عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-04-2021, 06:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,666
الدولة : Egypt
افتراضي رد: صراع الهوية لدى الشباب المظاهر والعلاج


8- مراوحة الشباب بين الدرباوية والليبرالية[16]: فرضت علينا الحياة المدنية سلوكا يختلف عن سلوك آبائنا مما يؤدي إلى التناقض بين ما نتلقاه من تاريخنا القريب والبعيد وبين مستجدات الحياة المدنية. ومع استمرار الصراع بين مؤثرات الماضي القريب البدوي والريفي وبين الحاضر المدني ظهر نوع من صراع الهوية لدى بعض أفراد الجيل الجديد الذي يعيش نوازع متناقضة بشدة مع قوة المؤثرات: فتارة تجده يتصف بظاهرة الدرباوية "الشعبية" وتارة بمظاهر الليبرالية الغربية ويظهر ذلك في لباسهم ولغتهم اليومية وطريقة حياتهم وتقليعاتهم المختلفة.

والسبب أن هنالك مؤثرات قويّة للماضي من خلال سرد مفاخر الماضين والمبالغة في ذلك مع حاجة الشباب للانتماء إلى تاريخهم وأسرهم التي تربطهم بها العاطفة والنشأة والقربى وتعزز ذلك دعوات القنوات الشعبية ومسابقات الشعر النبطي واحتفالات مزاين الإبل وما يتبع ذلك من تعصب قبلي... فيما تقابلها مؤثرات الحاضر والرغبة في اللحاق لما وصلت إليه المجتمعات الغربية من تقدم ورفاهية والرغبة الملحة للاستمتاع بالحياة ومغرياتها، وقوة الزخم الإعلامي الغربي... فتظهر جميع عوامل الصراع بين الجانبين التي تتجاذب عملية تشكيل هوية الشباب. مما جعل بعضهم يتأرجحون بين النمطين لفترات مختلفة.

9- ضعف الثقة في النفس وعدم القدرة على تحمل المسئولية: من مظاهر صراع الهوية وهي ظاهرة يشتكي منها كثير من الآباء ويبدو أن ذلك عائد بالأساس لنمط الحياة المدنية وتهميش دور الشاب حتى يتخرج من الجامعة حيث لا يُعد إنساناً مستقلاً ذا قيمة إلا بعد سن الثالثة والعشرين وهنا يكون قد تعدى مراحل تكوين الشخصية المهمة ويصعب تعديل ذلك لفوات المرحلة العمرية المناسبة لتعلم الاعتمادية. [17]

10- عقوق الوالدين:وهو مظهر من عدم تشكل الهوية بطريقة سليمة. وصراع الأجيال مسألة يعرفها المختصون. والتهاون في ذلك نذير خطر على الشباب لأن الله عز وجل قرن رضا الوالدين برضاه. قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23].

ومن خلال مشاركتي في العديد من الاستشارات الأسرية لاحظت زيادة الشكوى من عقوق الأبناء وصحيح أن أكثر هذه الحالات لم تبلغ الإيذاء الجسدي لكنها تصنف ضمن مشكلة العقوق.

11- السلوك المضاد للمجتمع:مثل إتلاف الممتلكات العامة والمرافق وهو دليل على ضعف الانتماء لمجتمعه حيث لم يتضح له التكامل في تكوين هويته بين دوره الحقيقي وعلاقته بما يتوقعه منه مجتمعه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) رواه البخاري

ومثل هذا السلوك مما تشتكي منه إدارات المدارس بشكل مستمر، كما أنك يمكن أن تلاحظ التعدي على الأماكن العامة بشكل لافت للنظر في أي جهة تذهب إليها. ويفسر البعض هذا السلوك باعتباره نوع من التنفيس.


12-السلوك شديد العدوانية "التفجيريين شباب داعش":
وهذه درجة أكثر تطرفًا من التي وردت قبلها؛ وبما أن هذا من أخطر مظاهر اضطراب الهوية التي قد يتعرض له الشباب فإني سأستطرد فيه خلافًا لما قمت به في المظاهر الأخرى وذلك لشدة خطورته حيث يعمد أصحابه على التدمير والإرهاب والقتل بالجملة إضافة إلى قتلهم أنفسهم من خلال عمليات التفجير التي يعدونها جهادًا!!

