عرض مشاركة واحدة
  #204  
قديم 17-11-2022, 05:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,427
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الخامس
الحلقة (204)
صـ346 إلى صـ 360


ووجه الترجيح في هذا الضرب غير منحصر ، إذ الوقائع الجزئية النوعية [ ص: 346 ] أو الشخصية لا تنحصر ، ومجاري العادات تقضي بعدم الاتفاق بين الجزئيات بحيث يحكم على كل جزئي بحكم جزئي واحد ، بل لا بد من ضمائم تحتف ، وقرائن تقترن ، مما يمكن تأثيره في الحكم المقرر ، فيمتنع إجراؤه في جميع الجزئيات ، وهذا أمر مشاهد معلوم ، وإذا كان كذلك ، فوجوه الترجيح جارية مجرى الأدلة الواردة على محل التعارض ، فلا يمكن في هذه الحال إلا الإحالة على نظر المجتهد فيه ، وقد تقدم لهذا المعنى تقرير في أول كتاب الاجتهاد ، وحقيقة النظر الالتفات إلى كل طرف من الطرفين أيهما أسعد وأغلب أو أقرب بالنسبة إلى تلك الواسطة ، فيبنى على إلحاقها به من غير [ ص: 347 ] مراعاة للطرف الآخر أو مع مراعاته ، كمسألة العبد في مذهب مالك ومن خالفه وأشباهها .
فصل

هذا وجه النظر في الضرب الأول على ظاهر كلام الأصوليين ، وإذا تأملنا المعنى فيه ، وجدناه راجعا إلى الضرب الثاني ، وأن الترجيح راجع إلى وجه من الجمع ، أو إبطال أحد المتعارضين حسبما يذكر على أثر هذا [ ص: 348 ] بحول الله تعالى .

وأما ما يمكن فيه الجمع ، وهي :
[ ص: 349 ] المسألة الثالثة

فنقول : لتعارض الأدلة في هذا الضرب صور :

إحداها : أن يكون في جهة كلية مع جهة جزئية تحتها ، كالكذب المحرم مع الكذب للإصلاح بين الزوجين ، وقتل المسلم المحرم مع القتل قصاصا أو بالزنى ، فهو إما أن يكون الجزئي رخصة في ذلك الكلي ، أو لا .

وعلى كل تقدير ، فقد مر في هذا الكتاب ما يقتبس منه الحكم تعارضا وترجيحا ، وذلك في كتاب الأحكام وكتاب الأدلة ، فلا فائدة في التكرار .

والثانية : أن يقع في جهتين جزئيتين ، كلتاهما داخلة تحت كلية واحدة ، كتعارض حديثين أو قياسين أو علامتين على جزئية واحدة ، وكثيرا ما يذكره الأصوليون في الضرب الأول الذي لا يمكن فيه الجمع ، ولكن وجه النظر فيه أن التعارض إذا ظهر ، فلا بد من أحد أمرين : إما الحكم على أحد الدليلين بالإهمال ، فيبقى الآخر هو المعمل لا غير ، وذلك لا يصح إلا مع [ ص: 350 ] فرض إبطاله بكونه منسوخا ، أو تطريق غلط أو وهم في السند أو في المتن إن كان خبر آحاد ، أو كونه مظنونا يعارض مقطوعا به ، إلى غير ذلك من الوجوه القادحة في اعتبار ذلك الدليل ، وإذا فرض أحد هذه الأشياء لم يمكن فرض اجتماع الدليلين فيتعارضا ، وقد سلموا أن أحدهما إذا كان منسوخا لا يعد معارضا ، فكذلك ما في معناه ، فالحكم إذا للدليل الثابت عند المجتهد كما لو انفرد عن معارض من أصل ، والأمر الثاني : الحكم عليهما معا بالإعمال ، ويلزم من هذا ألا يتوارد الدليلان على محل التعارض من وجه واحد ؛ لأنه محال مع فرض إعمالهما فيه ، فإنما يتواردان من وجهين ، وإذ ذاك يرتفع التعارض ألبتة ، إلا أن هذا الإعمال تارة يرد على محل التعارض كما في مسألة العبد في رأي مالك ، فإنه أعمل حكم الملك له من وجه ، وأهمل ذلك من وجه ، وتارة يخص أحد الدليلين ، فلا يتواردان على محل التعارض معا ، بل يعمل [ ص: 351 ] في غيره ويهمل بالنسبة إليه لمعنى اقتضى ذلك ، ويدخل تحت هذا الوجه كل ما يستثنيه المجتهد صاحب النظر في تحقيق المناط الخاص المذكور في أول كتاب الاجتهاد ، وكذلك في فرض الكفاية المذكور في كتاب الأحكام .

والصورة الثالثة : أن يقع التعارض في جهتين جزئيتين لا تدخل إحداهما تحت الأخرى ، ولا ترجعان إلى كلية واحدة ، كالمكلف لا يجد ماء ولا تيمما ، فهو بين أن يترك مقتضى : وأقيموا الصلاة [ البقرة : 43 ] لمقتضى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا [ المائدة : 6 ] إلى آخرها ، أو يعكس ، فإن الصلاة راجعة إلى كلية من الضروريات ، والطهارة راجعة إلى كلية من التحسينيات على قول من قال بذلك ، أو معارضة : وأقيموا الصلاة لقوله : وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره [ البقرة : 150 ] بالنسبة إلى من التبست عليه القبلة ، فالأصل أن الجزئي راجع في الترجيح إلى أصله الكلي ، فإن رجح الكلي فكذلك جزئيه ، أو لم يرجح فجزئيه مثله ؛ لأن الجزئي معتبر بكليه ، وقد ثبت [ ص: 352 ] ترجيحه ، فكذلك يترجح جزئيه .

