عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-11-2019, 02:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (2)
صـــــ3 إلى صــ9

بسم الله الرحمن الرحيم


شرح مقدمة الكتاب
قال المصنف رحمه الله: [الحَمْدُ لله حَمْداً لا يَنْفدُ أَفضَلَ ما ينْبغي أَنْ يُحْمَد، وصلّى الله، وسَلّمَ على أفضلِ المُصْطَفين مُحمَّدٍ]:
الشرح:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله، وسلم، وبارك على خير خلق الله أجمعين وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه أجمعين، ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذه مقدمة المصنف -رحمه الله- لهذا الكتاب المبارك (أعني زاد المستقنع) إبتدأها رحمه الله بقوله: [الحمد لله].
وهذه البدآءة من عادة أهل العلم -رحمهم الله- فإذا أرادوا التصنيف، أو الخطابة، أو الكتابة، صدّروها بحمد الله -جلّ وعلا-.
ودليلهم في ذلك الكتاب، والسُّنة، والإجماع.
أما دليل الكتاب: فإن الله -تبارك وتعالى- إستفتح كتابه المبين بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (1) فاستفتح أفضل الكتب، وأشرفها، وأجلَّها على الاطلاق، وهو القرآن بقوله سبحانه وتعالى: {الحَمْدُ للهِ}.
(1) الفاتحة، آية: 1.
********************
وأما دليل السُّنة: فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إستفتح خطبه بقوله: (الحمدُ لله) وثبت ذلك عنه -عليه الصلاة والسلام- في مواعظه المشهورة: كما في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة رضي الله عنها حيث قالت: " فحَمِد الله، وأثنى عليه، ثم قال ".
فقولها: " فحمد الله " أي: استفتح كلامه، وخطابه للناس بحمد الله.
وأجمع العلماء -رحمهم الله- على مشروعية إِستفتاح الكتب، ونحوها بحمد الله -جل وعلا-.
والمناسبة في ذلك: أن الله -جل وعلا- هو المستحق للثّناء، وما كان العبد ليعلَم، أو يتعلّم لولا أنّ الله علّمه، وما كان ليفهم لولا أن الله فهّمه.
فاستفتح بحمد الله الذي شرّفه، وكرّمه بالعلم كما قال سبحانه وتعالى: {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (1).
وقالوا: كما أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إستفتح الخطبَ بالحمد، فإنه يشرع استفتاح الكتب به؛ لأن الخطبة، والكتاب كلّ منهما هدفه واحد؛ وهو الدعوة إلى الله، فكما أنّ الراد من خُطبِه -عليه الصلاة والسلام- توجيه الناس، ودلالتهم على الخير، فكذلك المراد من كتابة الكتب، وتأليف المؤلفات توجيه الناس، ودلالتهم على الخير، فلهذا كلّه شُرع استفتاح كتب العلم،
(1) العلق، آية: 5.
**********************
ورسائله، والخطب، والندوات، ونحوها مما فيه تعليم، وتوجيه بحمد الله؛ لما فيه من تعظيم الله -جلّ وعلا-، ولما فيه من الاعتراف بالجميل، والثّناء على الله العظيم الجليل.
قال المصنف رحمه الله: [الحَمْدُ لله]: الحمد في اللغة: الثَّناء، وقد أطبق على ذلك الأئمة، والعلماء في تعريفه اللغوي، ولذلك يقولون: حمدَ الشَّيءَ؛ إذا أثنى عليه.
والمراد بالحمد في إصطلاح العلماء: (الوصفُ بالجميلِ الاختياريّ على المنعم، بسبب كونه منعماً على الحامد، أو غيره).
فقولهم: (الوصف بالجميل الاختياريّ): المراد به: أن تذكر الصِّفة الجميلة في الإنسان، فإذا قلت مثلاً: محمد كريم، أو شجاع، أو فاضل فإنك تكون قد وصفته بالجميل فأنت حامد له، ومُثْنٍ عليه، وقولهم: (على المنعم) أي الذي أعطى النعمة، وهو الله تعالى وحده، والمخلوق بإذن الله تعالى، وبفضله.
فالصفات الجميلة تكون لله تعالى، فكلُّ صفاته جميلة جليلة سبحانه، وتكون للمخلوق بفضله سبحانه فإذا وصَفَ الله تعالى، وأثنى عليه بما هو أهله فقد حمده، وإذا وصَفَ المخلوقَ بما فيه من الصفات الحميدة، وأثنى عليه بها فقد حمده.
وقولهم: (بسبب كونه منعماً على الحامد، أو غيره) أي: أن الحمد لا يتوقف على وجود إحسان، وإنعام من الشخص المحمود على الحامد، ومن هنا خالف الحمدُ الشكرَ لأن الشكر ينشأ بسبب الاحسان، والنعمة، وصارالحمد أعمَّ، فأنت تحمد من إتّصف بالصفات الجميلة بغضِّ النظر عن كونه أحسن إليك، أو أحسن إلى غيرك.
فأصبح الفرق بين الحمد، والشكر:
أنّ الشُّكر أعمُّ بالوسيلة التي يُعبّر بها، وأخصُّ من جهة السبب الباعث عليه.
والحمد أعمُّ من جهة السبب الباعث عليه، وأخصّ من جهة الوسيلة التي يُعبّر بها عنه.
فالحمد إنما يكون باللسان فهو أخصّ بالوسيلة التي يعبر بها عنه، والشُّكر أعمُّ منه؛ لأن الشكر يقع باللسان، وبالجنان، وبالجوارح.
أما باللسان فمنه قوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (1) لأنّ الحديث عن النِّعمِ شكرٌ للمُنعِمِ.
كذلك أيضاً يقع بالجنان: ومنه قوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} (2) أي: إعتقدوا أنها من الله، فمِنْ شُكْرك لنعمة الله أن تعتقد في قرارة قلبك أنّ الله أنعم بها عليك؛ وحده لا شريك له.
ويكون الشكر بالجوارح، والأركان فتشكره سبحانه بالعمل في طاعته، ومرضاته، ومنه قوله تعالى: {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} (3)، وتشكر المخلوق بالجوارح أيضاً؛ حينما تردُّ جميله بخدمته، وعمل ما يُحِبُّ.
فهذه ثلاثة أنواع من الشُّكر: الشكر بالجنان، وباللِّسانِ، وبالجوارح.
(1) الضحى، آية: 11.
(2) النحل، آية: 53.
(3) سبأ، آية: 13.

