عرض مشاركة واحدة
  #50  
قديم 10-03-2024, 09:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (53)

المال والبنون زينة الحياة الدنيا



من الحكم القرآنية التي جرت على ألسن الناس مجرى الأمثال الحكيمة قوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا}، فتجد كثيرا ما يردد الناس هذه الآية إما في سياق تذكر نعم الله تعالى عليهم حثا لأنفسهم ولغيرهم على شكرها والقيام بحقها، وإما في سياق التحسر على فواتها وخلو النفس منها ورجاء لله تعالى أن يكرمهم بها .
وقد تكرر في القرآن الكريم ذكر المال والبنين في مواضع عديدة، وعند جمع تلك الآيات، والتأمل في تلك المناسبات، مع الرجوع إلى كلام المفسرين المعتبرين يتجلى بعض الفوائد والحكم التي تمس الحاجة إلى معرفتها، ويتأكد العمل بمقتضاها، من تلك الفوائد :
أولاً: الأموال والأولاد رزق من الله عز وجل:
فالله سبحانه وتعالى خالق كل شيء ومالكه ، فهو سبحانه بيده خزائن كل شيء كما قال تعالى: {وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم}، قال الشيخ ابن سعدي: أي: جميع الأرزاق، وأصناف الأقدار، لا يملكها أحد إلا الله، فخزائنها بيده، يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، بحسب حكمته ورحمته الواسعة.
وقال عز وجل: {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير}، قال الشيخ ابن سعدي: هذه الآية فيها إخبار عن سعة ملكه تعالى، ونفوذ تصرفه في الملك في الخلق لما يشاء، والتدبير لجميع الأمور، فالله تعالى هو الذي يعطيهم من الأولاد ما يشاء.
وقال تعالى وهو يعدد نعمه على عباده: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات}، قال الشيخ ابن سعدي: يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم أزواجا، ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولادا تقر بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات، من المآكل والمشارب والنعم الظاهرةـ التي لا يقدر العباد على أن يحصوها.
وقال سبحانه مخاطبا بني إسرائيل: {وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا}، وقال على لسان نوح عليه السلام: {ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا}.
فعلى المسلم أن يسأل الله تعالى من فضله، ويدعوه أن يهب له ما يريد من الأموال والأولاد؛ لأنه وحده القادر على ذلك، فلا يسأل غير الله، ولا يرجو أحدا سواه كما قال صلى الله عليه وسلم : «إذا سألت فاسأل الله».
ثانياً: على المسلم حسن توجيه الأموال والأبناء:
من شكر النعمة العمل بها على ما يرضي المنعم، وعدم صرفها فيما يسخطه، فواجب المسلم أن يحسن تدبير أمواله كسبا وحفظا وصرفا كما قال تعالى:{يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم}، وقال صلى الله عليه وسلم : «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم»، وجاءت نصوص كثيرة في تحريم المكاسب المحرمة ، والتبذير والإسراف في أنفاق الأموال .
وكذلك من واجب المسلم حسن تربية أولاده وتنشئتهم على القيم الكريمة والأخلاق الحميدة التي جاء بها الدين الحنيف، كما قال عز وجل: {يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا}، قال الشيخ ابن سعدي: وقاية الأنفس بإلزامها أمر الله امتثالا، ونهيه اجتنابا، والتوبة عما يسخط الله، ويوجب العذاب، ووقاية الأهل والأولاد، بتأديبهم، وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيمن تحت ولايته وتصرفه.
ثالثاً: الحذر من الاغترار بالمال والبنين:
كثرة الأموال والأنصار - أحيانا - تكون سببا للطغيان وظلم الناس، كما قال عزوجل: {أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات}، قال الشيخ ابن سعدي: أي: أيظنون أن زيادتنا إياهم بالأموال والأولاد دليل على أنهم من أهل الخير والسعادة، وأن لهم خير الدنيا والآخرة، وهذا مقدم لهم؟! ليس الأمر كذلك {بل لا يشعرون}، أنما نملي لهم ونمهلهم ونمدهم بالنعم حتى يزدادوا إثما وليتوفر عقابهم في الآخرة.
ولهذا حذرنا القرآن من ذلك فقال عز وجل: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين}، قال الشيخ ابن سعدي: يخبر تعالى عن حالة الأمم الماضية المكذبة للرسل أنها كحال هؤلاء الحاضرين المكذبين لرسولهم محمد[، كفر به مترفوها، وأبطرتهم نعمتهم وفخروا بها {محتجين} بأنهم ليسوا بمبعوثين، ولو بعثوا فالذي أعطاهم الأموال والأولاد في الدنيا سيعطيهم أكثر من ذلك في الآخرة ولا يعذبهم، فأجابهم الله تعالى بأن بسط الرزق وتضييقه ليس دليلا على ما زعمتم؛ فإن الرزق تحت مشيئة الله فقال: {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون} .
وحقيقة الأمر في هذه المسألة ما قاله تعالى: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}، فالنجاة عند الله تعالى في امتثال أمره لا بالمفاخرة بنعمه.
والمال والبنون مما فطر الإنسان على حبه كما قال عز وجل: {زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة}، إلا أن المسلم يحذر من تفضيل الزينة الفانية على الحقيقة الباقية، قال الشيخ ابن سعدي: أخبر سبحانه عن حالة الناس في إيثار الدنيا على الآخرة، وبين التفاوت العظيم، والفرق الجسيم بين الدارين، فأخبر أن الناس زينت لهم هذه الأمور، فرمقوها بالأبصار، واستحلوها بالقلوب، وعكفت على لذاتها النفوس، كل طائفة من الناس تميل إلى نوع من هذه الأنواع، قد جعلوها هي أكبر همهم، ومبلغ علمهم، وهي -مع هذا- متاع قليل، منقض في مدة يسيرة فهذا {متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب}.
قال القرطبي: قوله تعالى: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا}، وإنما كان المال والبنون زينة الحياة الدنيا لأن في المال جمالا ونفعا، وفي البنين قوة ودفعا ، فصارا زينة الحياة الدنيا، لكن معه قرينة الصفة للمال والبنين; لأن المعنى: المال والبنون زينة هذه الحياة المحتقرة فلا تتبعوها نفوسكم، وهو رد على عيينة بن حصن وأمثاله لما افتخروا بالغنى والشرف، فأخبر تعالى أن ما كان من زينة الحياة الدنيا فهو غرور يمر ولا يبقى ، كالهشيم حين ذرته الريح; إنما يبقى ما كان من زاد القبر وعدة الآخرة، وكان يقال: لا تعقد قلبك مع المال لأنه فيء ذاهب، ولا مع النساء لأنها اليوم معك وغدا مع غيرك، ولا مع السلطان لأنه اليوم لك وغدا لغيرك، ويكفي في هذا قول الله تعالى:{إنما أموالكم وأولادكم فتنة}، وقال تعالى :{إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم}، فواجب المسلم شكر الله تعالى على ما حباه من أموال وبنين، وجعلهما قنطرة إلى الدار الآخرة، {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم}، وبالله التوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]