ومن المؤكد أن ظهور سلوك عدائي مغرق في العدوانية إلى حدّ تكفير الآخرين والعمل على قتلهم بشكل جماعي من خلال تفجير أماكن تجمعاتهم ومساجدهم هي من الظواهر الجديدة على العالم الإسلامي ولن نتحدث هنا عن أبعاد هذه الظاهرة إلا فيما يتعلق بالجانب النفسي منها وهو ما يرتبط بمظهر العدوان الذي يتسم به هؤلاء الشباب المنتمين إلى ما يسمى بداعش. وسلوكهم المتمثل في هجماتهم الانتحارية التي يقوم أحدهم فيها بتفجير نفسه بأحزمة ناسفة في جماعات المصلين في المساجد بناءًا على قناعتهم بكفر جميع المسلمين وردتهم عن الإسلام ووجوب قتالهم والإثخان في قتلهم حسب ماغرسه قادتهم في أذهانهم حتى غدا بعضهم وكأنه جهاز روبوت يتم تحريكه عن بعد.

وهذه الظاهرة السلوكية لها أبعاد كثيرة جدا لكن ما يتعلق ببحثنا هنا هو هذا السلوك العدائي الشديد تجاه مجتمعاتهم.

ومثل هذا السلوك المضاد للمجتمع اضطراب واضح للهوية تابع لاضطراب في الشخصية حيث يوجد في الدراسات النفسية تصنيف واضح لما يُعرف ب "الشخصية الحدّية". *

ويُعدّ اضطراب الشخصية الحدّية أحد أهم الاضطرابات النفسية التي يمر بها بعض الشباب في مرحلة المراهقة وأجد كمختص في علم النفس بحسب المعلومات المتناثرة التي يُقدمها الإعلام بعد حوادث التفجير التي يقوم بها أتباع داعش أن معظم شباب ما يُعرف بداعش يعانون من اضطراب الشخصية الحدّية كصفة واضحة ومشتركة فيما بينهم. ويُشكل السلوك المضاد للمجتمع

(ملمحا واضحا ومهما في اضطراباتُ الشَّخصية - التي تعد- حالاتٌ من- اختلال - الصحَّة النفسيَّة يمكن أن تسبِّبَ مجموعةً من الأعراض المزعجَة ومن أنماط السُّلوك الشاذَّة.. وتبدأ اضطراباتُ الشَّخصية بشكلٍ نَموذجي في مرحلة المراهقَة، وتستمرُّ حتَّى سنِّ الرشد. ويَكون السَّببُ مَزيجاً من أسبابٍ وراثيَّة وتجارِب مؤلمة في الطفولة. ويمكن أن تكونَ الحالةُ خفيفةً أو معتدلة أو شَديدة. )[18]

وكما في ويكيبيديا فإن معدل انتشار اضطراب الشخصية الحدّية عالميًا 1-2% عالميًا وقدرتها دراسة في عام 2008م بنسبة 5. 9% مما يدل على انتشارها..

وقد ذكرت بعض الدراسات الحديثة[19] أن هذا النوع من الشخصيات تعاني من خلل في افراز الهرمونات (مثل السيروتينين- الدوبامين- الأدرينالين) زيادة ونقصًا حيث تنقص هرمونات السعادة وتزيد هرمونات القلق والتوتر.. وفي دراسات المخ والدماغ - المعروفة بأبحاث نيوبرج - ورد أن التطرف الديني يؤدي إلى تلف الكثير من الدوائر العصبية المخية[20]..