***************************
فتشكر بلسانك؛ فتثنى على الإنسان الذي أسدى إليك النّعمة بعد الله، وتشكر بجنانك، فتعتقد فضله، وتشكر بجوارحك، وأركانك بردّ الجميل إليه، أو فعل ما يردّ إحسانه إليه، وقد جمعها الشاعر بقوله:
أفادَتْكُمُ النَّعْماءُ منّي ثَلاثةً ... يَدِي ولساني والضَّميرَ المُحَجَّبا
فقوله: (يدي) أي: أشكركم بيدي، فأعمل في خدمتكم.
وقوله: (ولساني) أي: أشكركم بلساني، فأتحدّث بفضلكم.
وقوله: (والضَّميرَ المُحَجّبا) أي: أشكركم بقلبي، فأعتقد فضلكم.
أما بالنسبة للحمد فلا يكون إلا باللسان، ولكن من جهة السبب الحمد أعمّ من الشكر، فتحمد الإنسان سواء أنعم عليك بعد الله، أو لم ينعم تقول: فلان كريم، ولم يعطك شيئاً، ولكن رأيت فيه هذه الخصلة الطّيبة فأثنيتَ عليه، وحمِدتَه، إذاً فالحمد لا يستلزم وجود فضلٍ للمحمود على الحامد؛ ولكن الشكر إنما يكون بعد جميل، ونعمةٍ من المشكور، فلا تشكر إلا من أحسن، وأسدى إليك المعروف.
إذاً فالفرق بينهما أنّ بينهما العُموم، والخُصوص.

