عرض مشاركة واحدة
  #41  
قديم 21-05-2020, 04:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة



عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(27)






محمود العشري



الوسيلة الثالثة والعشرون: حُسن الخُلُق: قال تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث الصحيح في المسنَد: ((إنَّما بُعثتُ لِأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاق))، وسُئل - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن أكثر ما يُدخِل الناسَ الجنة، فقال - كما روَى الترمذي -: ((تقْوَى الله، وحُسْن الخلُق)).فالحمد لله الذي بصَّر النفوس مِن عماها، وأخْرَجَها مِن ظلماتٍ للجهل كانتْ تغْشاها، ورفَع مكانةَ الأخلاق في الدِّين وأعلاها، وجعَل أهل قُربه وحبِّه مَن تحلَّى بسجاياها، والصلاة والسلام على رسولِ الله محمَّد - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي أثْبَت للخَلْق منارةً وأعْلاها، وسبَق الخَلْق كلَّهم في الأخلاق حتى بلغ مُنتهاها.يا بن الإسلام، الإسلام هو دِين الخُلُق، جاء رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بإصلاح الأخلاق وتهذيبها، وإرْساء دعائمِها وتقويمها، فليس للخُلُق مكانة عالية في الدِّين فحسب، بل هو الدِّين كلُّه، وقد حصَر رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الغايةَ مِن بعثته، وأساس دعوته في قضيةِ الخُلُق الصالِح.وإذا أردتَ يا بنَ الإسلام حبَّ الله لك، وكمالَ إيمانك، وانشراحَ صدْرك، وقُرْبك من ربِّك، ومجالسة رسولِ الله في الجنَّة، فعليك بحُسن الخلُق، تنلْ ما تتمنَّى؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الحاكم وصحَّحه الألباني: ((إنَّ الله كريمٌ يحبُّ الكُرماء، جوَادٌ يحبُّ الجود، يحبُّ معالي الأمور، ويكْرَه سفْسافَها))، وفي صحيح سُنن الترمذي: ((إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلسًا يومَ القيامة أحاسنَكم أخلاقًا))، فمَن سبقَك في الأخلاق - يا بن الإسلام - فقد سبَقَك في الدين؛ ففي صحيح سنن أبي داود: ((أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا)).وإنَّ أفضل النِّعم، وأجمل العطايا، وأغْلى المِنن، أن يمنَّ عليك ربُّك بخلُق حسَن؛ فبحسن الخُلُق تدخُل الجنة، وبحُسن الخلُق تدرك أعلى المراتب، وأسْمَى المنازل، وأعلى الدرجات؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سُنن أبي داود: ((ما مِن شيءٍ أثقلَ في الميزان مِن حُسن الخلُق))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ المؤمنَ ليُدرك بحُسنِ خُلُقه درجةَ الصائِم القائِم))، وهو حديثٌ صحيح، رواه أحمد في المسند.والمفلح حقًّا، والفائز حقيقةً، والسعيد فعلاً، مَن زكَّى نفْسه بأخلاق الإسلام، وربَّاها على هُدى رسولِ الله - عليه الصلاة والسلام - ولهذا أقْسَم الله - تعالى - أحدَ عشَرَ قَسمًا على أنَّ المفلح مَن زكَّى نفْسَه، وأنَّ الخاسر مَن أهلكها وأهملها، كما في سورة الشمس.