عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 06-06-2020, 06:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (8)

صـــــ40 إلى صـ
ـ46



والصحيح أن هذه الكراهة مبنيّة على ما قدمنا من أنه متردد بين ما هو باقٍ على الأصل، وبين ما هو منتقل عن الأصل،
أي أنه في مقام وسطٍ:
بين الطهور الباقي على أصله، وبين ما انتقل عن الأصل فهو متغيّر بشيء يسير، لم يتمحض خلوصاً كالأصل، ولم يتمحض تغيّراً كالمنتقل عن الأصل ومن هنا أعطى حُكماً يناسبه، وهو الكراهة، وهذا الأصل مشى عليه طائفة من علماء الأصول رحمهم الله كما قدمنا وهو معتبر حتى عند فقهاء الحنابلة رحمة الله على الجميع.
قوله رحمه الله:
[وإِنْ تغيّر بِمُكْثِهِ] شرع رحمه الله بهذه العبارة في بيان النوع الثاني من الطهور المتغيّر وهو الذي لا يكره إستعماله، مع كونه متغيّراً كما قدمنا.
وذكر له صوراً منها:
(أن يتغيّر بمكثه) وهو الماء الآسن، فتغيّره منه نفسه، وليس بشيء من خارج عنه، فلم يضرّ.
ومن أمثلته: ما يقع في المستنقعات، والبرك إذا طال بقاء الماء فيها،
واستدلوا بما ثبت في صحيح البخاري عنه عليه الصلاة والسلام:
[أنه توضَّأَ مِنْ بِئرٍ كان ماؤُه نُقَاعةَ الحِنا] وليس هناك فرق بين أن يكون التغيّر بسبب طول المكث في الأرض كالمستنقعات، والبرك، أو يكون بسبب طول المكث في الآنية مثل القرب، وأواني النحاس، وفي زماننا إذا طال مكث الماء في خزانات المياه، أو المواصير فلا يؤثر، وجعله العلماء رحمهم الله تغيّراً يشق الاحتراز منه أشبه التغيّر بمنبعه.
قوله رحمه الله: [مِنْ نَابِتٍ فيهِ، ووَرَقِ شَجَرٍ] هذا كثير في البادية يكون على البئر شجرة مثل شجرة اللوز، وهذه الشجرة تسقط أوراقها فتسقط في البئر، ثم تصبح رائحة ماء البئر كرائحة اللوز، فإذا تغيّر الماء على هذا الوجه الذي يشق صون البئر عنه لم يؤثر، وهو أيضاً كثير في المستنقعات، والبرك التي توجد داخل الغابات، والبساتين، فكثيراً ما تجدها مغطاة بأوراق الأشجار خاصة في فصل الخريف، وتجد طعم الماء متغيّراً بطعم ذلك الورق، ولكنه تغيّر يشقُّ صونُ الماء عنه؛ فلم يضر.وفي حكم هذه الحالة مياه السيول، والأمطار فإنها تجرف التراب، ويتغير لونها، وطعمها بما يشق صونها عنه.
قوله رحمه الله: [أو بمجَاورةِ مَيْتَةٍ]: قوله [أو بمجاورة] المراد به الملاصقة، لأن مجاورة الميتة للماء الطهور لا تضر إذا لم تكن ملتصقة، وتضرُّ إذاكانت ملتصقة به، ثم فصّل بعض العلماء رحمهم الله في حال إلتصاقها؛ فحكم بضَرَرِهِ إذا تغيّر اللّون، والطّعم.
واختلف في الرائحة:فقال بعضهم: تؤثر.
وبعضهم قال:
لا تؤثر، وقد أشار بعض العلماء إلى هذه المسألة بقوله:ليسَ المجاورُ إذَاْ لمْ يلتصقْ ... يَضرُّ مطلقاً وضرَّ إن لَصقْفي اللّونِ والطعمِ بالاتفاقِ ... كالرِّيحِ في مُعْتَمدِ الشِّقاق
فقوله:
(ليس المجاور إذا لم يلتصق) يعني أن النجاسة لا تضرّ مطلقاً إذا لم تكن ملتصقة بالماء الطهور، سواء كانت بعيدة عن الماء، أو قريبة منه ما دام أنها لم تلاصقه لا تؤثر.وقوله (وضرَّ إنْ لصِقْ) أي: أنه إذا كان ملتصقاً بالطهور؛ فإنه يضر.