وهذا النوع من الشخصيات يعدّ نموذجيا في نوعية الأتباع التي يحرص عليها قادة داعش؛ فهم يستقطبون اليائسين من الحياة والساخطين على أنفسهم وعلى كُلِّ ما حولهم لينفذوا مهمة قادتهم التدميرية لتنفيذ الحق الذي يرونه من وجهة نظرهم هم، ويريدون أن يجبروا عليه الآخرين. وبسبب ضعفهم العلمي والنفسي يسيطر عليهم قادتهم من خلال أساليب تأثير متعددة وهم يستغلون في ذلك حبّ الشاب لسرعة التغيير وحماسه للإصلاح وإعجابه بنفسه إلى حدّ الجموح وتسفيه الآخرين المخالفين لرأيه كما يظهر في صفات المصابين باضطراب الشخصية الحدية، فيسقطون احترام الآباء والمعلمين.. ويقللون من هيبة العلماء.. وينسفون طاعة الحُكام وكل ما يمثل النظام.. ويغرسون مكان ذلك الولاء التام والانقياد الأعمى لقادتهم. ولطبيعة شخصياتهم التي تتسم بالعدوانية الشديدة والسلوك المضاد للمجتمع فإنهم يُشبعون ذلك لديهم بأنشطة عدائية على كل المستويات وبكل الطرق الممكنة لهم. وبقدر زيادة عدوانيتهم يكافئهم قادتهم.

وجدير بالذكر أن السلوك العدواني لدى الفرد لا يظهر فجأة بل له مظاهر تبدأ مبكرة في حياة الإنسان وقد اهتم علم النفس بدراسة السلوك العدواني في كافة مراحل نمو الإنسان وهنالك عدد من الدراسات التي تلقي الضوء على أسباب ظهور السلوك العدواني لدى الأطفال وأنواع هذا السلوك ومن ذلك دراسة باشمان(1991) حيث رأى أن السلوك العدواني يتكون من بُعدين هما: العدوان (العدائي المتعمد ويعني إلحاق الضرر والإيذاء... ويتلذذ الشخص المعتدي بهذا النوع. والعدوان الوسيلي وهو الذي يكون فيه الإيذاء وسيلة لإشباع دوافع لا يمكن للفرد الحصول عليها عن طريق مباشر وصريح مثل المكافآت والجوائز والهدايا. فكثير من المشاجرات والمنازعات لم يكن هدفها المباشر إيذاء الخصم ولكن هدفها وسيليا وهو الحصول على مناطق الرزق...

وأسباب السلوك العدواني متعددة منها:
أ- أسباب نفسية: مثل الإحباط والحرمان والتعصب والانفعالات الشديدة والتوتر والقلق الشديد.

ب- وأسباب اجتماعية ناتجة عن التنشئة الاجتماعية الخاطئة: التدليل والإهمال والقسوة والتفرقة في المعاملة بين الذكور والإناث والخلافات الأسرية وغياب الوالدين أو أحدهما والطلاق.

ج- وأسباب اجتماعية يكتسبها الفرد خارج المنزل من الأصدقاء أو وسائل الإعلام الخاطئة وكذلك ضعف التدين والتعصب ضد ما هو يخالف فكر الإنسان مما ليس شرعًا)[21]

من كل ما سبق يمكن أن نكون فكرة حول سلوك هؤلاء التفجيرين والمنتمين للحركات المعادية للمجتمع أنهم غالبًا ما تكون أسباب تشكيل سلوكهم العدواني نمط شخصياتهم المضطربة نتيجة لتداخل عوامل كثيرة مما جعلهم يُشكلون أفضل مصدر للحركات الخارجة على المجتمع وفي ظني أنهم لو لم تكن داعش موجودة لتبنيهم واستغلالهم لكانوا سلكوا سبيلاً عدوانيًا بشكل أو بآخر.

12-القلق العُصابي: (رغم أن القلق غالباً ما يكون عرضاً لبعض الاضطرابات النفسية إلا أنه قد يصبح هو مرضا في حدّ ذاته،وهو أشيع حالات العصاب.. ويمثل قرابة 30%-40% من الحالات العصابية وهو أشيع بين الإناث والطفولة والمراهقة وسن القعود والشيخوخة.. ومن أسبابه: مواقف الحياة الضاغطة والضغوط الحضارية والبيئة الحديثة ومطالب ومطامح ومطامح المدنية المتغيرة.. نحن نعيش عصر القلق.. )[22].