فيا بن الإسلام: حسِّن خلُقك؛ فإنَّها وصية الله لك، ووصية رسولِ الله لك؛ فقد قال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح سُنن الترمذي: ((وخالِق الناس بخُلُق حسَن))، وقال ابن القيِّم - رحمه الله تعالى -: "الدِّين كله خلُق، فمَن زاد عليك في الخلُق زاد عليك في الدِّين".أخلاقُنا عنواننا، أخلاقُنا رؤوس أموالِنا، أخلاقنا عُدَّتنا، أخلاقنا هي الإسلام ذاته، فاعرِفْها، وعَضَّ عليها بالنواجِذ، اعرفْها واغْنَمها؛ فهي خيرُ كَنْز تكنزه، وخير صفات تتَّصف بها، فإذا فقدتَ الخُلُق الحسن فقدْ تعريتَ مِن الفضائل والخيرات، وحلَّت بك الهموم والحسرات، فلا تنفع الأعمالُ الصالحة مع سوءِ الخلُق؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني: ((سوء الخُلُق يفسِد العملَ كما يفسد الخلُّ العسَلَ)).أخي يا بن الإسلام، إنَّنا نعيش في أزمةٍ شديدة في مجال الأخلاق، والأمَل معقودٌ علينا - نحن أبناءَ الإسلام - لنعيدَ في الناس الأخلاق الإسلاميَّة، أمَلُنا أن نرَى فينا وفي أبنائنا جيلاً طيَّبتْه الأخلاق الإسلامية، وزكَّتْه وربَّته وصنعتْ منه صورةً حية تشهَد لهذا الدِّين في واقِع الناس، فيرون الإسلامَ صورًا متحرِّكة بيْن الناس، يرون الإسلام نورًا ينبعث مِن سلوكياتنا، يرون الإسلام رحمةً ورفقًا يستميل قلوبَ الخلْق إلينا، يرَوْن فينا الإسلامَ صورةً للحبِّ الصادق والشفَقة البالِغة؛ فننصر دِيننا بأخلاقنا، فإنَّ أخلاقنا هي المغناطيس القويُّ الذي يجذبُ الخَلْق إلى دِيننا ودعوتنا.يا بن الإسلام، صلاحُك في صلاحِ أخلاقك، سعادَتك وفلاحك في حُسن معاملتك، راحةُ البال، وقرَّة العين، وهُدوء الخاطِر، ولذَّة العيش، وصلاح الحال في حُسن الخلُق، أُريدك أن تَقتدي وتَهتدي برسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُريدك أن تجعلَ مِن سُنَّته ينبوعَ هُدى تقتبس منه، وتترع أخلاقك مِن مَعينه الصَّافي، فهو أكملُ الخلْق خلُقًا، وأعظم الخلْق حالاً، هو المثال الذي جعَلَه الله لنا لنحتذيَه، وهو القُدوة التي جعلَها الله لنا لنتأسَّى بها، وأعظِم به مِن قُدوة! وأكرِم به من إمام - صلَّى الله عليه وسلَّم!قال ربُّنا الذي اختاره واصطفاه، واصطنعه على عينه وربَّاه، وهَدى قلبه إلى أكمل الخلُق وأعلاه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، إنَّه الدِّين القويم، والصِّراط المستقيم، والأدَب العظيم الذي استقام عليه نبيُّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى لقِي ربه، بعدَ أنْ عاش مربِّيًا لأصحابه على أكملِ الأخلاق، وأنشأ جيلاً لم ولن تشهدَ الدنيا له مثيلاً؛ ملأتْ أخلاقه عليهم حياتَهم، وكان أحبَّ إليهم من أهليهم وأولادِهم، ومِن كل شيء، أحبُّوه لخلُقه، واتَّبعوه لصِدْقه - عليه الصلاة والسلام - كان خلُقه القرآن؛ يُرضيه ما يرضي ربَّه، ويسخطه ما يسخط مولاه، ما غضِب لنفْسه قطُّ إلا أن تنتهك حُرماتِ الله، كان أرحم الخلْق بالخلْق، وأحْرَص الخلْق على هداية الخلْق - صلَّى الله عليه وسلَّم.