عرض مشاركة واحدة
  #313  
قديم 16-01-2020, 02:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,965
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (312)
تفسير السعدى
سورة طه
من الأية(42) الى الأية(49)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة طه


" اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري " (42)
لما امتن الله تعالى على موسى بما امتن به, من النعم الدينية والدنيوية قال له: " اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ " هارون " بِآيَاتِي " أي: الآيات التي مني, الدالة على الحق وحسنه, وقبح الباطل, كاليد, والعصا ونحوها, في تسع آيات إلى فرعون وملاءه.
" وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي " أي: لا تفترا, ولا تكسلا, عن مداومة ذكري بالاستمرار عليه, والزماه كما وعدتما بذلك " كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا " .
فإن ذكر الله, فيه معونة على جميع الأمور, يسهلها, ويخفف حملها.

" اذهبا إلى فرعون إنه طغى " (43)
" اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى " أي: جاوز الحد, في كفره وطغيانه, وظلمه وعدوانه.
" فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " (44)
" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا " أي: سهلا لطيفا, برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف, ولا غلظة في المقال, أو فظاظة في الأفعال.
" لَعَلَّهُ " بسبب القول اللين " يَتَذَكَّرُ " ما ينفعه فيأتيه.
" أَوْ يَخْشَى " ما يضره فيتركه, فإن القول اللين, داع لذلك, والقول الغليظ, منفر عن صاحبه.
وقد فسر القول اللين في قوله: " فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى " .
فإن في هذا الكلام, من لطف القول وسهولته, وعدم بشاعته, ما لا يخفى على المتأمل.
فإنه أتى ب " هل " الدالة على العرض والمشاورة, التي لا يشمئز منها أحد, ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس, التي أصلها, التطهر من الشرك, الذي يقبله كل عقل سليم, ولم يقل " أزكيك " بل قال " تزكى " أنت بنفسك.
ثم دعاه إلى سبيل ربه, الذي رباه, وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة التي ينبغي مقابلتها بشكرها, وذكرها فقال: " وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى " فلما لم يقبل هذا الكلام اللين, الذي يأخذ حسنه بالقلوب, علم أنه لا ينجع فيه تذكير, فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر

" قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى " (45)
" قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا " أي: يبادرنا بالعقوبة والإيقاع بنا, قبل أن نبلغه رسالاتك, ونقيم عليه الحجة " أَوْ أَنْ يَطْغَى " أي يتمرد عن الحق, ويطغى بملكه, وسلطانه, وجنده, وأعوانه.
" قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى " (46)
" قَالَ لَا تَخَافَا " أن يفرط عليكما " إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى " أي: أنتما بحفظي ورعايتي, أسمع قولكما, وأرى جميع أحوالكما, فلا تخافا منه.
فزال الخوف عنهما, واطمأنت قلوبهما بوعد ربهما.

" فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى " (47)
أي: فأتياه بهذين الأمرين, دعوته إلى الإسلام, وتخليص هذا الشعب الشريف, بني إسرائيل, من قيده وتعبيده لهم, ليتحرروا ويملكوا أمرهم, ويقيم فيهم موسى, شرع الله ودينه.
" قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ " تدل على صدقنا " فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ " إلى آخر ما ذكر الله عنهما.
" وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى " أي: من اتبع الصراط المستقيم, واهتدى بالشرع المبين, حصلت له السلامة في الدنيا والآخرة.

" إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى " (48)
" إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا " أي: خبرنا من عند الله, لا من عند أنفسنا " أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى " أي: كذب بأخبار الله, وأخبار رسله, وتولى عن الانقياد لهم, واتباعهم.
وهذا فيه الترغيب لفرعون بالإيمان والتصديق واتباعهما, والترهيب من ضد ذلك.
ولكن لم يفد فيه هذا الوعظ والتذكير, فأنكر ربه, وكفر, وجادل في ذلك, ظلما وعنادا.

" قال فمن ربكما يا موسى " (49)
أي قال فرعون لموسى على وجه الإنكار: " فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى " .
فأجاب موسى بحواب شاف كاف واضح قال: " رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات, وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به, على حسن صنعه من خلقه, من كبر الجسم وصغره, وتوسطه, وجميع صفاته.
" ثُمَّ هَدَى " كل مخلوق إلى ما خلقه له, وهذه الهداية الكاملة المشاهدة في جميع المخلوقات.
فكل مخلوق, تجده يسعى لما خلق له من المنافع, وفي دفع المضار عنه.
حتى إن الله أعطى الحيوان البهيم, من العقل, ما يتمكن به به من ذلك.
وهذا كقوله تعالى: " الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ " .
فالذي خلق المخلوقات, وأعطاها خلقها الحسن, الذي لا تقترح العقول فوق حسنه, وهداها لمصالحها, هو الرب على الحقيقة.
فإنكاره, إنكار لأعظم الأشياء وجودا, وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب.
فلو قدر أن الإنسان, أنكر من الأمور المعلومة, ما أنكر, كان إنكاره لرب العالمين, أكبر من ذلك.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]