وقوله (في اللَّون، والطعم) يعني: إذا تغير لون الماء الموجود في المستنقع، وطعمه فإنه يسلبه الطهورية بالإتفاق، وأما إذا تغيّر في الرائحة؛ فإنه يسلبه الطهورية على أرجح قولي العلماء في المسألة.
قوله رحمه الله: [أو سُخِّنَ بِالشَّمْسِ] أي: وضع الإناء في الشمس؛ فصار ساخناً؛ فإنه لا يسلبه الطهورية، ويجوز استعماله في الطهارة، وفيه أثر ضعيف، وكرهه بعض العلماء رحمهم الله بناء على قول بعض الأطباء إنه يورث البرص، وإذا ثبت فيه ضرر لم يجز استعماله دفعاً لذلك الضرر، وأماإذا لم يثبت فإن الأصل طهوريته، وسلامته، وقد نصّ الامام أحمد رحمه الله على جواز الطهارة به.
وقوله رحمه الله:
[أَوْ بِطَاهرٍ] أي: سُخِّن بطاهر كالحطب، والفحم، والغاز في زماننا، فيجوز استعماله بلا كراهة، مثلما جاز إستعمال المياه الحارة في العيون الحارة.وعليه فالسخانات في زماننا يجوز استعمال مائها بلا كراهة، إلا أن هنا مسألة ينبغي التنبيه عليها، وهي أن الماء شديد الحرارة، أو شديد البرودة قد يتساهل البعض عند إستعماله في إدارته على الأعضاء وغسلها على الوجه المعتبر، فحينئذ ينبغي عند استعماله أن لا يتساهل مستعمله في القيام بالطهارة على وجهها المعتبر.
قوله رحمه الله: [وإِنْ استُعملَ في طهارة مسْتَحبّةٍ] الطهارة إما واجبة، أو مستحبة، فالواجبة هي الأصلية، وهي التي تكون لرفع الحدث الأصغر، أو الأكبر، فإذا توضأ في الحدث الأصغر، أو اغتسل من الحدث الأكبر فإن الماء المستعمل في الطهارتين ماء مستعمل في طهارة واجبة، وأما إذا كان وضوؤه وغسله غير واجبين كتجديد الوضوء، والغسل للجمعة على القول بعدم وجوبه، أو الغسل للعيدين فإنه مستعمل في طهارة غير واجبة، ويلتحق به ماء مستعمل في الغسلة الثانية، والثالثة في الوضوء لأنها ليست بواجبة، والأولى هي الواجبة؛ لأن الأمر في آية الوضوء لا يقتضى التكرار، كما هو مقرر في الأصول.
فالمصنف رحمه الله بيّن أن الماء المستعمل في الطهارة المستحبة مكروه، وهذا يستلزم الحكم بكون الماء لا زال طهوراً.والحكم بالكراهة مبني على ما قدمناه من الأصل عند العلماء رحمهم الله من تردد الأمر بين المأذون والمحظور، فأعطي حكم الكراهة ترغيباً في الترك عند وجود غيره، لا تحريماً للحلال.والأصل عندهم في هذا أنه مبني على طريق الورع كما نبّه عليه الإمام البهوتي رحمه الله، وغيره، فصار من جنس المشتبه، ودلّ حديث النعمان رضي الله عنه على الترغيب في تركه، وهذا كله ليس من تحريم الحلال في شيء، كما لا يخفى.
ومفهوم قوله رحمه الله:
[في طَهارةٍ مُستحبّةٍ] أنه إذا استعمل في طهارة واجبة سلبه الطهورية كما سيأتي بيانه، وهذا على المذهب.
