عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 14-11-2019, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حقوق الزوج على زوجته

سلسلة أركان الأسرة (9)

حقوق الزوج على زوجته (2)

من مظاهر طاعته (1)


د. محمد ويلالي

الخطبة الأولى

تحدثنا في الجمعة عن أول حق من حقوق الزوج على زوجته، وهو حق طاعته في المعروف، وتبين لنا أن طاعته عبادة لله تعالى، لأنها ائتمار بأمر الشرع الحنيف، حيث قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها" ص. ابن ماجة. وإنما تستوجب الزوجة حقوقها كاملة، إذا هي قامت بهذا الفرض خير قيام، وهو الاعتراف بأن للزوج عليها درجة، ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228]، بسبب إنفاقه عليها، وحمايته لها، والتكلف بقضاء حاجاتها، والدفاع عن مصالحها. قال تعالى: ﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ﴾ [النساء: 34].

ونود اليوم - إن شاء الله تعالى - أن نقف على بعض مظاهر هذه الطاعة، ونجمل القسم الأول منها في ثلاثة مظاهر:
1- حفظه في الشهادة والغيب:
لقوله تعالى: ﴿ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 34]. قال الفخر الرازي: "واعلم أن المرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لزوجها". ثم علق - رحمه الله - على الآية فقال: "قانتات، أي: مطيعات لله، حافظات لِلْغَيْبِ، أي: قائمات بحقوق الزوج. وقدم قضاء حق الله، ثم أتبع ذلك بقضاء حق الزوج. ثم قال: حال المرأة إما أن يعتبر عند حضور الزوج، أو عند غيبته، أما حالها عند حضور الزوج فقد وصفها الله بأنها قانتة، وأصل القنوت دوام الطاعة، فالمعنى أنهن قيمات بحقوق أزواجهن. وقال الواحدي - رحمه الله -: "لفظ القنوت يفيد الطاعة، وهو عام في طاعة الله وطاعة الأزواج. وأما حال المرأة عند غيبة الزوج، فقد وصفها الله - تعالى - بقوله﴿ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ ﴾، والغيب خلاف الشهادة". وذكر من وجوه ذلك:
أن تحفظ نفسها عن الخيانة - وأن تحفظ ماله عن الضياع - وأن تحفظ منزله عما لا ينبغي. ثم استدل بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خير النساء: امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك" صححه أحمد شاكر.

فالمرأة الصالحة، امرأة أمينة، فهي مستودع أسرار زوجها، وهي مستودع ماله أيضا، فلا تمتد يدها إلى شيء منه إلا بإذنه، ولا تقرأ رسائله الخاصة إلا بإذنه، ولا تفتش عن وثائقه الخاصة إلا بإذنه، إذا أرادت أن تكون - فعلا - قانتة، حافظة للغيب.
كانَت إِذا هَجَرَ الحَليلُ فِراشَها
خُزِنَ الحَديثُ وَعَفَّتِ الأَسرارُ


يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ،.. وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ" متفق عليه.

ويعظم أمر الحفظ، حين يتعلق بالأسرار الداخلية، التي يجب أن تبقى في طي الكتمان. فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هَلْ مِنْكُمُ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ، فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ، وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ ؟". قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: "ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا، فَعَلْتُ كَذَا ؟". فَسَكَتُوا. فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ: "هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ ؟". فَسَكَتْنَ. فَجَثَتْ فَتَاةٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَا وَتَطَاوَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لِيَرَاهَا وَيَسْمَعَ كَلاَمَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَهْ. فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ ؟ إِنَّمَا ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ لَقِيَتْ شَيْطَانًا فِي السِّكَّةِ، فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ" قوي بشواهده.

وهذا نهي عن مجرد الكلام، فكيف بالذين يستبيحون لزوجاتهم وبناتهم أن يخرجن كاسيات عاريات، ليس عليهن من الثياب إلا ما كشف وشف، فيطلع الناس على عوراتهن، وما أمرن بستره ؟.

ومن عجب، أن يبث التلفزيون الإسرائيلي تقريرًا مصورًا يثبت أن كثيرا من المومسات هناك سيدات مثقفات، حاصلات على شهادات جامعية، منهن من تعتبر الرذيلة "عملا نبيلا"، يمارسنها حفاظا - في زعمهن - على أسرهن التي تراكمت عليها الديون الكمالية، لهثا وراء العيش الرغيد، والارتشاف من ملذات الحياة، وعدم رضا بحياة العفاف والكفاف، علما بأن أزواجهن يعاملونهن باحترام، لأنهن يضحين من أجل العائلة.