قوله رحمه الله: [الحمدُ للهِ حمداً لا يَنْفدُ]: أي أحمد الله -تبارك وتعالى- حمداً لا ينتهي.
قوله رحمه الله: [الحمد لله]: العلماء يقولون استفتح الله كتابه بالحمد لله؛ فاختار اسم الله، ولم يقل الحمد للكريم، أو للعظيم، مع أنه سبحانه عظيم، وكريم بلا شكٍ، ولكن تخصيص الاسم الدّال على الذّات أبلغ في الحمد، والثناء من ذكر الوصف؛ لأنك لو قلت الحمد للكريم؛ لأشعر أنك حمدتهمن أجل أنه كريم، ولكن لما قلت الحمد لله، أثبت له الحمد لذاته -سبحانه وتعالى- فكان أبلغ.
قوله رحمه الله: [حَمْداً لا يَنْفدُ]: أي أحمده حمداً لا ينتهي، ولا ينقطع فالله هو المستحق للحمد الذي لا ينفد؛ لأن نعمه لا تنقطع، ولا تنتهى على العبد، وهو لا يستطيع عدّها فضلاً عن شكرها، والثناء على الله -عز وجل- بما هو أهله.
قال رحمه الله: [أفضلَ ما يَنْبغي أنْ يُحمد]: قوله [أَفضلَ]: على وزن أفعل، والعرب تأتي بهذه الصيغة، وهي صيغة أفعل التفضيل، لتدلّ على أن شيئين، فأكثر إشتركا في شىء، وأن أحدهما أفضل من غيره فيه، والفضل في اللغة أصله الزيادة أي: أن هذا الحمد مع كونه لا ينقطع، ولا ينتهي كذلك هو بأفضل، وأحسن ما ينبغي أن يكون عليه حمده سبحانه.
قال رحمه الله: [وصلّى الله، وسلّم على أفضلِ الُمصْطَفِينَ مُحمَّدْ]: قوله رحمه الله: [وصلّى الله]: الصلاة تطلق في اللغة بمعانٍ:
منها: الصلاة بمعنى الدعاء، ومنه قول الشاعر:
تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَربْتُ مُرتحلاً ... يَاربِّ جَنِّب أَبِي الأَوصابَ وَالوَجَعَا
عَلَيكِ مَثْلُ الذِي صَلِّيتِ فَاغْتمِضِي ... عَيْنَاً فإن لجِنْبِ المَرْءِ مُضْطَجَعَا
يقول الشاعر: إن إبنتي حينما هيأتُ رحلي للسفر قالت هذا الدعاء: (يا ربِّ جنِّب أبي الأوصابَ والوجعا) أي: أنها دعت له بالسلامة، فقال ذلك الأب يجيبها: (عليك مثلُ الذي صلّيتِ)، أي: عليك مثل الذي دعوتقول الحق تبارك وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} (1) أي إذا أعطوا الزكاة لك يا رسولنا فصلِّ على من أعطاها لك، ولذلك قال العلماء: يسن للإمام، أو نائبه الذي يلي أخذ الزكاة من الناس إذا أخذها منهم أن يدعو لهم بالبركة، والخير في أموالهم فقوله: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أي: اُدعُ لهم؛ فالصلاة استعملت هنا بمعنى الدعاء.
ومن معاني الصلاة الرحمة، وهي من الله لعبده، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} (2).
وصلاة الله على العبد رحمته، فالصلاة تطلق بمعنى الرحمة، ومنه قول الشاعر:
صَلى المَليْكُ عَلَى اْمرِئٍ وَدَّعتُهُ ... وَأَتم نِعْمَتَهُ عَلِيهِ وَزَادَهَا
أي: رحم الله ذلك العبد، أو ذلك الأخ الذي ودَّعتُه.
ومن معاني الصلاة في لغة العرب: البركة، والزيادة، وفُسّر به قوله عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري، وغيره: [اللهمَّ صَلِّ على آل أبي أوفى]، قيل معناه: بارك لهم.
فهذه ثلاثة معانٍ للصلاة الدعاء، والرحمة، والبركة.
(1) التوبة، آية: 103.
(2) الأحزاب، آية: 56.

**************************
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.63 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]