عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14-11-2019, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق الزوج على زوجته

سلسلة أركان الأسرة (10)




حقوق الزوج على زوجته (3)


من مظاهر طاعته (2)



د. محمد ويلالي




الخطبة الأولى


وقفنا في الجمعة الماضية - وضمن الجزء التاسع من سلسلة أركان الأسرة - عند القسم الأول من مظاهر طاعة الزوجة لزوجها، وذكرنا من هذه المظاهر: حفظه في الشهادة والغيب، وطاعته في قضاء حاجته الفطرية، وخدمته بالمعروف.



وموعدنا اليوم - إن شاء الله - مع القسم الثاني، من مظاهر هذه الطاعة، وسنقتصر فيه على مظهرين اثنين آخرين:

1- أن لا تخرج من البيت إلا بإذنه:

فالزوج المسلم يغار على زوجته بطبعه، ويحب أن يعرف متى خرجت، وإلى أين خرجت، ولأي قصد خرجت، فقد يعلم من خبايا بعض الأمور ما لا تعلمه هي. غير أن عليه ان لا يمنعها مما هو ضروري لها، أو لها فيه مصلحة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن" البخاري، وذلك كزيارة أبويها بالمعروف. وإنما قلنا: "بالمعروف"، تفاديا للمبالغة في زيارتهما، بسبب وبدون سبب، لأن كثيرا من الحالات الاجتماعية التي تقع اليوم، تفصح عن أن عددا هائلا من الخصومات بين الزوجين سببه إكثار الزوجة من الخروج لزيارة أبويها. ولذلك حدد المالكية هذه الزيارة بمرة في الأسبوع.



وكذا إذا خرجت لوظيفة مباحة، أو لمراجعة الطبيبة لمرض ألم بها، أو لقضاء بعض حاجاتها الضرورية، كشراء ما تحتاجه لضيوف طارئين، أو تَقَصِّي أمر وقع لابنها في الطريق أو في المدرسة، أو إنقاذ حياة إحدى جاراتها، أو ما شابه ذلك.



كذلك إذا استأذنت للذهاب إلى المسجد من أجل الصلاة، إذا كان ذلك بالمعروف، وبخاصة صلاةَ الجمعة والاستماعَ للخطبة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةُ أَحَدِكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يَمْنَعْهَا" البخاري. ولحديث ابْنِ عُمَرَ عن رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أنه قَالَ: "لاَ تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّينَ فِي الْمَسْجِدِ". فَقَالَ ابْنٌ لَهُ (بلال): إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ. فَغَضِبَ ابن عمر غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ: "إِنِّي أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَإِنَّكَ تَقُولُ: إِنَّا لَنَمْنَعُهُنَّ؟" ص. ابن ماجة.



وعلى الزوج أن يراعي حاجتها لذلك، وأن يتلطف بها، وأن يحسن عشرتها، فيأذن لها في الخروج المناسب، الذي ليس فيه منكر، أو إعانة على منكر.



ولتحذر الزوجة من العناد في أمر الخروج، وبخاصة إذا كانت تخرج بغير إذن زوجها، بدعوى أنه يرفض خروجها، فإن ذلك منغص لهذه العلاقة، جالب لسوء العشرة، مؤجج لشكوك الزوج في زوجته، فإن في صبر الزوجة على تشدد زوجها في هذا الأمر كمالَ عقلها، ودليلَ صلاحها. قال عبد الرحمن بن أبزى: "مَثَلُ المرأة الصالحة عند الرجل، كمثل التاج المتخوص بالذهب على رأس الملك. ومَثَلُ المرأة السوء عند الرجل الصالح، مَثَلُ الحِمل الثقيل على الشيخ الكبير".



2- ومن قبيل طاعة الزوج، أن لا تُدخلَ بيته أحدا يكرهه:

لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ" متفق عليه. ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ" مسلم. قال الإمام النووي: "معناه أن لا يأذنَّ لأحد تكرهونه في دخول بيوتكم والجلوس في منازلكم، سواء كان المأذون له رجلا أجنبيا، أو امرأة، أو أحدا من محارم الزوجة، فالنهى يتناول جميع ذلك".ثم قال: "وهو محمول على ما لا تعلم رضا الزوج به، أما لو علمت رضا الزوج بذلك فلا حرج عليها".



فقد يتأذى الزوج ببعض أقارب الزوجة، أو صواحباتها، فيتحرج من دخولهم بيته، فعلى الزوجة الصالحة أن تراعي ما قد تكون مفسدته أكبر.



قال المرداوي - رحمه الله -: "إن عُرف بقرائن الحال أنه يَحدُث بزيارتهما أو أحدهما له ضرر، فله المنع، وإلا فلا". وقدسئل الإمام مالك عن الرجل يتهم خَتَنَتَهُ (أم زوجته) بإفساد أهله، فيريد أن يمنعها من الدخول عليها؟ فقال: يُنظر في ذلك، فإن كانت متهمة، منعت بعض المنع، لا كلَّ ذلك، وإن كانت غير متهمة، لم تُمنع الدخولَ على ابنتها".



