عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-01-2021, 04:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي وتعانوا على البر والتقوى

وتعانوا على البر والتقوى













✍ د. محمد عطية متولي

تتميز شخصية المسلم بمجموعة من القيم تشكل وجدانه وترسم مساره في الحياة، هذه القيم نابعة من دينه لتحقق وظيفة الإنسان في عبادة الله وعمارة الكون، ومنها قيمة التعاون.
انفرد الله سبحانه وتعالى بوصف الغنى المطلق وفطر عباده على حاجتهم إليه سبحانه وتعالى فلا يستغنون عن معونة الله عز وجل لحظة من ليل أو نهار.
خلق الله الخلق ورزقهم من فضله قدرات عقلية وبدنية ونفسية متفاوتة فمن الناس من هو قوي البدن لكنه لم يبلغ من الذكاء ما يستطيع به تدبير أمور نفسه ومن الناس من هو صاحب عقل كبير لكن بدنه ضعيف يحتاج لمن يجلب له حاجاته وهكذا.. فلا تتم حياة البشر بدون التعاون.
الناس للناس من بدو وحاضرة
بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
وإن لقمة واحدة من خبز كفيلة ببيان حاجة الإنسان إلى التعاون عندما تتأمل في هذه اللقمة تجد كم تعاون فيها من أشخاص وعلوم وصناعات حتى تصل إلى فمك.
إذا سلكنا الطريق من بدايته نجد من انتقى الحبة لكي تكون بذرة صالحة مثمرة منتجة ومن هيأ الأرض لتصلح للزراعة والآلات التي ساعدت على تهيئة الأرض والعلوم التي أدت إلى اختراع هذه الآلات والصناعات التي قامت بإنتاج هذه الآلات ومن بذر البذرة ومن تعهدها بالري والآلات المستخدمة في الري والعلوم التي أدت إلى اختراع آلات الري والصناعات التي أنتجتها والعلوم التي تنظم وصول الماء؛ ماء الأنهار أو ماء المطر أو ماء الآبار عبر القنوات حتى يصل من منبعه إلى البذرة.. كل ما سبق وغيره مما لم نذكره لكي تصل لقمة واحدة إلى فمك.. كل هذه العلوم والصناعات والأشخاص تعاونت فيما بينها لكي توفر لنا لقمة خبز.
حث السنة النبوية على التعاون
حثت السنة النبوية على التعاون في جملة من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم منها «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، ثم شبك بين أصابعه» صحيح البخاري. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» صحيح مسلم. فالنبي صلى الله عليه وسلم يشبه علاقة المؤمن بغيره من المؤمنين بالبنيان الذي لا يكتمل إلا بتعاون أعضائه فيما بينهم، واللبنة الواحدة لا تحمي من الحر ولا البرد ولا تستر شيئا، لكنها إذا انضمت لغيرها سترت وآوت وحمت من بداخلها. قال القاضي عياض: فتشبيهه المؤمنين بالجسد الواحد.. فيه تعظيم حقوق المسلمين والحض على تعاونهم وملاطفة بعضهم بعضا (1).
كما يشبه النبي صلى الله عليه وسلم علاقة المؤمن بغيره من المؤمنين بعلاقة أعضاء الجسد الواحد الذي تربطه وصلات عصبية قوية تنقل الإحساس بالألم من أقصى الجسد إلى أقصاه كما تعين بقية أجزاء الجسد السليمة الجزء المصاب وتظل على هذه الحال مهما كان الجهد المبذول في هذا التعاون وإن حرمها الراحة حتى تعود العافية إلى الجزء المصاب، ونفهم من ذلك أن البناء الحضاري لا يمكن أن يتم دون الشعور بأن الناس جميعا جسد واحد وأن الجسد الواحد لا يمكن أن يتجه إلى غايته وبعضُه مصاب بما يعرقل عمله، وأن الواجب على المسلمين أن يتعاون بعضهم مع بعض كما تتعاون أعضاء الجسد بعضها مع بعض.
منزلة التعاون من الإيمان
البعض ينظر إلى تعاونه مع الآخرين على أنه فضل منه، فإذا قام به انتظر الشكر وإن لم يقم به فلا شيء عليه، ولا يلام ولا يعاتب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يصحح هذه النظرة ويقرن بين الإيمان والعمل الصالح للنجاة من النار، ويضرب أمثلة للعمل الصالح عندما نتأملها نجدها كلها تأتي في مجال التعاون بين الناس.. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: «الإيمان بالله» فقلت: يا نبي الله مع الإيمان عمل؟ قال: «أن ترضخ مما خولك الله أو ترضخ مما رزقك الله» قلت: يا نبي الله، فإن كان فقيرا لا يجد ما يرضخ؟ قال: «يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر» قلت: إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؟ قال: «فليعن الأخرق (العاجز)» قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان لا يحسن أن يصنع؟ قال: «فليعن مظلوما» قلت: يا نبي الله، أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مظلوما؟ قال: «ما تريد أن تترك لصاحبك من خير، ليمسك أذاه عن الناس» قلت: يا رسول الله، أرأيت إن فعل هذا يدخل الجنة؟ قال: «ما من مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة» (2).