هيا يا بن الإسلام: شمِّر عن ساعدِ الجِدّ، واعزِمْ على أن تتحلَّى بأخلاق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - اعرِفْ خُلُق الإسلام وتمسَّك به تربَحْ وتفلح، مُدَّ يدك، وخذْ هَدي النبيِّ بكلِّ عزْم وحب وصِدق، عَطِّرْ الكون بأخلاق رسولِ الله، واملأ الدنيا بنشْر طِيب حُسن الخلُق، عِش بالإسلام، وعِش للإسلام، وانوِ الخير تُوفَّقْ له، واسلك سبيلَ الهُدى تُسدَّد، واعمل تجِدْ ثواب عملك في الآخِرة، وبشراه في الدُّنيا، وخالِق الناس بخلُق حسن.فاحرص على أن يكونَ خُلُقك حسنًا مع كلِّ الناس، فإنَّ ذلك أدْعى إلى قَبولهم منك ما تدْعوهم إليه، ولتقدِّم الدعوة على نفْسك، يُقدِّمْك الله على كلِّ الناس؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الترمذيُّ وصحَّحه الألباني: ((إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربكم منِّي مجلسًا يومَ القيامة أحاسنَكم أخلاقًا))، وقال فيما رواه أبو داود وحسَّنه الألباني: ((أنا زعيمٌ - كفيلٌ وضامن - ببيت في رَبضِ الجَنَّة - ما حولها - لمن ترَك المِراءَ وإن كان محقًّا، وببيت في وسطِ الجنة لمن ترَك الكذِب وإن كان مازحًا، وببيت في أعْلى الجنة لمن حسن خلُقه))، والأحاديث في فضل حسن الخلق كثيرةٌ كثيرة، والله المستعان.وحسن الخلُق أمرٌ يسير على مَن يسَّره الله عليه؛ بأن يكونَ المسلم هيِّنًا ليِّنًا على إخوانه، يُقابلهم ببِشر، ويعاملهم برِفْق، يؤدِّي ما عليه، ولا يستوفي حقوقَه، ويسامِح ويصفَح؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخْرَجه الحاكِم في المستدرك وصحَّحه الألباني لغيره: ((مَن كان هيِّنًا ليِّنًا قريبًا، حرَّمه الله على النار))، وقال أيضًا فيما رواه الطبراني وصحَّحه الألباني لغيره: ((حُرِّمتِ النار على الهيِّن الليِّن السَّهْل القريب)).قال البيهقي - رحمه الله - في بيان حُسْن الخلق: ومعنى حُسن الخلُق: سلامة النفْس نحو الأرْفَق الأحْمد مِن الأفعال، وقدْ يكون ذلك في ذات الله - تعالى - وقد يكون فيما بيْن الناس، وهو في ذات الله - تعالى - أن يكونَ العبد منشرحَ الصدْر بأوامِرِ الله - تعالى - ونواهيه، يفْعَل ما فرض عليه طيِّبَ النفْس به سلسًا نحوه، ويَنتهي عمَّا حرم عليه راضيًا به غير متضجِّر منه، ويرغَب في نوافل الخير، ويترك كثيرًا من المباح لوجهه - تعالى وتقدَّس - إذا رأى أنَّ ترْكَه أقربُ إلى العبودية مِن فعله، مستبشرًا لذلك، غير ضجِر منه ولا متعسِّر به.