وعلى غير محارم الزوجة، كأخ الزوج، وعمه، وخاله، وزوج أخته، وأصدقائه.. أن لا يُحرجوا الأزواج بالدخول على زوجاتهم، ما لم يكن معهن محرم، لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ" متفق عليه.



ولما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ"، قَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ (أخ الزوج)؟. قَالَ: "الْحَمْوُ: الْمَوْتُ" متفق عليه.



وقال تميم بن سلمة: "أقبل عمرو بن العاص إلى بيت علي بن أبي طالب في حاجة، فلم يجد عليا، فرجع، ثم عاد، فلم يجده مرتين أو ثلاثا، فجاء علي فقال له: أما استطعت إِذْ كانت حاجتك إليها أن تدخل؟ قال: نُهينا أن ندخل عليهن إلا بإذن أزواجهن" الصحيحة.



فَلْتُعِنِ الزوجةُ زوجها على ما فيه صلاح أسرتها، ولتتلطف إلى أقاربها الذين لم يسمح الزوج بدخولهم بيته بأنواع الاعتذار؛ فلقد رأينا من بعض الأقارب من يؤلب الزوجة على زوجها، ويسعى بينهما بالفساد، أو تكون زيارته سببا لتكدير الحياة بين الزوجين، أو إسهاما في تلقيح أذهان الأبناء بأفكار معوجة فاسدة، فيكون منعه من دخول بيته - حينئذ - مقدما على مصلحة صلة الرحم، التي قد تتدارك في أية مناسبة أسرية أخرى.



أما ما سوى ذلك من المحاذير، فإن على الزوج أن يفسح المجال لزيارة أقارب الزوجة، ومن تَعرف من صديقاتها، وأن يوصيَها بإكرامهم، والاعتناء بضيافتهم. وقد بلغ اعتناء النبي - صلى الله عليه وسلم - بأقرباء زوجته خديجة - رضي الله عنها - وصاحباتها مبلغا عظيما حتى بعد وفاتها.



فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءت عجوز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - و هو عندي، فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "من أنتِ؟" قالت: أنا جَثَّامَةُ المزنية. فقال: "بل أنت حَسَّانَةُ المزنية. كيف أنتم؟ كيف حالكم، كيف كنتم بعدنا؟". قالت: بخير بأبي أنت و أمي يا رسول الله. فلما خرجت قلت: يا رسول الله، تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: "إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حُسْنَ العهد من الإيمان" الصحيحة.



وقد استأذنت هالةُ بنت خويلد - أختُ خديجة - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَعَرَف استئذان خديجة، فارتاع لذلك (تغير واهتز سرورا بذلك)، فقال: "اللهم هالة، (أي: اللهم اجعلها هالة)" متفق عليه.



وكان ربما ذبح الشاة، فأمر بشيء منها لصاحبات وأقران خديجة.



فالزوجة الصالحة، كما قال أبو سليمان الداراني - رحمه الله -: "ليست من الدنيا، إنها تُفرِّغك للآخرة".



الخطبة الثانية


من جميل القصص المترجمة لطاعة المرأة الصالحة لزوجها، قصة فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان، وأختِ أربعة من الخلفاء، وزوجةِ الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز. خرجت من بيت أبيها إلى بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما يمكن أن تتزين به امرأة من الحلي والمجوهرات، فأمرها زوجها أمير المؤمنين بأن تبعث بكل حليها إلى بيت المال، فلم تتردد ولم ترد له مقالاً. ولما توفي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، لم يخلف لزوجته وأولاده شيئاً، فجاءها أمين بيت المال، وقال لها: إن مجوهراتك يا سيدتي لا تزال كما هي، وإني اعتبرتها أمانة لك، وحفظتها لذلك اليوم، وقد جئت أستأذنك في إحضارها. فأجابته بأنها وهبتها لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين، وقالت: "ما كنت لأطيعه حيا وأعصيَه ميتا".



وتستطيع المرأة الصالحة أن تكسب قلب زوجها بالكلمة الطيبة، والعبارة الرقيقة. فقد رأى رجل زوجته بدون كحل، فسألها: "لِمَ لَمْ تكتحلي؟". فقالت: "خشيت أن أَشغَل جزءاً من أجزاء عيني عن النظر إليك".



فكيف ستكون مكانة هذه المرأة في عين زوجها، هل سيرفض لها طلبا، هل سيمنعها من شيء فيه مصلحتها، هل سيقسو عليها في معاملة أو قول، هل سَيَحرمها حقا من حقوقها؟



بل إن طاعة المرأة في الحق لا تتعلق بالزوج، بل بكل ناصح يتوخى الخير. فقد روى الإمام مالك في موطئه، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَجْذُومَةٍ، وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا: "يَا أَمَةَ اللَّهِ، لاَ تُؤْذِى النَّاسَ، لَوْ جَلَسْتِ فِي بَيْتِكِ". فَجَلَسَتْ. فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا: "إِنَّ الَّذِى كَانَ قَدْ نَهَاكِ قَدْ مَاتَ فَاخْرُجِي". فَقَالَتْ: "مَا كُنْتُ لأُطِيعَهُ حَيًّا وَأَعْصِيَهُ مَيِّتًا".

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.67 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]