أول مظاهر التعاون التي يطلبها النبي صلى الله عليه وسلم من المسلم لكي ينجو من النار الإنفاق في سبيل الله، فإن عجز البعض عن توفير مال يتصدق به فأمامه باب آخر من أبواب التعاون وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو باب عظيم من التعاون المعنوي، به يصحح المسلم مسار إخوانه ويأخذ بأيديهم إلى طريق الصواب ويعينهم على السير فيه، وهو أعظم ألوان التعاون على البر والتقوى الذي أمر الله به، وفي توجيه آخر للتعاون بين المسلمين يرشد النبي صلى الله عليه وسلم صاحب القدرة على الإعانة أن يتوجه إلى الذي لا يستطيع أن يقوم بأمر نفسه، ويمكن أن يضاف لهم أصحاب الاحتياجات الخاصة، على أن معاونة هؤلاء وتعليمهم كيف يقومون بأمور أنفسهم بل كيف يعاونون غيرهم وتحويلهم من حمل ثقيل على أهليهم ومجتمعاتهم إلى طاقة منتجة تسهم في البناء والتنمية، من أعظم القربات.
فإن لم يمتلك مهارات يستطيع من خلالها أن يقدم دعمه للمحتاجين يفتح له النبي صلى الله عليه وسلم بابا آخر للتعاون وهو باب معاونة المظلومين، وبذلك نرى أن الإنسان المسلم ينبغي عليه أن يعاون إخوانه حسب قدرته، وأنه مهما كانت قدراته يمكن أن يقدم للآخرين معونة تنفعه عند الله وتثمر عند الناس.
تعاون فكري
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالما أو مظلوما» قال: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوما، فكيف ننصره ظالما؟ قال: «تأخذ فوق يديه» صحيح البخاري. هذا تعاون في نصر الإنسان على أفكاره التي تضره، فإن الإنسان إذا أطاع هواه وسار في طريق الظلم وقعت عليه العقوبة إما من الله تعالى لأن الله عز وجل يجيب دعوة المظلوم وإما من الله تعالى ومن الناس بأن يسعى المظلوم في أخذ حقه بالطرق القانونية أو يتجاوز القانون ويأخذ حقه بيده، وفي كل الأحوال الضرر يقع بالظالم فعندما تمنعه عن الظلم ببيان أضرار الظلم عليه في الدنيا والآخرة تكون بذلك قد نصرته، لكنه لا يرى هذه الأضرار أو يراها لكن نفسه تغلبه، فعندما تعاونه في عصيان هواه وشيطانه تكون بذلك قد نصرته أعظم نصر. «وفسر (نصره ظالما) بأن تمنعه من الظلم؛ واعلم أن من منع شخصا من الظلم فقد نصره على هواه ونفعه بالمنع كما ينفعه بالنصر» (3). و«إذا نهاه ووعظه فقد نصره على شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء» (4). وكم من أصحاب المعاصي من يحتاج إلى معونة تقدم إليه ودعم نفسي يحتاجه ليتغلب على الشيطان والهوى ورفقة السوء، وأخص منهم من ابتلي بداء المخدرات وفي هؤلاء من مازال فيه خير لكنه يحتاج إلى تعاون الجميع معه؛ أهل الطب وأهل الدين والاختصاصيين النفسيين، ويحتاج قبل هؤلاء إلى علاج المشكلة التي أوقعته في الإدمان، وإلا حتى لو شفي من الإدمان فإنه قد يعود مرة ومرات طالما بقيت المشكلة التي أدخلته هذه الدوامة موجودة.
أخلاقيات التعاون
عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا وأبا موسى إلى اليمن قال: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» صحيح البخاري.
يضع النبي صلى الله عليه وسلم أساسا لابد أن يقوم عليه التعاون وهو التطاوع فإذا أجرى الله الحق على لسان أحد الأطراف فينبغي على الآخرين أن يقبلوه، ولا يحرص كل منهم على أن يظهر بمظهر الحكيم الذي قوله الحق وحكمه الفصل، فإن هذه الرغبة تقضي على آفاق التعاون، وإذا سار كل منهم في اتجاه فمتى يلتقيان؟ وكيف يحدث التعاون مع الافتراق الذي سببه الرغبة في الانتصار للرأي وفرضه على الآخرين وإن كان غيره خيرا منه؟.
الهوامش
1- فتح الباري، ابن حجر (10/ 439).

2- شعب الإيمان 5/34.
3- كشف المشكل من حديث الصحيحين (ص 854).
4- مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/ 329).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.18 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.55 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]