13-ومن المظاهر المرضية لصراع الهوية القلق الوجودي:وهو مركب من القلق والاكتئاب بسبب رؤية الشاب ما يعجز عن تفسيره من انحرافات في الحياة أو تضاد بين الأحداث المختلفة. ( والقلق الوجودي شكل آخر من الاضطرابات الانفعالية التي دخلت مسرح علم النفس حديثا. وهو مثل الاكتئاب من حيث أن الشخص تتملكه مشاعر بأن الحياة عبث ولا قيمة لها، ويفقد إحساسه بقيمة كل ما يفعله. وهو أيضا كغيره من أنواع العصاب الأخرى له اضطراباته الوجدانية، والفكرية والسلوكية. فمن الناحية الوجدانية، يكون الشعور الغالب هو الإحساس بالملل والفراغ ومشاعر بالاكتئاب المتقطع. ومن الناحية الفكرية تسيطر على الشخص أفكار بأن الحياة لا معنى ولا ضرورة لها. أما من الناحية السلوكية، فإن الشخص يصبح غير مكترث للقيام بأي نشاط، أو أن يمضي في حياته. ولكن أهم من هذا هو التبريرات الفلسفية التي يحيكها الشخص بمهارة مبرراً بها إحساسه ومشاعره وتقاعسه عن أداء نشاطاته المعتادة. والقلق الوجودي كالاكتئاب من حيث أن كليهما يحكمهما الإغراق في الحزن، ومشاعر الاغتراب، واللاجدوى. لكن ما يغلب في حالات القلق الوجودي هو اللاإكتراث وغياب المشاعر القوية، وفقدان الإحساس بوجود أي معنى للحياة.. )[23].

14-من مظاهر (صراع الهوية المرضي لدى الشباب الإدمان على الكحوليات، والمواد المخدرة: حيث يرجع ذلك إلى خلل الهوية الذاتية للفرد داخل منظومة الجماعة، خاصة داخل منظومة الأسرة، حيث القمع أو التدليل الزائد مما لا يعطى الفرصة إلى بناء هوية نفسية مستقرة فى المراهقة.. ) [24].

(وأسباب مُعاقرة العقاقير وإدمانها: قد يبدأ الشخص بمُعاقرة العقاقير لأسباب كثيرة، فقد يُجرّب الشخص العقاقير مثلاً لأنه يرغبُ بتغيير حالته العاطفيّة، أو كي "يشعر بالراحة". تعاطي العقاقير قد يجعل الشخصَ يشعرُ بالراحة لفترة قصيرة. وهذا هو أحد أسباب استمرار المُتعاطين بأخذ العقاقير؛ العقاقيرُ قد تمثلُ مَهرباً سهلاً من الواقع. فهي قد تُساعدُ الشخص على نسيان مشاكله الشخصية، غيرَ أنَّ الشعورَ بالراحة المُصاحبة لمعاقرة العقاقير لا يدوم. عندما ينتهي هذا التأثيرُ للعقار في نهاية الأمر، قد يترك المتعاطي في حالة أسوأ ممّا كان قبلَ مُعاقرة العقار.. )[25].

15- وكذلك من مظاهره المرضية اضطراب الهوية الجنسية[26]: وهو من الاضطرابات التى نتجت عن انقسام هوية الفرد بين شقى النوع أو الجنس، وقبول الدور الملائم لهذا النوع، خاصة داخل مجتمع الأسرة، فيفقد الابن نموذج الأب القدوة، فتختل هويته مع جنسه العضوى أو البيولوجى، فيتخذ سلوكاً لا يتفق ونوعه، وبالمثل الابنة حين يتساوى فى نظرها دور نموذج الأب مع دور نموذج الأم، بل وفى بعض الأحيان سيطرة نموذج الأم، فتختل هويتها..

16-انتشار وحل الجنس والهوس الجنسي:نلاحظ ذلك في سلوك الشباب والشابات وهذا مرتبط بصلة وثيقة بصراعات الهوية بين ما تعلمه الشباب من دينهم وبين ما يتعرضون له من مؤثرات وما لم يكن لدى الشباب رصيد من التأسيس الإيماني فإنهم عرضة للتلوث بوحل الجنس. لا سيما مع سهولة الوصول إليه وصعوبة الزواج وتأخره والعنوسة عند البعض.