2- ومن حقه عليها - وهذا ما تغفل عنه بعض النساء، فيجعلنه ورقة ضغط عند الخصومة، وهو مما لا ينبغي - أن تطيعه في قضاء متعته إذا هو طلبها، ما لم يمنعها مانع شرعي، فإن أبت فقد وضعت نفسها موضعا خطيرا، يجليه قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح" وفي رواية: "حتى ترجع"، وفي أخرى: "حتى يرضى عنها" متفق عليه.

ذلك أن من أعظم مقاصد الزواج الإحصانَ والإعفافَ للطرفين معا، فلا يجوز لأحدهما أن يمتنع عن تحقيق هذا المقصد الشرعي، لما قد يترتب على ذلك من توترات، وعصبيات، وتعميق للمشاكل. ولذلك نبه النبي - صلى الله عليه وسلم - المرأة إلى المسارعة إلى تلبية حاجة الزوج من غير إبداء الاعتذارات والتلكؤات. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قَتَب ( الرحل فوق السنام) لم تمنعه من نفسها" صحيح سنن ابن ماجة.

ويترتب على ذلك أن حق الزوج في الاستمتاع المشروع، مقدم على عبادة المرأة التطوعية، فلو كانت صائمة صيام نفل، ثم رغب فيها زوجها، قطعت صيامها، ولبت حاجته. ولذلك لم يجز لها أن تصوم للتطوع إلا بإذنه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، غير رمضان" البخاري.

قال ابن حجر - رحمه الله -: "وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير، لأن حقه واجب، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع".

الخطبة الثانية

3- خدمته بالمعروف:
وهذا من الواجب عليها تجاه زوجها. قال شيخ الإسلام - رحمه الله -: "يجب على الزوجة خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، وأن تقوم بشؤون البيت من تنظيف، وطبخ، حسب ما يقضي به العرف وعادات الناس لمثلهما".

وقال أبو ثور: "عليها أن تخدم زوجها في كل شيء".

فقد أتت فاطمة - رضي الله عنها - النبي - صلى الله عليه وسلم - تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وسألته أن يأتيها بخادم، فقال لها: "ألا أخبرك ما هو خير لك منه ؟ تسبحين الله عند منامك ثلاثًا وثلاثين، وتحمدين ثلاثًا وثلاثين، وتكبرين أربعًا وثلاثين" البخاري. فلم يحضر لها خادما، فدل على أن خدمة البيت واجبة على الزوجة. ولذلك قال ابن حبيب: "حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وبين فاطمة - رضي الله عنها - حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة، خدمة البيت، وحكم على عليٍّ بالخدمة الظاهرة".

وهذه أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - تقول: "كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس، وكنت أسوسه، وكنت أحتش له، وأقوم عليه" مسلم.

وفي رواية أخرى قالت: "تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ، وَمَا لَهُ فِي الأَرْضِ مِنْ مَالٍ، وَلاَ مَمْلُوكٍ، وَلاَ شَيْءٍ غَيْرَ نَاضِحٍ، وَغَيْرَ فَرَسِهِ، فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ، وَأَسْتَقِي الْمَاءَ، وَأَخْرِزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ، وَلَمْ أَكُنْ أُحْسِنُ أَخْبِزُ، وَكَانَ يَخْبِزُ جَارَاتٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ، وَكُنَّ نِسْوَةَ صِدْقٍ، وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ.. عَلَى رَأْسِي، وَهْيَ مِنِّى عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي.. لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ.. فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّى قَدِ اسْتَحْيَيْتُ، فَمَضَى.." متفق عليه.

فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - حالها، ولم يأمر الزبير بإحضار خادمة لها.

ومن الأدلة على ذلك - أيضا -، ما رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ: هَلَكَ أَبِي، وَتَرَكَ سَبْعَ بَنَاتٍ، أَوْ تِسْعَ بَنَاتٍ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً ثَيِّبًا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "تَزَوَّجْتَ يَا جَابِرُ ؟". قُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ: "بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا ؟". قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا. قَالَ: "فَهَلاَّ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ، وَتُضَاحِكُهَا وَتُضَاحِكُكَ ؟". قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ (أباه) هَلَكَ، وَتَرَكَ بَنَاتٍ، وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَجِيئَهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، وَتُصْلِحُهُنَّ. فَقَالَ: "بَارَكَ اللَّهُ لَكَ".

فجابر إنما تزوج لتقوم زوجته بشؤون أخواته وبيته، ولم ينكر عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يا عائشة أطعمينا". ويقول: "يَا عَائِشَةُ، هَلُمِّي الْمُدْيَةَ (السكين)، واشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ" مسلم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]