضرب بيديه الأرض، ومسح كفيه ووجهه)، فدل ذلك على أن التيمم لا فرق فيه بين حالة الوضوء وحالة الاغتسال، وحالة رفع الحدث الأصغر وحالة رفع الحدث الأكبر؛ أي: كلها على طريقة واحدة، وكلها على نسق واحد.ثم أيضاً هذا الحديث الذي حصل في حضرة عمر، وسمعه عمار وسمعه عمر، فعمار تذكر، وأما عمر فقد نسي الذي حصل في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال له: نوليك ما توليت، أنت الذي تتحمل المسئولية في هذا، وأما عمر رضي الله عنه فإنه لم يذكر، ولهذا فإنه لا يروي هذا الحديث؛ لأنه ما تذكره، وأما عمار فهو الذي كان يذكره، وهو الذي كان معه عمر عندما حصلت الحادثة والقضية، والرسول صلى الله عليه وسلم أخبره بأنه يكفيه بأن يتيمم، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى التمعك في التراب، كما فعل رضي الله تعالى عنه وأرضاه.قوله: (فقال عمار بن ياسر: يا أمير المؤمنين! أما تذكر إذ أنا وأنت في سرية، فأجنبنا فلم نجد الماء).السرية: هي القطعة من الجيش التي تخرج منه ثم تعود إليه، فهذه يقال لها: سرية.قال: (فأما أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت).يعني: كل منهما اجتهد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن في زمنه عليه الصلاة والسلام عندما تحصل الحادثة والواقعة فإن الصحابة كانوا يجتهدون، وقد تحصل الإصابة وقد يحصل الخطأ، وكلٌ من الاثنين لم يصب؛ لا عمر ولا عمار؛ لأن عمر لم يصل، وأجَّل ذلك حتى يجد الماء، وعمار قاس حالة فقد الماء على حالة وجود الماء، وأنه عند فقده يكون التيمم، مثل الاغتسال للجسد كله، فتمعك في التراب حتى يصيب التراب الجسد كله؛ قياساً على الماء، وقياساً على الاغتسال، ولم يصب لا هذا ولا هذا، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين لهم أنه يكفيهم أن يتيمموا كما يتيمموا للوضوء.قال: (فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له، فقال: إنما كان يكفيك، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم يديه إلى الأرض، ثم نفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه).وهذا هو محل الشاهد من إيراد الحديث في ترجمة: التيمم في الحضر؛ يعني: من فعله عليه الصلاة والسلام؛ لأنه تيمم معلماً، أي: تيمم أو عمل التيمم ليعلم الكيفية التي يكون بها التيمم، وهذا هو وجه إيراده في باب: التيمم في الحضر، وإلا فإن القصة هي في التيمم من الجنابة، والتيمم من الحدث الأكبر.وقوله: (ثم نفخ فيهما)، يعني: لعل الأرض فيها غبار كثير، فنفخ من أجل أن يخفف هذا الغبار، وليس بلازم؛ لأنه جاء النفخ وجاء عدمه، فيحمل النفخ على كثرة الغبار الذي يحصل تخفيفه بالنفخ، وعدم النفخ على عدم الكثرة في الغبار الذي لا يحتاج معها إلى نفخ.ثم قال: (وسلمة شك لا يدري فيه إلى المرفقين أو إلى الكفين؟).وسلمة الذي هو أحد الرواة -هو سلمة بن كهيل- شك لا يدري، لكنه جاء عدم الشك في حديث عمار الذي في الصحيحين والذي فيه أنهما الوجه والكفان، وليس فيه ذكر المرفقين، فإذاً: إذا حصل الشك بين هذا وهذا؛ فإنه يرجع إلى ما لا شك فيه، وإلى المتيقن، وهو الذي جاء بطرق أخرى متعددة أنه الكفان فقط، وليس إلى المرفقين.ثم قال عمر رضي الله عنه: (نوليك ما توليت)، يعني: أنت الذي تتولى مهمة الإفتاء بهذا؛ لأنك الذي تروي ذلك عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، أما عمر رضي الله عنه فإنه نسي هذا الذي حصل له بحضرة عمار، والذي يحكيه عمار، وأنه حصل للاثنين: لـعمر وعمار، فقال: (نوليك ما توليت)، يعني: أنت الذي تتولى الإفتاء بهذا الأمر والتحديث به؛ لأنك أنت الذي تحفظ ذلك وتضبطه، أما عمر رضي الله عنه وأرضاه فإنه لم يذكر ذلك الذي حدث به عمار، وكان ذلك بحضرة عمر رضي الله تعالى عن الجميع.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]