17-انتشار الشباب المثليين:(يرى كثير من الباحثين، ان الانحرافات الجنسية هي نوع من حدوث خلل في عملية التعلم، والذي يتم فيه الربط بين تجربة جنسية جيدة مع فعالية منحرفة، الامر الذي من شانه ان يسبب حاجة داخلية للقيام بتجربة مماثلة... )[27] ومثل هذا السلوك المنحرف مسجل في الدراسات النفسية وانتشاره في دول العالم الأول من أهم أسباب شيوعه كظاهرة عالمية؛ وإن كان شبابنا مسلمون ويعدون من يفعل ذلك شاذاً لكن أثر العولمة ظاهر، لا سيما بعد إقرارها رسميا في الولايات المتحدة الأمريكية ولا يُجهل أثر الثقافة الأمريكية وتغلغل الإعلام الأمريكي وسطوته عالمياً؛ والمثلية لن تأتي وحدها بل ستصحب معها الظاهرتين الآتيتين:

18-الدعوة إلى ديانة العصر الجديد[28]: ديانة العصر الجديد إحدى الديانات الحديثة نسبيا وهي ديانة تلفيقية تجمع بين ديانات العالم أجمع الشرقية والغربية والأديان السماوية لكنها متأثرة بشكل كبير بالمذاهب الفلسفية والصوفية. ولهذا فإنك ستجد لديهم خليط وأمشاج من كل دين. وديانة العصر الجديد تأخذ من كل ديانة ما يعجبها ولا يحتكم أصحابها إلا إلى ذوقهم وأهوائهم وما تبلغه عقولهم-القاصرة- ويصدق عليهم قول الله عز وجل: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43]

19-ظهور الدعوة إلى الإلحاد[29]: بجميع أشكاله وألوانه ونتذكر جميعاً كيف صُدمنا لما نُشر في الإعلام عن عبدة الشيطان الذين قُبض عليهم في بعض البلاد العربية وهي إحدى إفرازات الإلحاد بمفهومه الواسع؛ إن الإلحاد ظاهرة عالمية بلا شك وحسب الدراسات الحديثة فإن نسبة الإلحاد بين سكان العالم تصل إلى السدس. إذ تفيد بعض الإحصاءات الغربية أن بين كل ستة أشخاص في العالم يوجد ملحد واحد وهذه نسبة كبيرة جدا وقد فرضت نفسها على المستوى العالمي في الوقت الراهن. ومع عدم وجود الممانعة المناسبة لتحجيم ضغوط العولمة وإغراءات الحياة المادية وتفشي الرأسمالية وزخمها الإعلامي القاهر أضف إلى ذلك أن مجتمعنا في غالبيته مكون من الشباب، فربما كان هذا سبباً كبيراً في تأثر شبابنا بالجوانب السلبية للعولمة ومن أشدّها خطر الانحلال الأخلاقي في جانب السلوك والانحلال الفكري في جانب المعتقد وفي الغالب أنهما وجهان لعملة واحدة إذ أن الإباحية تصاحب الإلحاد. لهذا فإن الوضع إن استمر على ما هو عليه فإن مجتمعنا رغم تدينه إلا أنه مرشح وبقوة لأن يصبح الإلحاد فيه ظاهرة بين الشباب.

وحين نتأمل في تلك المظاهر السابقة نجدها آخذ بعضها برقاب بعض وبعضها يجرُّ بعضاً لكن مربط الفرس فيها هي ضعف التربية الإيمانية وضعف الإعداد النفسي للشاب وقوة المؤثرات في الجانب الآخر مع فقد الثقة في النفس وضعف الدعم من قبل مؤسسات المجتمع وانشغال أكثرها عن حاجات الشباب وقوة نفوذ مفاهيم العولمة.

