عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 29-05-2019, 08:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نصائح للاسرة المسلمة فى رمضان ***متجدد



فقه المرأة في رمضان


أثر استعمال المرأة دواء لاستجلاب الحيض على صيامها

د.محمد بن هائل المدحجي

(24)


استجلاب الحيض كان معروفاً منذ القدم، فقد كان الناس آنذاك يستجلبونه ببعض الوصفات حسب معارف عصرهم، وأما في العصر الحديث ومع تقدم الطب فإن
استجلاب الحيض يتم عن طريق الهرمونات - الإستروجين والبروجسترون - واللذان يتمثلان في أقراص منع الحمل ومنع الحيض، والاستجلاب بها يتم إذا تناولتها المرأة لعدة أيام ثم توقفت عن ذلك في الوقت الذي تريد استجلاب الحيض فيه فإنه ينزل، والسبب في نزول هذا الدم بعد التوقف عن تناول هذه الأقراص انخفاض مستوى البروجسترون بعد أن كان مرتفعاً بسبب تناولها للأقراص.




واستجلاب الحيض بسبب تأخره عن وقته المعتاد مباح؛ إذ هو داخل في التداوي
المأذون فيه شرعاً، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " تداووا عباد الله ؛ فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهَرَمَ" (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه (، فيجوز للمرأة إذا تأخر حيضها أن تستعمل الحبوب الجالبة للحيض بشرط استشارة الطبيبة في ذلك، فإذا تقرر أن الدواء الجالب للحيض لا يحدث ضرراً أكثر من المصلحة أو مساوية لها جاز حينئذ استعماله.
لكن ما هو حكم تعجيل نزول دم الحيض قبل وقته المعتاد باستعمال هذه الأدوية، فقد
تعمد المرأة إلى استجلاب الحيض في شهر رمضان مثلاً لتتخلص من صوم هذه الأيام في وقتها، خاصة إن كان النهار فيها طويلاً أو حاراً، فتجلب الحيض وتقضي في الأيام التي يقصر النهار فيها أو يكون بارداً ونحو ذلك.

ولا شك أن مثل هذا الفعل محرم لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "
يجوز التداوي لحصول الحيض إلا في رمضان لئلا تفطر " الفتاوى الكبرى(5/315 ). واستجلاب الحيض لقصد ترك العبادة الواجبة حيلة على شرع الله توجب العقاب من الله، فالتحايل على الشرع بإسقاط الواجبات أو تحليل المحرمات لا يجوز، وإسقاط الصلاة أو الصوم أو غيرهما من العبادات الواجبة باستجلاب الحيض لحاجة في النفس من الحيل المحرمة ، والله سبحانه وتعالى عاب ووّبخ اليهود على تحايلهم على شرع الله، ومن ذلك اعتداؤهم في السبت الذي نهوا فيه عن أخذ الحيتان، قال تعالى: {{ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ }(البقرة 65 ). فكان فريق منهم يسوقون الحيتان إلى الحياض، ويأخذونها منها يوم الأحد، فكان ذلك سبباً لعقابهم ومسخهم قردة وخنازير.
ومن جهة أخرى فإن في استجلاب الحيض بأقراص منع الحيض أو الحمل ضرراً على
المرأة ، فقد يسبب ذلك اضطراباً في نزول الحيض وعادته، واستنـزافاً للدماء، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن إهلاك النفس، قال تعالى: { وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [ البقرة 195 ] ، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إلحاق الضرر بالنفس في قوله : " لا ضرر ولا ضرار " رواه ابن ماجه.




لكن قد يكون تعجيل نزول دم الحيض قبل وقته المعتاد ليس بغرض التحيل على إسقاط
العبادة، كما في حالة استجلاب الحيض لمصلحة الراحة، أو عدم القدرة على الطهارة في حال إجراء العمليات الجراحية مثلاً؛ والتي تتطلب لزوم الفراش، وإذا دققنا في الأمر نجد أن استجلاب الحيض في هذه الحالة لا مصلحة فيه؛ لأن الله سبحانه وتعالى رخصّ للمريض في أداء العبادة على قدر استطاعته، وحسب حاله، فشرع له الصلاة جالساً، أو على جنبه، وشرع له التيمم إن لم يستطع الوضوء والأمر فيه سعة ولله الحمد.

والمسألة الأهم هنا: إذا استعملت المرأة هذه الأدوية الجالبة للحيض، هل يعتبر الدم النازل حيضاً يفسد الصوم ويوجب قضاء الصوم الواجب أو لا؟
والجواب: أن جمهور الفقهاء يرون أن هذا الدم الذي نزل بسبب هذه الأدوية يعتبر حيضاً يفسد الصوم ويوجب قضاء الصوم الواجب أثناءه؛ وذلك لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، قال تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} (البقرة 222 ) وخروج الدم بالعلاج لا يخرج عن كونه حيضاً، فتدع المرأة من أجله الصوم والصلاة .

وذهب المالكية في رواية إلى أن هذا الدم لا يعد حيضاً؛ وذلك لأن الله - عز وجل -
جعل الحيض أذى، ولم يجعل الأذى حيضاً، فليس كل ما يخرج من رحم المرأة يعتبر حيضاً، بل قد يكون استحاضة، فالدم النازل بالعقاقير مشكوك فيه، فلا يرتفع حكمه إلاَّ بيقين ولا يقين هنا، فلا يحكم بأنه دم حيض، كما أن دم الحيض دم طبيعة وجبلة يخرج بنفسه من رحم المرأة، وهذا الدم خرج بسبب استعمال هذه العقاقير ولم يخرج بنفسه، فلا يعتبر حيضاً، ولا تثبت له أحكام الحيض .
والراجح - والله أعلم - هو القول بأن الدم النازل بالعقاقير الطبية يعتبر دم حيض يفسد
الصوم ويجب معه القضاء؛ وذلك لأن خروج هذا الدم بالعقاقير الطبية إنما هو عن طريق الغشاء المبطن للرحم كما هو معلوم طبياً- وإن كان بناء هذا الغشاء وثباته وانسلاخه بفعل هذه الهرمونات الخارجية- ، ودم الحيض - كما هو معلوم - مصدره بطانة الرحم، فلما اتحدا في المصدر كان حكمهما واحداً، والشريعة لا تفرق بين المتماثلات.




نعم هناك فرق يسير بين دم الحيض الطبيعي، والحيض النازل بسبب العقاقير الطبية،
وهو أن الغشاء المبطن للرحم في الحيض النازل بتأثير الهرمونات الخارجية تكون سماكته قليلة، وتميل لأن تكون هشة قابلة للسقوط بمجرد إيقاف هذه الأقراص التي تعتبر بمثابة السند لثباته، بخلاف الحيض الطبيعي الذي يتميز بسماكة الغشاء المبطن للرحم وكثافته؛ لتأثير هرمونات المبيض عليه، لكنّ هذا الفرق غير مؤثر، ولا يمنع إلحاق الدم النازل بهذه العقاقير بدم الحيض، والله أعلم.

يبقى التنبيه على أن هذا الدم النازل بالعقاقير وإن اعتبرناه حيضاً إلا أنه لا يعتد به في انتهاء العدة عند جماهير الفقهاء ؛لأن الله تعالى يقول : {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (البقرة 228) ، والمراد بالقرء الحيضة الكاملة الواقعة بين طهرين معتبرين كالحالة المعتادة ، وذهب الحنابلة إلى الاعتداد به في العدة واشترطوا في انقضاء العدة به أن يكون أقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر يوماً ، وهذا أصح ، والله أعلم .


وللحديث بقية بإذن الله تعالى...




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.05%)]