عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 15-06-2019, 03:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي سؤال وجواب في فتن آخر الزمان وسبل النجاة منها

سؤال وجواب في فتن آخر الزمان وسبل النجاة منها (1)

الشيخ.محمد الحمود النجدي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه. وبعد: فالحديث عن أوصاف فتن آخر الزمان وأحوالها، وعن الموقف الأمثل للمسلم لاتقائها والسلامة منها، حديث مهم، وضروري للنجاة منها، والسلامة من شرها، ولا سيما في هذه الأيام العصيبة، التي توالت فيها الفتن وتنوعت، وعمّت وطمّت، عافانا الله جميعا من شرورها.

وقد حذرنا الشرع المطهر من الفتن التي تقع في آخر الزمان، كما جاء ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : «يتقارب الزمان، ويقبض العلم، وتظهر الفتن، ويُلقى الشّح، ويَكثر الهَرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل». متفق عليه.

ونظرا لكثرة الفتن، وشدة خطرها على العبد، فقد وردت نصوص عديدة تحذر من الوقوع فيها، وأفرد لها العلماء والمحدثون فصولاً وأبوابا في كتبهم ومصنفاتهم، للحديث عنها، وعرْضِ سبل النجاة منها.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنَّ عِظَمَ الجَزاءِ مع عظم البلاء، وإنّ الله إذا أحبّ قوماً ابتلاهم، فمن رَضِي فله الرضا، ومن سخط فله السُّخط». رواه الترمذي وابن ماجة من حديث أنس رضي الله عنه .

ونبدأ بالأسئلة بحول الله -تعالى- في هذا الموضوع المهم والخطير:

س 1: ما الحِكمة من خَلق الفتن والبلايا ووجودها، ولا سيما فتن الدين؟

ج 1: لقد خلق الله -تعالى- الخلق جميعاً لحكمٍ بالغة، وغايات سامية، كما قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات:56).

فخلق الله -سبحانه- الثقلين: الجن والإنس لعبادته، وحده لا شريك له، والعبادة هي: اسمٌ جامعٌ لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال، الظاهرة والباطنة، فيجب تعلمها وأداؤها على وجهها والإخلاص فيها لله تعالى.

ومن سنن الله -تعالى- في خلقه: ابتلاؤهم وامتحانهم، حتى يتبيّن الصادق في إيمانه، الصابر على بلائه، من ضده وهو الكاذب أو الضعيف في إيمانه، ومن يجزع عند بلائه فلا يصبر، قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴿٢﴾وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:2-3).

أي: فليعلمن الله ذلك علما ظاهرا يظهر للوجود، ليترتب عليه الجزاء، ويظهر فيهم ما علمه الله منهم في الأزل بعلمه السابق؛ إذْ إنّ الله تعالى من رحمته: ألا يعاقب عباده على ما علم أنه سيكون منهم، قبل أنْ يعملوه، حتى يفعلوه ويكون منهم، فيؤاخذون به.

وقال -سبحانه- {ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون} (الأنبياء:35).

وكما قال نبيه صلى الله عليه وسلم : «إن عِظمَ الجَزاء مع عِظَم البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رَضِي فله الرضا، ومَنْ سخط فله السُّخط». أخرجه الترمذي وابن ماجة.

ومعنى الفتنة في اللغة: الابتلاء والاختبار والامتحان.

وأما في الاصطلاح: «فالفتنة ما يَعرض للعباد من بلايا ومحن، في أمور دينهم أو دنياهم، فتظهر سرائرهم، وتنكشف حقائقهم».

وقد وردت الأخبار الكثيرة عن وقوع الفتن وكثرتها وشدتها آخر الزمان، وإنَّ من رحمة الله بنا أن أرسل إلينا نبيا كريماً رؤوفا ًرحيما، عليه الصلاة والسلام، وقد حذرنا من كثرة الفتن وشدتها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم «يَتَقارب الزمان، ويُقبض العلم، وتَظهر الفتن، ويُلقى الشُّح، ويكثر الهَرْج». قالوا: وما الهرج؟ قال: «القتل» متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم : «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المُظلم، يُصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل» رواه مسلم.

ونظراً لكثرة الفتن وشدة خطرها على العبد، وما ورد من النصوص المبينة لها المحذرة من الوقوع فيها، أفردها العلماء بفصول وأبواب في كتبهم كأصحاب الصحيح والسنن كما سبق.

س 2: ما أحوال فتن آخر الزمان وأوصافها، التي حذّر منها النبي صلى الله عليه وسلم فيما ورد عنه؟

ج 2: لقد جاء في الأحاديث المتنوعة وصف الفتن بصفات كثيرة، نظراً لتنوعها واختلافها وأحوالها.

فمما وصفت به الفتن ما يلي:

أولا - وَصْف الفتن بأنها كقطعِ الليل المظلم، أي: أجزاء الليل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : «بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم» رواه مسلم، فشبهت الفتن في ظلمتها ولبسها على العباد، بقطع الليل المظلم.


ثانيا -وقوع الفتن كرياح الصيف، أي: في تتابعها، وسرعة مجيئها، وتنوعها كما في حديث حذيفة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال وهو يعد الفتن – «منهن ثلاثٌ لا يكدن يَذرن شيئا، ومنهن فتنٌ كرياحِ الصيف، منها صغارٌ ومنها كبار» رواه مسلم.


ثالثا - أنها يُرقّق بعضُها بعضاً، أي: تتعاظم الفتن مع مرور الزمن، حتى تكون الفتنة السابقة كأنها رقيقة، أي: هينة قليلة، لشدة ما بعدها، وهكذا الأمر بازدياد، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : «إنه لم يكن نبيٌ قبلي، إلا كان حقاً عليه أنْ يدلّ أمته على خيرِ ما يعلمه لهم..» الحديث رواه مسلم.