تكوين الهوية فطرة أم صراع نفسي أم أزمة حضارية؟
"أسباب المشكلة"
لم يكن تكوين الهوية يُعدّ مشكلة لدى الأجيال السابقة. فلماذا أصبح الآن مشكلة؟
ذلك لأن المجتمعات كانت بسيطة وصغيرة وشبه مغلقة على نفسها وكان مصدر التلقي في المجتمع واحد يخضع له جميع أفراد المجتمع ويدينون له بالطاعة وتشكل سلوك المجتمع كله بناءاً على ذلك المصدر، وكان كل فرد في المجتمع له قيمة ودور منوط به فيشعر بقيمته ويساهم بما يُوكل إليه من مهام ولم يكن هنالك فصلٌ في جوانب الحياة التي يعيشونها بين مؤسسات التربية والأسرة والاقتصاد والعبادة بكل كانت كلها موحدة وتمارس في وقت واحد ولم تتعرض تلك المجتمعات لضغوط المدنية الحديثة ولا وسائل الإعلام ولهذا لم تعرف مشكلة الصراع في تكوين الهوية فهويتهم كلهم ذات أصل واحد يشتركون فيه ولا يشذ عنه أحد ولو حدث ذلك فإن المجتمع يمارس قوانين ضبط لتعيده للتوافق مع مجتمعه، أو نفيه منه في حالات نادرة تأبى.

ومن هنا يتضح لنا عدة أمور في الإجابة وهي:
1- المجتمع كله متضامن ومتفق على هوية واحدة ومصدر التلقي لديه واحد.
2- كل فرد يشعر بقيمته وأنه يؤدي وظيفة في الحياة من خلال مشاركته في العمل والإنتاج مهما كان بسيطاً.
3-لم تتعرض تلك المجتمعات لضغوط الحضارة المدنية المعاصرة.
4- مؤسسات المجتمع كلها مجتمعة ولا يوجد فصل بين مؤسسات التربية عن الأسرة ويشتركون في النمط الاقتصادي.

أما في عصرنا الحاضر فإن مشكلة البحث عن الذات تُعدّ من أهم المشكلات التي قد يمر بها الشاب في ظل التغيرات التي تصحب مراحل نموه وتكوين نظرته للحياة مع الصراع بين ما يتعلمه من مبادئ وأخلاق وبين ما يواجهه في واقع الحياة وهذا قد يتطور لدى البعض ليصبح صراعاً يحتدم في نفسه ويبقى سنوات حتى يستطيع أن يتجاوزه خاصة إذا افتقد التنشئة الصحيحة ولم يُوفق بقدوة عملية تمثل مبادئ الإسلام ليراها واقعاً يمكن أن يعيشه.

وقد يتطور بفعل ضغط الإعلام لأزمة هوية وهي ضمن المشكلات المصنفة نفسياً التي يقوم التوجيه والإرشاد النفسي بوضع طرق لعلاجها وتجاوزها.

فما هي الأسباب التي جعلت هذه المشكلة الصغيرة التي يمر بها الشاب تتحول إلى أزمة،هنالك عدد من الأسباب من وجهة نظري يمكن أن نستخلص شيئاً منها من المظاهر السابقة مثل:
1- ضعف التربية الإيمانية وعدم معرفة كثير من النشء للتصور الإسلامي للحياة والوجود.
2- طبيعة تكوين النفس الإنسانية وعوامل الصراع مع الشيطان.
3- تأخر الأسرة عن القيام بدورها المنوط بها في تكوين شخصية أبنائها.
4- عجز المدرسة والمؤسسات التربوية في شكلها المعاصر عن إشباع حاجات النمو التي تهيئ التوازن لعناصر الشخصية.
5- عدم شعور الشباب بقيمتهم وأهميتهم في الحياة وتعطيل دورهم عن المشاركة في المسئولية حتى ينتهوا من التعليم الجامعي؛ مما يؤدي إلى شعورهم بالتهميش.
6- قوة الزخم الإعلامي وما يروجه من أنماط جديدة للحياة.
7- ضغط العولمة على المجتمعات النامية.
8- سرعة التحولات الاقتصادية.
9- ظهور ما يعرف باقتصاد المعرفة وما يتبع ذلك من أثر على سلوك الشباب وتوجهاتهم نحو مستقبلهم؛ وقد يتساءل بعضهم لماذا نتعلم ونتعب ونحن نستطيع من خلال نجومية الإعلام الجديد على أن نحقق أفضل مما نحققه في العمل الجادّ؟
10- سيطرة الشركات العالمية العابرة للقارات وممارستها الضغط على شعوب العالم.
11- عجز العالم العربي عن المنافسة وتشتته وعدم اجتماع كلمته.
12- انتشار الترف في بعض المجتمعات.
13- تدني مستوى المعيشة وزيادة الفقر في مجتمعات أخرى.
14- ارتفاع مستوى البطالة لدى الشباب بنوعيها الحقيقية والمقنعة.
15- انتشار التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي وسهولة الانفتاح على الآخرين وهذا التبادل الثقافي سلاح ذو حدين.
16- عجز كبار السن ومؤسسات التعليم في العالم العربي عن مواكبة التغيرات التقنية السريعة وظهور لغة جديدة لدى الشباب ومصطلحات يومية لا يستوعبها الكبار.
17- ظهور وسائل جديدة وسريعة للشهرة.
18- تحقيق بعض الشباب مصادر دخل والإثراء السريع من العمل في التقنية فتح باباً جديداً للطامحين وما قد يصاحب ذلك من إشكالات شرعية واجتماعية.