وهو في المعاملات بيْن الناس أن يكون سمحًا لحقوقه لا يطالِب غيرَه بها، ويُوفي كلَّ ما يجب لغيره عليه منها؛ فإنْ مرِض ولم يُعَد، أو قدِم من سفرٍ فلم يُزَر، أو سلَّم فلم يُردَّ عليه، أو ضاف فلم يُكرم، أو شفَع فلم يُجب، أو أحسن فلم يُشكَر، أو دخَل على قوم فلم يُمكَّن، أو تكلَّم فلم يُنصَت له، أو استأذن على صديقٍ فلم يُؤذَن له، أو خطَب فلم يُزوَّج، أو استمهل الدَّين فلم يُمهَل، أو استنقَص منه فلم يُنقَص، وما أشبهَ ذلك - لم يغضبْ، ولم يُعاقِب، ولم يتنكَّر - يتغيَّر - من حاله حال، ولم يستشعرْ في نفْسه أنه قد جُفي وأوحش، وأنَّه لا يُقابل كل ذلك إذا وجَد السبيل إليه بمثله، بل يُضمر أنَّه لا يعتدُّ بشيء مِن ذلك، ويُقابل كلاًّ منه بما هو أحسنُ وأفضلُ وأقربُ إلى التقوى، وأشبه بما يُحمَد ويُرضى، ثم يكون في إيفاء ما يكون عليه كهو في حِفْظ ما يكون له، فإذا مرِض أخوه المسلم عادَه، وإنْ جاءَه في شفاعةٍ شفَّعه، وإن استمهلَه في قضاء دَين أمهله، وإنِ احتاج منه إلى معونتِه أعانه، وإن استسْمَحَه في بيع سمَح له، ولا ينظر إلى أنَّ الذي يُعامله كيف كانتْ معاملته إيَّاه فيما خلا، وكيف يُعامِل الناس، إنما يتَّخذ الأحْسن إمامًا لنفْسه، فينحو نحوَه، ولا يخالِفه.والخلُق الحسَن قد يكون غريزةً، وقد يكون مكتسبًا، وإنَّما يصحُّ اكتسابه ممن كان في غريزته أمثل منه، فهو يضمُّ باكتسابه إليه ما يتمِّمه، ومعلومٌ في العادات أنَّ ذا الرأي يزداد بمجالسةِ أُولي الأحلام والنُّهَى رأيًا، وأنَّ العالم يزداد بمخالطة العلماء علمًا، وكذلك الصالِح والعاقِل بمجالسة الصُّلحاء والعُقلاء، فلا ينكر أن يكون ذو الخُلُق الجميل يزداد حُسنَ الخلُق بمجالسة أُولي الأخلاق الحَسَنة، وبالله التوفيق.قال ابن القيم في "المدارج": "وحُسن الخلُق يقوم على أربعةِ أرْكان، لا يُتصور قيام ساقِه إلا عليها: الصبر والعفَّة، والشجاعة والعدْل:فالصَّبر: يحمله على الاحتمال وكظْم الغيظ، وكفِّ الأذَى، والحِلم والأناة والرِّفق، وعدم الطَّيْش والعجَلة.والعفَّة: تحمله على اجتنابِ الرذائل والقبائِح من القول والفِعل، وتحمله على الحياء - وهو رأس كلِّ خير - وتمنعه مِن الفحشاء، والبُخل، والكذِب، والغِيبة والنميمة. والشجاعة: تحمله على عِزَّة النفْس، وإيثار معالي الأخلاق والشِّيم، وعلى البذْل والنَّدَى، الذي هو شجاعةُ النَّفْس وقوَّتها على إخراج المحبوبِ ومفارقته، وتحمله على كظْم الغيظ والحِلم؛ فإنَّه بقوَّة نفْسه وشجاعتها يُمسِك عِنانها، ويكبحها بلجامها عن النَّزْغ والبَطش، كما قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليس الشديدُ بالصُّرَعَة؛ إنَّما الشديد الذي يَملِك نفْسَه عندَ الغضب))، وهو حقيقة الشجاعة، وهي مَلَكةٌ يقتدر بها العبدُ على قهْر خصمه.والعدل: يحمِله على اعتدالِ أخلاقه، وتوسُّطه فيها بيْن طرَفي الإفراط والتفريط، فيحمله على خُلُق الشجاعة الذي هو توسُّط بين الجُبن والتهوُّر، وعلى خلُق الحِلم الذي هو توسُّط بين الغضَب والمهانة وسقوط النَّفْس، ومنشأ جميع الأخلاق الفاضِلة عن هذه الأربعة.