وفيه: «وتجيء فتنة فيرقّق بعضُها بعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه». أي: هذه التي ستهلكني.

رابعا - أنها تَموج كموج البحر: كما ثبت في الحديث: أن عمر رضي الله عنه قال: أيُّكم يَحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقال حذيفة رضي الله عنه : أنا أحفظ كما قال، قال: هات، إنك لجريء! قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فتنةُ الرجلِ في أهله وماله وجاره، تُكفّرها الصلاةُ، والصدقةُ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». قال عمر: «ليست هذه، ولكن التي تموج كموج البحر...» متفق عليه.


وقد شبهت بذلك لشدة اضطرابها، واضطراب الناس فيها، واختلال أحوالهم معها.

خامسا - أنها تُعرض على قلوب العباد فتنة فتنة، وشيئا فشيئا: وتختلف فيها أحوال العباد تجاهها، فمن تقبلها ضلّ وهلك، ومن ردّها ونفاها، فقد اهتدى ونجا، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عُوداً عُودا، فأي قلب أشربها نُكت فيه نكته سوداء، وأي قلبٍ أنكرها نُكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصّفا، فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مرباداً، كالكوز مُجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشرب من هواه» الحديث متفق عليه.


قال النووي رحمه الله: هذان الحرفان - عُوداً عُودا - مما اختلف في ضبطه على ثلاثة أوجه، أظهرها وأشهرها: ضم العين والدال المهملة، والثاني: فتح العين والدال المهملة أي «حرف الدال» أيضا، والثالث: فتح العين والدال المعجمة أي «حرف الذال»، ومعنى تعرض، أي: تلصق بعرض القلوب، أي: جانبها، كما تلصق الحصير بجنب النائم وتؤثر فيه بشدة التصاقها، ومعنى عودا عودا، أي: يعاد ويكرر شيئا بعد شيء.

قال ابن السراج رحمه الله: ومن رواه بالذال المعجمة فمعناه سؤال الاستعاذة منها، كما يقال: غفراً غفرا، أي: نسألك أنْ تعيذنا من ذلك وأنْ تغفر لنا.

وقال الخطابي: معناه: تظهر على القلوب أي تظهر بها فتنة بعد أخرى، كما ينسج الحصير عوداً عودا وشطية بعد أخرى. قال القاضي عياض: وعلى هذا تتوجه رواية العين، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عوداً أخذ آخر ونسجه، فشبه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى، بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدا بعد واحد، انتهى.

فإذا كان الأمر كذلك (فأي قلب أشربها) بصيغة المفعول، يقال: أشرب في قلبه حبه، أي: خالطه، فالمعنى: خالط الفتن واختلط بها، ودخلت فيه دخولاً تاما، ولزمها لزوما كاملا، وحلت منه محل الشراب في نفوذ المسام وتنفيذ المرام، ومنه قوله تعالى: {وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم} أي: حب العجل، والإشراب: خلطُ لونٍ بلون، كأن أحد اللونين شرب الآخر، وكسي لونا آخر. فالمعنى: جعل متأثرا بالفتن؛ بحيث يتداخل فيه حبها كما يتداخل الصبغ الثوب.

وقوله «نُكتت» بصيغة المجهول، أي: نقطت وأثرت. «فيه» أي: في قلبه «نكتة سوداء» وأصل النكت ضرب الأرض بقضيب فيؤثر فيها». وأي قلبٍ أنكرها» أي: رد الفتن وامتنع من قبولها. «نكت فيه نكتة بيضاء» أي: إنْ لم تكن فيه ابتداء وإلا فمعنى نكتت أثبتت فيه ودامت واستمرت «حتى» غاية للأمرين «تصير» بالتاء الفوقية، وفي نسخة بالياء التحتية، أي: تصير قلوب أهل ذلك الزمان، أو يصير الإنسان باعتبار قلبه أو يصير قلبه «على قلبين» أي: نوعين أو صنفين «أبيض» بالرفع، أي: أحدهما أبيض «مثل الصفا» بالقصر أي: مثل الحجر المرمر الأملس من غاية البياض والصفا، أي: مماثلا ومشابها للصفا في النور والبهاء، «فلا تضره فتنة» ولا ظلمة وبلية «ما دامت السماوات والأرض»؛ لأنها قلوبٌ صافية، قد أنكرت تلك الفتن في ذلك الزمن، فحفظها الله -تعالى- عنها بعد تلك الساعة إلى يوم القيامة.

قوله «والآخر أسود مربادا» بكسر الميم وبالدال المشددة: من ارباد كاحمار، أي صار كلون الر**ماد، من الربدة لون بين السواد والغبرة، وهو حال أو منصوب على الذم. «كالكوز»، أي: يشبه الآخر الكوز أي الكأس «مجخيا» أي: مائلا منكوسا، مشبها من هو خال من العلوم والمعارف، بكوز مائل لا يثبت فيه شيءٌ، ولا يستقر، وهذا معنى قوله «لا يعرف» أي: هذا القلب «معروفا ولا ينكر منكرا» والمعنى: لا يبقى فيه عرفان ما هو معروف، ولا إنكار ما هو منكر «إلا ما أشرب» أي: القلب «من هواه»، أي: فيتبعه طبعا وشهوة، من غير ملاحظة كونه معروفا أو منكراً شرعا، وهذا لضلاله واتباعه لهواه.


هذا مجمل الكلام على هذا الحديث.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.61%)]