تكوين الهوية فطرة أم صراع نفسي أم أزمة حضارية:
يقول أحد علماء النفس المسلمين المعاصرين: (إن المراهقة ليست بالضرورة مرحلة أزمة وعاصفة، إنها تتحول إلى عاصفة وشدّة إذا أراد لها المجتمع ذلك)[30].

وفي كتاب أشهر خمسين خرافة في علم النفس سجل المؤلفون الخرافة رقم 7 تحت عنوان: (المراهقة هي حتماً مرحلة اضطراب نفسي). وعزا هذا الفهم الخاطئ إلى ما أسماه علم النفس الشعبي الذي تتناوله الكتب التجارية والأفلام التي تعزف على السلوك الشاذ يقول في معرض هذا: (ولأن الكتب والأفلام تركز على حكايات المراهقين المضطربين أكثر بكثير من تركيزها على المراهقين الأسوياء إذ أنه من غير المحتمل أن يصنع فيلم من أفلام هوليوود يتحدث عن مراهق سوي تماماً قصة مشوقة، ناهيك عن أن يحقق إيرادات ضخمة.. )

(وقد ذكر بعض الباحثين أن مدرسة التحليل النفسي كانت سبباً في شيوع هذا الفهم لدفع المراهقين إلى وحل الجنس وتبعتها المدرسة السلوكية في مرحلة تالية.

إن الأدلة تتوافر على أن الكُتاب بالغوا في كثرة أزمات الهوية وخطورتها بين الشباب. كما قاله جمع من الباحثين النفسيين في جامعة هارفرد وجامعة كالفورنيا وجامعة كلورادو..

ولذلك توصل بعض الباحثين المسلمين إلى أن أزمة الهوية المنتشرة إنما هي أزمة المراهق الأمريكي في الدرجة الأولى.. تنتقل إلينا عبر وسائل العولمة والضخ الإعلامي وللأسف عبر بعض المختصين الذين لا يحسنون سوى النقل عن الدراسات الأمريكية.. ) [31]

ولهذا أؤكد في هذا البحث على أن مشكلات تكوين الهوية لدى الشباب هي مشكلات صراع حضاري قبل أن تكون صراعاً نفسياً وكلما كان المجتمع ذا مناعة أكبر كلما قلت معاناة الشاب في أثناء رسمه لملامح شخصيته وتكوين هويته.

وهنا قضية مهمة يجدر بنا أن نتنبه لها حينما نتحدث عن تكوين الهوية وأهمية بناءها بطريقة سوية أن بعض علماء النفس قد عدّها ضمن الدوافع النفسية: (بل ذهب بعضهم مثل إيرك فروم إلى القول بأن بعض الدوافع النفسية والتي يسميها فروم الحاجات النفسية مثل الحاجة إلى الانتماء والحاجة إلى السمو والحاجة إلى هوية والحاجة إلى إطار للتوجيه هي حاجات فطرية أساسية في طبيعة الإنسان وهي ليست مكتسبة من المجتمع... ) [32].

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]