ومنشأ جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أرْبعة أركان: الجهل والظلم، والشهوة والغضَب:فالجهل: يُريه الحسنَ في صورةِ القبيح، والقَبيحَ في صورة الحسَن، والكمال نقصًا، والنقص كمالاً.والظلم: يحمله على وضْع الشيء في غيرِ موضعِه، فيَغْضَب في موضِع الرِّضا، ويرْضَى في موضع الغضب، ويبخَل في موضِع البذْل، ويبذل في موضِع البُخل، ويُحجِم في موضع الإقدام، ويُقدِم في موضع الإحجام، وهكذا.والشهوة: تحمله على الحِرْص والشُّح والبُخل، وعدم العِفَّة، والنهمة والجشَع، والذلِّ والدَّناءات كلها.والغضب: يحمله على الكِبر والحِقد والحسَد، والعُدوان والسَّفَه، ويتركَّب مِن بين كل خُلقين مِن هذه الأخلاق أخلاقٌ مذمومة.وملاك هذه الأربعة أصلان: إفراط النفس في الضعْف، وإفراطها في القوَّة؛ فيتولَّد من إفراطها في الضعْف: المهانة والبُخل، والخسَّة واللؤم، والذُّل والحِرْص، والشُّح، وسفساف الأمورِ والأخلاق، ويتولَّد مِن إفراطها في القوَّة: الظلم، والغضب، والحدَّة، والفُحش، والطيش، ويتولَّد مِن تزوُّج أحد الخُلقين بالآخَر: أولاد غيَّة كثيرون، فإنَّ النَّفْس قد تجمع قوةً وضعفًا، فيكون صاحبها أجْبَر الناس إذا قدَر، وأذلَّهم إذا قُهِر، ظالِم عنوف جبَّار، فإذا قُهِرَ صار أذلَّ مِن امرأة؛ جبان عن القوي، جرِيء على الضعيف.فالأخلاق الذميمة يُولِّد بعضُها بعضًا، كما أنَّ الأخلاق الحميدة يُولِّد بعضها بعضًا، وكل خلُق محمود مكتنف بخُلقين ذميمين، وهو وسطٌ بينهما، وطرَفاه خلُقان ذميمان؛ كالجود الذي يكتنفه خلقَا البُخْل والتبذير، والتواضُع الذي يكتنفه خلقَا الذلِّ والمهانة والكِبْر والعلو، فإنَّ النَّفْس متى انحرفتْ عن التوسُّط انحرفت إلى أحد الخُلُقين الذميمين ولا بدّ؛ فإذا انحرفَتْ عن خلُق الحياء، انحرفتْ إمَّا إلى قحة وجُرأة، وإما إلى عجْز وخَور ومهانة، بحيث يُطْمِع في نفْسه عدوَّه، ويفوته كثيرٌ من مصالحه، ويزعُم أنَّ الحامل له على ذلك الحياء؛ وإنَّما هو المهانة والعجْز وموت النفْس، وكذلك إذا انحرفتْ عن خُلُق الصبر المحمود، انحرفتْ إمَّا إلى جزَع وهلَع وجشَع وتسخُّط، وإمَّا إلى غِلظة كبد، وقَسوة قلْب، وتحجُّر طبْع، وكذلك طلاقةُ الوجْه والبِشر المحمود، فإنَّه وسط بيْن التعبيس والتقطيب وتصْعير الخدّ، وطي البِشر عن البِشر، وبيْن الاسترسال بذلك مع كلِّ أحد، بحيث يذهب الهَيْبة، ويُزيل الوَقار، ويطمع في الجانِب، كما أنَّ الانحرافَ الأوَّل يُوقِع الوحشةَ والبغضة والنفرة في قلوب الخلْق.وصاحب الخلُق الوسط مهيبٌ محبوب، عزيزٌ جانبُه، حبيبٌ لقاؤه، وفي صفة نبيِّنا - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مَن رآه بديهةً هابه، ومَن خالطَه عشرةً أحبَّه" والله – تعالى - أعْلَى وأعْلَم.وأما أرْكان حُسن الخلُق عند شيخ الإسلام الهروي، فقدْ قال - رحمه الله -: (جميعُ الكلام فيه يدور على قُطْب واحِد؛ وهو بذْل المعروف، وكفّ الأذَى، وإنَّما يدرك إمكان ذلك في ثلاثة أشياء: في العِلم، والجُود، والصَّبْر).