قوله رحمه الله: [وإذا بلغَ الماءُ قلّتين، وهو الكثير] القلتان: مثنى قُلّة، والقُلّة ما يُقَلُّ بمعنى يُحْمَل،
ومنه توله تعالى:
{حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا}، (1) أي إحتملته الريح، وسميت القُلّة قلّةً لأنها تحمل باليد، وهي الجرة مثلَ الأزيار، والشِرَابْ الموجودة الآن، ولا زال إلى الآن بعض أهل البادية يحملونها ويستقون بها يضعون فيها الماء من الآبار، ويجلبونه إلى منازلهم، فسئل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الماء،
وما ينوبه من السباع فقال:
[إذا بلغَ الماءُ قلّتينِ لم يحملِ الخَبَث] بمعنى أنه لو وقعت فيه نجاسة لم تغيّر لونه، أو طعمه، أو
(1) الأعراف، آية: 57.
***************
رائحته فإنه طهور هذه المسألة مسألة القلتين لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل الضابط فيها بالقلتين، وهي من مشهورات مسائل الطهارة، والحديث المتقدم هو الأصل فيها، وحاصل كلام المصنف رحمه الله أنه يقول بمفهوم هذا الحديث الدّال على إعتبار القلتين حداً بين القليل، والكثير من الماء، وهذا هو مذهب الشافعية، والحنابلة في المشهور رحمهم الله.وذهب الحنفية، والمالكية، والظاهرية إلى عدم إعتبار القلتين؛ وإن كانوا قد اختلفوا في التفصيل، فهم متفقون على أن القلتين ليستا حداً يضبط به، ثم إنفرد الحنفية رحمهم الله بضابط حركة الماء، والباقون على أن العبرة بالتغيّر، وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد رحمه الله.وإختارها شيخ الإسلام، وتلميذه الإمام إبن القيم رحمة الله على الجميع، وقد بيّنت الأدلة، ووجه دلالتها ومناقشة العلماء لها، والترجيح في شرح البلوغ.
وبيان محل الخلاف بينهم في هذه المسألة:
أن الماء إذا وقعت فيه نجاسة إما أن يتغيّر، أو لا يتغيّر؛ فإن تغيّر بالنجاسة فبالإجماع أنه متنجس سواء بلغ القُلّتين، أو كان دونها.وأما إذا لم يتغيّر فإما أن يكون الماء بلغ قُلّتين فأكثر، وإما أن يكون دونهما، فإن كان بلغ القلتين فإنهم متفقون على عدم تأثره، وأنه طهور باقٍ على أصله؛ لأنه لم يتغيّر؛ إلا أن الحنفية إستثنوا حال حركته بالضابط المعروف في مذهبهم، وأما إذا كان دون القلتين فهو محل الخلاف، فمن قال باعتبار القلتين حكم بكونه نجساً بمجرد ملاقاته للنجاسة؛ سواء كانت قليلة، أوكثيرة، وهذا هو الذي مشى عليه المصنف رحمه الله، وهو المذهب عند الحنابلة، والشافعية رحمهم الله.والذي يترجح في نظري،
والعلم عند الله:
هو ما ذهب إليه القائلون بأن العبرة بالتغيّر،
وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام:
[إِنَّ الماءَ طَهورٌ؛ لا يُنجِّسُه شيء] فدلّ على أن الأصل طهوريته، ولا يحكم بالإنتقال عنها إلا بدلالة صحيحة معتبرة، وهي التغيّر لأوصافه، وأما حديث القلتين ففيه منطوق، ومفهوم، فمنطوقه لا إشكال فيه،
ومفهومه معارض بمنطوق حديث بضاعة المتقدم:
[إِن الماءَ طَهورٌ؛ لا يُنجِّسُه شَيءٌ] لأنه دال على أن الماء محكوم ببقائه على أصل الطهورية ما دام أنه لم يتغير فيقدم هذا المنطوق؛ لأن القاعدة أنه (إذا تعارض المنطوق، والمفهوم؛ قُدّم المنطوقُ على المفهومِ).
وبهذا كله يترجح أن العبرة بحصول التغيّر في الماء، فلا يلتفت عند وقوع النجاسة فيه إلى كثرة، ولا إلى قلة، ولا إلى حركة، ولا إلى غيرها وإنما يُلتفت إلى تأثير النجاسة فيه بتغييرها لأحد أوصافه على الوجه المعتبر والله أعلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.67 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.70%)]