وأيضا ، فقد تقدم أن الجزئي خادم لكليه ، وليس الكلي بموجود في الخارج إلا في الجزئي ، فهو الحامل له ، حتى إذا انخرم ، فقد ينخرم الكلي ، فهذا إذا متضمن له ، فلو رجح غيره من الجزئيات غير الداخلة معه في كليه للزم ترجيح ذلك الغير على الكلي ، وقد فرضنا أن الكلي المفروض هو المقدم على الآخر ، فلا بد من تقديم جزئيه كذلك ، وقد انجر في هذه الصورة حكم الكليات الشاملة لهذه الجزئيات ، فلا حاجة إلى الكلام فيها مع أن أحكامها مقتبسة من كتاب المقاصد من هذا الكتاب ، والحمد لله .

والصورة الرابعة : أن يقع التعارض في كليين من نوع واحد ، وهذا في [ ص: 353 ] ظاهره شنيع ، ولكنه في التحصيل صحيح .

ووجه شناعته أن الكليات الشرعية قد مر أنها قطعية لا مدخل فيها للظن ، وتعارض القطعيات محال .

وأما وجه الصحة فعلى ترتيب يمكن الجمع بينهما فيه إذا كان الموضوع له اعتباران ، فلا يكون تعارضا في الحقيقة ، وكذلك الجزئيان إذا دخلا تحت [ ص: 354 ] كلي واحد وكان موضوعهما واحدا ، إلا أن له اعتبارين .

فالجزئيان أمثلتهما كثيرة ، وقد مر منها ومن الأمثلة الميل ونحوه في تحديد طلب الماء للطهور ، فقد يكون فيه مشقة بالنسبة إلى شخص فيباح له التيمم ، ولا يشق بالنسبة إلى آخر فيمنع من التيمم ، فقد تعارض على الميل دليلان ، لكن بالنسبة إلى شخصين ، وهكذا ركوب البحر يمنع منه بعض ، ويباح لبعض ، والزمان واحد لكن بالنسبة إلى ظن السلامة والغرق وأشباه ذلك .

وأما التعارض في الكليين على ذلك الاعتبار ، فلنذكر له مثالا عاما يقاس عليه ما سواه إن شاء الله .

وذلك أن الله تعالى وصف الدنيا بوصفين كالمتضادين :

[ ص: 355 ] وصف يقتضي ذمها وعدم الالتفات إليها وترك اعتبارها .

ووصف يقتضي مدحها والالتفات إليها وأخذ ما فيها بيد القبول ؛ لأنه شيء عظيم مهدى من ملك عظيم .

فالأول له وجهان :

أحدهما : أنها لا جدوى لها ، ولا محصول عندها ، ومن ذلك قوله تعالى : أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم الآية [ الحديد : 20 ] فأخبر أنها مثل اللعب واللهو الذي لا يوجد فيه شيء ، ولا نفع فيه إلا مجرد الحركات والسكنات التي لا طائل تحتها ولا فائدة وراءها .

وقوله تعالى : وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور [ الحديد : 20 ] فحصر فائدتها في الغرور المذموم العاقبة .

وقوله تعالى : وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان [ العنكبوت : 64 ] .

وقوله تعالى : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين إلى قوله : ذلك متاع الحياة الدنيا [ آل عمران : 14 ] .

وقال : المال والبنون زينة الحياة الدنيا [ الكهف : 46 ] إلى غير ذلك من الآيات .

[ ص: 356 ] وكذلك الأحاديث في هذا المعنى كقوله : لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء .

[ ص: 357 ] وهي كثيرة جدا ، وعلى هذا المنوال نسج الزهاد ما نقل عنهم من ذم الدنيا وأنها لا شيء .

والثاني : أنها كالظل الزائل ، والحلم المنقطع ، ومن ذلك قوله تعالى : إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض إلى قوله : كأن لم تغن بالأمس [ يونس : 24 ] .

وقوله : إنما هذه الحياة الدنيا متاع [ غافر : 39 ] .

وقوله : لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل الآية [ آل عمران : 196 - 197 ] .

[ ص: 358 ] وقوله : واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح [ الكهف : 45 ] .

وغير ذلك من الآيات المفهمة معنى الانقطاع والزوال وبذلك تصير كأن لم تكن ، والأحاديث في هذا أيضا كثيرة ، كقوله - عليه الصلاة والسلام - : ما لي وللدنيا ، ما أنا في الدنيا إلا كراكب قال تحت شجرة ثم راح وتركها .

[ ص: 359 ] [ ص: 360 ] وهو حادي الزهاد إلى الدار الباقية .

وأما الثاني من الوصفين ، فله وجهان أيضا :

أحدهما : ما فيها من الدلالة على وجود الصانع ووحدانيته وصفاته العلا ، وعلى الدار الآخرة ، كقوله تعالى : أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج إلى : كذلك الخروج [ ق : 6 - 11 ] .

وقوله : أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا الآية [ النمل : 61 ] .

وقوله : يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة الآية إلى قوله : وأن الله يبعث من في القبور [ الحج : 5 - 7 ] .

وقوله : قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله إلى قوله : سبحان الله عما يصفون [ المؤمنون : 84 - 91 ] .

إلى غير ذلك من الآيات التي هي دلائل على العقائد ، وبراهين على التوحيد .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.47%)]