فأركان حُسن الخلُق عندَه - رحمه الله - ثلاثة: العِلم، والجود، والصَّبر؛ فالعِلم يرشده إلى مواقِع بذْل المعروف، والفرْق بيْنه وبيْن المنكَر، وترتيبه في وضعِه مواضعَه، فلا يضَع الغضَب موضع الحِلم ولا بالعكْس، ولا الإمساك موضِع البذْل، ولا بالعكس، بل يعرف مواقِع الخير والشرّ ومراتبها، وموضِع كلِّ خلُق أين يضَعه، وكيف يُحسِن استعماله.والجود يبعثه على المسامَحة بحقوقِ نفْسه، والاستقصاء منها بحقوقِ غيره، فالجود هو قائِد جيوش الخير.والصبر يحفَظ عليه استدامة ذلك، ويحمله على الاحتمال، وكظْم الغيْظ، وكف الأذَى، وعدم المقابلة، وعلى كلِّ خير، وهو أكْبر العون على نيْل كلِّ مطلوب من خيرِ الدنيا والآخِرة؛ قال تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]".فإن قلتَ - أخي ابن الإسلام -: هل يُمكن أن يقَع الخُلُق كسبيًّا أو هو أمرٌ خارجٌ عن الكسْب؟قلت: جوابك فيما قاله ابنُ القيِّم في "المدارج": "يُمكن أن يقَع كسبيًّا بالتخلُّق والتكلُّف، حتى يصيرَ له سجيةً وملَكة، وقد قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لأشجِّ عبدِالقيس - رضي الله عنه -: ((إنَّ فيك لخُلُقين يحبُّهما الله: الحِلم والأناة))، فقال: أخُلُقين تخلَّقتُ بهما، أم جبَلني الله عليهما؟ فقال: ((بل جبَلَك الله عليهما))، فقال: الحمدُ لله الذي جبَلَني على خلُقين يحبُّهما الله ورسولُه؛ والحديث متَّفق عليه، وقدْ دلَّ على أنَّ مِن الخلُق ما هو طبيعة وجبلَّة، وما هو مكتسَب، وكان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول في دُعاء الاستفتاح: ((اللهم اهدِني لأحسنِ الأخلاق، لا يَهدي لأحسنِها إلاَّ أنت، واصرفْ عنِّي سيِّئَها، لا يصرِف عنِّي سيئَها إلاَّ أنت)) فذكَر الكسْب والقدَر، والله أعلم".وأمَّا عن الأسباب التي يُنال بها حسن الخلُق، فقد ذكَر الغزالي - رحمه الله - في الإحياء اثنين، وأزيد هنا سببًا ثالثًا، قال - رحمه الله -: "أحدهما: جُود إلهي وكمال فِطري، بحيث يُخلق الإنسان ويُولَد كاملَ العقل حسنَ الخلُق، قد كُفي سلطان الشهوة والغضَب، فيصير مؤدَّبًا بغير تأديب، والثاني: اكتساب هذه الأخلاق بالمجاهَدَة والرِّياضة، وحمْل النَّفْس على الأعمال التي يَقتضيها الخلُق المطلوب".فالأخلاق الجميلة يُمكن اكتسابها بالرياضة، وهي تكلُّفُ الأفعال الصادِرة عنها ابتداءً؛ لتصير طبعًا انتهاء؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه الدارقطني والخطيب، وحسَّنه الألباني: ((إنَّما العِلم بالتعلُّم، وإنما الحِلم بالتحلُّم، ومَن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومَن يتوقَّ الشر يُوقَه)).وطالب تزكية النفْس وتكميلها وتحليتها بالأعمال الحسَنة لا ينالها بعبادةِ يوم، ولا يُحرَمها بمعصية يوم.والسبب الثالث: هو مشاهَدة أرباب الأفعال الجميلة ومصاحبتهم، وهم قُرناء الخير وإخوان الصَّلاح؛ إذِ الطبع يَسرِق من الطبع الشرَّ والخير جميعًا، فمن تظاهرتْ في حقِّه الجهات الثلاث، حتى صار ذا فضيلةٍ طبعًا واعتيادًا وتعلمًا، فهو في غاية الفضيلة، ومَن كان رَذِلاً بالطبع، واتَّفق له قرناء السوء فتعلَّم منهم، وتيسَّرتْ له أسباب الشر حتى اعتادَها، فهو في غاية البُعد من الله - عزَّ وجلَّ - وبيْن الرتبتين مَن اختلفتْ فيه من هذه الجهات، ولكلٍّ درجة في القُرْب والبُعد بحسب ما تَقتضيه صورته وحالته.وأمَّا عن علامة حُسْن الخلُق، فقد قال يوسف بن أسباط: علامة حسن الخلق عشر خصال:قلَّة الخِلاف، وحسن الإنصاف، وترْك طلب العثرات، وتحسين ما يبدو مِن السيِّئات، والتماس المعذرة، واحتمال الأذَى، والرجوع بالملامة على النفْس، والتفرُّد بمعرفة عيوب نفْسه دون غيره، وطلاقَةُ الوجه للصغير والكبير، ولُطف الكلام لمَن دونه ومَن فوقه.والخلُق الحسن يتحقَّق بحقوقِ الأُخوَّة الإيمانيَّة التي تربط المسلمَ بجميع إخوانه المسلمين فعلاً وتركًا، وهي تبلُغ أكثر من سبعين حقًّا، فتأملها - أخي يا بن الإسلام - في الكُتب المعنية بذلك، وزِن نفسك بها؛ لترَى هل سلوكك يتَّفق مع السلوك الذي أراده الشَّرْع منَّا، والذي طبَّقه الصحابة ومَن تبِعهم مِن السلف - رضي الله عنهم - أم لا، فتعدِّل مسارك، وتصحِّح منهجك.أُسس الخلُق:اعلم يا بن الإسلام - رحِمك الله - أنَّ حسن الخلُق يقوم على أرْكان أربعة، ولا يُمكن أن يُوصَف مسلِمٌ بحُسن الخلُق إلا بهذه الدَّعائم والأسس، وهي: الصبر والعفَّة، والشجاعة والعدْل، ولكن لماذا كانتْ هذه الأصول الأرْبعة كذلك؟ ذاك لأنَّ الصبر يعلِّم كظْمَ الغيظ، وكفَّ الأذى، والحِلم والأناة، والرِّفق والتأني، أمَّا العفَّة فتكسب المسلِمَ الحياءَ، وتمنعه مِن الفحشاء، وتمنعه أيضًا مِن البخل والكذب، والغِيبة والنميمة، وتحمِله على اجتناب الرَّذائل والقبائح، وأمَّا الشجاعة فتحمِله على عِزَّة النفس، وإيثار معالي الأخلاق، وعلى البذْل والنَّدَى، والعدل يربِّي الإنسان على التوسُّط وعدَم الإفراط أو التفريط.وهكذا يا بن الإسلام ترَى أنَّ أصول الأخلاق الإسلامية تنبثِق من هذه الأربعة وتتفرَّع عنها؛ ولذلك سوف أذكُر لك أمثلةً إن عملتَ بها جاءتك البقيةُ ساعيةً، فانتبهْ لتعمل، وانوِ الخير تُوَفَّقْ له - إنْ شاء الله.1 - الصدق: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 119]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في صحيح مسلم: ((عليكم بالصِّدْق؛ فإنَّ الصِّدق يَهدِي إلى البِر، وإنَّ البِرَّ يَهدِي إلى الجنة)).أخي يا بن الإسلام، الصِّدق طُمأنينة، وخَصلة حميدة كريمة، والصادِق عزيز مكرَّم، ينال ثِقةَ الناس به، وحبَّ الناس له، وقبل ذلك ينال جنَّةَ الله.والصِّدق هو: مطابَقة الكلام للواقِع بلا زيادةٍ ولا نقصان، وقيل: هو استواء الظاهِر والباطِن والسرِّ والعلانية، وليس الصِّدق في الكلام فحسبُ، بل في الحال كذلك.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]